التفسير السياسى للدين : قراءه نقديه
د.صبري محمد خليل/ استاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم sabri.khalil@hotmail.com
تمهيد: هذه الدراسه هى قراءه نقديه للتفسير السياسى للدين ، والمقصود بانها قراءه نقديه انها تتجاوز كل من موقفى الرفض المطلق والقبول المطلق للتفسير السياسى للدين الى موقف نقدى اى قائم على اخذ وقبول ما هو صواب فيه ، ورد ورفض ما هو خطاْ فيه ، ان هذا النقد يستند الى النصوص يقينيه الورود قطعيه الدلاله كمسلمات اولى-على مستوى الاصول- ، كما يستند الى مذاهب السلف واحتهادات اهل السنه كنقطه بدايه لاى اجتهاد سياسى-على مستوى الفروع _ . وهذه القراءه ترفض النقد الموجه الى التفسير السياسى للدين من جانب تيارات التغريب وابرزها الليبراليه التى تستند فى نقدها للتفسير السياسى للدين الى العلمانيه القائمه على فصل الدين –السياسه-عن الدوله. وهو فى الحقيقه ليس موقفا نقديا، بل موقف يقوم على الرفض المطلق.
تعريف : والتفسير السياسى للدين هو مذهب معين فى تفسيرطبيعه العلاقه بين الدين والسياسه، وبقوم على تاكيد واثبات العلاقه بين الدين والسياسه ، ولكنه تطرف فى هذا التاكيد والاثبات الى درجه جعلت العلاقه بينهما علاقه تطابق و خلط لاعلاقه ارتباط و وحده ،وبالتالى ساوى بين الدين والسياسه فى الدرجه، وقد يتطرف فيجعل السياسه اعلى درجه من الدين حين يجعل الغايه هى الدوله – السلطه والوسيله هى الدبن. بينما الدين هو الاصل - والسياسه هى الفرع اى ان الدين للسياسه بمثابه الكل للجزء يجده فيكمله ولكن لا يلغيه، ومرجع هذا التطرف فى التاكيد والاثبات ان هذا المذهب انما ظهر فى المجتمعات المسلمه فى العصور الحديثه والمعاصره كرد فعل على الليبراليه والتى باستنادها الى العلمانيه نفت والغت اى علاقه للدين بالسياسه.
مصطلح الاسلام السياسى:وقد استخدم البعض مصطلح الاسلام السياسى للتعبير عن هذا المذهب، لكن - وكما اشار الكثبير من الباحثين - هناك الكثير من الاشكاليات المتعلقه بالمصطلح ، فالمصطلح يوحى بانه ليس ثمه اسلام واحد ، وان هناك اسلام سياسى واخر غير سياسى، فضلاعن نسبه الاصل(الاسلام) الى الفرع(السياسى). لذا نفضل استخدام مصطلح التفسير السياسى للدين وليس مصطلح الاسلام السياسى، مع ملاحظه ان المصطلح الاخير يصدق فى وصف احد الاخطاء التى وقع فيها التفسير السياسى للدين وهو نسبه الاصل (الاسلام)الى الفرع(السياسه) وليس العكس اى نسبه الفرع الى الاصل.
العلاقه بين الدين والدوله : كما ذكرنا سابقا فان التفسيرالسياسى للدين بقوم على تاكيد واثبات العلاقه بين الدين والسياسه ، ولكنه تطرف فى هذا التاكيد والاثبات الى درجه جعلت العلاقه بينهما علاقه تطابق و خلط ، ونجد جذوره فى اطار الفكر السياسى الاسلامى فى مذهب الاستخلاف الخاص القائم على ان الحاكم ينفرد دون الجماعة بالاستخلاف عن الله في الأرض، وهو مذهب قال به بعض الخلفاء الأمويين والعباسيين، وقال به الشيعة في حق ألائمه من أحفاد على (رضى الله عنه)،ووجه الخطاْ فى هذا المذهب هو أن الاستخلاف الخاص مقصور على الأنبياء ،وبختم النبوة وبوفاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) انتهى هذا النوع من أنواع الاستخلاف، والقول بهذا المذهب يعنى المساواه بين الحاكم والنبى فى الدرجه. فهذا الحل لمشكله العلاقه بين الدين والدولهوالذى يقدمه التفسير السياسى للدين يقارب الحل الذى قدمته نظريتي الحكم بالحق الالهى والعناية الالهيه. هومرفوض اسلاميا لانه يودى إلى تحويل المطلق عن قيود الزمان والمكان (الدين) إلى محدود بالزمان والمكان نسبى فيهما(الدولة أو السلطة)، أو العكس اى تحويل ما هو محدود بالزمان والمكان نسبى فيهما (الدولة) إلى مطلق اى إضفاء قدسيه الدين و اطلاقيته على البشر واجتهاداتهم المحدودة بالزمان والمكان ، و هو ما رفضه الإسلام حين ميز بين التشريع الذي جعله حقا لله والاجتهاد الذي جعله حقا للناس،كما انه مرفوض من الإسلام لأنه يرفض إسناد السلطة الدينية أو الروحية إلى فرد أو فئة تنفرد بها دون الجماعة اى الكهنوتية أو رجال الدين قال تعالى ( واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) الأكثر ون من المفسرين قالوا ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم، فهذه السلطة (التي عبر عنها القران بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) مخوله بموجب الاستخلاف العام للجماعة﴿ كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ﴾ وكما ذكرنا سابق فان مرجع هذا التطرف فى تاكيد واثبات العلاقه بين الدين والسياسه ان هذا المذهب انما ظهر كرد فعل على العلمانيه التى نفت والغت اى علاقه للدين بالسياسه.بدعوتها الى فصل الدين عن الدولة ،وقد كانت العلمانيه في الأصل جزء من الديانة المسيحية تحولت إلي تيار فكرى معين ظهر في مرحله معينه من مراحل التاريخ الاوربى، تحول إلي ثوره ضد تدخل الكنيسة في الحكم ، انتهى إلي أقامه نظام علمانى في موقفه من الدين، فردى في موقفه من المجتمع، راسمالى في موقفه من الاقتصاد، ليبرالي في موقفه من الدولة كان محصله عوامل ثقافية ونفسيه وتاريخية وحضارية سادت أوربا نحو سبعه قرون. وبناءا على هذا فانه بأضافه إلى أن هذا الحل لا يعبر عن الحل الإسلامي للمشكلة ،فان جوهر الدعوة إلى العلمانية في مجتمع اسلامى هو أن تستبدل القيم والآداب والقواعد الاسلاميه (التي تشكل الهيكل الحضاري لهذا المجتمع)، بالقيم والآداب والقواعد الغربية لتحقيق قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية (التغريب).
والحل الإسلامي الصحيح لطبيعه العلاقه بين الدين والسياسه ه يقوم على أن علاقة الدين بالدولة علاقة وحدة وارتباط (لا خلط اوتطابق) وتمييز (لا فصل) ،فهي علاقة وحده( لا خلط او تطابق) لان السلطة في الإسلام مقيده بالقواعد القانونية التي لا تخضع للتغير والتطور مكانا وزمانا وبالتالي لا يباح تجاوز، والتي تسمي في علم القانون بقواعد النظام العام، والتي تسمى باصطلاح القران الحدود ،إذا هي القواعد الآمرة أو الناهية التي لا يباح مخالفتها. ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ( البقرة: 229) : ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾ .(البقرة187)كما أنها علاقة تمييز( لا فصل)لان الإسلام ميز بين النوع السابق من القواعد القانونية والتي اسماها تشريعا، وجعل حق وضعها لله تعالى وحده استنادا إلي مفهوم التوحيد .والقواعد القانونية التي تخضع للتطور والتغير زمانا ومكانا،والتي محلها الفقه في الإسلام ،والتي جعل سلطة وضعها للجماعة استنادا إلي مفهوم الاستخلاف قال تعالى ﴿ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله﴾.
ثبت في صحيح مسلم عن حديث بريدة بن الحصيب قوله (صلى الله عليه وسلم) "إذا حاصرت حصناً سألوك أن تنزلهم على حكم الله ورسوله فلا تنزلهم على حكم الله ورسوله فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك".
ولما كتب الكاتب بين يدي عمر بن الخطاب حكماً حكم به فقال هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر" فقال: لا تقل هذا، ولكن قل هذا ما أرى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
مفهوم الحاكمية: والتفسير السياسى للدين فى بعض قطاعاته يفهم مصطلح الحاكميه القرانى على انه يقابل مصطلح السلطة في الفكر السياسي الحديث. وهذا المذهب قديم كان أول من قال به الخوارج الذين رفعوا شعار " لا حكم إلا لله " ، وفي العصر الحديث قال به البعض استناداً إلى مافهموه من بعض مقولات أبو علي المودودي التي يوضح في مقولة الحاكمية لله وحدة مثل قوله (... إن محور نظرية الإسلام والسياسية تتمثل في نزع جميع سلطات الأمر والتشريع من أيدي البشر..لان ذلك أمر مختص بالله وحدة)كذلك استندوا إلى ما فهموه من كتابات سيد قطب الذي نقل مفاهيم المودودي فيها. ويترتب علي هذا المذهب أن إسناد السلطة للجماعة مناقض لإسناد الحاكمية لله مع انه نتيجة له.
وكان علي ابن أبي طالب هو أول من تعرض لهذا المذهب بالنقد فقال في معرض حديثه عن شعار الخوارج " لا حكم إلا لله " (.. كلمة حق أريد بها باطل ، نعم انه لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، وانه لابد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو وتؤمن به السبل ويؤخذ به للضعيف حتى يستريح بر و يسترح من فاجر) ، فعلي بن أبى طالب يقر إسناد الحاكميه لله ( نعم انه لا حكم إلا لله )، ولكنة ينكر فهم هذه الحاكميه بمعني السلطة التي أشار لها بلفظ الإمرة ( ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله )، ثم يبين ضرورة السلطة لأي مجتمع( وانه لابد للناس من أمير بر أو فاجر)، ثم يبين أن السلطة ممارسه للسيادة خلال الزمان والمكان ومن أشكال هذه الممارسة جمع الفيء ومقاتلة العدو وتأمين السبل ...الخ والله تعالى منزه عن ذلك.
كما يستند هذا المذهب إلى أن لفظ ( الحكم ) الوارد في القرآن يراد به السلطة، وهذا غير صحيح إذا أن هذه اللفظ إذا ورد في القرآن منسوباً إلى الله تعالى فانه يعني السيادة التكليفيه والتكوينية ، وإذا ورد منسوباً إلى الإنسان فأنه يعني الفصل في الخصومات والقضاء كما في قوله تعالى ﴿و داؤود وسليمان إذا يحكمان في الحرث ﴾ وقوله تعالى ﴿وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾
كما يعني الحكمة النظرية كما في قوله تعالى عن يحي عليه السلام ﴿ يا يحي خذ الكتاب بقوة واتيناه الحكم صبيا﴾ وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام ﴿ ربي هب لي حكما وألحقني بالصالحين﴾ في تفسير البيضاوي أن لفظ الحكم ورد في القران بمعني الحكمة النظرية وفصل الخصومات.
و المصطلح الذي يقابل مصطلح الحاكميه في الفكر السياسي الحديث هو مصطلح السياده ويتضح لنا هذا في قول الإمام الغزالي ( الحاكم هو الشارع ، و لا حكم إلا لله تعالى لا حكم غيرة،وأما استحقاق نفوذ الحكم فليس إلا لمن له الخلق والأمر، فإنما النافذ حكم المالك علي مملوكه ولا مالك إلا الخالق، فلا حكم ولا أمر إلا له، أما النبي ( ص) والسلطان والسيد و الأب والزوج فان أمروا أو أوجبوا لم يجب شئ بإيجابهم، بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم ، فالواجب طاعة الله تعالى وطاعة من أوجب الله تعالى طاعته ).فالحاكم عند الغزالي هو الذي له حق وضع القانون ابتداء ( الحاكم هو الشارع) كما انه مصدر السلطة ( أما النبي (ص) والسلطان والسيد والأب والزوج فان أمروا أو أوجبوا لم يجب شئ بإيجابهم بل بإيجاب الله تعالى).
اما مصطلح السلطة كما في الفكر السياسي الغربي فلم يستخدم في الفكر السياسي الإسلامي، وان اشتق من كلمة سلطان التي وردت في القرآن: ﴿ هلك عني سلطانية﴾ ﴿يا معشر الإنس والجن إن استطعتم إن تنقذوا من أقطار السماوات و الأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان ﴾ والمصطلح المقابل له في الفكر السياسي الإسلامي هو مصطلح ( الأمر) ومنه سمي من اسند إلية السلطة ( الأمير) و(أولي الأمر). ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ﴾ ( النساء: 59)و هو المصطلح الذي استخدمه الخلفاء الراشدين والصحابة :
فعند وفاة الرسول(ص) تحدث أبو بكر عن السلطة فقال " إن محمد قد مضي لسبيله ولابد لهذا الأمر من قائم يقوم به".وقال عمر بن الخطاب يصف السلطة " إن هذا الأمر لا يصلح إلا بالشدة التي لا جبرية فيها وباللين الذي لا وهن فيه".وتحدث علي ابن أبي طالب عن إن موت النبي(ص) قد أعقبه تنازع الناس في السلطة فقال... أن تنازع الأمر بعده.
الامامه بين اصول الدين وفروعه: ويقوم التفسيرالسياسى للدين على اساس ان الامامه- السلطه- هى اصل من اصول الدين، وهذا المذهب قال به الشيعه، ولكنه يخالف ماذهب اليه اهل السنه من ان الامامه من فروع الدين لا اصوله يقول الآمدي ( واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ، ولا من الأُمور اللابدِّيَّات ، بحيث لا يسع المكلَّف الإعراض عنها والجهل بها ،بل لَعَمري إنّ المعرض عنها لأَرجى من الواغل فيها ؛ فإنّها قَلّما تنفك عن التعصّب والأهواء ، وإثارة الفتن والشحناء ، والرجم بالغيب في حق الأئمة
والسَّلَف بالإزراء ، وهذا مع كون الخائض فيها سالكاً سبيل التحقيق ، فكيف
إذا كان خارجاً عن سواء الطريق . لكن لمَّا جرت العادة بذكرها في أواخر كتب
المتكلمين ، والإبانة عن تحقيقها في عامة مصنفات الأُصوليين ، لم نَرَ من الصواب
خَرْق العادة بِتَرْك ذكرِها في هذا الكتاب ) (غاية المرام في علم الكلام : ص 363، لسيف الدين الآمدي) .
ويقول الإيجي : « وهي عندنا من الفروع ، وإنّما ذكرناها في علم الكلام
تأسيّاً بمن قبلنا » (المواقف : ص 395) .
ويقول الامام الغزالي ( إعلم أنّ النظر في الإمامة أيضاً ليس من المهمات ، وليس أيضاً من فنّ المعقولات ، بل من الفقهيات ، ثمّ إنّها مثار للتعصبات ، والمُعْرِض عن الخوض فيها ، أسلم من الخائض فيها ، وإن أصاب ، فكيف اذا أخطأ؟ ، ولكن إذ جرى الرسم باختتام المعتقدات بها ، أردنا أن نسلك المنهج المعتاد ؛ فإنّ
فطام القلوب عن المنهج ، المخالف للمألوف ، شديد النِّفار ) (الإقتصاد في الإعتقاد : ص 234) .
ويقول التفتازاني ( لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة ، بعلم الفروع أَليق ،
لرجوعها إلى أنّ القيام بالإمامة ، ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة ،
من فروض الكفايات ، وهي أُمور كليّة تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية ، لا
ينتظم الأمر إلاّ بحصولها ، فيقصد الشارع تحصيلها في الجملة من غير أن يقصد
حصولها من كلّ أحد . ولا خفاء في أنّ ذلك من الأحكام العملية دون
الإعتقادية ) (شرح المقاصد : ج 2، ص 271) .
وجوب الخروج على السلطان الجائر: ويقوم التفسير السياسى للدين على القول بوجوب الخروج على السلطان الجائر، وهو مذهب الخوارج ،اما اهل السنه فيرى بعض العلماء انهم يرون عدم جواز الخروج على السلطان الجائر ويستندون الى بعض نصوص علماء اهل السنه كقول الامام الغزالى في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد انه ( يجب خلع السلطان الجائر إن قدر بلا تهيج قتال، وان لم يكن ذلك ممكنا إلا بتحريك قتال وجبت طاعة ،وحكم بامامتة). لكن هذه النصوص لا تفيد أن اهل السنه انكروا جوار خلع الحاكم الظالم بصوره مطلقه- لأن ذلك يدخل في النهي عن المنكر، ولكنها تفيد انهم اختلفوا في كيفية خلعة وأين ومتى ، فقالوا بعدم جواز خلعه باعتباره استثناء خاص بظروف زمانية ومكانية معينه سنوضحها في أمارة الغلبة، وهذا التفسيرلموقف اهل السنه واضح في قول الامام الغزالي (أنة يجب خلعة إن قدر علي إن يستبدل عنة من هو موصوف بجميع الشروط ومن غير إثارة فتنة ولا تهيج قتال ). وهذا الأمر ممكن في العصور الحديثة بالتداول السلمي للسلطة.. اذا موقف اهل السنه ليس الوجوب بل الاباحه المشروطه بضوابط معينه.
تكفير المخالف فى المذهب : ويقوم التفسير السياسى للدين فى بعض قطاعاته على تكفير المخالف فى المذهب ، وهذا الموقف نجد جذوره عند الخوارج الذين اعتبروا مخالفيهم في الاجتهاد والمذهب كفاراً ، وهوموقف يخالف موقف اهل السنه الذين اباحوا الخلاف فى الفروع دون الاصول.
تكفير الحكام : كما يقوم التفسير السياسى للدين فى بعض قطاعاته على تكفير الحكام الذين لا يطبقون النظام القانونى الاسلامى دون تمييز استنادا الى قوله تعالى( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )(المائدة:44( ويرتد هذا المذهب ايضا الى الخوارج الذين اتخذوا هذه الآية حجة لتكفير الحكام والخروج عليهم،وما عليه اهل السنه هو وجوب التمييز بين عدم الالتزام بالشرع مع الاقرار به فهو ظلم او فسق، وعدم الالتزام بالشرع مع انكاره فهو كفر بدليل قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } [5 /المائدة /45]. { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } [5 /المائدة /47]. روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ قال: من جحد ما أنزل الله، فقد كفر، ومن أقرّبه، لم يحكم به فهو ظالم فاسق. أخرجه الطبري في جامع البيان بإسناد حسن. سلسلة الأحاديث الصحيحة للإلباني ذكره أبو عبد الله بن بطة في الإبانة الحكم بغير ما أنزل الله.
لذا ينسب لابن عباس في رده على الخوارج " إنه ليس الكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفراًً ينقل عن الملة: كفر دون كفر"
يقول الشيخ الألباني )وقد جاء عن السلف ما يدعمها، وهو قولهم في تفسير الآية: «كفر دون كفر»، صحّ ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم(
تفسير مقوله( ما يزرع الله بالسلطان أكثر ما يزرع بالقرآن) : المقوله السابقه بلفظها ذكرها اهل الادب والسياسه( انظر: تهذيب الرياسة وترتيب السياسة للقلعي ، ص 95، ط. مكتبة المنار، الأردن و الكامل في اللغة والأدب للمبرد )،وهى صياغه لغويه لمقوله عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) ( ما يزرع الإمام أكثر مما يزرع القرآن )( أخرجه بن عبد البر في التمهيد 1/118) قال ابن منظور في (اللسان: 8/390 ) (معناه : أن من يكف عن ارتكاب العظائم مخافة السلطان أكثر ممن تكفه مخافة القرآن والله تعالي، فمن يكفه السلطان عن المعاصي أكثر ممن يكفه القرآن بالأمر والنهي والإنذار). فالمقوله اذا تشير الى الضروره الاجتماعيه للسلطه ولكنها لا تشير الى المساواه بين الدين والسلطه فى الدرجه .
منهج التغيير: ان التفسير السياسى للدين يركز على التغيير الموضوعى الاجتماعى فى شكله السياسى ويتجاهل التغيير الذاتى الفردى ، كما انه يخلط بين مراحل التغيير وهى :اولا: مرحله الممكن (الاستطاعه) ومن ادلتها قوله تعالى (فَاتّقُواْاللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله صلى الله عليه وسلم( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه مااستطعتم )(متفق عليه) ثانيا: مرحله ما ينبغى ان يكون(العزم) ومن ادلتها قوله تعالى ( إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الامور)( لقمان: 17) . ومرجع هذا الخلط تجاهله لقاعده التدرج التى اقرها الاسلام، وهى ماثله فى السيره النبويه (المرحله المكيه والمرحله المدنيه)، كما هى ماثله فى بيان عمر بن عبد العزيز لابنه ( إنّ قومك قد شدّوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة، ومتى أريد مكابرتهم على انتزاعها في أيديهم ، لم آمن أن يفتقوا على فتقاً تكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا أهون علي ، من أن يراق في سببي محجمة من دم ، أو ما ترضي أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ، ويحيي فيه سنة ، حتى يحكم الله بيننا ، وبين قومنا بالحق وهو خيرالحاكمين )(حلية الأولياء 5/282- صفة الصفوة لابن الجوزي 2/128) .
اما اساليب التغييرالتى يتبناها انصار التفسير السياسى للدين فيمكن حصرها فى ثلاثه اساليب هى:
(ا)القوه النظاميه (الانقلاب) واماره الغلبه : يستند بعض انصار التفسير السياسى للدين الى الانقلابات العسكريه كاسلوب للتغيير، وهى كظاهره تكاد تكون المرحلة التالية لمرحلة التحرر من الاستعمار على مستوى العالم الثالث كله. وهذه الظاهره هى حصيله فشل تطبيق الديمقراطية فى العالم الثالث نتيجه للتخلف الديمقراطى : انعدام أو ضعف التقاليد الديمقراطية بفعل الاستعمار وما صاحبه من تخلف ثقافي ومادي، إضافة إلى تطبيق المفهوم الليبرالي القائم على سلبية الدولة بالنسبة للممارسة الديمقراطية. وقد استندوا فى تبرير الاستناد الى الانقلابات العسكريه الى طلب الرسول صلى الله عليه وسلم للنصره واماره الغلبه ،غير ان طلب الرسول للنصره هو حكم خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم فى المرحله المكيه اما اماره الغلبه فقد اتفق علماء الإسلام علي أن البيعة عقد مرضاة واختيار لا يدخله إجبار ، وبالتالي فان البيعة التي يدخلها الإجبار غير شرعية ويجب إزالتها، ولكن ما يرونة هو أن هذه البيعة غير الشرعية قد تظل مستمرة في بعض الظروف دون أن يعني هذا شرعيتها . من هذه الظروف أن نموذج الدولة السائدة في عصرهم كان محتوما عليها أن تكون مقاتلة غزوا و دفاعا ،بالتالي فان القيادة القويه ضروريه لبقاء الدوله، فإذا ضعفت القيادة أدي ذلك إلى توقف الدولة عن القتال، وبالتالي الفتك بها وتمزقها ، وعلي هذا فانه في حاله عدم وجود القيادة التي تتوافر فيها الشرط الشرعية، ووجود القيادة القوية التي لم تتوافر لها الشرعيه، فانه يجب استمرارها بحكم الضرورة لا الإقرار بشرعيتها حتى لا تتمزق الدولة .وهناك أيضا ظروف مماثله لها وهو انه في أوقات الخطر الذي يتهدد الامه كلها يجب تأجيل الدفع الاجتماعي ( خلع الحاكم الظالم) لا الغائة، وتحالف كل قوي الأمة لمواجهة العدو ،لا إلغاء هذه القوي. وبهذا فان علماء الإسلام بقولهم بإمارة الغلبة لم يقرروا قاعدة صالحه لكل زمان ومكان وإنما اجتهدوا في حل مسالة طرحها واقعهم الزماني والمكاني أخذا بقاعدة الضرورة ويدل علي هذا قول الغزالي ( .... فليت شعري من لا يساعد علي هذا، ويقضي ببطلان الإمامة في عصرنا لفوات شرطها، وهو عاجز عن الاستبدال بالمتصدي لها، بل هو فاقد للمتصف بشرعيتها ،فأي أفضل: القول أن القضاة معزولون وان الولايات باطلة و الانكحة غير منعقدة ...... أم القول بالإمامة منعقدة والتصرفات والولايات نافذة بحكم الحال والاضطرار ومعلوم أن البعيد مع الأبعد قريب وان الشرين خير بالإضافة ويجب علي العقل اختيارة ) (الغزالي الاقتصاد فى الاعتقاد ،ص41)وفي حاشية الباجوري( ... ثالثها استبدال شخص مسلم شوكة فتغلب علي الإمامة ولو غير أهل لها، فتنعقد امامته وتنفذ أحكامه للضرورة" قال الشربيني " والطريق الثالث : استيلاء شخص فتغلب علي الإمامة بجامع للشرط المعتبرة في الإمامة علي الملك بقهر وغلبة بعد موت الإمام ، لينتظم شمل المسلمين) (الشربيني، مغني المحتاج، ص66) .
(ب)القوه غير النظاميه والتترس: كما استند بعض انصار التفسير السياسى للدين الى استخدام القوه غير النظاميه ممثله فى الجماعات المسلحه كاسلوب للتغيير ، غير انه يجب ان توافر شروط وضوابط الجهاد في اعمال هذه الجماعات - باعتبارها اعمال عسكريه - حتى تكون شرعيه ، وقد بررت بعض هذه الجماعات بعض الأعمال التي يترتب عليها قتل المسلمين بقاعدة التترس اى جواز قتل المسلم إذا تترس به الكافر، وهذا التبرير غير صحيح
لأن التترس لا يكون إلا في حاله الحرب( الاشتباك العسكري).ولأن من أباحه جعل له شروط لا تنطبق على هذه الأعمال هذه الشروط هي: أن تكون المصلحة منه: 1/ضرورية( اىلا يحصل الوصول إلي الكفار إلا بقتل الترس).2/ كليه( اى أن عدم قتل الترس يترتب عليه أن يستولى الكفار على كل الامه).3/ القطعية( أن تكون المصلحة حاصله قطعا). ( القرطبى ، الجامع لأحكام الفران، ج16، ص285). واخيرا فان هناك من الفقهاء من حرم الترس كالإمام مالك استنادا إلي الايه﴿ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطاوهم فتصيبكم منهم معرة دون علم.. ليدخل الله في رحمته من يشاء.. لو تزايلو لعذبنا الذين كفروا عذابا أليما﴾ فالايه تفيد وجوب مراعاة الكافر في حرمه المسلم.
(ج)التداول السلمى للسلطه و الموقف من الليبراليه: كما استند كثير من انصار التفسير السياسى للدين الى التداول السلمى للسلطه والديمقراطيه كاسلوب للتغيير ، استنادا الى موقف فقهى قائم على أباحه الاسلام للتعدديه السياسيه بشرط عدم مخالفه أو عدم الاتفاق على مخالفه القواعد الأصول ، وباعتبار أنها شكل من أشكال التعددية التي اقرها الإسلام ويؤكدها التاريخ الاسلامي، حيث نجد التعددية الفكرية الدينية حتى في إطار أهل السنة( الاشعريه، الحنابلة، الطحاويه،أهل الظاهر،الماتريديه)كما نجد التعددية القانونية ( الفقهية) حتى في إطار أهل السنة(المالكي، الشافعي،الحنبلي الحنفي...). وكذلك إقرار علماء الإسلام للتعددية ،يقول ابن تيميه( الأحزاب التي أهلها مجمعون على ما أمر به الله ورسوله من غير زيادة أو تقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم... وإذا زادوا في ذلك أو نقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل... فهذا من التفرق الذي ذمه الله ورسوله)(الصاوي، شرعيه الانتماء إلي الأحزاب والجماعات الاسلاميه، ص 112). وإقرار علماء الإسلام لحرية ألمعارضه السياسية يقول الماوردى(وإذا بغت طائفة على المسلمين وخالفوا رأى الجماعة وانفردوا بمذهب ابتدعوه و لم يخرجوا عن المظاهرة بطاعة الإمام ولا تحيزوا بدار اعتزلوا فيها ... تركوا ولم يحاربوا وأجريت عليهم أحكام العدل)( الأحكام السلطانية) .
ويعلق السرخسى في المبسوط على موقف الإمام على بن أبى طالب من الخوارج بقوله( فيه دليل على أنهم ما لم يعزموا على الخروج فالإمام لا يتعرض لهم بالحبس والقتل وفيه دليل على أن التعرض بالشتم للإمام لا يوجب التعذير)(ج10، ص125-126)
غير انه يجب اضافه جمله من الضوابط لهذا الاسلوب فى التغيير، ومنها انه يجب تقرير أن النشاط السياسي للأحزاب الاسلاميه ليس صراع ديني بين مسلمين وكفار بل صراع سياسي يدور فى إطار الاجتهاد في وضع حلول للمشاكل التي يطرحها الواقع.هذا التقرير مبنى على تقرير أهل السنة أن الامامه( السلطة) من فروع الدين لا أصوله( بخلاف الشيعة الذين قرروا أن الامامه من أصول الدين وبخلاف الخوارج الذين كفروا مخالفيهم). كما هو مبنى على عدم نفى القران صفه الأيمان عن الطوائف المتصارعة" وان طائفتان من المؤمنين اقتتلو فأصلحوا بينهما فان بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلي أمر الله". كما هو مبنى على أن الصحابة اختلفوا في مسالة السلطة إلي حد القتال(على بن أبى طالب ومعاوية- على وعائشة... رضي الله عنهم) دون أن يكفر احدهم الأخر.
ومن هذ الضوابط ان لا تتحول هذه الاحزاب الاسلاميه الى احزاب ذات شكل ليبرالي و التي هي المعادل السياسي للنظام الرأسمالي القائم على المنافسة الحرة من اجل الربح،فيصبح نشاطها السياسى شكل من اشكال التجاره بالدين.
ومن هذه الضوابط تخليص الديمقراطية من حيث هي نظام فني لضمان سلطة الشعب ضد استبداد الحكام من الليبرالية (أي من العلمانية والرأسمالية والفردية..) وذلك بالديمقراطية ذاتها لا بإلغاء الديمقراطية. وهذا الموقف نجد له سندا من دستور المدينة الذي اقر الحريات الدينية والسياسية لغير المسلمين( اليهود).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق