الجمعة، 31 مايو 2013

وجهات نظر | الإسلام والغرب | Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد

وجهات نظر | الإسلام والغرب | Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد

لإسلام والغرب

تاريخ النشر: الجمعة 31 مايو 2013
يعود التفاعل بين العالم الإسلامي والغرب إلى قرون خلت، ورغم أن نقاط الاختلاف بين الطرفين معروفة، فإن فترات تعايشهما المشترك لم تكن شيئاً غير عادي على مر التاريخ. وقد جاء عصر الثورة في تكنولوجيا الاتصالات ليتيح تصويب الانتقادات وتصحيح الصور النمطية المتبادلة. ويناقش الكتاب الذي نعرضه هنا، وعنوانه «الإسلام والغرب... حوار حضاري»، الكيفية التي تطورت بها العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، ويركز على أن المصالح المشتركة تلتقي وتتباعد، وكذلك احتمالات التعايش السلمي المشترك. والكتاب يضم أوراق الندوة التي نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في مايو 2011، وشارك فيها خبراء ومفكرون بارزون، منهم إغناطيوس غوتيريث دي تيران الذي يتناول «النموذج الأندلسي وسبل توظيفه لتفعيل الحوار الإسلامي المسيحي الحديث». وفي رأيه أن البحث في الحضارة الأندلسية يوفر وسيلة لتعزيز جهود التقارب بين المجتمعات الإسلامية في الشرق والمسيحية في الغرب. فقد ازدهرت الحضارة الأندلسية في شبه الجزيرة الإيبيرية منذ قرون، وربما أمكن استخدام نموذجها العام في العديد من الحالات، بما في ذلك وضع الإطار النظري والعملي لمبادئ هذا الحوار ومحتواه وأهدافه.

وتحت عنوان «رؤى المسلمين لمواقف الغرب من وحدتهم وأثرها في علاقاتهم به من الدولة العثمانية إلى منظمة المؤتمر الإسلامي»، يناقش أحمد علي سالم، أثر وجهات النظر الإسلامية في مواقف الغرب حيال الوحدة الإسلامية، ويبرز أهم تصورات المسلمين حول الغرب في ارتباطها بأربع محطات في التفاعل التاريخي بين الجانبين؛ أولاها استغلال القوى الغربية للامتيازات التجارية التي منحتها الدولة العثمانية لرعايا بعض الدول الأوروبية، والثانية هي الاستعمار الغربي لبلاد المسلمين، والثالثة هي اتهام الغرب بمنع إقامة الخلافة بعد سقوط الدولة العثمانية، أما الرابعة فهي اتهام تلك القوى بإعاقة وحدة البلاد الإسلامية الخاضعة للاستعمار ومنع التقارب بين حكوماتها المستقلة حديثاً.أما حسن حنفي، فيناقش رؤية الغرب حيال الإسلام، موضحاً أن العديد من الأحكام التي أصدرها الغرب عن الحضارة الإسلامية جاءت من منظور صراعي، وقد انعكست في الاستشراق التقليدي والعلوم الاجتماعية الغربية المعاصرة. كما يتناول حنفي الغزو الثقافي الغربي الذي أدى إلى تقسيم الدول والمجتمعات، كما انقسمت الثقافات الوطنية إلى اتجاهين: اتجاه يدافع عن الحداثة وآخر يدافع عن التقليد.
وفيما يخص «وسائل الإعلام الغربية من وجهة نظر العالم الإسلامي»، يشدد صالح محمد النصيرات على أهمية الإعلام، باعتباره الوسيلة الأكثر تأثيراً في الأفراد والمجتمعات والدول. ولذلك فقد تنبهت الدول العظمى منذ وقت مبكر جداً إلى أهمية وسائل الإعلام في تحقيق أهدافها، فخصت مناطق بعينها، ومنها المنطقة العربية، ببثِّ ما ترى أنه مفيد لتحقيق سياساتها وإيصال رسالتها. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أصبحت المعركة بين القوى الغربية وقوى التشدد الإسلامي معركة إعلامية بامتياز، فاستخدم المتشددون الإنترنت للوصول إلى مناصريهم، وكان الرد الغربي بتأسيس شبكات إخبارية غربية جديدة.
ورغم ذلك توضح ميلاني مكاليستر في ورقتها البحثية حول «مفاهيم وسائل الإعلام وتصوراتها الخاطئة»، أن الأفلام الحديثة والتلفزيون ووسائل الإعلام الإخبارية والأدب والثقافة المرئية، تقدم تصورات متنوعة حول الشرق الأوسط، وإن كان من الواضح أنها لا تصب دائماً في مصلحة الإسلام، ثم تتساءل: كيف تعمل التصورات حول الإسلام في الولايات المتحدة؟ ولأي هدف؟
وتحت عنوان «المواطنة الثقافية والتكامل وتمثيل الأقليات المسلمة»، يوضح مصطفى بيومي كيف أن المسلمين الذين يعيشون في الغرب وجدوا أن ولاءهم للدول التي يعيشون فيها أصبح موضع تساؤل منذ هجمات 11 سبتمبر. ولم ينحصر الأمر في التساؤلات حول حقوقهم الشرعية كمواطنين فحسب، بل إن قدرتهم الجماعية ورغبتهم في الاندماج أصبحت موضع شك أيضاً. ويتساءل نادر هاشمي: «لماذا تعد فلسطين المحور الرئيسي في حل إشكالية العلاقة بين الإسلام والغرب؟»، ليتناول قضية الصورة النمطية «البغيضة»، مبيناً كيف أن مجموعة كبيرة ذات رأي مؤثر، اعتقدت -بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر- أن أساس الصراع بين الإسلام والغرب هو الصدام الجذري بين القيم الأساسية لكل من الجانبين، فيما يساور المسلمين قلق عميق حيال جوانب من السياسات الخارجية للدول الغربية الرئيسية، كونها سياسات معادية لحقوق الشعب الفلسطيني.
وحول «المجتمع المدني والحوار بعد 11 سبتمبر»، تنظر ريم سبيلهاوس إلى تطور الارتياب وعدم الثقة بين المسلمين والغرب منذ عام 2001 الذي شكل لحظة مفصلية، حيث تحول التركيز على المهاجرين المسلمين وأحفادهم إلى تحقيقات حول الإسلام وقضايا سياسية لاحقة.
وأخيراً يلقي عبدالعزيز الجبوري نظرة على «آفاق التعايش بين الأمم وإشكاليته»، ليوضح كيف أن تأثير العولمة اجتاح الأوساط السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى السلوكية والأخلاقية، وكيف أنها شملت النظم الحياتية للأفراد والجماعات والمجتمعات الإنسانية كافة.
محمد ولد المنى
---------
الكتاب: الإسلام والغرب.... حوار حضاري
المؤلفون: جماعة
الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
تاريخ النشر: 2013

3336 سؤالاً في كتب التربية الإسلامية.. ما الفائدة منها؟! - (5) | جريدة القبس

3336 سؤالاً في كتب التربية الإسلامية.. ما الفائدة منها؟! - (5) | جريدة القبس
 التربية الإسلامية في الكويت

3336 سؤالاً في كتب التربية الإسلامية.. ما الفائدة منها؟! - (5)

تم النشر في 2013/05/29
إعداد د. فوزي أيوب - (باحث تربوي أستاذ في الجامعة اللبنانية)
في إطار الدراسات العلمية التي قدمتها القبس حول التعليم في الكويت: الخلل في المناهج (2002)، المناهج الكويتية أمام ساعة الحقيقة (2003)، التعليم في أزمة (2012)،  المعلم في الكويت: واقعه.. إعداده.. دوره، (يناير2013)، تواصل حلقات دراستها العلمية الموسعة، لقناعتها بأن أي إصلاح حقيقي، وتنمية مستدامة، يبدآن من التعليم ويستندان إليه. وفي الحلقة الجديدة من الدراسة الموسعة، تتناول القبس مناهج التربية الإسلامية في الكويت. بعدما تناولت مناهج الاجتماعيات، واللغة العربية.
يعتمد تقويم التحصيل التعليمي للتلاميذ في مقرر دراسي معين، بشكل أساسي، على مدى نجاحهم في الإجابة عن أسئلة متعددة الأنواع (شكل السؤال) والمستويات (المستوى الفكري للسؤال).
لذلك ليس من المبالغة القول إن السؤال هو لب عملية التقويم التربوي، وهو العنصر الذي يكشف عن مدى التعمق في المادة الدراسية، ومدى صعوبة المضمون الدراسي وملاءمته لقدرة المتعلم الذهنية، ولكي يكون السؤال مجدياً فلا بد أن تتوافر له شروط خاصة، بعضها يطول شكل السؤال وصياغته اللغوية ووضوحه والمطلوب فيه، وبعضها يطول المستوى الفكري للسؤال وملاءمته لأعمار التلاميذ وصحة مضمونه العلمي.. الخ.
في تقويمنا للأسئلة الواردة في دروس التربية الإسلامية في الكويت نلتفت خصوصاً إلى معيار شمولية الأسئلة، أي توافر عدد كافٍ منها، وإلى التوازن بين أنماط الأسئلة أو أشكالها، إضافة إلى المستوى الفكري الذي تصدر عنه الإجابة الصحيحة عن السؤال، وإلى طبيعة المضمون التربوي للأسئلة وابتعاده عن مناحي الخلل المتنوعة. فإلى أي مدى تلتزم أسئلة مقرر التربية الإسلامية في الكويت بالمعايير التربوية المذكورة؟
قبل ذلك نشير إلى انه بالنظر إلى ضخامة كمية الأسئلة المطروحة في الكتب، فقد اكتفينا بعيِّنة منها - على سبيل النموذج.
تضم كتب التربية الإسلامية في الصف الثاني الابتدائي (ك 57) وفي الصف الثاني المتوسط أو الصف السابع (ك 66 + ك 67) والصف الثاني الثانوي أو الصف الحادي عشر (ك 72) الأسئلة - موضوع البحث.
أ - أنماط الأسئلة وتوازنها
بعد قراءة أسئلة عينة الكتب المختارة وفحصها بدقة، أمكن توصيف أنواع الأسئلة (أنماطها) وفق ما يظهر من خلال الجدول رقم 1 .
 يشير الجدول  إلى أن العينة المختارة لكتب التربية الإسلامية (ثلاثة صفوف دراسية) تشتمل على 834 سؤالا، وهذا يعني أن حجم الأسئلة المطروحة كبير، بل وزائد في بعض الحالات. ووفق هذا المعدل، فإن الحجم النهائي لأسئلة التربية الإسلامية في كل الكتب والسنوات الدراسية هو افتراضيا 3336 سؤالا، ولاشك في أن تلميذا يجيب إجابة صحيحة عن هذا الكم من الأسئلة سيكون ملما بتفاصيل ومفاهيم التربية الإسلامية إلى حد بعيد.
ومن حيث نوع السؤال في كتب العينة المختارة، فإن حوالي نصف الأسئلة المطروحة هو من نوع سؤال المقال الذي يتطلب إجابة كتابية قصيرة، أو وسط، أو طويلة تبعاً لحجم الإجابة المطلوبة. فالجدول يبين أن 47% من أسئلة التربية الإسلامية هي أسئلة مقال يقع معظمها في خانة المقال القصير (%35 من مجمع الأسئلة) مقابل %10 لأسئلة المقال الوسط، و2% فقط لأسئلة المقال الطويل الذي تتطلب الإجابة عنه صفحة وما فوق.
ومن أسئلة المقال القصير ما جاء في كتاب الصف الثاني الابتدائي: أنظر إلى هذه الصورة، ووصف الموقف الذي تعبرِّ عنه (ك 58 – ص 59 – س 1)، أو ما جاء في كتاب الصف الثاني المتوسط:
بيِّن الحكم الشرعي لمن أنكر شيئا من الغيبيات التي أخبر بها الشرع مع التحليل (ك 66 – ص 22 – س 3).
أما أسئلة المقال المتوسط الحجم فقد بلغت 10% من مجموع الأسئلة ويقع السؤال الواحد منها في حدود صفحة واحدة، ومن أمثلتها ما يأتي: أثبت بالدليل العقلي أن القرآن الكريم من وحي الله تعالى (ك 66 – ص 61 – س 4). أما أسئلة المقال الطويل، التي تتطلب الإجابة عنها أكثر من صفحة، فلم تتجاوز %2 من مجموع الأسئلة وهي لا تظهر إلا في التعليم الثانوي. ومن الأمثلة عليها ما يلي: «أذكر الفرق بين الثابت والمتغير، موضحا أساليب أعوان التغريب في مواجهة الثوابت الأصيلة والدافع وراء محاولاتهم، والنتائج المترتبة عليها» (ك 72 – ص 104 – س2). وبالنسبة للأسئلة الموضوعية التي تتطلب إجابات دقيقة وموجزة فقد بلغت نسبتها %29 من مجموع أسئلة التربية الإسلامية.
وجاءت أسئلة الصواب والخطأ في طليعة الأسئلة الموضوعية مع نسبة %14 من إجمالي الأسئلة. ومن نماذج الصواب والخطأ ما يلي: ضع علامة (✓) مقابل العبارة الصحيحة في ما يلي:
- أكد الإسلام حرية الاعتقاد (         )
- لم يقرر الإسلام حرية التعبير (         )
- الإسلام دعا إلى الانتفاع بما في الأرض من ثروة (ك 72 – ص 76 – س ب).
بعد أسئلة الصواب والخطأ، التي هي الأساس في الأسئلة الموضوعية، تأتي أسئلة التكميل وملء الفراغ التي تستقطب 6% من إجمالي الأسئلة، وتسير وفق النموذج التالي: وملء الفراغات الآتية: أول من آمن بالنبي (صلى الله عليه وسلم) من النساء........... ومن الرجال ........... ومن الصبيان........... (ك 67 – ص 69 – س1).
أسئلة الاختيار
وفي المرتبة الثالثة بعد أسئلة الصواب وملء الفراغ يأتي سؤال الاختيار بين إجابات متعددة، ومن الأمثلة على هذا النمط من الأسئلة ما جاء في كتاب الصف الثاني الابتدائي (ك 57 – ص 25 – س ا):
- ضع دائرة حول كل أسم من أسماء القرآن الكريم:
 الذكر- الكتاب - العلم - النعيم - الفرقان.
تكثر أسئلة الاختيار من متعدد في المرحلة الابتدائية إذ تبلغ نسبتها %20 من أسئلة كتاب الصف الثاني الابتدائي مقابل ما نسبته %2 فقط في التعليم المتوسط والثانوي وهذا أمر طبيعي لأن سؤال الاختيار يتصف بالسهولة ويلائم التلميذ الصغير عادة.
وفي المرتبة الرابعة من حيث قوة الحضور في الأسئلة الموضوعية نجد سؤال الربط أو المطابقة (%3 من الأسئلة) وهو، كسؤال الاختيار من متعدد، يظهر أساسا في التعليم الابتدائي ويتراجع بعد ذلك (راجع الجدول). ومن نماذج سؤال المطابقة، ما جاء في (ك 57 – ص 17) وفق ما يلي:
- صل بين القائمتين «أ» و «ب» فيما يأتي:
القائمة «أ»
1 – الكلمة الطيبة تدخل صاحبها
2 – الكلمة الخبيثة تدخل صاحبها
القائمة «ب»
النار
الدار
السوق
الجنة
وإلى جانب أسئلة المقال والأسئلة الموضوعية نقع على نمط ثالث هو عبارة عن تشكيلة متنوعة من الأسئلة التي تستقطب 23% من مجموع أسئلة التربية الإسلامية في الكويت وفي طليعتها أسئلة التحديد والتسمية التي هي عبارة عن جملة أو فقرة في الغالب. تبلغ نسبة أسئلة التحديد 18% من الأسئلة كلها وهي نسبة كبيرة كما نلاحظ. ويمكن اعتبار سؤال التحديد سؤال مقال وجيز أي انه مختصر جدا، وهذا النمط  من الأسئلة له حضور في كل مراحل التعليم وهو يكثر في التعليم المتوسط أولاً ثم في الابتدائي، وبعد ذلك في الثانوي (راجع الجدول)، والأمثلة  على سؤال التحديد كثيرة نذكر منها ما يأتي: حدد معنى الغيب لغة وشرعاً (ك 66ــ ص22).
الأسئلة الشفوية
بعد اسئلة التحديد تبرز الاسئلة الشفوية التي تشكل ما نسبته %30 من اسئلة التربية الاسلامية في العينة المختارة، وهي تتركز في دروس التعليم الابتدائي بشكل خاص، نظراً لاهمية المحادثة عند الولد وعدم قدرته على الكتابة الصحيحة في بداية التعليم الابتدائي، وحتى لو كانت الاسئلة الشفوية مطروحة في المرحلة المتوسطة والثانوية، فإن وجودها يساعد على التفاعل الحيوي بين التلاميذ والمعلم ويشجع التلميذ على روح المبادرة والمشاركة عندما يجيب شفوياً عن السؤال المطروح: أجب شفوياً عما يأتي: ما معنى «الله معنا»: (ك 57 ــ ص11 ــ س1).
سؤال البحث
وبين الانواع المتنوعة للاسئلة يبرز سؤال العمل البحثي الذي يتطلب نشاطا توثيقياً او عملاً ميدانياً يحتاجه تلميذ المرحلة الثانوية، وكذلك المتوسطة الى حد ما، ومن امثلة سؤال البحث ما يرد في (ك 27 ــ ص135 ــ ص7) وفق الآتي:
ــــــ ارجع الى كتاب الاحوال الشخصية في التشريع الاسلامي للدكتور احمد الغندور للبحث عن الحقوق الآتية مع بيان معانيها والحكمة منها وادلة مشروعيتها (المهر ــ النفقة ــ تأديب الزوجة بالمعروف).
غياب غير حميد
بعد استعراض صورة انواع الاسئلة المستعملة في دروس التربية الاسلامية في الكويت، وتحديد ثقل كل نوع منها يمكن القول ان هناك توازناً محدوداً بين انماط الاسئلة مما يقتضي تعزيز حضور بعض اشكال السؤال وتقليل حضور اشكال اخرى.
فمن الافضل تربوياً ان يكون حضور اسئلة المقال مساوياً لحضورالاسئلة الموضوعية، خاصة ان اسئلة التحديد والتسمية يمكن ان تدخل في نطاق الاسئلة المقالية، باعتبار التحديد شكلاً من المقال الوجيز (أو الشديد الاختصار)، ويقتضي التوازن الطبيعي لانماط الاسئلة ان تشكل اسئلة المقال ثلث الاسئلة وكذلك الاسئلة الموضوعية بينما يذهب الثلث الباقي للاسئ‍لة التطبيقية (بحث، عمل ميداني، مقابلات...) وللاسئلة الشفهية.
فالمناهج التربوية الحديثة تتجه صوب التركيز على الاسئلة العملية والبحثية والتطبيقية على اساس ربط العلم والتعليم بالواقع العملي، وبالحياة، بصورة عامة، وهو ما لا يبرز في نظام الاسئلة الخاص بمقررات التربية الاسلامية في الكويت، لان الاسئلة التطبيقية والنشاطات العملية تكاد تكون غائبة عن هذه المقررات.
ب ــــ المستوى الفكري للاسئلة‍
وجدنا ان تصنيف اسئلة التربية الاسلامية بحسب نوع السؤال او نمطه قد اظهر نتجية مقبولة بوجه عام، الا انها تشكو من بعض الثغرات الواضحة، فهل الامر يختلف عندما نقوم بتصنيف الاسئلة على اساس المستوى الفكري المطلوب للاجابة عنها؟ والمسألة الاساسية هنا تدور حول مدى قابلية الاسئلة المطروحة لتنمية قدرات التلميذ على الفهم والتطبيق والتحليل، بدل التركيز على تنمية قدراته على الحفظ والتذكر وتكرار المعلومات لديه.
والمقصود بالمستوى الفكري للسؤال هو نوعية الجهد الفعلي الذي يجب على المتعلم ان يحركه او يستعمله للاجابة الصحيحة عن السؤال المطروح، وقد بات معروفاً في الاوساط التربوية في العالم ان سلم القدرات الفكرية المتدرجة عند الفرد، كما حددها بنيامين بلوم (Benjamin  Bloom) صاحب نظرية تصنيف الاهداف التربوية (Taxonomie Of Educatiom Objectives)  بتدرج وفق المستويات الذهنية التالية: (1 ).
ـــــ مستوى حفظ المعلومات وتذكرها كأن يحفظ موجبات الافطار.
ـــــ مستوى فهم المعلومات واستيعابها كأن يلخص التلميذ نصاً معينا.
ـــــ مستوى التطبيق كأن يحدد التلميذ عملياً كيفية ازالة النجاسة عن الثياب او تأدية صلاة العصر في مسجد المدرسة.
ـــــ مستوى التحليل كأن يستخلص التلميذ العوامل التي ساعدت على نصر المسلمين في معركة بدر، او يبين تأثيرات دخول خالد بن الوليد في الاسلام، والوجه المعاكس للتحليل (Analysis) هو التركيب او التوليف (Synthesis).
ـــــ مستوى التقويم وهو يعني ابداء الرأي المعلل او اصدار حكم بناء على معطيات واضحة، كأن يقوّم التلميذ دور منظمة المؤتمر الاسلامي في خدمة قضايا المسلمين في العالم، وتدخل المقارنة بين امرين او ظاهرتين في اطار التقويم.
ولتسليط الضوء على قضية المستوى الفكري لأسئلة التربية الاسلامية بصورة موضوعية كان لابد من استخراج المعطيات الكمية والنوعية الخاصة بمستوى الاسئلة وهو ما يتحقق من خلال الجدول الاحصائي رقم 2.
حفظ المعلومة حرفياً
يتبين من جدول المستوى الفكري للاسئلة ان هنالك سيطرة شبه كاملة لأسئلة الحفظ والتذكر على سائر المستويات الفكرية الاخرى للاسئلة، لأن هذا المستوى يظهر في %70 من اسئلة التربية الاسلامية وهو ما يشكل مقارنة لافتة للنظر وممتلئة بالدلالات التربوية. فسؤال الحفظ لا يتطلب جهداً فكرياً عميقاً من التلميذ، وهو يسير على المنوال التالي:
- التوكل على الله هو.. ماذا تقول عند الخروج من البيت؟
- وظيفة ميكائيل (عليه السلام) هي.. إلخ.
فإذا كان المطلوب من التلاميذ في مقرر التربية الاسلامية تشغيل عقولهم بدرجة منخفضة جداً وقائمة على حفظ المعلومات فإن ذلك يدل على وجود مشكلة كبيرة في هذا المقرر طالما أن مؤلفي نصوص التربية الاسلامية يلحون على حشو عقل التلميذ بالمعلومات بدل ان يركزوا على تشغيل عقل التلميذ بصورة نشيطة أو عميقة.
وفي أحيان كثيرة، نجد ان المؤلفين يريدون من التلميذ ان يحفظ المعلومة الدينية بصورة حرفية وكأن اي فكرة ذاتية قائمة على التساؤل والتحليل والمقارنة والتقويم هي فكرة مشبوهة أو غير مستحبة في احسن الاحوال، إن أي افكار صادرة عن المتعلم نفسه حول الموضوعات الدينية تصبح أفكاراً غير مفيدة ولا محل لها في قاموس المؤلفين، الذين يريدون عبارات وكلمات بعينها وحرفيتها عند الاجابة عن الاسئلة، وهو مايشير الى وجود نزعة تلقينية «ببغاوية» عند المؤلفين تظهر مراراً وتكراراً في الاسئلة الواردة في دروس التربية الاسلامية.
ولعل مما يدعم النقد الذي نوجهه اننا لاحظنا وجود تشديد مستمر عند واضعي الاسئلة من المؤلفين على عدم ابداء التلميذ لأي رأي شخصي في معالجة اي موضوع او مسألة مطروحة أو سؤال.
ومن الامثلة على ذلك ما يلي:
1 – ارجع الى كتاب «حقوق المرأة في الزواج للشيخ محمد الغروي لإعداد بحث عن حكم المغالاة في المهور ( ك72 – س12).
وتعليقنا على سؤال كهذا هو ان البحث بطبيعته عمل فكري استقصائي حر يعبِّر الباحث فيه عن شخصيته وقدرته الذهنية، فلماذا نحصر الطالب بمرجع معيَّن وشيخ معين للقيام ببحث عن موضوع المغالاة في المهور؟ لماذا لا نقول له ابحث في هذا الموضوع مستعيناً بما تيسر لك من مراجع ومصادر؟ لماذا لا نترك للطالب قليلاً من الحرية في البحث والتفكير، ونمنعه من التعمق في اي مسألة دينية مفضلين تقييده ضمن اطار محدد سلفاً، وغالباً ما لا يكون فيه شيء من التجديد او الرؤية المختلفة؟
2 – للعلماء تعريفات لتوضيح الفرق بين القضاء والقدر، ناقش هذه العبارة في ضوء دراستك للموضوع مع استيعاب كل ما ورد في ذلك (ك72 – ص55 – س2)
وتعليقنا على هذا السؤال هو انه سؤال يسعى واضعه الى تقييد الطالب الى اقصى حد ممكن لمنعه من ان يستعمل عقله بصورة حرة او مستقلة. فمن الممكن ان نطلب من الطالب مناقشة التعريفات الخاصة بالفرق بين القضاء والقدر، وعند ذلك يمكنه ان يرجع الى النص او الى مراجع اخرى، او الى الانترنت، او الى اشخاص من حوله، فلماذا نقيده دائماً بالنص ثم نزيد ع‍لى ذلك بمطالبته «باستيعاب كل ماورد في ذلك» اي ان لا يخرج قيد انملة عن الدرس، وكأن درس التربية مقدس مثل النص القرآني؟
3 – الجن له اقسام. ناقش هذه الحقيقة في ضوء دراستك (ك72 – ص25 – س5)
فلماذا النقاش مشروط دائما بشيء آخر هو الدرس؟ ألا يمكن مناقشة المسألة المطروحة من خارج الدرس ايضاً؟! ماذا لو كانت عند الطالب الذي أصبح في المرحلة الثانوية نظرة اعمق الى الموضوع مستمدة من نصوص اخرى او من مصادره الخاصة؟ لماذا نطلب من التلميذ ان يناقش ولا نترك له الحرية في النقاش؟
4 – وضِّح من خلال فهمك للدرس طرق استعمال الوقت بما هو نافع (ك66 – ص184).
حتى التوضيح يجب أن يكون من خلال الدرس ولا يحق للتلميذ المسلم أن يتجاوز النصوص حتى من باب التوضيح. المؤلف لا يقبل من التلميذ أن يوضح كيفية الاستخدام النافع للوقت بناء على فهمه للموضوع، بل فقط من خلال ما هو مكتوب له في النص التعليمي.
حفظ الإجابة
إن منهجية طرح أسئلة التربية الإسلامية تشكو من جمود تربوي ملحوظ، كما يتضح من جدول المستويات الفكرية لهذه الأسئلة، فمن بين كل أربعة أسئلة مطروحة يتوجب على التلميذ أن يحفظ الإجابة في ثلاث حالات، وأن يفهم الموضوع في حالة واحدة لا أكثر، مما يشير إلى أن مادة التربية الإسلامية هي مادة تلقينية بامتياز، وأنها لا تخاطب عقل المتعلم الكويتي إلا في حدود ضيقة مركزة على المستوى الأدنى من تفكير التلميذ، ألا وهو مستوى حفظ المعلومات واسترجاعها عند الطلب. من جهة أخرى، لم يلتفت المؤلفون في هذه المادة الدراسية المهمة إلى أسئلة التطبيق والتحليل والتقويم التي تتطلب تشغيل المستويات العليا من التفكير إلا في حدود %4 فقط من مجموع الأسئلة ومستوياتها الفكرية. فلم يظهر الجانب التطبيقي العملي في الأسئلة إلا في %1 فقط من الأسئلة وفق ما يلي:
ــــ اجمع صوراً تعبّر عن مظاهر حسن الخلق وألصقها (ك57 – ص81 – س4).
أما أسئلة التحليل Analysis فلم تتجاوز %2 في مجموع الأسئلة، ومن الأمثلة عليها ما يلي:
ــــ من خلال فهمك للدرس ضع خطة لبناء مستقبلك العلمي، مستعيناً بمراحل بناء الخطة (ك67 – ص141 – س3).
كذلك لم تظهر أسئلة التقويم إلا سبع مرات (في أقل من %1 من الأسئلة) ومن أمثلة مستوى التقويم في السؤال ما يأتي:
ــــ ما رأيك فيمن يذهبون إلى زيارة المريض في بيته من دون موعد مسبق؟ (ك57 – ص89 – س1).
خلل في المنهجية
إن هذا الخلل الواضح في منهجية طرح الأسئلة في مقرر التربية الإسلامية يشير إلى وجود أزمة في الوظيفة التربوية المرجوة من تعليم هذا المقرر، الذي يتحول في مضمونه إلى عملية تحفيظ دؤوبة للنصوص الدراسية من دون أي تفاعل من جانب المتعلم نفسه. وكأن المؤلفين ينظرون إليه بصفته وعاءً يملأونه بما يشاؤون من نصوص وأفكار وتوجهات.
أين المشكلة؟
ولا يعني نقدنا لطغيان أسئلة الحفظ في التربية الإسلامية أننا ضد كل شكل من أشكال حفظ المعلومات وتخزينها، فالتلميذ يحتاج إلى حد أدنى ضروري من المعلومات والمعارف المخزونة في ذاكرته قبل أن يتمكن من الفهم والتحليل والتطبيق والتقويم، ولكن المشكلة تبرز عندما تزيد نسبة الحفظ كثيراً على حساب المستويات الذهنية العليا، فالمتعلم لا يفهم موضوعاً معيناً من دون أن تكون لديه معلومات مسبقة عن هذا الموضوع، وهو لا يستطيع تطبيق ما يعرفه إلا إذا فهم ما يريد تطبيقه، ولا يستطيع أن يحلل ظاهرة قبل أن يكون قد فهمها نظرياً وعملياً، ولا يستطيع تقويم أمر أو عمل ما وإعطاء رأي أو حكم موضوعي بشأنه قبل أن يكون قد مر بالخطوات الأربع السابقة لمستوى التقويم.
ورغم أهمية المعلومات والحفظ فإن من الخطأ المبالغة فيها وإشغال التلميذ بها، خصوصاً عندما يتطلب الأمر حفظ أجزاء من النص بصورة حرفية بدل التركيز على معنى النص ودلالته.
وهكذا، فقد جاءت صياغة أسئلة التربية الإسلامية صياغة مغلقة في أحيان كثيرة بحيث تتطلب إجابات حرفية من الدرس ولا تتيح للتلميذ غير التسليم الأعمى بمضمون النص من دون الحاجة إلى تفكير معمق أو اجتهاد شخصي في الإجابة.
إن سعي المؤلفين إلى تقييد المتعلم بحرفية النصوص والدروس يحول النص إلى غاية بحد ذاته، وهذا توجه متعارض مع التربية الحديثة التي تجعل من المتعلم محور العملية التربوية وتجعل من النص مجرد وسيلة لتنشيط التفكير ورفع مستواه عند المتعلمين. فكثير من الأسئلة لا يتطلب تشغيلاً فعلياً لذهن المتعلم من خلال البحث عن إجابة عن السؤال المطروح، بل إنه يشجع التلميذ على التسليم السلبي بكل شاردة وواردة في النص التعليمي، وقد لاحظنا أنه حتى في حالة أسئلة المناقشة لا توجد فرصة لنقاش حر أو حقيقي، لأن المطلوب إجابات حرفية من التلاميذ.
ج- ملاحظات إضافية
على أسئلة التربية الإسلامية
إضافة إلى تقويم أنماط الأسئلة ومستوياتها الفكرية نتناول أيضاً. بعض المشكلات التي تشكو منها أسئلة التربية الإسلامية في الكويت بدءاً بمشكلة صعوبة السؤال ومروراً بمشكلات عدم الدقة وعدم الوضوح، وصولاً إلى مظاهر من الخلل في صياغة الأسئلة وإخراجها، مع الإشارة إلى أن هذه الملاحظات النقدية للأسئلة ليست شاملة، كما أنها تقتصر على العينة المختارة في كتب التربية الإسلامية في الكويت.
خلاصة
خلاصة القول هي إن مؤلفي كتب التربية الإسلامية في الكويت يلتزمون في الجانب الأكبر من النصوص بمعيار الدقة العلمية للمعلومات المطروحة على التلاميذ، وبما يكمله من معيار الموضوعية في معالجة الموضوعات والقضايا. غير أن هؤلاء المؤلفين يقعون - في جانب من النصوص - في فخ النزعة الذاتية في تناول موضوعات الدروس أو أجزاء منها تخص هذا المفهوم أو ذاك. وقد لاحظنا أن النزعة الذاتية المخالفة للروح العلمية الموضوعية تؤدي غالباً إلى نظرة سطحية لأمور مهمة لا يمكن تقديم إجابات بسيطة أو مجتزأة بشأنها.
الهوامش
 (1) راجع كتاب «طرائق تدريس التربية الاسلامية واساليبها وتطبيقاتها العملية»، تأليف ناصر الخوالدة ويحيى عيد، دار حنين للنشر والتوزيع، مكتبة الفلاح، الاردن، 2001م، الصفحات 143ــ147.
الحلقة السادسة :

قنطرة :: النقاش الدائر حول الشريعة والديموقراطية في أوروبا:هل الشريعة الإسلامية معادية للديموقراطية؟

النقاش الدائر حول الشريعة والديموقراطية في أوروبا:هل الشريعة الإسلامية معادية للديموقراطية؟

الشريعة هي جملة من القواعد والمعايير تحتمل تأويلات متنوعة قد تكون داعمة أو معادية لمزيد من الديموقراطية. بيد أن الباحث الشهير بالدراسات الإسلامية ماتياس روهه يرى في هذه المقالة أن الأحزاب الإسلامية ليست بالضرورة معادية للديموقراطية.

هل ستخيب كل الآمال إذا جرى في ليبيا من الآن فصاعدًا اعتبار القوانين المتناقضة مع الشريعة الإسلامية لاغية وباطلة؟ تشير كل دساتير العالم العربي والإسلامي تقريبًا إلى أنَّ الشريعة الإسلامية معيارُ صحة القوانين. وقوانين العائلة والإرث في ليبيا تعتمد منذ فترةٍ طويلةٍ على المناهج الأساسية للشريعة. إذًا، ما هي الشريعة الإسلامية بالضبط؟
يجري النظر إلى الشريعة الإسلامية في النقاش الغربي وكذلك من قِبَلِ العديد من المسلمين على أنها نقيض نظام دولة القانون الديمقراطي. إلا أنَّ هذا أقل من نصف الحقيقة، ففي المفهوم الواسع الذي يعتمده الكثير من المسلمين، تشمل الشريعة مجمل النظام المعقـَد والمَرِن للغاية للمعايير الدينية الإسلامية والتشريعية وتفسيراتها. تتضمن الشريعة طقوس الفرائض الدينية مثل الصلاة والصيام، تمامًا كما تتضمن معايير قانونية. والقواعد القانونية تتعلق إلى حد كبير بظروف الزمان والمكان التي تطبق بها ولذلك تحتاج إلى التأويل المناسب. أي أنَّ الشريعة ليست بحال من الأحوال كتاب قانون ثابت لا يتغير نـُحتت جميع أحكامه في الحجر.
قلة قليلة جدًا من الأحكام تتناقض بشكل صارخ مع حقوق الإنسان، مثل العقوبات البدنية القاسية أو عدم المساواة في التعامل مع الجنسين ومع الأديان، تمامًا كما كان الأمر على مدى فترة طويلة في أوروبا أيضًا. أما الإعلان في ليبيا عن النية في اعتماد قطاعٍ مالي ذي توجهاتٍ إسلاميةٍ فهو في المقابل أمرٌ عاديٌ جدًا. لا بل وأنَّ منع المضاربة المالية كما ينص عليه القانون الإسلامي قد لقي المديح في صحيفة أوسرفاتوري رومانو وهي صحيفة الفاتيكان اليومية بمنأى عن أي اشتباه بالارتباط بالإسلاموية.
ممارسات خاطئة
الإخوان المسلمون في مصر الصورة د ب ا
"تلقى الأحزاب ذات التوجه الإسلامي إقبالاً واسعًا في الانتخابات الديمقراطية. وتستمد جاذبيتها في الأحياء الفقيرة والمناطق الريفية على وجه الخصوص من نشاطاتها الاجتماعية ومن سمعتها المميزة بعدم انخراطها بالفساد"

على نقيض الممارسات المناهضة للديمقراطية والمنافية لحقوق الإنسان مثل ما يحدث في المملكة العربية السعودية أو إيران هناك تفسيراتٌ أخرى تريد الدفع باتجاه الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان على أساس الشريعة الإسلامية بالذات، فبهذا الأسلوب جرى مثلاً منع تعدد الزوجات في تونس في عام 1956، حيث اعتـُمدت قراءة جديدة للمقاطع القرآنية المتناقضة في هذا السياق. كما وضع المغرب في عام 2004 موافقة الزوجة الأولى شرطًا موجبًا على الأقل.
في ليبيا يجري تسهيل إمكانية تعدد الزوجات الموجودة أصلاً وذلك من خلال إلغاء شرط موافقة الزوجة الأولى، ما يُعدُّ تراجعًا مثيرًا للجدل وتنازلاً للاتجاهات الإسلاموية. إلى أين المآل إذًا في شمال أفريقيا؟ لا أحد يعرف الجواب على وجه اليقين حاليًا؟
تلقى الأحزاب ذات التوجه الإسلامي إقبالاً واسعًا في الانتخابات الديمقراطية. وتستمد جاذبيتها في الأحياء الفقيرة والمناطق الريفية على وجه الخصوص من نشاطاتها الاجتماعية ومن سمعتها المميزة بعدم انخراطها بالفساد. وتنشأ صراعات سياسية شديدة بين الأحزاب ذات التوجُّه العلماني الشديد والأحزاب ذات الميول الدينية المتشددة، وعلى الأخص بين المتدينين المتطرفين مثل السلفيين من جهة والمتدينين الذين يسعون للديمقراطية ولدولة القانون من جهة أخرى.
حزب العدالة والتنمية التركي نموذجًا
إردوغان الصورة د ب ا
"حزب العدالة والتنمية التركي وعلى الرغم من بعض النكسات في السنوات الأخيرة استطاع في فترة حكمه أن يقدِّم لحماية حقوق الإنسان أكثر بكثير مما قدَّمه الأتتوركيون الذين ادعوا العلمانية والاعتدال طوال عقود"
هكذا يمكن الاستناد إلى "الشريعة" أيضًا لمنع التعذيب ومحاربة الفساد واستبداد الدولة بالمواطنين. جماعة الأخوان المسلمين في مصر تضع الشريعة في برنامجها على قدم المساواة مع الديمقراطية وعلى نقيض الدولة الدينية أو الحكم العسكري. هذا موجودٌ فقط على الورق مبدئيًا. من ناحية أخرى، تتخذ الأحزاب الدينية الكبيرة في شمال أفريقيا حاضرًا حزب العدالة والتنمية التركي نموذجًا لها، فهذا الحزب وعلى الرغم من بعض النكسات في السنوات الأخيرة استطاع في فترة حكمه أن يقدِّم لحماية حقوق الإنسان أكثر بكثير مما قدَّمه الأتتوركيون الذين ادعوا العلمانية والاعتدال طوال عقود. يرى حزب العدالة والتنمية التركي نفسه اليوم على أنه الشبيه الإسلامي لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا.
يكمن وراء هذا صراعٌ اجتماعيٌ أيضًا، فهناك النخب العلمانية في العاصمة التي تناهض قوى ذات توجهات دينية تتمثل في البرجوازية الصغيرة الناشئة والفقراء. كانت هناك دكتاتوريات تبدي الاعتدال ظاهريًا وتبرر تغاضيها المقصود عن انتهاكات حقوق الإنسان بالخوف من أصحاب التوجهات الدينية. بينما ضيَّعت دول القانون الديمقراطية في هذا العالم الكثير من مصداقيتها من خلال تحالفاتها مع هذه الدكتاتوريات على مدى عقود من الزمن. ولذلك لا يمكن قيام إصلاحات على أسس سليمة إلا من الداخل. ومشورة الخارج لا تفيد إلا إنْ طـُلبت من الداخل.
الكثير من الدلائل الحالية تشير إلى توافق واسع في ترسيخ آليات ديمقراطية وحريات مثل حرية التعبير وحرية الصحافة والحماية من تعسّف الدولة حتى من خلال النظام القمعي الذي ما زال سائدًا (في مصر أيضًا). كما تتضمن جداول الأعمال تحسين وضع الفقراء الاجتماعي وحقوق الأطفال وتوفير التعليم وما إلى ذلك.
آفاق مريبة في القانون المدني
ما يدعو أكثر للريبة هي آفاق حقوق المرأة في القانون المدني ودور الدين في الفضاء العام. ولكن على الأقل لا يريد المنتصرون في الانتخابات التونسية بحسب تصريحاتهم أنْ يمسّوا الحقوق الواسعة للمرأة في تونس. بينما لم تبرز خطوات تقدُّم أخرى بعد. أما نقد الدين بالمقاييس الأوروبية فما زال غير ممكنٍ أو خطيرًا على أية حال. الجدير بالملاحظة هنا أيضًا أنَّ نائب رئيس جماعة الأخوان المسلمين مسيحي. وفي البرنامج السياسي يجري تسليط الضوء على مساهمة المسيحيين في إرساء قواعد القيم المشتركة، وهذا جديد ويتجاوز مجرّد التسامح المعهود في الموقف التقليدي بأشواط. زد على ذلك أنَّ جموع الناس في مصر لم تخرج إلى الشارع لأنها متدينة بل ببساطة لأنها مصرية.
ماتياس روه
ماتياس روهه أستاذ القانون المدني والقانون الدولي الخاص. وهو يدير مركز إرلانغن للإسلام والقانون في أوروبا.
إلا أن من يريد تجاوز حدود النخب العلمانية الليبرالية والتأثير على قطاعات واسعة من الشعب سيصعب عليه عدم الاستناد إلى الثقافة الإسلامية والشريعة الإسلامية. لذلك يدعوا المناضلون المسلمون السابقون من أجل حقوق الإنسان مثل شيرين عبادي ونصر حامد أبو زيد لترجمة حضارية لحقوق الإنسان إلى لغة تقاليد التفكير السائدة، جاعلين منها أمرًا "خاصًا" لا مستوردًا.
ليست الشريعة الإسلامية بحد ذاتها هي الكارثة المناخية التي تهدد الربيع العربي فعليًا إنما المزيد من زعزعة الاستقرار في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. وهنا يمكن لأوروبا أن تساعد بشكل فعال يتجاوز المشورة الرخيصة، وذلك من خلال فتح الأسواق الأوروبية أمام بضائع تلك البلدان والاستثمار المستدام هناك.

ماتياس روهه
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011
ماتياس روهه أستاذ القانون المدني والقانون الدولي الخاص. وهو يدير مركز إرلانغن للإسلام والقانون في أوروبا. يمكن الإطلاع على الملاحظات على النص في كتابه "الشريعة الإسلامية. الماضي والحاضر"، الطبعة الثالثة ، الصادر عام 2011 عن دار س. هـ. بِك. "Islamisches Recht. Geschichte und Gegenwart", 3. Aufl., 2011 (C. H. Beck)

الأربعاء، 29 مايو 2013

فلسفة التربية والتعليم عند الحكماء وفي المراكز الأكاديمية المعاصرة (1-8) | أخبار البديل

فلسفة التربية والتعليم عند الحكماء وفي المراكز الأكاديمية المعاصرة (1-8) | أخبار البديل

فلسفة التربية والتعليم عند الحكماء وفي المراكز الأكاديمية المعاصرة (1-8)

مقدمة
يدور البحث حول بيان فلسفة التعليم والتربية عند الحكماء العقليين الإلهيين الذين اعتمدوا على المنهج العقلي البرهاني الميتافيزيقي في تحقيق بحوثهم الفلسفية والأيديولوجية، ومقارنته بالمنهج الأكاديمي المعاصر
والهدف من تدوين البحث هو بيان مذهب الحكماء في التعليم والتربية، وهو المذهب الصحيح والواقعي في نظرنا؛ لأنه قائم على أساس المنهج العقلي البرهاني السليم، من أجل إحياءه من جديد، بعد أن تبنت  المراكز العلمية الأكاديمية المعاصرة في البلدان العربية والإسلامية مذهبا آخر مباينا، بل مقابلا له في التربية والتعليم يقوم على أساس المنهج الحسي الذي فرضه علينا الغرب المادي.
 تتجلى أهمية هذا البحث في أن مسألة التربية والتعليم هي من أهم وظائف المجتمع البشري التي تتم بها فلسفة الاجتماع، والتي تقع في طريق استكمال الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وفي صلاحها و فسادها صلاح المجتمع وفساده، حيث تُشكل عملية التربية والتعليم المنظومة العلمية والأخلاقية للإنسان، التي تنعكس بدورها على سلوكه على المستويين الفردي والاجتماعي، وتُعين مصيره في هذه الحياة وما بعدها.
وسوف نستعرض مسائل هذا البحث في ستة  فصول متتالية:
الأول – بيان تميز المنهج العقلي عن سائر المناهج التحقيقية الأخرى، من حيث كونه المنهج التحقيقي الوحيد الموصل للواقع بنحو يقيني ثابت ومطلق
الثاني – الرؤية الكونية للحكماء عن حقيقة الإنسان ومبدأه ومعاده
الثالث – فلسفة التربية والتعليم عند الحكماء بناء على رؤيتهم الكونية في كون الإنسان حيوان عاقل، وأن نفسه العاقلة المجردة عن المادة،والتي تُمثل حقيقة الإنسان قد تعلقت منذ حدوثها ببدنه المادي، والذي يُعد آلة لاستكمال النفس الفاقدة لكل كمال ثانوي حين نشوئها، كما ثبت ذلك في الفلسفة الإلهية
وفلسفة التعليم عند الحكماء تكمن في تكميل العقل النظري، وفلسفة التربية في تكميل العقل العملي.
الرابع – بحث مقارن بين المنهج التعليمي التربوي عند الحكماء والمنهج المعاصرالمعتمد في الدراسات الأكاديمية.
الخامس – العواقب الوخيمة المترتبة على إقصاء المنهج العقلي من الدراسات الأكاديمية.
الفصل الأول
المنهج المعرفي عند الحكماء
نظرا لغياب لغة التفاهم العقلي وهجر المصطلحات المنطقية المشهورة في التراث العقلي الإنسانى، واستبدالها باصطلاحات خطابية ومجازية فضفاضة ومشتركة، وذلك بسبب هيمنة الاتجاه الحسي المادي على المراكز الجامعية والأكاديمية في الشرق والغرب، والذي قطع علاقته العلمية والفكرية بالكلية مع تراثه الإنسانى العقلي مع بداية عصر الحداثة؛ لأسباب سياسية وأيديولوجية لامحل لذكرها هنا، واستحدث قاموسا جديدا من المصطلحات الفكرية المباينة في المعنى مع المصطلحات المشهورة السابقة في المنطق الأرسطي
ومن جهة أخرى ونتيجة لهيمنة الاتجاه النقلى الإخباري على أغلب المعاهد والمدارس الدينية منذ قديم الزمان وإقصاء المنطق والعلوم العقلية عن ساحة التعليم الديني، فقد أصبح من العسير طرح أي بحث فكري عقلي أصيل بدون تحديد مصطلحاته ومفرداته
وحتى لا يساء فهم البحث عمدنا إلى تقديم هذه المقدمة المنطقية لبيان المصطلحات الواردة ضمن التعرض للمبادئ التصورية للبحث، وهي تتعلق بمحورين، محور منطقي في عملية التفكير أو النشاط العقلي ومحورمعرفي في الفكر أو معطيات عملية التفكير ونتائجها:
المحور الأول: التفكير
نقول: لا ريب أن الإنسان يتميز عن سائر المخلوقات بكونه كائن مفكر بطبعة، والتفكير عبارة عن نشاط ذهني تقوم به القوة العقلية لتوليد الفكر بجميع صوره ومستوياته، ولمزيد من التعرف على طبيعة هذه العمليات العقلية والمسماة بالتفكير، ينبغي الإشارة لعدة أمور:
أولا ـ مراتب الإدراك:
  الإدراك الإنساني له مراتب أربع هي:
1 ـ المرتبة الأولى: مرتبة الإدراك الحسي
حيث يدرك الذهن البشري الصوروالهيئات المتعلقة بالأجسام من الأشكال والألوان والطعوم والروائح والأصوات والكيفيات اللمسية كالحرارة والبرودة.
كل هذه يدركها الإنسان بواسطة الجوارح الخمس التي هي السمع والبصر والشم والذوق واللمس، والتي تتصل مباشرة أو بواسطة الهواء بالأجسام الخارجية، وتنقل أحوالها للنفس عن طريق الأعصاب والدماغ، ولذلك يكون بقاء الصور الحسية في الذهن مرهونا ببقاء اتصالها بالمحسوس في الخارج، بحيث اذا فقدنا الاتصال بالشيء المحسوس لغيابه بسبب صغره او بُعده مثلا او لفقدان آلة الحس فقدنا إمكانية إدراكه حسا.
والحس في الواقع وكما هو ثابت أمين في نقله وليس بحاكم، بمعنى أنه ناقل لحال الأشياء على ما هي عليها في ضمن شرائط الحس، فينقل ما كان كبيرا ضمن شرائطٍ "كبيراً" وينقل ما كان صغيراً في ضمن شرائطٍ "صغيرا"، وإذا اتفق بأن نقل ما كان كبيرا في واقعه صغيرا كما في إدراكنا حسا للكواكب بالعين المجردة فليس لخطأ في الإدراك الحسي بل لتغير ظروف الإدراك، حيث أن الكواكبَ بعيدةٌ عنا، و دور الرؤيا هنا نقل صورة الكواكب كما هي ظاهرةٌ للعين في ضمن ظرف بعدها لا إنها تحكم عليها واقعا وفي نفس أمرها أنها صغيرة.
وأما الحكم عليها بأنها في الواقع كبيرةٌ أو صغيرةٌ، فهذا أمر غير راجع للحس، إذ ليس من شأن الحس الحكم أصلا بل هوأمر راجع للعقل حصرا ومختص به دون سائر القوى والعقل على ما نحن عليه من المثال قد يخطئ لإهماله حيثية البعد مثلا.
 وبالتالي لامعنى لكونه مخطأ أو مصيبا، بل ينقل الأشياء كما وقعت عليه في الخارج، وإنما العقل هو الذى قد يخطئ عند عدم مراعاته قواعد التفكير الصحيح، ويصحح أخطاءه الحسية بعد ذلك بالاستعانة بالحس أيضا، كمعرفته بعد ذلك أن الشمس كبيرة وأن حجمها أضعاف أضعاف حجم الكرة الأرضية، وليست صغيرة كما تبدو لنا.
ولكن علينا أن نعلم أن دائرة إدراك الحس إنما تكون فى حريم العوارض المادية فقط، والتى تتصل بها، كما ثبت فى الفلسفة، ولايمكن أن تتعدى حدودها إلى باطن الطبيعة، فضلا عما وراءها، وهو المسمى بعالم الغيب.
كما أن التجربة الحسية المعتمدة على تكرار المشاهدات الحسية كذلك لاتتعدى ظاهرعالم الطبيعة المادي، ولايمكن الاعتماد عليها فى البحوث التجريدية المتعلقة بالفكر الإنسانى كما ثبت في محله.
2 ـ المرتبة الثانية: مرتبة الإدراك الخيالي
في هذه المرتبة يدرك الذهن أيضا الصور، والهيئات الجسمية التي سبق وأن أدركها الحس وزالت عن مرتبة الحس غير أنها حفظت في الخيال، فله أن يستدعيها ويشاهدها متى شاء ذلك، حتى بعد غيبة المحسوس، وانقطاع الاتصال معه، وهذا هو الذي يميزه عن الإدراك الحسي.
ويعتمد الإنسان على الخيال فى مجال الأدب والدراما والرسم والموسيقى، وسائر الفنون القريبة من الحس، و لا مدخلية له أيضا في العلوم الفكرية العقلية الإنسانية.
المرتبة الثالثة : مرتبة الإدراك الوهمي
وهي المرتبة التي تَدرك فيها النفس المعاني غير المحسوسة الموجودة في المحسوسات المادية إدراكا جزئيا متعلقاً بهذه المحسوسات وبالقياس إليها، مثل حب الأم والأب، وعداوة الذئب للأغنام.
المرتبة الرابعة: مرتبة الإدراك العقلي للمعاني العامة الكلية المجردة عن التجسم والعوارض الجسمانية
كمعنى العدل والحرية والكرامة والإنسانية، هذه المعاني الكلية تسمى بالمعقولات، بإزاء المحسوسات والمتخيلات وهذه المرتبة الرابعة تسمى بالتعقل، وهي التي تميز الإنسان عن سائر الحيوانات.
وبعد بيان مراتب الإدراك الأربع نقول: إن حركة الذهن عند الإنسان قد تكون في الصور الحسية، كالمشاهدات الحسية المتتالية، وقد تكون في الصور الخيالية كتخيل صور الحوادث الماضية، وقد تكون في الصور الوهمية وقد تكون في صور المعقولات الكلية.وهذه الحركة الإرادية في المعقولات الذهنية يسميها الحكماء  بالتفكير، وهي حركة تبدأ من المعلومات الحاصلة في الذهن عندنا بقصد تحصيل المعلومات المجهولة عنا، ومن هنا يتبين أن عملية التفكير تهدف إلى اكتساب المجهول بالمعلوم وبالتالي إنتاج وتوليد الفكر الإنساني.
وهذه الحركة التفكيرية كظاهرة طبيعية، محكومة كغيرها من الظواهر الطبيعية في العالم بقوانين وقواعد علمية طبيعية، قد تم اكتشافها وتدوينها في علم المنطق على يد المعلم والفيلسوف الأول(أرسطو) فى القرن الرابع قبل الميلاد.

مناهج التربية الإسلامية تحتقر العقل وتحاربه ! - (4) | جريدة القبس

مناهج التربية الإسلامية تحتقر العقل وتحاربه! - (4) | جريدة القبس
 التربية الإسلامية في الكويت

مناهج التربية الإسلامية تحتقر العقل وتحاربه! - (4)

إعداد د. فوزي أيوب - (باحث تربوي أستاذ في الجامعة اللبنانية)
في إطار الدراسات العلمية التي قدمتها القبس حول التعليم في الكويت: الخلل في المناهج (2002)، المناهج الكويتية أمام ساعة الحقيقة (2003)، التعليم في أزمة (2012)،  المعلم في الكويت: واقعه.. إعداده.. دوره، (يناير2013)، تواصل حلقات دراستها العلمية الموسعة، لقناعتها بأن أي إصلاح حقيقي، وتنمية مستدامة، يبدآن من التعليم ويستندان إليه.
وفي الحلقة الجديدة من الدراسة الموسعة، تتناول القبس مناهج التربية الإسلامية في الكويت. بعدما تناولت مناهج الاجتماعيات، واللغة العربية.
وسنتطرق في هذه الحلقة الرابعة - من تقويم مناهج التربية الاسلامية في الكويت - الى بعض ما تناولته من المفاهيم والمعلومات المهمة، بطريقة سطحية،‍ وأحياناً بصورة مشوّهة غير صحيحة، تنمّ عن نزعة ذاتية لدى واضعيها.
بالانتقال الى نصوص التربية الاسلامية في الصف السابع (ك66) نقع ايضاً ع‍لى مجموعة من حالات التنافر مع صحة المعلومات أو الموضوعية في طرح القضايا، بدءاً بمعلومة مفادها أن مكونات الهواء والموجات الصوتية لا ندركها بحواسنا وانها جزء من عالم الغيب أو العالم المغيب أو عالم ما وراء المادة (ك66 ص 15). وهذه المعلومة بدائية وتتعارض مع ابسط قواعد الفيزياء الحديثة التي تنظر الى مكونات الهواء والى الموجات الصوتية باعتبارها شكلاً خاصاً من اشكال المادة، كما انها قابلة للقياس الدقيق بواسطة أجهزة خاصة بالحواس وحدها، مع أن المعرفة العقلية الحديثة لا تقتصر على الادراك الحسي الذي يشكل أدنى مستوى من مستويات المعرفة التي تتعداه الى الادراك المجرد بواسطة اللغة من جهة، وبواسطة الرموز الرياضية (Symbols) أو لغة الرياضيات من جهة اخرى، او ما يسمح للانسان بأن يصل الى المعرفة عبر البصيرة (العقل، الوعي، التفكير) ايضاً، وليس عبر البصر والحواس الاخرى فقط.
مفهوم العقل والعاقل
إن المعرفة الرياضية والاحصائية كلها قائمة على الرموز والمجردات المنطقية ولا دخل للحواس في عملها، ثم ان الادراك الحسي (Perception) يتم في الدماغ بصورة آلية (كما في عمليات السمع والابصار والشم والذوق واللمس)، بينما المعرفة العلمية تبدأ بتجاوز المستوى الحسي منذ عمر السنتين عند الاطفال.
ولكل هذه الاعتبارات لا ينبغي افهام التلميذ بأن المعرفة الحسية هي من اختصاص العقل، بينما المعرفة المجردة هي من اختصاص الدين.
ومن باب الدقة العلمية والموضوعية معاً، فإنه يجب عدم النظر بخفة الى مفهوم العقل والعاقل الذي يعرفه المؤلف بأنه «من عرف الخير فطلبه، ومن عرف الشر فتركه..» (راجع ص66 – ص44) فهل ان قادة الغرب الكافر وقادة اسرائيل انفسهم هم بلا عقل لانهم لا يسيرون على طريق الخير للعرب والمسلمين على الاقل؟!
إن العقل هو التفكير المنطقي وكل من يفكر سواء بالخير أو بالشر هو صاحب عقل، لأن ما نراه خيراً قد يراه غيرنا شراً والعكس صحيح  (1)، وقد أوضح علم النفس كيف أ‍ن تفكير الطفل ينمو يوماً بعد يوم ويتدرج من مرحلة حسية إلى مرحلة اجرائية مجردة وصولاً الى المرحلة المجردة عند المراهقين والكبار، اما ماذا يفعل الفرد بتفكيره وذكائه فهذا يرجع الى اخلاقه الشخصية وتربيته وظروف حياته.
من جهة اخرى يقول المؤلف ان «محل العقل هو القلب» (ك 66 ص44)، ثم يضيف بعد سطر واحد ان «للعقل علاقة وثيقة بالرأس الذي به قوى التفكير»، وذلك يناقض المؤلف نفسه في الفقرة الواحدة لان العقل لا يمكن ان يكون في موضعين معاً. إن القول بوجود العقل في القلب يفتقر الى الحد الادنى من المعرفة الطبية والنفسية التي تنظر الى القلب باعتباره مجرد آلة تضخ الدم نحو اعضاء الجسم.
وبفضل تقدم العلوم الطبية والنفسية, أصبحنا نعرف منذ زمن, ان مركز التفكير موجود في الدماغ وتحديداً في القشرة الدماغية التي لا يزيد سمكها عن بضع ملليمترات، وتتم فيها عمليات التفكير والتحليل والفهم، بينما توجد قدرات القراءة والكتابة والذاكرة بأنواعها والادراك الحسي في نقاط اخرى من الدماغ.
تحقير العقل!
وانطلاقاً من النظرة غير العلمية عند المؤلفين الى العقل, فلن يكون من المستغرب ان يتعامل هؤلاء مع العقل البشري باعتباره قاصراً او ضالاً فيتحدثون عن توجيه العقل نحو كذا او كذا، او عن ارشاد العقل، الى كذا, او عن تخبط العقول وقصورها ومحدوديتها, وغير ذلك من مظاهر تبخيس العقل واستصغار شأنه، وهذا كلام غير موضوعي. وغير علمي ايضاً.
التعليم كله يقوم على مخاطبة عقول التلاميذ، ومحاولة تنميتها، إلى ابعد الحدود الممكنة (راجع ك66 – ص46 – 47). {فلماذا يصر المؤلف على محاربة العقل واظهار عجزه امام الناشئة من خلال عناوين مثل «مظاهر عجز العقل»؟ وإن من طبيعة العقل البشري (والعلم أيضاً) انه كان ولا يزال، وسوف يظل يعرف اشياء ويجهل أخرى، لا يلبث ان يدركها كلياً أو جزئياً وما دام الانسان على وجه الأرض فإن معرفته ستبقى نسبية مرتبطة بمكان وزمان وظروف معينة جعلت للعلم تاريخاً يتطور وينمو جيلاً بعد جيل، كذلك يعيب المؤلف على عقل البشر، أن اذواقهم في المأكل والملبس والألوان مختلفة، مع انه ليس للعقل دخل في ميول الناس ورغباتهم (ص46).
من جهة اخرى، يعيب المؤلفون على العقل ألا يدرك الغيبيات مثل معرفة الملائكة والجن والشياطين وغيرها، وهذا العيب صحيح، لأن العلم لا يتخذ من هذه الامور موضوعاً للبحث والنظر، لأنها، وببساطة، غير قابلة للدرس بطرق علمية، وتدخل في عالم الإيمان والدين، وهذا لا يُعاب على العقل، بل هو من دواعي احترامه، احترام العقل والعلم الذي يعرف حدوده ولا يحاول تجاوزها ولا ينسب لنفسه ما لا يستطيع فعله. (ص48).
وفي سياق الملاحظات النقدية على موضوعات الجزء الثاني من نصوص التربية الاسلامية للصف السابع، يمكن ملاحظة مشكلة غنائم الحرب المأخوذة من المقاتلين والكفار من أموال وأسلحة، والتي أصبحت حلالاً على الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأمة المسلمين بعد أن كانت محرمة على من سبقه من الانبياء وأممهم، يقول المؤلف: «كانوا يجمعون (الغنائم) بعد الحرب وينزل الله (تعالى) عليها ناراً من السماء فتحرقها» (ك67 – ص53)، فإذا كان حرق الغنائم مثبتاً دينياً، فإن علينا قبوله كما هو، أما إذا كانت قضية حرق الغنائم تفعيلاً أو شرحاً جاء به المؤلف في معرض الكلام عن حديث جابر بن عبدالله (رضي الله عنه) فإن الموقف يصبح مختلفاً، فهذا الحديث (في ص50) لا يتضمن اشارة إلى عملية احراق الغنائم وبالتالي فإن على المؤلف ان يفسر للتلاميذ هذه المسألة المحيّرة للصغار والكبار معاً.
بانتظار ذلك، وبالعودة إلى صفحات التاريخ، فإننا لا نجد في اي منها ذكراً لحوادث احراق الغنائم بواسطة نار آتية من السماء، بينما نجد أن صفحات التاريخ مليئة في المقابل بعمليات أحداث الاستيلاء على ممتلكات المهزومين ورجالهم ونسائهم واولادهم أيضاً عند نهاية المعركة. إن موضوع غنائم الحرب هذا يحتاج إلى توضيح اكبر وتفسير اكثر دقة على كل حال.
وحرصاً على انسجام الافكار والمفاهيم التي يتم تقديمها للتلاميذ، ودون ان نعطي انفسنا حق التدخل في اي موضوع ديني، فإننا نكتفي بالقول انه من الخطأ تربوياً أن يقال للتلميذ الصغير إن النبي «ما هو إلا بشر مثلكم» (في ص18) ثم يقال له في الصفحة السابقة إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء (في ص17) وفقا للحديث الشريف, يجب تجنيب المتعلمين، الصغار، تناقضات من هذا النوع احتراماً لشخصية التلميذ من جهة ولمنهجية التفكير العلمي من جهة اخرى، وهذه من المسائل التي يمكن ان تترك, وتعّلم لتلاميذ في مراحل تعليمية متقدمة. وقبل هذا وذاك، لان هذه المسألة اكبر من ان يخوض غمارها ولد ناشئ والشيء نفسه يمكن ان يقال عن موضوع مثل توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، فهل يستطيع هذا الولد ان يحيط بالفرق بين الألوهية والربوبية، او بين الإله والرب، أو بين الرب المعبود والإله المعبود، حتى نطرح عليه مثل هذه القضايا؟ (راجع ك 68 ص20، 21، 22).
ضعف في الدقة العلمية
وفي الجزء الثاني من كتاب الصف الثامن يستمر ظهور حالات مشابهة من حالات الضعف في الدقة العلمية والخلط بين الدوائر، كالخلط بين دائرة «المجال» الواسعة ودائرة «المفهوم» الأقل اتساعاً، حتى يكاد الامران ان يتساويا، مع ان المفهوم تابع للمجال وجزء منه، وفي العادة يتضمن المجال الدراسي (او المحور الدراسي) الواحد مفاهيم كثيرة، وليس من المنطقي ان يتضمن ثلاثة مفاهيم فقط على مدى كتاب بأكمله.
إن درساً عادياً يتضمن ما لا يقل عن خمسة مفاهيم في الصف الاول الابتدائي، فكيف اذا كان الامر يتعلق بثلاثة وثلاثين درساً؟! (راجع ك69، ص5).
والخلط المنافي للدقة العلمية مستمر ايضاً على صعيد عناوين الدروس التي تشبه الشعارات او المتقطفات المأخوذة من النص على طريقة «من أوجه الخير المفروضة الزكاة، وهي تطهر النفس والمال»، فإذا اعتمدنا قاعدة إدخال موضوعات عنوانها «من أوجه الخير.. كذا وكذا» كما هو موجود في كتاب الصف الثامن، فإن قائمة الموضوعات التي يمكن ان تدخل ضمن عناوين الدروس وفي الفهرس تصبح طويلة جداً، ويصبح كتاب التربية الاسلامية بلا وظيفة تعليمية حقيقية.
الهزيمة.. والانتصار
وفي الكتاب نفسه، يكرر المؤلف مقولة سطحية غير موضوعية، سبق له ان تحدث عنها، ومفادها ان السبب في ضعف المسلمين وهزائمهم يعود إلى الرفاهية «فلما ركن الناس إلى الدعة وحب الحياة كرهوا ان يقاتلوا في سبيل الله» (ك69 ص101).
إن هذا التعليل يفتقر إلى الدقة في النظر، لأن أكثر من نصف المسلمين في العالم هم من الفقراء، بل ويعيشون تحت مستوى خط الفقر العالمي, ومع ذلك فإنهم لا يحققون أي انتصار بل لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، بينما الأميركيون مثلاً أقوى أمة في العالم ولا يشكون من الفقر بل معظمهم يحب الحياة ويتمتع بالرفاهية.
وانسجاماً مع قواعد التفكير العلمي الأساسية، فإن بعض الأفكار الخاصة بمظاهر التكريم الديني الإنساني ربما تحتاج إلى مراجعة وإعادة تقييم, أو حتى إلى الكف عن التداول بها, إما بسبب انتفاء فاعلية الفكرة, أو بسبب تضاربها مع المعرفة العلمية الراهنة، وذلك حتى لا يحصل تناقض في رأس الطالب بين العلم والدين.
إن الشرع الإسلامي يسمح بمراجعة كثير من المواقف الخاصة بأمور الحياة المستجدة وبتعديلها، لذلك فإنه يمكن إعادة النظر بطريقة طرح الفكرة الخاصة بتكريم الإنسان من خلال استخدام القمر كوسيلة لحساب عدد السنين مثلاً. فالوسائل التكنولوجية والجغرافية الحديثة كالأقمار الصناعية وأجهزة الحاسوب المتطورة تقدم اليوم إجابات متناهية الدقة عن بدايات الشهور ونهاياتها وعن كل أشكال المواقيت باليوم والساعة والدقيقة والثانية.
والأمر نفسه يمكن أن يقال عما ذكره المؤلف في شأن «الجبال الرواسي الثوابت التي تثقل الأرض وتثبتها حتى لا تتحرك وتضطرب بسكانها...» (ك 70 – ص 46) فالأولاد الصغار في أيامنا أصبحوا يعرفون أن الأرض كرة تسبح في الفضاء منذ خلق الله الكون، وأنها دائمة الحركة حول نفسها وحول الشمس ببحارها وسهولها وجبالها أيضاً، ولم يقرر علم الفيزياء والفضاء حتى اليوم أن للجبال العالية دوراً في تثبيت الأرض أو منع حركتها حتى لا تميد بما عليها من كائنات، والله أعلم.
هنا بأتي دور الابداع في صياغة مناهج التربية. فالحق سبحانه يقول: {والجبال أرساها}.. فعلى المعلم هنا ان يشرح كيف ان {الرسو} لا يمنع من الدوران, واذا لم يشرح ذلك, وكأننا نقول للتلميذ في دروس العلوم شيئاً، ونقول له في دروس التربية الدينية شيئا آخر عن الموضوع الواحد؟ ألا يدفع به ذلك من غير قصد إلى حالة من ازدواجية التفكير التي تشطر عقل الناشئة إلى شطرين أحدهما علمي منطقي والآخر غيبي وجداني؟
وحتى نتجنب الوقوع في هذا التناقض يجب الكف عن إدخال أفكار غير علمية إلى مناهج التعليم الكويتية، كأن يقال فيها إن الجن يتلبسون جسم الإنسان «فيصاب الإنسان عن طريقهم بمرض من الأمراض كالصرع والجنون والتشنجات، وقد يسرق لصوصهم أموال الناس، وقد يكسر المشاغبون منهم الأواني وغير ذلك...». (ك 72 – ص 22). وعلى حد علمنا فإن هذا الكلام لم يرد في نص قرآني أو في حديث نبوي بل هو كلام جاء به المؤلف، كما أن علم الطب النفسي (Psychiatry) وعلم الأعصاب (Neurology) يحددان اليوم بدقة اسباب الصرع مثلاً, وأصبح من الممكن علاج الصرع من خلال عملية جراحية في الدماغ ولا لزوم، بالتالي، لاقحام الجن والشياطين في مرض الصرع.
هل نحن في القرون الوسطى؟
من جهة أخرى، مكن الكلام عن أدوار الجن والشياطين بهذه الطريقة أن يشكل غطاء لتجويز عمليات اخراج الجن من جسم الرجل والمرأة بالضرب المبرح الذي يوصل أحياناً إلى الموت، كما لو أننا مازلنا نعيش في حقبة القرون الوسطى عندما كانت محاكم التفتيش المسيحية الكاثوليكية تستخدم حقنة كبيرة للكشف عن إيمان الاشخاص المشكوك بصحة إيمانهم الديني، وغالباً ما كان هؤلاء الأشخاص يلقون مصرعهم عند نهاية الاختبار، ألم يسمع المؤلفون بعد بأن مرض الصرع مثلاً (Epilepsy) هو عبارة عن خلل في الدماغ البشري يؤدي أحياناً إلى نوبات حادة وله أدوية خاصة به كما يمكن علاجه بالتدخل الجراحي في الدماغ منذ حوالي عقدين من الزمن؟ فلماذا يصر المؤلفون على تقديم الإسلام بصورة متعارضة مع العلم والتفكير المنطقي فيصبح التلاميذ خارج الزمن العلمي والحضارة العلمية العالمية؟
إن الإيمان بالجن أمر ديني واجب لأنه جزء من العقيدة الإسلامية لا يحتمل جدالاً. ولكن ذلك لا ينبغي أن يقودنا، عندما نتحدث إلى الناشئة، إلى اقحام الجن في تفصيلات يومية روتينية وتحميلهم مسؤولية سرقة أموالنا أو تكسير آنيتنا، إذ ما الفائدة عند ذلك من المحققين والشرطة في هذه الحالة؟! وفي الاتجاه نفسه لماذا لا يشرح المؤلفون للتلميذ كيف ان مسألة تكليف الملاك ميكائيل عليه السلام بأمور الأرزاق والمطر والنبات لا يتنافى مع علم المناخ ومع علم النبات وباقي فروع الهندسة الزراعية؟! (راجع ك 72 – ص13). أليس ديننا ألا يعلمنا ان لكل شيء سبباً.
ومما لا يتماشى مع الروح العلمية أيضاً مسألة تناول الطعام باليد اليسرى واعتبار ذلك أمراً مخالفاً للدين، ومتعارضاً مع القيم والأصول الإسلامية اذا كان من المستحسن استخدام اليمنى, فإن الشخص الأعسر (يستعمل اليد السيرى بدل اليمنى في الكتابة وغيرها من أعمال اليوم) لا يختار أن يكون أعسر لأن هذا الأمر مرتبط ببيولوجية الدماغ وفيزيولوجيته، ويأتي مع الولادة وبالتالي فلا سبيل لتغييره بصورة حقيقية ولا مبرر للقول انه يناقض أي قيمة أو عقيدة. إن كثيرا من ألمع الرسامين في العالم استخدموا اليد اليسرى في الرسم، وكذلك الأمر مع كثير من مشاهير الأدب والثقافة (راجع ك 72 0 ص 88).
وفي سياق النماذج عن النقص في الدقة العلمية للأفكار المطروحة قول المؤلف «إن العقل هو الفارق بين الإنسان والحيوان...». (ك 73 – ص 13). وهذا الكلام غير دقيق علمياً لأن علم نفس الحيوان (الذي هو جزء من علم النفس العام) يتحدث عن عقل حسي عند الحيوانات العليا (كلب، حصان، قرد. قطة.. إلخ) فهل كلب الحراسة الذي ينقذ الغرقى من الناس هو بلا عقل؟ ان لديه حدا ادنى من التفكير القائم على الحواس يوازي تفكير ولد عمره عامان تقريبا، ولكن بينما ينمو تفكير الولد باطراد بعد ذلك، من خلال اللغة والرموز والتفاعل الاجتماعي معا، فإن عقل الحيوان لا يتطور اكثر من المستوى الحسي. فالفارق الحقيقي إذاً بين الانسان والحيوان يوجد في التفكير المجرد او العقل التجريدي وليس في العقل بالمطلق.
.. أين التعصب الديني؟!
ومن مشكلة الخلل في مستوى الدقة العلمية للمفاهيم والمعلومات, ننتقل الى مشكلة الخلل في درجة الالتزام بالروح الموضوعية في طرح الموضوعات والقضايا الفكرية والتاريخية والاجتماعية. فتحت عنوان «الآثار المترتبة على التعصب» (ك 71 – ص 230) يتحدث المؤلف عن التعصب القومي والمذهبي والقبلي من دون ان يشير، لا من قريب ولا من بعيد، الى ظاهرة التعصب الديني الذي يضرب المجتمعات الاسلامية منذ اكثر من ربع قرن, ويعرضها للارهاب والعنف والتخلف بسبب الابتعاد عن وسطية الاسلام وتسامحه.
ومع تركيز المؤلف على التعصب الجاهلي وعلى التعصب اليهودي فقط، فإنه يعزز بذلك صورة نمطية معروفة عن هذا الموضوع، ويتجاهل الواقع الحالي الذي يعاني منه المسلمون في الداخل ومع الخارج، ويتطلب من المدرسة ان تساعد على نوعية الشباب الصاعد من مخاطر التعصب والتطرف وكراهية الآخرين.
ولعل مما يتعارض مع الموضوعية في التفكير الزام التلميذ بمجموعة من دروس التربية الاسلامية (راجع ك 67 – ص 56 على سبيل المثال) لأجل ان يتعرف الى مواعيد الصلاة، ففي هذا التوسع في الشرح مبالغة، ولزوم لما لا يلزم، في قسم كبير من الدروس، كما ان تكرار الموضوع نفسه من سنة دراسية الى اخرى يشير إلى إلحاح في غير محله، لان التلميذ الكويتي يحتاج في الواقع الى كل حصة دراسية ممكنة ليرفع بها من مستوى تحصيله الدراسي والعلمي.
ثم هل ينسى التلميذ ما قد تعلمه في الصف الثالث الابتدائي عن الصلاة حتى يعود المؤلفون فيذكرونه بها في صفوف لاحقة؟
لماذا الزيادة؟
ان تلميذ الصف السابع يكون قد اتم الحادية عشرة من العمر، وبالتالي فمن المرجح انه يؤدي فريضة الصلاة فعلا, ويعرف مواقيتها بدقة ولا يحتاج الى كل هذه الدروس ليعرف ما هو معروف لديه! اما اجتهادات العلماء بشأن توقيت الصلاة فإن تلميذ المدرسة العادية لا يحتاج اليها، بل هي ربما تشوش افكاره. اما طالب العلوم الشرعية فإنه قد يستفيد من التعمق في الشروحات والتفسيرات الخاصة بمواعيد الصلاة، لان عليه ان يحيط بفلسفة الصلاة وتأديتها في وقتها، بينما يستطيع اي تلميذ او فرد عادي ان يعرف توقيت الصلاة من خلال روزنامة او جدول مواقيت معلق في البيت او في المدرسة، او حتى من خلال ساعة يد او منبه او هاتف نقال يحتوي على برمجة لمواعيد الصلاة، او من خلال البرامج التلفزيونية لأي محطة بث اسلامية، او حتى من خلال حركة الشمس من انبلاج خيوط الضوء فجرا حتى أفولها عند المغرب، كما كان يفعل اجدادنا.
ان قليلا من التفكير الفطري السليم يكفي لتقديم موضوعات التربية الاسلامية للطالب بروح تربوية موضوعية تحترم عقله وتفكيره، وتقدم له المعارف والمهارات التعليمية المطلوبة بصورة واضحة وبأسرع وقت ممكن.
ضد الثقافة
ومن مظاهر عدم الالتزام بروحية التفكير الموضوعي في كتاب التربية الاسلامية للصف السابع - الجزء الثاني (ك 73 – ص 65) تبخيس المؤلفين لقيمة الثقافة العربية في المجتمع الجاهلي، مع ان جاهلية العرب القدماء كانت قائمة على الجهل بالدين الاسلامي، وليس على نقص المعرفة او على دونية الثقافة. فليس من باب الصدفة ان يكون نبينا وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من فرع هاشم من قريش أهل الفصاحة واسياد التجارة ووجهاء المجتمع الجاهلي. لذلك، فمن المستغرب قول المؤلفين ان حياة قريش في مكة المكرمة قبل الاسلام كانت «فوضى لا تحكمها شريعة ولا يضبطها ضابط من خلق او دين» (ص 62).
ان هذا الكلام يفتقر الى الدقة العلمية التاريخية والى الموضوعية في التفكير، وينطلق من تصور تبسيطي، مفاده انه كلما كانت صورة ما قبل الاسلام سيئة، كانت مكانة الاسلام اعلى واعظم. ان دعوة الاسلام إلهية وهي عظيمة بذاتها ولا تحتاج الى تبخيس قيمة المجتمع العربي القديم لرفع شأنها وزيادة قيمتها. لذلك لا حاجة للقول ان حياة قريش قبل الاسلام فوضى لا تحكمها شريعة.
فمجتمع مكة المكرمة كان دقيق التنظيم من ناحية القبائل والاسر ودورها ومكانتها، وكان للتجارة قواعدها ونظامها، وللحياة الثقافية قواعدها واصولها، ومنها مهرجانات الشعر في سوق عكاظ. صحيح أنه لم تحكم المجتمع القرشي شريعة إلهية، ولكن من الصحيح أيضاً القول إن أهل مكة كانت لهم ديانة وثنية (عبادة الأصنام) وشريعة قبائلية.
ومن الناحية الأخلاقية، لم يكن المكيون والقرشيون عديمي الأخلاق، بل كانت تسود بينهم أخلاق قائمة على مزيج من الأعراف والتقاليد والقواعد القبلية البدوية والحضرية بخيرها وشرها. لم تكن أخلاقهم كلها شرًّا ولم تكن كلها خيراً، بل كانت خليطاً من هذا وذاك، ولو كانت كلها أخلاقاً رديئة لما كانت نشأة النبي العربي (صلى الله عليه وسلم) في البيئة القرشية المكِّيَّة التي من الطبيعي أن يكون رسول الله  (صلى الله عليه وسلم) قد تأثر ببعض صفاتها الحميدة، كالفصاحة والبلاغة والمروءة وإكرام الضيف والأشهر الحرم من جهة، ونبذ صفاتها السيئة المعروفة من جهة أخرى. إن علينا توخي الدقة والصدق في ما نقوله ونكتبه للتلاميذ خاصة، وذلك لتعويدهم على النظر بموضوعية إلى الأمور، بعيداً عن النزعة الذاتية الانفعالية.
ومما يؤشر إلى وجود نقص في النظرة الموضوعية إلى الموضوعات والقضايا الخاصة بالتربية الإسلامية حديث المؤلفين في كتاب الصف الثاني عشر عن أن التوسع الإسلامي والفتوحات «وبسط السلطان على كثير من بلدان ودول العالم، إنما كان هدفه رفع الظلم والقهر والإهانة والاستعباد التي كانت الشعوب تعاني منها.. ولا يقول قائل: كيف نوفق بين الموقف المقاوم للإسلام من العدوان، وبين توسعته وسيطرته، إبان قوته وازدهاره، على كثير من بلدان العالم؟» (ك 73 – ص 89). إن النظر إلى عمليات التوسع والفتح قاطبة في العهود الإسلامية باعتبارها تحريراً للشعوب والدول من الظلم والاستعباد هو أمر مجافٍ للروح الموضوعية في كتابة التاريخ.
لقد كانت الفتوحات الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة (وخاصة الفتوحات العمريَّة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه) جهاداً عادلاً للعرب والمسلمين ضد الاحتلال الرومي (في سوريا وفلسطين ولبنان ومصر) وضد الهيمنة الفارسية على العراق. ولكن عندما تحولت الخلافة الراشدة إلى خلافة وراثية ومُلك خاص، في عهود الأمويين والعباسيين والعثمانيين وغيرهم، تحولت الفتوحات الجهادية ضد الاحتلال والعدوان والظلم إلى عمليات توسع وسيطرة لمصلحة الدولة والحكام بالدرجة الأولى، وليس  من أجل نشر الإسلام ومبادئه بين الناس (كالتوسع المغربي – العربي في أسبانيا، والتوسع العثماني في أوروبا).
في الحالتين المذكورتين من حالات التوسع العربي – الإسلامي في أوروبا لم تدخل الشعوب الأوروبية (أسبان وصرب وبلغار ومجريون وغيرهم) في الإسلام إلا بأعداد محدودة، قياساً على العدد الإجمالي للسكان في شبه الجزيرة الإيبيرية وفي شرق ووسط أوروبا. وفي المقابل، فقد انتشر الإسلام في وسط أفريقيا (جنوب الصحراء الكبرى) وفي أندونيسيا وبعض أجزاء الهند وفي باكستان وجوارها سلماً،ً ومن دون حروب كبيرة في الغالب، وذلك على يد التجار المسلمين من أصحاب الأخلاق الحميدة، وعلى يد الدعاة المسلمين والزهاد والصالحين.
بين الجهاد والغزو
لذلك، ومراعاة للحقيقة التاريخية يجب أن يميِّز المؤلفون بين عمليات الجهاد في سبيل الله وبين عمليات الغزو والتوسع وفق الوقائع الخاصة بكل حالة أو عملية حربية، لأن معظم عمليات التوسع والاحتلال والحروب عبر التاريخ كان المنتصر يبررها تحت عنوان «تحرير الشعوب من الظلم» أو تحت راية «جلب الحضارة إلى الشعوب الهمجية» أو بذريعة «نشر الديانة المسيحية في بلاد البرابرة» أو بذريعة تحرير القدس من المسلمين، كما حصل في الحروب الصليبية.
وبعد النظرة  غير الموضوعية إلى التاريخ الإسلامي في مناهج التربية الإسلامية، يخطو المؤلفون خطوة أعلى مجافية للروح العلمية، تتمثل في التشكيك في العقل الإنساني من أساسه والدعوة إلى الحذر منه وكأنه عدو خطير. ومما يزيد الاستغراب من هذه الدعوة أنه توجد إشادات كثيرة بالعقل وحريته وأهميته حيناً، مقابل التشكيك فيه، في أحيان أخرى، وهو ما يؤدي إلى أن ينظر التلميذ نظرة ملتبسة للعقل وللتفكير العلمي بوجه عام. إن التشكيك في العقل البشري يفسد كل عملية التعليم القائمة أساساً على تنمية القدرات العقلية والمهارات الفنية عند المتعلم. وعلى هذا الأساس لا يحق للمؤلفين، تحت أي ذريعة كانت، أن يتهموا العقل بأنه يخضع للأهواء وأن نظرته ضيقة ومتقلبة «حتى إنه يستحسن اليوم ما يستقبحه غداً» (راجع ك 73 – ص 134).
وإذا  كان الأمر هو فعلاً كما يصفه المؤلفون فلماذا يذهب التلاميذ إلى المدرسة لتلقي العلوم العقلية؟ إن العقل البشري ليس بالخفة التي يصفه بها المؤلفون، ونحن لم نسمع في تاريخ العلم أن أحد العلماء يقول شيئاً في هذا اليوم ثم يقول عكسه في اليوم التالي، لأنه لو حصل ذلك فعلاً لتحول العلم إلى مهزلة. فهل يجيز العقل العارف لذاته ان يقبل بقانون الجاذبية مثلاً ثم يرفضه في اليوم التالي؟ هل يستطيع أي عالم أو مفكر اليوم أن يقول إن الأرض ليست كروية، بل هي مسطحة؟ أم أن واحداً زائداً واحداً يساوي خمسة؟
إن هذه الاتهامات للعقل بالمزاجية والتقلب وعدم الثبات وقلة الصدقية, تنطوي على مغالطة كبرى وعلى ظلم كبير للعقل البشري ولتاريخ العلم معاً. وما يزعمه المؤلفون بشأن العقل قد يصحّ بالنسبة لتفكير الأولاد الصغار ولا يصح مع التفكير العلمي الذي هو خلاصة حركة العقل البشري عبر التاريخ، وأول شرط من شروط العلم هو الابتعاد عن الذاتية (Subjectivism) والركون إلى الموضوعية (Objectivism). لذلك، فإن حالة التناقض في الموقف لا مكان لها في العلم وفي التفكير العقلي المنطقي، بل نحن نجدها عند كثير من رجال الدين الذين يفتي أحدهم بشيء فيظهر رجل دين آخر ويفتي بشيء معاكس في الموضوع نفسه، وكل واحد يقول إن الحق معه والناس يدفعون الثمن، وتكفي الإشارة في هذا المجال إلى أنه نادراً ما يتفق رجال الدين المسلمون على تحديد بداية شهر رمضان مثلاً، وتحديد يوم عيد الفطر وحتى عيد الأضحى أحياناً، مع أن القمر واحد والإسلام واحد، ومع أن علم الفلك يحدد تلك المواعيد بدقة متناهية.
التعميم والأحكام المطلقة
وفي الكتاب نفسه، والسياق نفسه من الخروج عن مبدأ الموضوعية في التفكير والتأليف، يقع مؤلفو النصوص التعليمية الإسلامية في فخ التعميم والأحكام المطلقة دون اكتراث بحقائق التاريخ وعلم الاجتماع فيقولون «إن الغربي إذا صار عالماً ترك دينه بخلاف المسلم الذي لا يترك دينه إلا إذا صار جاهلاً» (ك 73 – ص183). فالتاريخ يحدثنا بأن كثيراً من كبار العلماء في أوروبا كانوا مؤمنين بالمسيحية بمن في ذلك عالم الأحياء الإنكليزي شارل دارون المتهم، عن جهل، بأنه كان ملحداً بينما الحقيقة هي أنه كان متديناً ومحافظاً في حياته الشخصية والعائلية، ولم يمنعه إيمانه المسيحي من القول بفكرة نشوء الكائنات الحية وتطورها وصولاً إلى الإنسان نفسه، وذلك عن طريق التفاعل الدائم بين الإنسان وبيئته، ثم إن كثيراً من أهم علماء أميركا اليوم هم مسيحيون محافظون وليسوا من أعداء الدين.
أما القول إن العالم المسلم لا يترك دينه إلا إذا صار جاهلاً، فإنه قول يفتقر إلى الدقة العلمية لأنه، ومن الأساس، لا يوجد علم مسلم وعلم مسيحي وعلم يهودي وعلم بوذي وعلم ملحد.. إلخ بل يوجد علم أو لا يوجد علم، ويوجد إنسان عالم أو أن الإنسان لا يكون عالماً بغض النظر عن لونه أو دينه أو عرقه أو جنسه. ثم كيف يكون الإنسان المسلم عالماً ثم يصبح جاهلاً فجأة؟! الجاهل يصبح مع التعليم المستمر عالماً، والعكس غير صحيح، أي لا يمكن لمن هو عالم أن يصبح جاهلاً بين ليلة وضحاها.
وإنه لمن المؤسف حقاً أن يشجع المؤلفون تلاميذ المدرسة، ولو بصورة غير مباشرة، على النظر بخفة إلى العقل والعلم والعلماء، مسلمين كانوا أم لا، لأن ذلك يثبط همة التلاميذ في طلب علم مشكوك فيه أو أنه في وضعية دونية تجاه الدين. وهذا التضاد المفتعل من المؤلفين بين العقل والنقل، أو بين العلم والدين، يسيء إلى العلم كما يسيء إلى الدين. وقد سبق للعالم والفيلسوف والفقيه المسلم ابن رشد (1126م – 1198م) أن أوضح قبل مئات السنين أن منهج الحكمة (العلم) مختلف بطبيعته عن منهج الدين والشريعة، وأن العلم والدين إنما يلتقيان فقط في المقاصد والغايات وليس في الموضوع ولا في طريقة عمل كل منهما.
كذلك سبق لأبي الوليد (ابن رشد) أن رد على القائلين بتعارض الحكمة والشريعة (العلم والدين) بأن الله سبحانه لم يخلق لنا عقولاً فنفكر بها ثم يعطينا شريعة مخالفة للعقل لأن هذا أمر غير منطقي: «إذا كان النص الديني متفقاً مع العقل فلا إشكال، وإذا كان مختلفاً مع العقل، فنحن نؤوله حسب العقل، لأن الله لا يمكن أن يخلق لنا عقولاً ويعطينا شريعة مخالفة لها» (مجلة الكشكول، عدد 45، ديسمبر 2004م، بيروت).
وللمفارقة التاريخية فقد قاد تخلف المسلمين إلى اتهام عالم عظيم مثل ابن رشد، قاضي قرطبة، بالكفر وأحرق الرعاع كتبه في شوارع قرطبة في بلاد الأندلس وفي مراكش وكادوا يفتكوا به بتحريض من بعض رجال الدين الجهلة في بلاد المغرب العربي والأندلس، بينما تلقفت أوروبا والنخبة الأوروبية، في بداية عصر النهضة، فكر ابن رشد واستفادت منه إلى أبعد الحدود في بناء النهضة الأوروبية.
ولعل مما له دلالته أن الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا قد حاربت الفكر الرشدي وحكمت مرتين بتحريم التداول بكتب ابن رشد، الأولى في سنة 1240م والثانية في سنة 1513م في عهد البابا ليون العاشر. فيالها من مفارقة التقى فيها التخلف الإسلامي في الشرق مع التخلف المسيحي في الغرب لمحاربة العقلانية والتنوير الفكري. وإذا كانت النخبة الفكرية الأوروبية قد واصلت كفاحها ضد تخلف الكنيسة حتى أبعدتها عن القرار السياسي والحكم إلى موقع التوجيه الديني والخلقي والاجتماعي، فإن النخبة المثقفة العربية – الإسلامية ذهبت في اتجاه معاكس ومازالت حتى يومنا ضعيفة وخانعة إلى بعد بعيد.
أخيراً، وفي السياق نفسه، يتبنى المؤلفون نظرة غير موضوعية عندما يخاطبون التلاميذ عن أسباب ضعف العالم الإسلامي اليوم قائلين إن السبب الأول في ذلك إنما يرجع إلى «الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، إذ صار العالم الإسلامي يتحاكم إلى مناهج بشرية وقوانين وضعية، معرضاً نفسه إلى غضب الله وسخطه» (ك73 – ص187). فهل أن قوة الغرب العلماني الكافر في أوروبا وأميركا، أو قوة الصين واليابان وروسيا ترجع إلى تمسك هذه الدول بالديانة المسيحية أو بالديانة البوذية؟!
وهل تطبق الدول القوية غير الإسلامية شرع الله في تنظيم حياتها، أم أنها تطبق مبادئ وقوانين وضعية إنسانية ارتضتها الشعوب لنفهسا في مرحلة معينة من تاريخها؟ ثم إن الدول التي ذكرناها كلها علمانية، ومع ذلك فهي تسمح بحرية الأديان والمعتقدات الإيمانية الإنسانية جميعها، طالما أنها لا تتوسل العنف أو الإكراه في عملها، وهذه الدول نفسها هي أقوى الدول في العالم وهي أبعد ما تكون عن حالة الضعف التي تعاني منها الدول والشعوب الإسلامية.
وفي المقابل فإن الدول الإسلامية تقول إنها تطبق شرع الله وتحكم بما أمر الله به، ودين الدولة الرسمي فيها هو الإسلام، ومع ذلك فهي دول ضعيفة لا تقدر على محاربة دولة صغيرة، مثل الدولة اليهودية في فلسطين، وتضيق ذرعاً بأي نقد أو رأي مختلف يقوله مواطن من أبنائها. وهذه الحال تشير إلى أن السبب الأول في ضعف المسلمين ليس دينياً، بل السبب هو التخلف والاستبداد والفساد والجمود الفكري ومصادرة حرية التفكير والتعبير والنقد والمساءلة.
خلاصة
خلاصة القول هي إن مؤلفي كتب التربية الإسلامية في الكويت يلتزمون في الجانب الأكبر من النصوص بمعيار الدقة العلمية للمعلومات المطروحة على التلاميذ، وبما يكمله من معيار الموضوعية في معالجة الموضوعات والقضايا. غير أن هؤلاء المؤلفين يقعون - في جانب من النصوص - في فخ النزعة الذاتية في تناول موضوعات الدروس أو أجزاء منها تخص هذا المفهوم أو ذاك. وقد لاحظنا أن النزعة الذاتية المخالفة للروح العلمية الموضوعية تؤدي غالباً إلى نظرة سطحية لأمور مهمة لا يمكن تقديم إجابات بسيطة أو مجتزأة بشأنها.
الهوامش
(1) إن النقص في المعلومات له طابع كمي، وهو لا يكون مقصوداً من المؤلفين، اما نقص الروح الموضوعية في تناول الموضوعات فإن له طابعاً نوعياً ومقصوداً في الغالب لانه يعبّر عن تفكير المؤلفين وعند درجة معينة من التكرار يمكن للنقص في المعلومات ان يتحول الى خلل يطال موضوعية عملية التأليف في جانب أو اكثر من جوانب تأليف النصوص الدستورية.
غدا الحلقة الخامسة : تقويم أسئلة التربية الإسلامية

الثلاثاء، 28 مايو 2013

منهج التربية الإسلامية يعامل التلاميذ كأنهم كفرة من أسر كافرة لا صلة لها بالإسلام! (3) | جريدة القبس

منهج التربية الإسلامية يعامل التلاميذ كأنهم كفرة من أسر كافرة لا صلة لها بالإسلام! (3) | جريدة القبس
التربية الإسلامية في الكويت

منهج التربية الإسلامية يعامل التلاميذ كأنهم كفرة من أسر كافرة لا صلة لها بالإسلام! (3)

إعداد د. فوزي أيوب - (باحث تربوي أستاذ في الجامعة اللبنانية)
في إطار الدراسات العلمية التي قدمتها القبس حول التعليم في الكويت: الخلل في المناهج (2002)، المناهج الكويتية أمام ساعة الحقيقة (2003)، التعليم في أزمة (2012)،  المعلم في الكويت: واقعه.. إعداده.. دوره، (يناير2013)، تواصل حلقات دراستها العلمية الموسعة، لقناعتها بأن أي إصلاح حقيقي، وتنمية مستدامة، يبدآن من التعليم ويستندان إليه. وفي الحلقة الجديدة من الدراسة الموسعة، تتناول القبس مناهج التربية الإسلامية في الكويت. بعدما تناولت مناهج الاجتماعيات، واللغة العربية.
وسنحاول في هذه الحلقة الثالثة من تقويم مناهج التربية الاسلامية في الكويت اجراء تقويم معياري لدروس هذا المنهج، معتمدين في ذلك على قاعدة أساسية، يبدو ان واضعي منهج التربية الإسلامية في الكويت لم يولوها ما تستحق، الا وهي ان العبرة في التعليم لا تكمن في كثرة الدروس وكمية النصوص، بل تكمن في نوعية هذه الدروس والنصوص، كما في الأهداف المرجوة من تعليمها.
ج – التربية الإسلامية .. والنقص في التشويق
إلى جانب الصعوبة المباشرة الموجودة في نصوص التربية الاسلامية في الكويت، أو الصعوبة المضمونية، توجد صعوبة غير مباشرة مرتبطة بنقص التشويق وقلة الجاذبية في كثير من دروس التربية الاسلامية، مما يزيد من المعوقات التي تعترض سبيل التلميذ الكويتي والتلميذ العربي المقيم في الكويت ايضاًَ عند دراسته للمقررات الدينية الاسلامية.
فالتلميذ الابتدائي بخاصة يحتاج الى ما يدفعه للاقبال على تعلم الدروس ويشده اليها لان فيها عنصرا أو جانباً مشوقاً او مثيراً للدهشة، أو ممتعاً أو جميلاً، أو مفيداً أو غير ذلك مما له طابع وظيفي في حياة المتعلمين.
وهذا المبدأ التربوي في الطابع الوظيفي للدرس مطلوب في المواد الدراسية كافة، بما فيها دروس اللغة والاجتماعيات والعلوم وحتى الرياضيات المجردة، فكيف بالتربية الاسلامية والاسلام هو الحياة كما يردد الجميع؟ فلو راعى المؤلفون هنا مبدأ ملاءمة الدروس للتلميذ لوجدنا ان كتب التربية الاسلامية تضج بالنصوص الدينية الجاذبة للمتعلمين والتي توصل المضمون الاسلامي وترضي التلاميذ في آن واحد، وتلك هي الغاية الأصلية من تعليم الدين للناشئة.
ومع ان بعض نصوص التربية الاسلامية تراعي هذا التوازن بين المادة التعليمية والمتعلمين، فإن الجزء الباقي اما انه يقع في مستوى عادي او متوسط على صعيد القابلية لجذب التلميذ وتحبيبه بالمادة الدينية، وإما أنه يشكو من نقص في هذه القابلية كما يظهر ذلك في الحالات التالية:
• يتضمن كتاب التربية الاسلامية للصف الاول الابتدائي عناوين دروس مثل «الله يحفظنا» أو «التوكل ع‍لى الله».. فلماذا لا يورد المؤلف تحت عناوين مثل هذه قصة صغيرة جميلة عن ولد حفظه الله تعالى من الأذى، أو عن محبة الله للصغار، أو قصة عن شاب توكل على الله واعتمد عليه فأعانه الله في حل مشكلته، والقصة نفسها يجب ان تكون مستمدة من حياة الولد، اما ان يقتصر الدرس على اقوال مأثورة تصلح للكبار، ولكل مكان وزمان، فإن ذلك لا يؤثر ايجاباً في شخصية الولد المتعلم (ك 57 – ص10).
• من دواعي الملل وقلة الاهتمام بالدروس من جانب التلاميذ انهم يجدون فيها تكراراً للموضوعات والمعلومات الدينية او تقارباً شديداً في ما بينها، فيضطر التلميذ لحفظ المعلومات الواحدة او المتقاربة مرتين أو اكثر وهو امر مرهق له ومدعاة للنفور من التربية الاسلامية. ومن دواعي الملل ايضاً ان الطالب لا يجد اشكالية او قضية دينية تحتاج الى الشرح الدقيق والتحليل المعمق كما هي الحال مع دروس موضوع توحيد الألوهية، وان الله تعالى واحد احد. فهذا الامر، الذي تم طرحه اكثر من مرة، هو امر بديهي لا يحتاج الى شرح طويل الا من باب الالحاح والاطالة لأن الطلاب في الكويت ينتمون إلى بيوت مسلمة تربي أبناءها على فكرة الإله الواحد الأحد منذ نعومة أظفارهم، كذلك لا نعرف لماذا يتم إغراق التلميذ بتفاصيل بديهية عن موضوع مثل «عدم مشابهة الله لشيء، وأنه متفرد بصفات الكمال»؟ إن هذه التفاصيل لا تنمي تفكير الولد ووعيه الديني بقدر ما تزيد من كمية المعلومات التي يختزنها في ذهنه عن الموضوع المطروح (راجع ك 68 – ص 13). إن الإطالة في عرض موضوعات مجردة جداً مثل «لماذا خلقنا الله؟» تثير الملل في نفوس التلاميذ وربما في نفس المعلم أيضا.
• يتحدث المؤلفون في أحد الدروس عن النار  وطبقاتها السبع في أربع صفحات تسهب في شرح أهوال الجحيم شرحاً تقشعر له الأبدان، وتهتز له قلوب الاطفال وهم في عمر الورود. صحيح أن ما يورده النص هو وصف صحيح للنار وهذا ما لا ينكره أحد من المسلمين، ولكن هذا يقال مفصلاً للكبار الراشدين فقط، ويقال مختصراً جداً «أو لا يقال بالمرة» للصغار من التلاميذ، حتى لا يدبّ الرعب في قلوبهم أو يجنحوا إلى الاكتئاب أو اليأس من الحياة، وقد يصلون إلى حافة الانتحار في بعض الأحيان، وعند المراهقين بوجه خاص، خشية على أنفسهم أو على من يحبون من أهلهم وإخوانهم (راجع ك 72 – ص 38).
ــــ يتوسع المؤلفون في موضوع الجن والشياطين وما يأكلونه من العظام والبعر وكيف يتزوجون، وكيف يصبح الجن شيطاناً ثم مارداً ثم عفريتاً وسوى ذلك من تفصيلات غير جاذبة لأولاد المدارس وليس من ورائها حكمة تربوية واضحة. (راجع ك 72 – ص 19).
خلاصة
خلاصة القول في مدى ملاءمة دروس التربية الإسلامية في الكويت لمعيار التشويق التربوي، إن كثيراً من هذه الدروس لا يستجيب لمبدأ ضرورة اختيار النصوص الجاذبة للمتعلمين عندما نتحدث عن عذاب القبر وقتل الكفار وأهوال النار وسوى ذلك من أنواع الوعيد والعقاب في الدنيا والآخرة، مع أن عالم الأطفال هو عالم البراءة والبعد عن الجرائم والخطايا، فينبغي إذن تحبيب الإسلام إلى قلوبهم بصورة ملائمة لعالم الطفولة وذلك في المرحلة الابتدائية على الأقل، مع إبعاد ثقافة العقاب والموت عن هذه المرحلة، وتغليب الإسلام المنفتح على الحياة.
 وفي هذا السياق، نورد ما ذكرته الأستاذة منيرة النصف (وهي موجهة اجتماعية سابقة في وزارة التربية في الكويت) من أنها زارت ذات يوم مدرسة للبنات، حيث تابعت محاضرة لإحدى معلمات التربية الإسلامية جاء فيها أن الموسيقى حرام والغناء حرام والرياضة حرام، ولما قامت إحدى التلميذات وسألت المعلمة ببراءة عمّا يمكن للبنات أن يفعلن في أوقات الفراغ، فما كان من المعلمة إلا أن زجرتها. وتعلّق السيدة الموجهة على ذلك قائلة: بسبب محاضرات كهذه أصبحت المدارس مصدراً لاكتئاب الطلبة (راجع جريدة القبس، عدد 6 أبريل 2010).
د – معيار الترابط
لا قيمة لنص لا ترابط بين عناصره وأجزائه. وإذا كان النص مدرسياً تعليمياً، فيجب أن يحظى بصفة التدرج أيضاً، وغياب التداخل والتكرار بين النصوص وبين الكتب الدراسية. فهل يوجد ترابط (Coherence) جيد بين دروس الكتاب الواحد، وبين كتاب وآخر من كتب التربية الإسلامية في الكويت، أم توجد حالة من التكرار والتداخل بين الموضوعات والدروس والكتب؟
لا يمكننا القول إن مبدأ الترابط غائب عن كتب التربية الإسلامية، ولكن درجة الالتزام به ومراعاته تختلف من كتاب إلى آخر أو من محور إلى آخر داخل الكتاب الواحد، فمسألة الخلل في درجة الترابط محصورة بمساحات معينة من الكتب، وإلا لكانت لغياب الترابط في المنهج آثار بالغة السوء على التلاميذ وعلى نموهم الفكري.
ولعل أكبر خلل على هذا الصعيد أنه توجد محاور دراسية خاصة بعلوم القرآن داخل معظم كتب التربية الإسلامية، مع أنه يوجد مقرر خاص بالقرآن الكريم يتابعه الولد على مدى سنوات التعليم العام. إن موضوعات تفسير القرآن وعلوم القرآن وتجويد القرآن ترتبط بمقرر مستقل هو القرآن الكريم، فلماذا نعود ونوردها في كتب التربية الإسلامية أيضا؟
ولعل مشكلة التكرار في المضامين هي أكبر آفة تضرب معيار الترابط والتدرج في المفاهيم والموضوعات الإسلامية المطروحة، بدءاً من كتاب التربية الإسلامية للصف الأول الابتدائي، حيث يتكرر الحديث نفسه تقريبا عن فضل تلاوة القرآن الكريم في درسين متواليين (ك 57 – ص 30 – 32).
ويتكرر حديث الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عن الحوار الذي دار بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبين الملاك جبريل عن معنى الإيمان، وحديث المشاركة في بناء الكعبة المكرمة، وأحاديث أخرى في كتاب الصف السابع (ك66 – ص66)، وفي كتب أخرى للتربية الإسلامية، ومنها كتاب الصف العاشر (ك71 – ص14)، كذلك يتكرر درس توحيد الربوبية ثم الألوهية أكثر من مرة مع العودة إلى ذكر الأدلة على وجود الله تعالى، وكأن التلميذ الكويتي لم يقتنع بعد بوجود الله تعالى، فيجتهد المؤلفون لإقناعه وشرح الأمر له (ك71 – ص20).
إن تكرار المحاور والموضوعات الدراسية نفسها من صف الى آخر يطرح مشكلة حقيقية على مناهج التربية الاسلامية في الكويت، حتى لو كانت المعلومات الدينية تتوسع وتزداد من صف دراسي الى اعلى منه، لان الافكار الاساسية تبقى على حالها. توجد اذن مشكلة حقيقية هي مشكلة التكرار والتداخل في المضمون الدراسي، وقد+ يكون الحل في البدء بتدريس مقررات التربية الاسلامية بدءا من الصف الثالث او الرابع الابتدائي على اساس ان الهدف من تعليم الدين في المدرسة العادية ليس تخريج رجال دين متخصصين في الشريعة او الدعوة، والهدف الاساسي للتعليم العام ما قبل الجامعي هو اعداد الطالب وتوجيهه نحو المعاهد الفنية والشرعية والجامعات المختصة بالعلوم والفنون والآداب.
عقل التلميذ ليس مخزناً
ان عقل التلميذ لا ينبغي ان يتحول الى مخزن للمعلومات المتكررة او المتداخلة، ولا ينبغي لمناهج التعليم ان تضع التلميذ امام خيارين لا ثالث لهما: اما ان يتقبل الوضع ويحفظ دون رغبة او حماس، او ان يرفض الوضع كله ويشيح بوجهه عن تعليم لا يحبه لانه لا يحترم عقله. (راجع ك64 ــ ص47).
لقد لاحظنا ان كثيراً من الموضوعات الدينية يتكرر من كتاب الى آخر مع اضافات تشكل توسعاً كمياً في المادة التعليمية ولا تنطوي على توسع نوعي من الناحية العلمية او التربوية. وعلى سبيل المثال فإن الدرس الاول من كتاب التربية الاسلامية للصف الثامن يعود فيتوسع في الحديث عن اسماء الله الحسنى وصفاته دون ان نعرف الحكمة او الفائدة من الالحاح المتواصل على هذه المسألة، فلماذا يلح المؤلفون الى هذا الحد على التلميذ الكويتي العربي المسلم ليغوص في موضوع الاسماء والصفات الالهية من خلال شرح مسهب يكاد لا ينتهي، وكأن هذا التلميذ كافر ومن اسرة كافرة لا صلة لها بالاسلام؟!.
والمدهش هو ان المؤلف يطرح مجدداً مسألة صفات الله في عدة دروس من الكتاب نفسه (ك 68) مكرراً الفكرة نفسها التي سبق له ان طرحها في الدرس الاول من الكتاب، وكأنه في شك من تأثير كلامه السابق في نفس التلميذ، ولا نغالي اذا قلنا ان الجزء الاكبر من كتاب الصف الثامن يدور حول فكرتين او ثلاث يتم توسيعها بأشكال واساليب متبدلة، يغلب عليها طابع الالزام اكثر من صفة الاقناع، ولذلك تكثر في دروس الكتاب كلمات مثل يجب، وينبغي، وعلينا، ومن واجبنا... ان نقول كذا او كذا او نعتقد به.. الخ (راجع ك 68 ــ ص13).
وعلى طريق التكرار المضر بمعيار الترابط، تسير ايضاً كل موضوعات التوحيد في كتاب التربية الاسلامية للصف التاسع، لان هذه الموضوعات سبقت معالجتها في كتاب الصف الثامن او السابع، فلماذا كل هذا الالحاح على هذا الموضوع، وكأن التلميذ الكويتي مشرك بالله تعالى لا سمح الله ؟!
وبعد عشرات الدروس الدينية على مدى ثماني سنوات يطرح  المؤلفون في كتاب الصف التاسع موضوعاً عنوانه «الله تعالى موجود...» وكأن كل الدروس السابقة لم تقنع التلميذ الكويتي! وبعد ان عولج هذا الموضوع اكثر من مرة، في الصفوف الدراسية السابقة للصف التاسع، لم تعد توجد ضرورة تربوية لان تخصص درساً اضافياً لهذا الموضوع الذي هو امر بديهي عند التلاميذ في المجتمع الكويتي (ك70ــ ص11).
ومن الاشكال الاخرى للخروج عن منهجية الترابط بين مضامين كتب التربية الاسلامية، غياب العلاقة الرابطة بين عنوان الدرس ومضمونه، ففي درس مخصص للحديث عن عمل النبي (صلى الله عليه وسلم) في التجارة ورعي الغنم في الصف السادس الابتدائي (ك65 ــ ص61) نجد صفحتين عن حلف الفضول، وعن حادثة الحجر الاسود، وكل هذا لا علاقة له بالموضوع الاساسي للدرس الذي لن يتبقى منه الكثير عندما تخرج صفحتان منه عن موضوع الدرس.. ومهما يكن شكل الخروج على معيار الترابط في مناهج التربية الاسلامية، فإن عدم مراعاة هذا المعيار من خلال تشتت الموضوعات وخلطها بصورة تجميعية غير منسقة، يؤدي الى تشتت ذهني ايضاً عند التلميذ الذي يدرس هذه الموضوعات، وبالتالي فإن من واجب المؤلفين الانتباه الى قواعد تأليف الدرس وضرورة ارتباطه، بما قبله وبما يليه من دروس.
هــ ـــ معيار الدقة العلمية
خير ما نفتتح به هذا الجزء من الدراسة قول للفيلسوف العقلاني العربي الاكبر ابو الوليد ابن رشد جاء فيه: «اذا كان النص الديني متفقاً مع العقل فلا اشكال، واذا كان مختلفا مع العقل فنحن نؤوله حسب العقل لان الله لا يمكن ان يعطينا عقولاً ويعطينا شريعة مخالفة لها»، فهذا القول يختصر ما يهدف اليه بحثنا عن مدى مراعاة نصوص التربية الاسلامية لمعيار الدقة العلمية، وما يلحق به من تفكير موضوعي ومن موضوعية في عرض القضايا والمفاهيم وتحليلها.
واذا كانت الدقة العلمية تقوم على الصواب والخطأ في المعلومات والمعارف وعلى حداثة الفكرة او المعلومة وعدم تقادمها مع مرور الوقت ووضوح صياغتها، فإن الموضوعية تقوم على البعد عن الذاتية في العرض والتحليل، بحيث يحيط القارئ بجميع أبعاد المسألة، وجميع وجهات النظر الخاصة بها، دون مبالغة أو تمجيد أو تبخيس أو استبعاد. فإلى أي حد يلتزم منهج التربية الإسلامية بمبدأ الدقة والحداثة (UPDate) في عرض المعلومات والمعارف التي يقدمها، وبمبدأ الموضوعية في (Objectivism) في طرح القضايا والمسائل والمفاهيم التي تتضمنها نصوص هذا المنهج؟
قبل الشروع في الإجابة عن هذه الأسئلة نوضح أننا ننطلق في تقويمنا لمضامين التربية الإسلامية المدرسية من قاعدة أساسية وهي أنه باستثناء الإلهيات (من توحيد وعقيدة..) والعبادات (من فرائض عبادية على أنواعها) وباستثناء ما يدخل في النص القرآني أو في الحديث النبوي المتفق عليه، فإن كل كلام يقوله أو يكتبه الناس لا يجب اعتباره كلاماً مقدساً أو مسلماً به، ولا يجب الأخذ به إلا إذا توافق مع العقل والمنطق وقواعد التفكير العلمي الذي لا يتدخل في ما جاءت به الأديان السماوية من حقائق إلهية أو عبادية، ولكنه لا يقبل أيضا بوجود حقائق دنيوية عابرة للتاريخ والزمن صالحة لكل زمان ومكان، فإن كل النصوص التي يكتبها الناس من رجال دين أو باحثين في الإسلاميات أو مؤلفين للكتب الإسلامية المدرسية يجب ان تكون خاضعة للنظر فيها، وأن لا تتناقض مع التفسير العلمي والعقلاني للكون وللقضايا والأمور الحياتية، وهذا ما نحاول تطبيقه على نصوص التربية الاسلامية المدرسية.
مراعاة صحة المعلومات
إن الرؤية الاجمالية لمناهج التربية الإسلامية المدرسية في الكويت، من زاوية مدى احترامها لمعيار الدقة العلمية والموضوعية في العرض والتحليل، تفيد بأن هذه المناهج تراعي صحة المعلومة بوجه عام، ويسعى واضعوها بقدر استطاعتهم، لأن يتحلوا بروح الموضوعية العلمية في معالجة الموضوعات والقضايا الواردة في الدروس الإسلامية، ولكن على الرغم من الجهود المبذولة من المؤلفين لتقديم خطاب تربوي موضوعي، فقد وقعوا في سلسلة من الأخطاء العلمية والمشكلات المنهجية في كثير من الأحيان، وهو ما سوف نسلط الضوء عليه تدريجياً من سنة دراسية إلى اخرى للحث على معالجتها من جانب المسؤولين في وزارة التربية لاحقاً.
لا غبار على كتاب التربية الإسلامية للصف الأول الابتدائي من ناحية المضمون العلمي. وتبدأ الملاحظات على هذا الصعيد مع كتاب الصف الثاني الابتدائي (ك 58) حيث يورد المؤلف (ونعني به المؤلفين) الانجيل قبل التوراة في انشودة عن الكتب السماوية مع ان التوراة (كتاب اليهود) تأتي أولاً يليها الإنجيل كتاب المسيحيين (النصارى) فالقرآن الكريم (كتاب المسلمين) بالتسلسل.
وتقتضي الدقة في احترام التسلسل التاريخي للكتب السماوية أيضا عدم إقحام «الزبور» في هذه السلسلة لأنه يجعل الكتب السماوية أربعة، كما أن المصطلح نفسه لا يفيد ولداً في الصف الثالث الإبتدائي في فهم تاريخ الأديان السماوية. ألا يكفي ان نتحدث للولد عن التوراة فالإنجيل فالقرآن الكريم؟ (ك 58 – ص 20). وفي الانشودة الخاصة بمجال الحديث الشريف، داخل الكتاب نفسه، يقول الشاعر ما يلي:
المرء على دين خليله
فلتنظر من سوف تخالل
الله يحب من العمل
ما دام وإن كان قلائل
إن قول الشاعر هنا معقد ويخلو من الوضوح الذي هو من الصفات الأولى للشعر بصفته كلاماً فصيحاً موزوناً، فكلمة «تخالل» معقدة حتى بالنسبة للكبار فكيف حالها مع أولاد صغار لعويص لفظها وندرة استعمالها؟ وفي البيت الثاني يصعب فهم صلة كلمة «قلائل» ببقية بيت الشعر لأنها لو كانت صفة للعمل لوجب أن تكون «قليلاً» (راجع ك 58 – ص 32).
وعندما تقرأ في الأنشودة نفسها أن «رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القائل» فإن الكلام يكون حرفيا وهذا ما يستحيل في الأناشيد والشعر كما جاء في البيتين الثالث والرابع من قصيدة الحديث الشريف:
صلاة بر وجهاد
ما دون أولئك هو زائل
رتبها في الفضل الهادي
لانك عن سنته المائل
فهل هذا هو قول شريف من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يستحيل ذلك لأن الحديث لا يكون شعراً ولأن كلمة «أولئك» غير صحيحة لغوياً وقد جاء بها الشاعر لضرورة الوزن لا أكثر، والصحيح هو عبارة «ما دون ذلك..». وما معنى عبارة «رتبها في الفضل الهادي؟».
ماذا يرتب التلميذ؟ وما هو الفضل الهادي، وكيف تم الترتيب؟ إن الفكرة ملتبسة شكلاً ومضموناً وتفتقر إلى دقة المعنى وصحة الدلالة، ناهيك عن فصاحته إذ ليس فيها شيء من فصاحة العرب والمسلمين. فهل ان ولدا يستطيع فهم هذه الأقوال بالصورة التي جاءت فيها؟ فيا ليت مؤلفي المناهج التربوية يرحمون النصوص والنفوس الطرية للأولاد!! (راجع ك 59 – ص 34).
وفي الاتجاه الخطأ الذي يخالف مبدأ الدقة في المعلومات ووضوحها يمكن ادراج عبارة «بالصدر أضاؤوا البشرية» في (ك 59 – ص 44) لأن هذه العبارة غير دقيقة علميا وغير فصيحة لغويا مع انها شطر في بيت من الشعر نفترض ان يكون شديد الفصاحة والبلاغة والدقة، وهذا ما لا يتوفر للشطر الشعري المشار إليه، فالبشرية لا تضاء بل تضيء طريق الناس إلى الخير والرقي، ولا يجوز الخلط بين المفاهيم حتى لا يقال كل شيء في أي شيء ونتوهم أن ذلك صحيح وجدير بأن نقدمه لتلاميذ المدارس فوق ذلك. ان للغة منطقها القائم على الفصاحة أولاً والبلاغة ثانيا، وهي ليست مشاعاً مفتوحاً أمام كل أشكال الركاكة والالتباس.
لقد كان بمقدور المؤلف أن يستبدل العبارة الغامضة بعبارة أخرى مثل «ضحوا من أجل البشرية»، فهل هذا صعب على شاعر يكتب القصائد؟!
وفي الإطار نفسه والكتاب نفسه نقرأ في أنشودة في مجال الفقه (ك 59 – ص 56) البيت الآتي:
أكلٌ شربٌ قيءٌ عمداً
يُبطل صومك فيه ضياعه
فهل في بيت مثل هذا شيء من الفصاحة أو البلاغة؟! نحن لا نفهمه إلا بشق النفس وبعد تقديم وتأخير. فكيف تكون حال الولد الصغير مع هذا النمط مما يسمى شعراً؟! وما الحاجة أصلاً إلى الشعر في مجال الحديث النبوي الشريف الذي هو نثر ويجب أن يكون شرحه نثراً أيضاً؟
ومن سياق الأخطاء العلمية ننتقل إلى سياق مكمل يتمثل في موضوعية طرح الموضوعات والقضايا والمسائل الدينية والفكرية والتاريخية ومنها قضايا ما ورائية مثل قضية الحياة بعد الموت، أو البعث، الذي هو الركن الخامس من أركان الإيمان. ومن الطبيعي أن يشرح درس «البعث بعد الموت» معنى البعث لغة واصطلاحاً، وموقع البعث من الإيمان  بالله تعالى وأهميته في حياة الإنسان المسلم من دون الحاجة إلى إيراد البراهين العلمية ع‍لى هذا الموضوع الذي يتخطى نطاق العلم ولا يحتاج إليه أصلاً، فالبعث بعد الموت لا يحتاج إلى دلائل علمية، يجهد المؤلف نفسه في تدبيرها ويجهد التليمذ معه، لأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا بالبعث بعد الموت، في يوم القيامة، يوم يبعث الله من في القبور وذلك في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف وهذا يكفي للإنسان المؤمن فلا حاجة، بالتالي، للبحث عن أدلة المشاهدة الحسية ثم المشاهدة الفعلية لإثبات أمر مثبت في عقل المؤمن ووجدانه. فلا يوجد ما يدعو لبذل الجهد العقلي للبرهان على مسألة لا تحتاج إلى برهان علمي من نوع برهان المشاهدة الحسية لعودة البذرة إلى الحياة من فصل الربيع.
إن علم الزراعة يوضح لنا أن بذور النبات تسقط في الأرض صيفاً وتختلط بالتراب فتبدو الأرض بلا حياة في الظاهر مع أن فيها حياة كامنة (بالقوة) تنتظر رطوبة الماء شتاءً لتتفاعل الحبة مع الماء والتراب وضوء الشمس فتتحول تدريجياً إلى نبتة يانعة. إن الحبوب والبذور لا تكون منعدمة الحياة بين التراب في فصل الصيف، ما لم تكن تالفة أصلاً، ولذلك فهي لا تنبت من فراغ أو من العدم والموت، بل ان الحياة تتحول فيها من شكل بسيط وخفي إلى شكل كامل وظاهر بهي المنظر.
ظواهر علمية
أما دليل النائم فلا يستقيم علمياً لأن النائم ليس إنساناً ميتاً، بل هو إنسان حي في حالة النوم لا أكثر، ثم لا يلبث أن يستفيق ويصبح في حالة يقظة وتنبّه. وقد ينام المرء ساعة في النهار عند العصر ثم يقوم من النوم، فهل كان ميتاً خلال ساعة، ثم أصبح حياً بعد ساعة من الزمن؟! (راجع ك 62 – ص 15).
صحيح ان ديننا الحنيف يُشبِّه النوم بالموت. {والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون}. لكن ديننا يشجعنا على إعمال العقل والتبصر ومن هذا المنطلق نقول:
إن النوم ظاهرة علمية دماغية يعرفها كل من يدرس شيئاً عن عمل الدماغ البشري والموجات الكهربية الدماغية والإفرازات الكيميائية التي تحصل في الدماغ وتؤدي كلها إلى نوم عميق أو ضعيف أو مستقطع بحسب الحالة الدماغية والنفسية ودرجة التعب في الجسم، فما كان أغنانا عن إقحام العلم في أمور الدين وإقحام الدين في شؤون العلم فيلحق الضرر بالعلم وبالدين معاً من دون فائدة لأي منهما، ورحم الله فيلسوف المسلمين أبوالوليد ابن  رشد (1126 – 1198) عندما قال، قبل أكثر من ثمانمائة عام، بالفصل بين الشريعة والحكمة «أو بين الدين والعلم» وبأنهما لا يلتقيان بالموضوع وطريقة العمل بل يلتقيان في المقصد والغاية التي هي سعادة الإنسان وهذا يكفي.
إن بعث الله لمن في القبور مسألة إيمانية لا تحتاج إلى أدلة وبراهين لأن الإيمان بالبعث يتم بالقلب وهو فرض واجب وركن من أركان الإيمان الديني مصداقاً لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه، وبلقائه، ورسله وتؤمن بالبعث» (معجم البخاري، كتاب الإيمان).
أخطاء وأخطاء
في كتاب الصف السادس (ك 64) نقع على أخطاء علمية ونصوص لا تتماشى مع المنهجية العلمية (الموضوعية) في طرح الموضوعات بدءاً بمسألة التوحيد القائمة على شهادة التوحيد (لا إله إلا الله) التي تتحول بحكم التقليد إلى «كلمة» التوحيد مع انها ليست كلمة واحدة بل هي جملة تتضمن شهادة ان لا إله إلا الله ومنها شهادة ان محمداً عبدالله ورسوله. فمفهوم التوحيد هو المقصود وليس كلمة التوحيد بحد ذاتها. وفي تفسير معنى السورة القرآنية يقول المؤلف إنها تعني المرتبة أو المنزلة، أي ان قارئ القرآن الكريم يرتقي من منزلة إلى أخرى عندما يقرأ هذه السور، والمشكلة هي ان المؤلف لا يوضح طبيعة هذا الارتقاء وكيف تكون منزلة القارئ بعد السورة الأولى، وكيف تصبح بعد قراءة السورة الثانية ثم الثالثة، خصوصاً ان الدلالة اللغوية لكلمة «سورة» لا تشير صراحة إلى فكرة الارتقاء والعلو في المكانة والمنزلة، وفي كل الأحوال يحتاج التلميذ إلى شروحات منطقية مبسَّطة عند الحديث عن المفاهيم الدينية الصعبة مثل مفهوم السورة أو الآية التي كانت مألوفة لدينا لكثرة التواتر والتكرار، إلا أن دلالتها ليست بديهية وليست بسيطة كما يتبادر إلى الذهن. وما لم يجد التلميذ أمامه شرحاً واضحاً للمفاهيم الصعبة مثل «الفرقان» أو «السورة» وغيرهما فإنه سوف يقع ضحية للحفظ الأعمى للنصوص أو لأجزاء منها من دون فهم أو وعي حقيقي بها مما يدفعه إلى نسيان هذه النصوص بسرعة والعزوف عنها وعن التربية الإسلامية بوجه عام (راجع ك 64 – ص 51).
وفي حالة اخرى من حالات النقص في المعلومات داخل كتاب التربية الاسلامية للصف السادس ينسى المؤلف اضافة مرحلة الشباب (من 18 الى 29 سنة) الى مراحل النمو التي يمر بها الفرد من الولادة الى الشيخوخة (ك 64 – ص 147) ويضيف المؤلف ان الشباب يمر في مرحلة المراهقة بخصائص اربع والصحيح هو انه يمر بتحولات اربعة وليس بخصائص، فالانسان لا يمر بالخصائص بل يتمتع بخصائص معينة، او انه لا يجوز عليها (ص 153)، وفي درس تكوين الارادة الايجابية لشخصية المسلم (ص 157) يبدأ المؤلف بتمهيد غير دقيق علميا وغير فصيح لغويا في وقت واحد اذ يقول «ان الشباب يمر بأدوار عديدة...» مع ان الادوار مستمرة ولا يمر الشباب بها مرور الكرام ولبعض الوقت لذلك كان من الافضل للمؤلف ان يقول: «يقوم الشباب بأدوار عديدة ومتنوعة  في حياته، منها دوره نحو نفسه...».
بعد ذلك يقول المؤلف: «وكل هذه الادوار المتنوعة يحتاج الشباب الى صفة يتسلح بها وهي الارادة، فيها تتكون شخصية الشاب المسلم وتتميز هويته» لقد نسي المؤلف ان يضع كلمة «وفي» كل هذه الادوار حتى يستقيم معنى الجملة. بعد ذلك ما معنى ان الشخصية تتكون في الارادة؟ هذا كلام غير دقيق بالمرة لان الارادة تابعة للشخصية وهذه الشخصية تتكون في البيت والمدرسة والمجتمع وبحسب الوراثة العضوية والنفسية للفرد وتفاعله مع محيطه وكيف تتميز هوية الشاب المسلم بالارادة؟ هل الشاب غير المسلم ليست له ارادة؟! هذا هراء لان كل الناس لهم ارادتهم وتلحق قلة الدقة العلمية بمفهوم «الارادة الايجابية» على اساس انه توجد ارادة سلبية بنظر المؤلف، وهذا ايضا يفتقر الى الدقة والصدقية العلمية لان الارادة واحدة وهي تتبع شخصية الفرد التي تتحكم بعزيمته وارادته بحسب طموحات الفرد واهدافه.
والطريف هو ان المؤلف يموضع الارادة الايجابية داخل الذات (ك 64 – ص 160) ومعنى ذلك ان الارادة السلبية يجب ان تكون خارج الذات باعتبارها نقيضا للارادة الايجابية وهذا غير صحيح لان الارادة واحدة وتوجد في الذات الفردية لانها جزء اساسي من مكونات شخصية الانسان ولان الارادة الواعية هي التي تمد الشخصية بالطاقة النفسية وتحركها في المجالات الجسمية والحركية والعقلية والوجدانية والاجتماعية والاخلاقية والجنسية معا. وكذلك فان المؤلف يناقض نفسه لانه عندما يقدم تعريفا للارادة يقول انها {قوة كامنة في داخل ذاتنا مصدرها الرغبة في التغير للافضل..».
فكيف تكون الارادة سلبية وفق هذا التعريف؟!
ومن مظاهر الخلل المنهجي في كتاب التربية الاسلامية للصف السادس الجزء الثاني (ك 65) انه يتناول موضوع علم الله تعالى وقدرته (ص 18) فيتحدث عن خصائص العلم الالهي ومزاياه الا انه يخلط بينه وبين معرفة البشر لاسم الله جل وعلا مع ان الامرين مختلفان.
وهذا الخلط يشكل خطأ منهجياً كبيرا طالما ان المؤلف لا يوضح طبيعة الرابط بين علم الله تعالى وبين معرفة البشر لاسمه.
وفي مكان آخر من الكتاب نفسه يقحم المؤلف التلاميذ الناشئين بموضوع المفاضلة بين الاستخارة وبين اللجوء الى العلم ويدعوهم الى التخلي عن استعمال العلم الانساني ويصفه بالنقص والعجز (ص 24).
من الناحية التربوية وحتى الدينية لا نجد فائدة من هذه المفاضلة ومن تعجيز العلم وتقزيمه. لان، التلميذ يأتي الى المدرسة لتحصيل العلوم المتنوعة والا فلا حاجة للمدارس العامة من الاساس، وقد يظن المؤلف ان الاقلال من قيمة العلم يشكل خدمة للدين وهذا خطأ آخر لانه يختلق صراعا لا وجود له بين العلم والدين طالما ان لكل منهما عالمه ومواضيعه وطرقه وادواته ومساره الخاص، فلا ينبغي التضاد بينهما بل انهما يلتقيان في الغاية والهدف وهو سعادة الانسان المخلوق الذي كرمه الله تعالى ثم لماذا نعيد طلابنا الى اشكالية قديمة محسومة منذ حوالي الف سنة؟
ان التلميذ يذهب الى المدرسة طلبا للعلوم والفنون والاجتماعيات واللغات وغيرها فكيف نسفه العلم امام ناظريه من جهة، وندعوه للاستزادة من العلم ولو في الصين، من جهة اخرى؟! وما يضيرنا لو قلنا للتلميذ ان استخدم عقلك وعلمك لحل المشكلات التي تواجهك فإن لم تستطع الجأ الى الاستخارة واتكل على الله؟! ان المؤلف نفسه يعود فيذكر في مكان آخر من الكتاب ما يلي: «للعلم فضل كبير وشرف ومكانة ينالها المتعلم في الدنيا والآخرة» (ص 112).
نظرة المؤلفين تبسيطية
من المظاهر الكثيرة للخلل الذي يضر بروح الموضوعية في العرض والتحليل ان المؤلف يعزو سبب تخلف المسلمين الى انهم «اصيبوا بالترف والرفاهية وتنعموا وخلدوا الى الراحة والبطالة» (ك 65 – ص 50). ان هذا الطرح هو مجرد جزء من العوامل التي ادت الى تخلف المسلمين وتراجعهم. وقد يكون من اضعف عوامل التخلف الاسلامي الذي يعود الى اسباب كثيرة نذكر ابرزها في ما يلي:
ــ تفرق العرب والمسلمين وعدم اتحادهم.
ــ قلة اهتمام العرب والمسلمين بالعلم والتكنولوجيا والصناعة.
ــ جبروت بعض الحكام واستبدادهم.
ــ ضعف النخبة المثقفة في العالم الاسلامي.
ــ غياب حرية التفكير والتعبير والنقد والمحاسبة.
من جهة اخرى يكفي النظر الى المجتمع الاوروبي او الاميركي المرفه ومع ذلك فإن الغرب اقوى من العرب والمسلمين ان التفكير الموضوعي يجب ان يدفع مؤلفي الكتب المدرسية الى عدم زرع افكار ومقولات تبسيطية سطحية في عقول الناشئة.
وتقتضي الموضوعية من المؤلفين طبعاً ألا ينظروا نظرة تبسيطية الى المجتمع والحياة الاجتماعية المعاصرة، وقياسها على الحياة الاجتماعية في عهد الأنبياء، كأن يرى المؤلف أن الحكمة من رعي الأنبياء للغنم تكمن في أن الله تعالى «يدربهم على رعاية الأمم.. وهذا هو الراعي الذي يرعى الرعية..» (ك65 – ص61)، فهل البشر في أيامنا يشبهون قطيعاً من الغنم حتى يحتاجوا الى من يرعاهم؟ إن هذه الرؤية للناس والمجتمع لم تعد مقبولة في أيامنا، كما انها لا تلتقي مع نظرة الاسلام نفسه إلى بني آدم وكرامة الانسان، لقد كان يكفي المؤلف أن يقول إن رعي الغنم يكسب المرء صفات طيبة مثل سعة الصدر والحلم والتأمل في الحياة والكون.
الحلقة الرابعة: مناهج التربية الإسلامية تحتقر العقل وتحاربه

شارك

Share |