حقوقيون: رجال الدين يتخوّفون من انحسار سلطتهم على العائلة
دار الفتوى اللبنانية ترفض "حماية المرأة من العنف الأسري"
مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني |
في ظل الجدل القائم في الشارع اللبناني حول مشروع قانون "حماية النساء من العنف الأسري"، رفض مفتي الجمهورية "أي مشروع قانون يمس بأحكام الشرع الحنيف تحت عناوين براقة مثل الحماية ومناهضة العنف"، فيما اعتبرت الجمعيات المعنية إن هذا الرفض ناتج عن خوف رجال الدين من تراجع دورهم وتكريس لسلطة الرجل.
شهد موقف مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني الخميس تصعيدا بارزا من مشروع قانون "حماية النساء من العنف الأسري الذي عبّر عنه بالرفض القاطع "لأي مشروع قانون يمس بأحكام الشرع الحنيف تحت عناوين براقة مثل الحماية ومناهضة العنف" كما ورد في البيان الذي صدر إثر الاجتماع الموسع الذي عقده في دار الفتوى بحضور أئمة وخطباء المساجد.
ومن جهة أخرى، دان الحقوقيون والجمعيات التي صاغت مشروع القانون هذا الرفض القاطع مرجعين جذوره إلى تخوّف رجال الدين من انحسار سلطتهم على العائلة وحرصهم على تكريس السلطة الأبوية.
دار الفتوى: المشروع يؤدي إلى تفكك نسيج الأسرة المسلمة
في تبريرٍ لأسباب رفض مشروع "قانون حماية المرأة من العنف الأسري"، توقف المجتمعون في دار الإفتاء عند ما أسموه" المخالفات الشرعية الدينية الخطيرة التي يتضمنها مشروع القانون والتي من شأنها أن تؤدي إلى تفكيك نسيج الأسرة المسلمة في لبنان وتمييع تربية الأولاد على نهج الإسلام الحنيف، فضلاً عن تداخل وتنازع صلاحيات المحاكم الشرعية والمدنية ذات الصلة."
والجدير بالذكر أن مشروع القانون قد بُدء العمل عليه منذ عام 2007 ويأتي موقف دار الإفتاء بعد أربع سنوات من بلورته.
والمعلوم ان المادة الأولى من مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري تنص على"مراعاة قواعد اختصاص المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية"، وهو ما يعني قانونياً، أن أي نص قانوني يتعارض مع صلاحيات هذه المحاكم لا يطبق في مشروع القانون.
وحسب اعتبار الجهة الرافضة "إن المشروع يلحق الضرر بالمرأة المسلمة سواء كانت في موقع الزوجة أو الأم أو البنت أو الشقيقة وغيرها، وذلك بمنعها من حقوق كثيرة تحصل عليها حالياً من خلال التحاكم إلى القضاء الشرعي، مما يستدعي إسقاط حقوق المرأة المالية بمجرد ادعاء الزوج بأن زوجته تهدده بالقانون الجديد"، معتبرين أن هذا "يدل على أن الغاية من المشروع لم يكن القصد منها تحسين وضع الأنثى، بل تفكيك التركيبة الاجتماعية للأسرة وقلب رأس الهرم الاجتماعي على الطريقة الغربية التي لا تلائم قواعد وقيم مجتمعاتنا".
"المشروع يقضم صلاحيات المحاكم الشرعية"
واعتبر البيان أن المشروع "يكفّ يد الأب في الأسرة المسلمة عن تربية أولاده، ولا سيما الأنثى، مع كونها أحوج الأولاد إلى حماية الأب ورعايته وتوجيهه وتربيته."
أما بالنسبة لما اعتبره البيان "قضماً لصلاحيات المحاكم الشرعية في المواد /15/18/ من مشروع القانون"، فقد طالبت المادة 15 بتأمين مأوى مؤقت للمعنفين من أم وأطفال، أو إبعاد المدعى عليه المعنف عن المنزل، بانتظار بت المراجع المتخصصة بموضوعي الولاية والحضانة. والمحاكم المختصة هنا هي المحاكم الدينية من شرعية وروحية ومذهبية. أي ان القانون لم يطلب تدخل المحاكم المدنية بهذا الموضوع بل طلب تأمين الحماية فقط.
وتطلب المادة 18 من مشروع القانون إلزام المدعى عليه بعدم التعرض للضحية تحت طائلة التوقيف، وتسديد جميع تكاليف العلاج والاستشفاء لدى إيذائها، كما إلزامه بعدم إلحاق الضرر بالممتلكات الخاصة بالضحية او المشتركة ومنحها اغراضها الشخصية، وتأمين نفقات رعاية اطفاله إلى حين صدور قرار بالنفقة عن المراجع المختصة، وهنا هي الدينية، وإخضاعه لجلسات تأهيل من العنف.
دار الفتوى يعترض على "بدعة اغتصاب الزوج للزوجة"
واللافت في بيان دار الفتوى وصفه المشروع بأنه "يعدل المفاهيم القانونية بشكل سيخلق فوضى قضائية، كتعريف الأسرة في المادة /2/، والتمييز بين الأنثى والذكر في العقوبات، وإدخال مفاهيم جديدة كالعنف الاقتصادي"، مشيراً إلى أنه ايضاً "يستحدث جرائم جديدة كبدعة اغتصاب الزوج لزوجته وتجريم فعله."
ويعترض البيان على ما أسماه "تحويل المراكز الاجتماعية أو الصحية إلى دائرة استخباراتية لتلقي الشكاوى، ثم إلزامها بإحالتها الى النيابة العامة"، معتبراً أن في ذلك "تغييرا جذريا لدور المؤسسات الاجتماعية والصحية، ما يهدد رسالتها الإنسانية". كما يحتج على تحويل المؤسسات القضائية إلى مراكز إخبار بالعنف الأسري، عند الاشتباه بوقوعه، مما يشكل مانعاً حاداً من السير في مساعي الصلح وإنهاء الخلافات حبياً بالتراضي بين الأطراف.
ويقول البيان ان مشروع القانون يخالف "قواعد الإثبات لجهة استدعاء الصغير والقاصر إلى أداء الشهادة على ما نصت عليه المادة 13"، وأنه يترك "أثراً نفسياً على أطفال المسلمين من خلال استجوابهم وإشهادهم على والدهم ورأس أسرتهم، ورؤيتهم لوالدتهم تتحدى السلطة الأبوية المحفوظة له شرعاً وقانوناً مهددة إياه بالسجن"، مما سيؤدي "من دون ريب إلى كسر هيبة عماد الأسرة وإضعاف مكانته المعنوية، وخلخلة كيان هؤلاء الأطفال المنظور إليهم كآباء في مستقبلهم الواعد."
هذا ويرى البيان ان المشروع يحصر خيارات العائلة عند تدخل الضابطة العدلية مما يؤدي إلى إعدام أي محاولة لإعادة اللحمة إلى الأسرة والألفة إلى العائلة، يرى ان الشريعة الإسلامية تعاملت مع الاختلافات العائلية بأساليب متدرجة تبتدئ بالوعظ والإرشاد وتمر بالزجر اللين وتنتهي بتدابير رادعة، ليصف القانون بالموتور، ولا يستند إلا الى مبادئ الرأسمالية المتوحشة ووحدة السوق والفردانية، متنكرة للمفاهيم الدينية والقيم الأخلاقية والأعراف والتقاليد الشرقية والإسلامية، وانه مبني في الأساس على تكريس التمييز بين الجنسين، حيث أغفل عمداً حماية الضعيف في الأسرة كالطفل والعاجز والمسن بقطع النظر عن جنسه."
كما يبرر الرفض للمشروع بالقول إن "مضاعفة العقوبة المنصوص عليها في مشروع القانون لن توصل البتة إلى منع التعدي أو الحد منه بل على العكس ستؤدي ردات الفعل إلى مزايدات ومعاكسات ومناوشات لا تقف عند حد الارتداع بالتهويل بالقانون."
"الموقف الرافض نابع من خوف رجال الدين من انحسار سلطتهم"
وقالت زويا روحانا، رئيسة جمعية "كفى عنف واستغلال" والتي شاركت بصياغة مشروع القانون، أن تخوّف دار الفتوى يعود إلى الرغبة بتكريس سلطة الرجل تحت ذريعة الدين. وأضافت لـ"إيلاف" أن رجال الدين يفضّلون توسيع صلاحيات المحاكم الروحية والدينية وتقلّص دور المحاكم الجزائية، وهذا لحرص إطباق سيطرتهم على العائلة وأن يكونوا الحل لمشاكلها والمرجع.
واعتبرت روحانا هذا الرفض القاطع لمشروع القانون بمثابة تهجّم في غير مكانه ينضوي على تفسيرات مغالطة.
ما أثار دهشة روحانا ليس الموقف الديني فحسب، بل مشاركة جمعيات نسائية أيضاُ فب هذه الحملة المضادة ضد مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري. ودانت الحملة المضادة ضد المشاريع المطالبة بحقوق المرأة التي يتسع نطاقها ليس للبنان فحسب، بل على صعيد العالم حيث تواجه الإتفاقيات الدولية المعنية للمرأة بالرفض.
وحول ما ذكره البيان بأن القانون يستنسخ القوانين الغربية التي تمعن في تفكيك الأسرة في الغرب، وتعالج قضاياها بالطريقة التي تلائم تلك المجتمعات في نظرهم ولا تلائم مجتمعاتنا، أشارت روحانا إلى أن مقدمة القانون استمدت من إتفاقية سيداو الدولية اضافة الى مشروع نموذجي للأمم المتحدة ولكن أخذ بعين الإعتبار المعايير الإجتماعية للبنان.
كما تساءلت روحانا عن أسباب غياب مقف للدولة اللبنانية يدين التهجم على قانون حماية المرأة من العنف الأسري.
وحول صدور موقف رسمي من الجمعيات القائمة على مشروع قانون، لفتت روحانا أن هذا الموقف سيتم بعد مراجعة التحالف الذي يضم 50 جمعية.
ومن جهتها، رأت المحامية دانييل حوّيك التي شاركت في صياغة مشروع القانون، إن موقف دار الفتوى ينطوي على كثير من التهويل والتخوّف، لكن القانون لا يهدد الدين بالخطورة التي وصفها البيان.
وقالت "أن يكون لرجال الدين مأخذ على مشروع القانون فهذا أمر طبيعي و متوقع، ولكن المفاجىء هو هذا الرفض الكلي له شكلاً ومضمونا". وأضافت إنه كان يمكن للرافضين مناقشة تحفظاتهم مع الجهة القائمة على المشروع وتعديله بما يناسب الجميع، ولا يمكن أن يسري أي قانون بالقوة وهناك جهة رافضة. فالنقاش أمر ضروري لمعالجة الأمور، أما الرفض فهو موقف غير مقبول.
وأكّدت حويّك إن القانون من شأنه أن يكون "حمائياً وقائياً ولكنه تحوّر ليصبح عقابياً."
رجل دين يرفض موقف دار الفتوى
وبرز موقف ديني رافض لموقف دار الفتوى، عبّر عنه عضو الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي واللقاء اللبناني للحوار هاني فحص معلّقاً على الجدل المثار حول مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري. ووصف المسألة بأنها "اكبر وأخطر وأعمق وأشد تعقيداً من المبادرة القانونية ومن رغبات علمانية مفهومة لدينا، ولكنها تحتاج إلى تفاهم أعمق، ومن الحماسة المفهومة والمشروعة لدى رجال الدين في الدفاع عن الإسلام كدين وعن رؤيته التشريعية للعلاقات الأسرية."
ويرى فحص "انه لا داعي لهذا السجال الساخن الذي يمكن أن تنفاداه بتشكيل لجان متخصصة من فقهاء حقيقيين وقانونيين متوازنين ومن اختصاصات علمية وعملية متصلة بهذا ألأمر لنصوغ معاً تكييفاً فقهياً قانونياً لقضايا الأسرة المطروحة بإلحاح."
ويؤكد فحص "انه ليس بالضرورة أن يكون أي قانون مدني في شأن الأسرة معادياً للإسلام وإنما معظم الجهود تنصب على تطبيق المسلمين للشريعة مع الانتباه إلى مقاصدها العادلة"، كما "لا يكفي تكرار الكلام بأن الإسلام يساوي بين المرأة والرجل أو أن القانون يسبب تفككاً ويراكم المشاكل النفسية على الأطفال لأن معظم أطفالنا الذين يعيشون مشاكل أسرية مدمرون ولا يجدون من يحميهم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق