د. خالد تقي الدين نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للأئمة في البرازيل:
تجاهل مسلمي البرازيل ترك الساحة خالية للنشاطات الصهيونية والتنصيرية
القاهرة - ياسر محمود
د. خالد تقي الدين مدير الشؤون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية ونائب الأمين العام للمجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل، من الشخصيات العربية التي هاجرت للبرازيل واستوطنت أراضيها، وانغمست في العمل الإسلامي هناك حتى أصبح أحد الشخصيات البارزة التي تسعى إلى مواجهة مشكلات المسلمين هناك.وفي حواره لـ'الجريدة' أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة يحاول د. تقي الدين وضع الخريطة الصحيحة لمسلمي البرازيل بين أيدي القارئ العربي والإسلامي، من خلال التعرف على أهم مشكلات المجتمع المسلم في البرازيل وتطلعات هذا المجتمع في الوقت الحالي... وفي ما يلي تفاصيل الحوار.
● في البداية نود أن نعرِّف القارئ العربي بظهور الإسلام في البرازيل؟
- ظهر الإسلام في البرازيل بعد اكتشاف القارة الأميركية مباشرة، وهناك بعض المؤرخين البرازيليين الكبار مثل جواكين هيبيرو أكد أن العرب المسلمين زاروا البرازيل واكتشفوها قبل اكتشاف البرتغاليين لها عام 1500، وأن قدوم البرتغاليين إلى البرازيل كان بمساعدة البحارة المسلمين الذين كانوا اختصاصيين ومتفوقين في الملاحة وصناعة السفن، وقد وصل بعض المسلمين الأندلسيين إلى البرازيل ممن هاجر سرا هربا من اضطهاد محاكم التفتيش في إسبانيا بعد هزيمة المسلمين فيها، ولما كثرت الهجرة الإسلامية الأندلسية إلى البرازيل، أقيمت هناك محاكم تفتيش على غرار محاكم التفتيش في إسبانيا، وحددت صفات المسلم، وعمدت إلى حرق الكثيرين منهم أحياء، وتؤكد الوثائق التاريخية المحفوظة في المتاحف البرازيلية، أن أكثرية المنحدرين من الأفارقة الذين جيء بهم كعبيد إلى البرازيل هم من جذور إسلامية، وأنهم كانوا يقرأون القرآن باللغة العربية، وقد وصلت أفواج الرقيق إلى البرازيل عام 1538، ولم تمضِ 40 سنة حتى نقل إليها 14 ألف مسلم مستضعف، والسكان لا يزيدون على 57 ألفاً، وفي الوقت الحالي يشكل المسلمون في البرازيل أكثر من 1.5 في المئة من مجموع عدد السكان البالغ 160 مليون نسمة، وأكثر تجمعاتهم في ولايات ساوباولو وريو دي جانيرو وبارانا وريوغراندي دي سول، ولا توجد إحصائيات دقيقة بالنسبة إلى عددهم، إذ تقدر بعض المصادر عدد المسلمين في البرازيل بحوالي مليونين، وديانة البرازيل الرسمية هي المسيحية الكاثوليكية، بالإضافة إلى وجود ديانات أخرى يمثل الأفراد المنتمون إليها نسبا مختلفة من عدد السكان، ومن بينهم المسلمون.
● سمعنا أن هناك ضعفاً كبيراً يعانيه أبناء المسلمين في البرازيل خاصة في ما يخص الجانب التعليمي فهل هذا صحيح؟
- بالفعل هذا الأمر حادث على أرض الواقع، ضعف التعليم الديني عقبة أساسية أمام المجتمع المسلم في البرازيل، وحالة التعليم الديني واللغة العربية لا تبعث على التفاؤل في البرازيل، فلا توجد مدارس بالمعنى الكامل لتعليم الدين واللغة العربية، وإنما هي فصول محدودة تقوم بهذا العمل بإمكانات ضعيفة، ويعاني أبناء المسلمين صعوبة بالغة في الالتحاق بها بسبب البعد الشاسع وصعوبة المواصلات، وخاصة على الأطفال، أضف إلى ذلك النقص في عدد المدرسين المتخصصين، وعدم وجود الطرق الحديثة لتعليم اللغات، وعدم وجود الكتاب المشوق للأطفال، كذلك أصبح الجيل الجديد الناشئ في أرض البرازيل أقرب إلى العقلية البرازيلية منه إلى الروح الإسلامية، بمعنى أن الشاب يريد أن يختار زوجته، وكثيراً ما يختار زوجته من فتيات الوطن الجديد، والمشكلة الكبرى هنا هي عندما تتزوج المسلمة من غير المسلم، وقد كثرت هذه الظاهرة في السنين الأخيرة، وتلك عقبة أولى في تكوين أسر لها قوام إسلامي في أرض المهجر.
● بصفتك الأمين العام لاتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل نريد أن نتعرف على أهداف هذا الاتحاد، وأهم إنجازاته لخدمة الإسلام والمسلمين هناك؟
- اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل تم تأسيسه عام 1979 على يد الحاج حسين محمد الزغبي وبإشراف السفارات الإسلامية في البرازيل ومباركة رابطة العالم الإسلامي، وأهم أهدافه هي العمل على رعاية شؤون الجالية المسلمة في البرازيل وتأسيس المراكز والمساجد الإسلامية وتوفير الدعم للهيئات والمراكز الإسلامية، بالإضافة إلى نشر تعاليم الدين الإسلامي داخل البرازيل بالموعظة الحسنة، وأهم إنجازاته تشييد المساجد مثل مسجد كامبيناس ومسجد جوندائي وسان ميجيل ومسجد غوارليوس والشيخ عبودي بمارنجا ومسجد الملك فيصل بلوندرينا ومسجد كولينا ومسجد كامبو ومسجد دورادوسوسانت أماروا بساوباولو، كما عمل الاتحاد على استقدام الكثير من الدعاة والمشايخ للمساجد السالف ذكرها، بالتعاون مع وزارة الأوقاف المصرية ورابطة العالم الإسلامي ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف السعودية، وأيضا شارك الاتحاد في العديد من المؤتمرات داخل وخارج البرازيل، كما دعم بعض المراكز الدعوية بالمساعدات المالية شهريا، بالإضافة إلى تقديم الإعانات إلى بعض الجاليات الإسلامية، وإقامة بعض المؤسسات التي تعمل على إدارة الشؤون الإسلامية ورعاية الفقراء.
● تشغل أيضاً منصب نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل، فما الدور الذي يقوم به هذا المجلس على الساحة البرازيلية؟
- المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل هو أحد المحاولات لتجميع شمل العلماء والمشايخ في البرازيل، وإنشاؤه جاء بسبب حاجة المسلمين الملحة إلى توحيد الجهد الدعوي ووضع الخطط اللازمة له، وقد أسس هذا المجلس قبل عامين، وهو مازال في طور التأسيس، وقد حصلنا على ترخيصه من قبل السلطات البرازيلية خلال هذا العام وهذا كان أمرا أساسيا، والأهداف التي نسعى إليها هي توحيد الفتوى وخصوصا في الأمور المستجدة، والتعريف بدين الإسلام، والاهتمام بوضع الدعاة في البرازيل وتنمية مواهبهم، وتوحيد الأعياد ودخول الشهور العربية، ونشاطات المجلس مازالت في بدايتها، والمجلس مازال كذلك في دوره الداخلي، ولم يتواصل حتى الآن مع المؤسسات الإسلامية الخارجية.
● هل أدى ذلك المجلس إلى تنشيط الواقع الدعوي الإسلامي في البرازيل؟
- الواقع الدعوي الإسلامي في البرازيل مازال في المهد يخطو خطواته الأولى، والحمد لله الآن يوجد في البرازيل أكثر من 100 مسجد ومصلى، وتوجد أكثر من 60 مؤسسة إسلامية على امتداد البرازيل، وهذه المؤسسات تحاول تقديم الحد الأدنى من تعاليم الإسلام للمسلمين، وكذلك هناك بعض المؤسسات تحاول عمل علاقات مع غير المسلمين، ولكن نستطيع القول إن الدعوة وسط غير المسلمين مازالت ضعيفة، وهي تحتاج إلى خطط ودعم مالي، ومن العوائق الرئيسية ندرة الدعاة وخصوصا من يتحدث منهم باللغة البرتغالية، والمسلمون يتزايدون وحاجتهم تتزايد يوما بعد يوم، وبعض أبناء المسلمين يعتنق النصرانية، وذلك إما بسبب عدم اهتمام الأهل أو لعدم وجود الدعاة والمؤسسات التي تعنى بأمرهم، لذلك أرى أن المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي مطالبة بإرسال المزيد من الدعاة، وبناء الكثير من المراكز وتبني بعض الطلاب البرازيليين أو من أبناء الجالية لدراسة الإسلام.
● «الطفل السعيد» مشروع مهم تم إطلاقه مؤخراً في البرازيل، فماذا عن هذا المشروع وما مدى أهميته بالنسبة إلى المسلمين هناك؟
- مشروع الطفل السعيد بمدينة جواروليوس الواقعة في ولاية ساوباولو من المشروعات المهمة التي تسعى الجالية الإسلامية في البرازيل من خلاله إلى ترسيخ وجودها، عبر تعزيز دورها الاجتماعي لخدمة المواطن البرازيلي البسيط، ولا يقتصر على المسلمين فقط، فنحن نعمل على التفاعل الجدي مع مشاكل المجتمع، مما أكسبها المزيد من الاحترام، لأن هذا المشروع أدخل الفرحة على حوالي أربعة آلاف طفل برازيلي من خلال توزيع الهدايا وتنفيذ برامج للعناية الصحية والتربوية خلال يوم كامل، وتتلمس الأقلية المسلمة من خلال هذه المشاريع ترسيخ وجودها في المجتمع البرازيلي والمشاركة بفعالية في مختلف جوانب الحياة بالبرازيل.
● هل توجد في البرازيل وسائل إعلام خاصة بالجالية المسلمة، وماذا عن وجودكم السياسي والاقتصادي على الساحة البرازيلية؟
- للأسف الشديد لا توجد وسائل إعلام تعبر عن الجالية المسلمة في البرازيل، فليس هناك جريدة أو قناة تلفزيونية أو فضائية تعبر عنهم، وتوثق الصلة بين أفراد الجالية في جميع أطراف البلاد، وهو ما نحاول مواجهته بطبع نشرات ترد على الاتهامات الموجهة إلى الإسلام والرد على الافتراءات، وهو ما يفرض تحديا على الدول الإسلامية والميسورين في العالم الإسلامي بضرورة مد مسلمي البرازيل لإطلاق قناة فضائية تتحدث عن همومهم باللغة البرتغالية، خصوصا أن الأغلبية العظمى من الجالية لا تجيد العربية، وذلك للحفاظ على الهوية المسلمة للجالية، وإيجاد نوع من التواصل الثقافي والديني بين المنطقة والجالية المسلمة، خصوصا أن هناك جهات مشبوهة تعمل على استغلال هذه المشكلة لإيجاد حالة انفصام بين الجالية وهويتها الدينية، أما على الجانب السياسي والاقتصادي فقد حقق المسلمون في السنوات الأخيرة نجاحاً كبيراً بعد اندماجهم في الحياة السياسية والاقتصادية بشكل تام، لدرجة أن جميع الولايات البرازيلية لها نواب مسلمون في البرلمان البرازيلي، فضلاً عن وجود عدد من المسلمين يشغلون منصب محافظ هذه الولايات، وقد وصلت هذه الطفرة مداها بوصول أكثر من 43 نائبا إلى البرلمان البرازيلي بنسبة 10 في المئة من النواب، وقد ترجم مسلمو البرازيل هذا النمو في بناء المساجد التي تملأ مدن كورتيبا وارانجو وكويابا ولندرينا، وتم بناء سلسلة من المساجد في برازيليا وسان ميجيل وجوندياني وبريتوس وسانتوس كمبو، بالإضافة إلى الجمعيات الإسلامية التي تكرس دورها لخدمة مسلمي البرازيل.
● هذا التجاهل العربي لمسلمي البرازيل هل ترك الساحة خالية أمام النشاط الصهيوني من ناحية والتنصيري من ناحية أخرى؟
- بالفعل التجاهل العربي والإسلامي لمسلمي البرازيل ترك الساحة البرازيلية خالية تماماً أمام النشاطات الصهيونية والتنصيرية، فهناك اهتمام صهيوني كبير بالوضع في أميركا اللاتينية عموما، والبرازيل خصوصا، ونلمس هذا الاهتمام في الدور الكبير الذي تلعبه سفارات إسرائيل في هذه القارة، في حين تكتفي السفارات العربية والإسلامية بإقامة الحفلات وتوجيه الدعوات في المناسبات الرسمية، دون أن يكون لها دور سياسي أو ديبلوماسي، أو فتح قنوات اتصال مع الجاليات الإسلامية، كما أن مؤامرات المنظمات التنصيرية لا تنتهي في البرازيل وبميزانيات مفتوحة، لدرجة أن إحدى السيدات كانت ترغب في زيارة طبيب أمراض نساء وولادة مسلم، ووجدت ضالتها في طبيب متخصص اسمه محمد فقامت بزيارته، وأكدت له أنها سعيدة لأنها وجدت طبيبا مسلما، فما كان من الطبيب إلا أن أخبرها أنه ليس مسلما، وأن اسمه «محمد» هذا قد أطلقه أهله عليه في لبنان قبل أن يتنصر في البرازيل، وتكشف هذه القضية مدى توغل الغزو التنصيري، في وقت لا تعرف نسبة كبيرة من مسلمي البرازيل شيئا عن العربية والإسلام بشكل يجعل هويتها محل تهديد كبير، خصوصا أن المدارس الإسلامية لا تقوم بتدريس العربية لضعف الكوادر والإمكانات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق