الاردن و صراع الهوية والقيم.. قضية الكازينو كنموذج احمد الرواشده |
النقاش والجدال الدائر في الاردن حول قضية الكازينو يتعدى كونه صراعا من اجل محاربة الفساد الى كونه صراعاً حول الهوية بمفهومها الشامل والواسع والانتماء الحضاري الى منظمومة من القيم والمعتقدات الدينية والحضارية، والانتماءت الفكرية والثقافية للنخب السياسية والاقتصادية في الاردن من جانب اخر، انه صراع حول الهوية والقيم بين الاتجاهين في مجتمع كثيراً ما يوصف بانه مجتمع اسلامي محافظ. ولعل هذا الصراع الذي لم يصل الى حالة الصدام العنيف يحمل في ثناياه ازمة ثقة كبير يزيدها الزمن صعوبة في التجسير بسبب التناقض الآخذ في الازدياد بين القيم النخبوية وقيم المجتمع الاردني مما يرسخ حالة من عدم الثقة والشك والارتياب بين الجانبين ويفرغ أي جهد من مضمونه لتحقيق مايسمى بالاصلاحات. هذا التناقض يمكن رؤيته والاستدلال عليه بشكل واضح فيما بات يعرف بقضية الكازينو في الاردن والجدال الدائر حولها سواء في الشارع الاردني او تحت قبة البرلمان، فالنقاش الذي دار داخل مجلس النواب لدى تناوله هذ القضية التي شغلت الرأي العام الاردني، بالاضافة الى المعلومات الواردة في تقرير لجنة التحقيق التي شكلها مجلس النواب، تظهر بشكل جلي التمايز الكبير الذي يصل الى درجة التناقض بين قيم ومعتقدات وانتماءات النخب من جانب والمجتمع الاردني من جانب اخر، واخشى أن يصل التناقض الى حد الانفصال الكامل بحيث تغدو هذه النخب غير معبرة عن واقعها الاجتماعي مما ينذر بمخاطر كبيرة تتحمل النخب وزرها الاكبر، حيث اتيحت لها الفرصة اكثر من مرة لتدارك اخطائها وتعديل نهجها وخطابها ولكنها للأسف هاهي تضيع الفرصة تلو الفرصة في ظل محدودية الزمن المتبقي لديها. قضية الكازينو ليست قضية فساد مالي فحسب بل هي اعمق وابعد جذوراً من ذلك، فهي تعبير واضح عن رفض جزء كبير من المجتمع الاردني لقيم ومعتقدات النخب وللنهج الاقتصادي والسياســـي في البلد، كما تــعبر عن شرخ واسع بين قيم المجتــــمع والنخب، وكذلك هي تعبير عن اختلال كبير في عملية صنع القرار السياسي في الحكومة الاردنية مما شكل عامل استفزاز للقيم المجتمعية للشعب الاردني. النهج الاقتصادي يدور منذ امد ليس بالقصير نقاش وجدال حول انعكاسات النهج الاقتصادي على المجتمع الاردني، ورغم كل المحاولات المبذولة من قبل النخب السياسية والاقتصادية لاقناع الاردنيين بصوابية هذا النهج وبأنه سيؤدي الى تحقيق امانيه وطموحاته، الا ان الأنعكاسات الناجمة عن برنامج الاصلاح الاقتصادي وما تضمنه من تراجع دور الدولة على كافة المستويات وبرامج الخصخصة للمشاريع الحكومية الكبرى التي ذهب جلها لشريك استرتيجي لانعرف عنه شيئاً، والضرر الذي لحق بالاردنيين جراء ذلك، بالاضافة الى تحجيم دور القطاع العام لصالح القطاع الخاص تحت بند تشجيع الاستثمار، وقيام الدولة بدور الجابي فقط دون تقديم الخدمات والرعاية التي من المفترض القيام بها تحت وطأة التبعية للقرار السياسي والاقتصادي للخارج، مما ادى لاحداث خلخلة في الوضع الاقتصادي والاجتماعي لكافة شرائح المجتمع الاردني. من حيثيات التحقيق الذي اجرته اللجنة البرلمانية في قضية الكازينو يتضح ان توفير الايرادات المالية لخزينة الدولة كان المعيار الاساسي لعمل الحكومة، بعيداً عن اعتبارت القيم والدين والاخلاق لا بل وبعيداً عن مصالح الدولة الحقيقية والحفاظ على سيادتها، فالاتفاقية اضافة لمخالفتها الدين الاسلامي والذي يفترض انه دين الدولة الرسمي وواجب المسؤولين احترامه، يقيد سيادة الدولة من قبل الشركة المالكة للكازينو بل ويفرض عليها التزمات تتعارض مع مبدأ السيادة، كل ذلك بحجة توفير موارد للخزينة من مشروع رفضت اسرائيل اقامته لان الديانة اليهودية تحرمه فحري بنا نحن المسلمين ان نحترم ديننا كما يفعل الآخرون. التأييد لاقامة المشروع لايقتصر على وزير السياحة فقط بل هو موقف الحكومة حتى اولئك الذين لم يوقعوا على القرار او وقعوا بدون علم لان المسؤولية تتحملها الحكومة بشكل جماعي، وكذلك بعض النواب الذين يفترض فيهم حماية مصالح الشعب وقيمه ومعتقداته امام تغول هذه النخب أيدوا هذا المشروع مبررين ذلك حسب المبدأ الميكافيللي الغاية تبرر الوسيلة والغاية هنا زيادة موارد الخزينة. اختلال قيم المجتمع جاء في حيثيات تقرير لجنة التحقيق ان رئيس الحكومة سأل وزير العدل عن رأيه في المشروع، واجابه الوزير بأن ذلك يخالف القيم الدينية والقواد القانونية رد عليه رئيس الحكومة (مازحاً) بأن ميوله اسلامية، وبغض النظر عن مدى جدية هذا القول الا انه يعبر بوضوع عن قيم جديدة في المجتمع الاردني تتعارض بشكل لا لبس فيه مع معتقداته وقيمه الدينية والثقافية والذي كثيراً ما يوصف بانه مجتمع محافظ وبأن الاسلام هو دين الدولة الرسمي فهل يتساوق هذا مع ذاك، رئيس مجلس النواب الذي ينتمي الى قبيلة عربية مسلمة معروفة بقيمها واخلاقها البدوية النقية الاصيلة لم يتورع عن تأييد هذا المشروع لا بل وذهب ابعد من ذلك عندما صرح لاحدى وكالات الاخبار الاردنية، بأن الخمر حرام ولكننا نسمح ببيعه فما الما نع ام يكون عندنا كازينو (اما ان نحرم كل شيء او لا). لكن التصريح الاخطر جاء من نائبة اردنية في احد اللقاءات مع فضائية اردنية وأيدت فيه اقامة الكازينو لانه يوفر موارد لخزينة الدولة وقالت ان هذا التهويل حول قضية الكازينو غير مبرر حيث يوجد في عمان (اكثر من مليون بيت دعارة) حسب قولها فلماذا لانمنع ذلك - لاحظ انني اتحدث عن مجتمع يصف نفسه بانه محافظ وبانه اسلامي- نائب اخر قال حاشا لله ان نطعم الشعب الاردني من مال حرام قذر يأتي من الكازينو لا انه لم يتردد في اعلان دعمه لاقامة الكازينو من اجل توفير المال اللازم لسداد ديون الاردن.هذه النماذج تظهر بوضوح مدى الانفصام مابين النخب والمجتمع الاردني التي توشك ان تصل الى القطيعة المطلقة . اختلال في صنع القرار لعل هذا الجانب هو الأخطر في قضية الكازينو، فهي ليست قضية فساد مالي او اخلاقي فحسب بل هو فشل ذريع في كيفية اتخاذ القرارات السياسية العليا، وهو يعبر عن مدى الفوضوية في اتخاذ القرار للتهرب من المسؤولية وتبعاتها، وحسب الدستور فان رئيس الوزراء والوزراء يتحملون المسؤولية المشتركة عن رسم وتنفيذ السياسة العامة للدولة وتكون مسؤوليتهم تكافلية وتضامنية اي بمعنى اذا اخطأ وزير يتحمل الجميع وزر هذا الخطأ، وفيما يتعلق بقضية الكازينو يبدو ان المحرك الاساسي لها هو وزير السياحة بينما بقية اعضاء المجلس لاعلم لهم رغم ان ذلك لايعفيهم من المسؤولية، والخلل هنا في طريقة عمل المجلس الذي كان من المفترض ان يدير عمله من خلال اللجان لا بشكل فردي من قبل الوزراء، بحيث تتولى هذه اللجان تلقي المقترحات وتنقيحها وتقديمها لمجلس الوزراء لا للتصويت عليها بل لمناقشتها بشكل جماعي ومن ثم التصويت عليها، للأسف الحكومة الاردنية في هذا الجانب تعمل بطريقة بدائية تضر بمصالح الشعب الاردني، اذ ان هذا النهج يتيح المجال واسعاً لتفرد وزير واحد بأتخاذ قرارات قد تشكل تهديداً على مصالح الدولة، وقد تفرض عليخا التزامات غير مرغوب فيها كما حصل في الكازينو. اضافة الى ذلك هناك خلل اخر في عمل الحكومة الا وهو التوثيق لقراراتها واعمالها بشكل جماعي او فردي، وحسب معلوماتي التي ازعم انها مؤكدة فان مجلس الوزراء لا يوثق جلساته الابصورة مقتضبة وغير واضحة (لا يوجد محاضر للجلسات) واعتقد ان النوايا غير بريئة في هذا الجانب للتهرب من تحمل تبعات المسؤولية كما حصل في هذه القضية حيث لايوجد اي توثيق عن مناقشات جدية حول الموضوع ولا يحتفظ مجلس الوزراء بنسخة عن المشروع الذي تم احضاره من منزل الوزير السابق. امام هذه النماذج المعبرة والواضحة عن حجم المشكلة في الاردن، يظهر امامنا بان الغوص في اعماق الصراع السياسي في الاردن هو صراع على الهوية ببعدها الحضاري والديني وعلى القيم المجتمعية للاردنيين، والنخب التي ذهبت بعيداً للتنكر لكل قيمها واستبدالها بقيم مستوردة لاتمت بصلة الى المجتمع الاردني جرياً وراء سراب من المصالح الخاصة، ولابد من الاشارة هنا الى ان جزءً كبيراً من انعكاسات هذا الصراع يذهب لصالح الحركات الاسلامية بينما يخسر الاخرون نقاطا اضافية. ' كاتب أردني |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق