دعوة لمؤتمر تربوي من أجل تونس موقع المسلم
دعوة لمؤتمر تربوي من أجل تونس
الهيثم زعفان | 4/3/1432 هـ
سبحان المعز المذل، بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال.
وقد تغير الحال بأمر الله في تونس، ونزع الله سبحانه وتعالى الملك من "بن علي" وصار ذليلاً بين عشية وضحاها، جمدت الأموال التي أخذها بحق وبغير حق، شرد هو وأهله في الأمصار، سخر منه الصغير، وتندر به الكبير، وهكذا سنة الله في الأرض، من يبغي لا يرحم، ومن يرحم يرحم، وسبحان مالك الملك.
في خضم الأحداث الراهنة والساخنة في تونس يشتم المرء رائحة دوائر مغلقة عديدة عقدت واجتمعت، وجمعت معها أكابر خبراء السياسات والاستراتيجيات لمناقشة الوضع في تونس، ولعل تكتيك التسويف الوقتي الحادث الآن من بقايا نظام "بن علي"، يعين الدوائر المغلقة على التفكير في أنسب الحلول لإدارة الأزمة الراهنة، والخروج منها دون أن تنسلخ منهم الكعكة التونسية، ويأكلها أهلها. وأحسب أن الشعب التونسي لن ينطلي عليه الأمر هذه المرة، فهو خبير بمكائد القوم. ومن هذا المنطلق من حقنا نحن كذلك كمسلمين أن نفكر، فنحن أحق ببحث أمور أمتنا لا أعداء الأمة والمتربصين بها، ومن حق شعب تونس المسلم علينا أن نحمل همه، وأن يضع كل عالم وكل مفكر وكل باحث مسلم بصمته من أجل نهضة هذا البلد المسلم.
إن ما أود أن أتحدث فيه هو أننا الآن أمام عهد جديد في تونس ستتغير معه كافة سياسات الدولة، ومن أهم السياسات التي يجب أن تتغير في تونس وفق وجهة ربانية صحيحة هي السياسات التربوية والتعليمية.
فمعلوم للجميع أثر الفرانكفونية والعلمانية على التربية والتعليم في تونس؛ وبخاصة التعليم الديني، وما حال جامعة الزيتونة الإسلامية عنا ببعيد.
فحقبة "بورقيبة" غربت التعليم التونسي تماماً، وجاءت حقبة "بن علي" لتسير على درب "بورقيبة" بصورة أشد عنفاً، وتقصي الهوية العربية والإسلامية من واقع التعليم التونسي، فخرج جيل معظمه غيبت عنه الوجهة الصحيحة، لسانه مشبع باللغة الفرنسية على حساب العربية لغة القرآن، وهذا كان ملاحظاً للعامة في هتافات المتظاهرين ولافتاتهم الاعتراضية. فضلاً عن سيادة الثقافة الفرنسية في كافة أرجاء الدولة التونسية، حتى أطلق البعض على تونس أنها قطعة من باريس، وخانت باريس في النهاية صديقها الوفي "بن علي" ورفضت استقباله وهو هارب وفار إليها، بحكم الصداقة.
إن سلبيات تربية وتعليم "بورقيبة" ومن بعده "بن علي" أكثر من أن تحصى، وحاملي الهم من أهل تونس سطروا بأقلامهم أطنان من الأوراق الراصدة والمتألمة من تلك السلبيات المفجعة، وما أحدثته في المجتمع التونسي من تغريب وتفسخ، وواقع تربوي مؤلم.
من هنا كانت دعوتي لعقد مؤتمر تربوي يجمع علماء الأمة الثقات، وخبراء التربية الحاملين لهم الأمة من داخل تونس ومن خارجها، لمناقشة الأوضاع التربوية والتعليمية بتونس، والخروج من المؤتمر بأجندة سياسات تربوية، قابلة للتنفيذ العملي، من حيث، الكيانات التعليمية والتربوية، نوعية التعليم سواء كان دينياً أو تطبيقياً، طبيعة المناهج التربوية والتعليمية، إعداد المعلمين وتأهيلهم، الأنشطة التربوية المجتمعية سواء من خلال المدارس والجامعات أو من خلال المساجد، وسائل الإعلام، حلق القرآن الكريم، الجمعيات الخيرية، المراكز البحثية والفكرية، المراكز والشركات التدريبية.
أحسب أن مثل هذا المؤتمر تحتاجه تونس الآن أشد الاحتياج، وهذا هو التوقيت المناسب سياسياً لعقده، ويمكن طرح بعض المؤشرات التي قد تساهم بإذن الله في إنجاح هذا المؤتمر التربوي وهي:
أولاً....تبني أحد كبار العلماء الثقات، أو إحدى المؤسسات الدعوية الكبرى في العالم الإسلامي لفكرة المؤتمر ورعايته.
ثانياً.... الاستعانة بعلماء تونس من أجل تقديم تقرير مفصل عن الوضع التربوي والتعليمي الراهن في تونس، وذلك من أجل الوقوف على حجم الأزمة التربوية والتعليمية التونسية، ومن ثم تحديد أنسب وسائل العلاج وتصحيح المسار.
ثالثاً..... دراسة حالة جامعة الزيتونة الإسلامية التونسية، وتقديم تقرير واف من قبل علماء تونس عن حالتها الراهنة، وذلك من أجل بحث كافة سبل تصحيح مسارها بناءً على ما يتقدم من معلومات حول أحوال الزيتونة الراهنة المحزنة.
رابعاً.... بحث فكرة إنشاء فروع للأزهر الشريف، والجامعات الإسلامية الكبرى بالمملكة العربية السعودية في ربوع تونس.
خامساً.... حث الأزهر والجامعات الإسلامية على تقديم منح وبعثات للطلاب التونسيين لدراسة العلوم الشرعية بها.
سادساً.... السعي لعقد دورات تدريبية تربوية للمعلمين التونسيين تؤهلهم نسبياً للقيام بوجباتهم التربوية والتعليمية وفق رؤية عقدية واضحة وصحيحة.
سابعاً.... حث ومساعدة المدارس الخاصة في تونس وكذلك أثرياء تونس على إنشاء مدارس تتبنى مناهج تعليمية وتربوية منضبطة شرعاً وفق تحكيم العلماء الثقات، مع حث ومساعدة المدارس القائمة على تصويب مسارها التربوي والتعليمي، ليتوافق مع شرع الله سبحانه وتعالى. ويمكن في هذا الشأن الاستعانة بالمناهج الشرعية المطبقة في التعليم الأزهري أو المدارس السعودية، كي يتم تدريسها بحالتها في المدارس التونسية المستحدثة أو الراغبة في تصويب مسارها.
ثامناً..... وضع برنامج زيارات يقوم بها العلماء والخبراء الحاضرين للمؤتمر، إلى تونس، وكذلك ترتيب الزيارات للعلماء والخبراء الذين لم يتمكنوا من حضور المؤتمر، وذلك من أجل صناعة مناخ تربوي عقدي داخل المجتمع التونسي، وتهيئة المجتمع التونسي عقدياً لتقبل التغييرات التربوية والتعليمية المأمولة.
تاسعاً.... تشكيل لجنة من خبراء التربية وعلماء الشريعة لتنقيح المناهج التعليمية والتربوية التونسية القائمة، مع وضع تصورات لمناهج تربوية وتعليمية جديدة تناسب المناخ التونسي، وتأخذ بأحدث الأساليب العلمية المضبوطة عقدياً، والمصاغة وفق مراد الشارع سبحانه وتعالى.
عاشراً..... توثيق النتائج النهائية وتوصيات العلماء والخبراء في تقرير مفصل، مع محاولة الخروج بنتائج عملية، من تشكيل للجان، وتحديد وتوزيع للمهام، والبدء في تطبيقها على أرض الواقع.
إن تونس الآن في أشد الحاجة لكل عقل مفكر يحمل هم الأمة، والإيقاع سريع، وموازين القوى تحكمها اعتبارات عديدة، وأحسب أن أي تحرك من العلماء الثقات لوضع رؤية للسياسات التربوية والتعليمية في تونس، سيفيد بإذن الله ولو نسبياً في المسار التربوي والتعليمي التونسي، بعد أن خلخلت ثورة الشعب الكيان العلماني والفرانكفوني الذي بنته الدولة الفرنسية، وانهياره واضح للعيان.
كما أن هذا المؤتمر التربوي يمكن أن يعقد مثله من أجل بحث هموم المرأة التونسية المسلمة، وتقديم يد العون لها بعد أن عانت مرارة التضييق على يد المخلوع "بن علي".
وكذلك كافة القطاعات التونسية في أمس الحاجة الآن لخبرات العلماء الثقات، والمفكرين الكبار وصانعي السياسات، لإضاءة المسار تشريعياً، سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، وخيرياً.
لكن دعونا نبدأ بالدعوة للمؤتمر التربوي عسى أن يتقبله الله، ونجد للمؤتمر ثمرة تكليفية على أرض الواقع التونسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق