لا «وهابية» في الإسلام!
عبد الوهاب الفايز
■ سمو الأمير نايف في لقائه مع منسوبي جامعة الإمام أعاد التأكيد على أمر حيوي مهم ولا يمكن التساهل فيه، وهو أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب منطلقها القرآن والسنة النبوية ولم تأت بجديد وقال: ''بيننا وبين من يتهمنا بالتزمت والتشدد والوهابية كتاب الله ـــ عز وجل ـــ وسنة نبيه ــ صلى الله عليه وسلم ــ فالشيخ محمد بن عبد الوهاب ـــ رحمه الله ــ لم يأت بشيء من عنده، بل هو من كتاب الله وسنة نبيه''.
تأكيد سموه مرة أخرى مهم في هذا الوقت، فثمة استهداف لدعوة الشيخ محمد ومحاولة إلباسها ثوبا خاصا بها يجعلها متفردة عن مسار الإسلام الصحيح، هذا الوصف اعتاد إطلاقه أعداء الدعوة لأهداف سياسية معروفة للمؤرخين والمنصفين الدارسين للدعوة بعيدا عن الأهواء والمقاصد.
بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) عاد بقوة الحديث عن الدعوة الوهابية وهذه العودة دون شك خلفها أهداف سياسية، ولا يمكن أن تخرج هذه الفورة من الاهتمام عبر الدراسات والمقالات والبرامج التلفزيونية والمؤتمرات الإقليمية والدولية لا يمكن أن تخرج هكذا.. ففي عالم السياسة لا تخرج المواقف والأفكار لأسباب نقية موضوعية مجردة، فنحن في عالم تحركه المصالح والأطماع، فكل يعمل لأهدافه ومصالحه.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: إذن ما الأهداف والمطامع السياسية خلف هذه الفورة من الحديث عن الوهابية والسعي لأن تكون لها هويتها الخاصة المتميزة.. وكأنها طريقة أو مذهب خاص له أتباعه ومريدوه؟
الآن لم يعد سرا أو حديثا يفترى عندما يقال إن التركيز القوي على الوهابية ومحاولة عزلها عن مسار الإسلام الأساسي ليس له أهداف سياسية، فالمنطقة يتم فرزها الآن على أسس إقليمية وطائفية، والمشروع الصهيوني يدمج المصالح السياسية والاقتصادية مع التطلعات الدينية والقومية والطائفية.
مع الأسف أننا أهملنا أو (أخذتنا طيبتنا) السياسية! إلى عدم الاهتمام بالدراسة العميقة لمكونات وتوجهات السياسة الدولية ومصالح القوى العظمى والدول الكبرى، وكيف يتم إعادة صياغة هذه الأهداف والمطامع طبقا للتحولات الاقتصادية والسياسية.. كما أننا لم ننتبه إلى خطورة الدراسات والأبحاث التي تساهم في توجه القرارات الدولية الكبرى وتكشف نواياها.
ربما للمرة الثانية أذكر هنا رأيا مهما ذكره مارتن أنديك، أحد خبراء السياسة الدولية، ففي حديث مطول معه في مطلع عام 2002 أبدى استغرابه من ردة الفعل في العالم العربي والإسلامي تجاه أفكار ومشاريع المحافظين الجدد في أمريكا (أي كأنهم يكتشفون شيئا جديدا).. وأشار إلى أن ظاهرة الجمهوريين المحافظين بدأت مع دخول رونالد ريغان للسياسة، فقد دشن معه حقبة جديدة للفكر السياسي والاقتصادي، وهي ما يصفها المؤرخون الاقتصاديون بأنها بداية حقبة الرأسمالية المنفلتة أو المتوحشة، التي بدأ معها تراجع الطبقة الوسطى في أمريكا. وكان أبرز ملامح هذه الحقبة تحرير القطاع المالي وإطلاق مشاريع اندماج الشركات الكبرى .. وانطلاق معدلات الاستهلاك المرتفع، وتراجع الادخار والإنتاج الفردي.
مارتن أنديك يرى أن أي متابع للشأن الأمريكي من كثب، سوف يدرك هذه التحولات وما ستفضي إليه من سياسات دولية، وقد أشار في ذلك اللقاء إلى افتقارنا (أي العرب) إلى مراكز الأبحاث والدراسات التي ترصد ثم تحلل وبعد ذلك تساهم في صياغة قرارات الدول وتوجهات المجتمع.
عندما انطلقت أفكار المحافظين الجدد إلى العالم بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) كانت مدعومة بأكثر من 75 مركزا متخصصا للدراسات والأبحاث في أمريكا وحدها، وقد استخدمت دراساتها وأبحاثها لتبرير الكثير من السياسات الأمريكية في الخارج وداخل أمريكا، وقد حذر من خطورتهم على أمريكا وعلى المجتمع الدولي العديد من المفكرين والسياسيين الأمريكان.. والرئيس الأمريكي كارتر وصف المحافظين الجدد بأنهم أضاعوا (هيبة الدولة) عندما قدَّموا إلى سدة الحكم والمسؤولية رجالات هم أبعد ما يكونون عن الساسة المحترفين، بل هم أقرب إلى موظفي الشركات ووكالات العلاقات العامة!
إن الأمير نايف على حق عندما يؤكد خطورة الانجراف وراء تصور أن (الوهابية) هي خروج عن مسار القرآن والسنة، فهذا التصور إنما استهداف مبطن وخطير لضرب الوحدة الوطنية، وهو إحدى الآليات التي تستخدم بخبث.. وذكاء أيضا لتقديم مجتمعنا ووحدتنا إلى مسار مشروع الشرق الأوسط الجديد، وتأكيد الأمير نايف لا يصدر عن موقف خاص به، بل يشاركه في موقفه هذا كل الغيورين والمخلصين لوحدة بلادنا، فنحن في بلد وضع الدين الإسلامي المستمد من القرآن والسنة هو الإطار الجامع الموحد والموطن للنفوس والعقول وهو المظلة التي نعيش تحتها بسلام من مختلف الأطياف والمذاهب والأديان.. ومن يتصادم مع الدين يتصادم مع وحدة الوطن، سواء كان من المتطرفين المكفرين المفجرين، أو كان ممن يريدون إلغاء الدين ومظاهره، الدين كعقيدة وسلوك والتزام، هؤلاء أيضا يتصادمون بالضرورة مع الوحدة الوطنية. إن لدينا إسلاما يستمد من القرآن والسنة.. وليس لدينا وهَّابية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق