الخميس، 20 يناير 2011
صدور العدد الجديد عن مجلة (الإسلام اليوم) : الثقافة في معترك العلاقات الدولية
صدور العدد الجديد عن مجلة (الإسلام اليوم) : الثقافة في معترك العلاقات الدولية
الرباط: 19/01/2011
صدر العدد الجديد من المجلة الأكاديمية (الإسلام اليوم)، التي تصدرها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ــ إيسيسكو ــ بثلاث لغات، العربية والإنجليزية والفرنسية في طبعة واحدة. وتتناول افتتاحية هذا العدد موضوع "الثقافة في معترك العلاقات الدولية".
ويضمّ العدد الجديد عن مجلة (الإسلام اليوم)، دراسات وبحوثاً لعدد من الباحثين والمفكرين، هم: الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، والدكتور عبد الكبير العلوي المدغري، والدكتور عباس الجراري، والدكتور محمد عمارة، والدكتور عمر القاضي، والدكتور خالد عزب، والدكتور عز الدين إبراهيم، والدكتورة مريم آيت أحمد، والدكتور كمال عمران.
ونشرت المجلة في عددها الجديد، موضوعاً تعريفياً بالجمهورية التركية، في إطار الركن الثابت حول التعريف بالبلدان الإسلامية. وجاء في افتتاحية العدد الجديد الذي يحمل رقم 27 من مجلة (الإسلام اليوم) :
"يتعاظم الدور الذي تقوم به الثقافة في الساحة الدولية، من أجل تعزيز الأمن والسلم وبناء أسس قوية لعالم جديد، تسود فيه قيم التعايش ومبادئ التسامح وقواعد الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، وتَتَقارَبُ فيه المسافات بين الأمم والشعوب، ليس جغرافياً فحسب، إنما ثقافياً وحضارياً، بحيث تزدهر الحضارة الإنسانية ازدهاراً يكون حدّاً فاصلاً بين عهدين من العهود التي عرفها التاريخ الإنساني؛ عهد الصراع والتنافس والتهديد المتبادل والنزاعات والأزمات والتوترات والحروب الإقليمية التي أعقبت الحربين العالميتين الأولى والثانية، وعهد النماء الاقتصادي والبناء الحضاري والسلام القائم على العدل.
لقد كان تأسيس منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ــ يونسكو ــ في عام 1945، غداة تأسيس منظمة الأمم المتحدة، تعبيراً من المجتمع الدولي عن القيمة السياسية للثقافة وعن القدرات الهائلة التي تَتَوافَرُ للتعاون الثقافي الدولي، لتعزيز جهود الأسرة الدولية في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية المتعددة. فكان ميلاد اليونسكو إيذاناً بدخول مرحلة جديدة عرفت فيه العلاقات الدولية تطوراً إيجابياً، وانبعاثاً لعهد إنساني جديد، إعمالاً للمبادئ السامية الواردة في ميثاق اليونسكو، وفي ميثاق الأمم المتحدة، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
كذلك كان الشأن مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ــ إيسيسكو ــ التي تأسست في عام 1982، في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، لتكون جهازاً إسلامياً دولياً يعبر عن الضمير الثقافي للعالم الإسلامي، ويساهم في نطاق اختصاصاته، في تقوية التضامن الإسلامي الذي هو القاعدة العريضة للعمل الإسلامي المشترك، سواء على الصعيد الإقليمي، أو على الصعيد الدولي. كما كان الشأن مع عديد من المنظمات والمؤسسات والهيئات الدولية والإقليمية ذات الاهتمامات المشتركة، إنْ جزئياً أو كلياً، والتي تلتقي مع اليونسكو والإيسيسكو، في الأهداف الثقافية، وإن لم تلتق معهما في الأهداف التربوية والعلمية وما يتفرع عنها من مجالات أخرى.
إنَّ من أهداف المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، تدعيم التفاهم بين الشعوب في الدول الأعضاء وخارجها والمساهمة في إقرار السلم والأمن في العالم بشتى الوسائل، ولاسيما عن طريق التربية والعلوم والثقافة والاتصال.
وهو هدف ٌاستراتيجيٌّ أول، يؤسّس لمبدإ التفاعل الثقافي مع المحيطين الإقليمي والدولي، على أساس أن التفاهم بين الشعوب لابد من أن يستند إلى التفاهم الثقافي في المقام الأول، باعتبار أن هذا النوع من التفاهم، هو الذي يؤدي إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي الثاني، وهو (إقرار السلم والأمن في العالم)، بالوسائل الثقافية التي تدخل ضمن اختصاص الإيسيسكو،
الوسائل، عن طريق التربية والعلوم والثقافة والاتصال. فالثقافة في هذا المجال، هي قوة دفع لعملية السلام، وعنصرٌ رئيسٌ في بناء علاقات دولية متوازنة ومتماسكة ومُحصنة ضدّ عوامل التخريب تحت أي ظرف من الظروف؛ لأن تدعيم التفاهم بين الشعوب يبدأ من الثقافة وينتهي إليها.
ويبدأ ميثاق اليونسكو في ديباجته بهذه الفقرة : (لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، فإن عقولهم يجب أن تبني حصون السلام)، ثم تليها فقرة أخرى تقول: "ولما كانت كرامة الإنسان تقتضي نشر الثقافة وتنشئة الناس جميعاً على مبادئ الحرية والسلام، وكان هذا العمل بالنسبة لجميع الأمم واجباً مقدساً ينبغي القيام به بروح من التعاون المتبادل". ويأتي ضمن أهداف المنظمة الدولية، تعزيز التعارف والتفاهم بين الأمم بمساندة أجهزة إعلام الجماهير. وتوصي لهذا الغرض بعقد الاتفاقات الدولية التي تراها مفيدة لتسهيل تداول حرية الأفكار عن طريق الكلمة والصورة، والعمل على تنشيط التربية الشعبية ونشر الثقافة وحفظ المعرفة وعلى تقدمها وانتشارها.
فالأهداف التي تأسّست من أجلها المنظمتان الإسلامية والدولية، تَتَكامَلُ وتَتَناغَمُ ضمن سياق عام، هو تعزيز التعاون الدولي عن طريق الثقافة بمضامينها الشاملة ومفاهيمها العامة، وإقامة الأسس القويّة لنظام ثقافيّ دوليّ يكون رديفاً للنظام الدولي الحالي الذي ترتكز عليه العلاقات الدولية في هذه المرحلة، وهو ما يعبّر عنه بـ (النظام العالمي الجديد) الذي لا يمكن التسليم بأنه يبرأ من العيوب ويخلو من النقائص. وبعبارة أخرى، فإن التعاون الثقافي الدولي، هو بمثابة تطعيم للنظام الدولي، أو ترشيد للسياسة الدولية الحالية التي لا تلتزم في كلّ الأحوال، بقواعد القانون الدولي، ولا تتشبَّع بروح ميثاق الأمم المتحدة.
ونخلص من ذلك إلى الإقرار بأن الثقافة ليست مفهوماً محدود النطاق ضيّق مجال الفعل والتأثير، ولكنها مفهوم شامل المدى عميق الدلالة واسع الأفق رحب المجال، بحيث يجوز لنا أن نقول إن الثقافة بهذا المفهوم العميق الواسع، تستوعب التربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا والإعلام والاتصال والعلاقات العامة.
ولذلك فإن الفعل الثقافي فعل متشعب المضامين متداخل العناصر، يمتد أثره إلى مختلف مجالات الحياة الإنسانية، باعتبار أن الثقافة هي التي تبني العقل، وتصوغ الوجدان، وتحيي الضمير، وتقوي في الإنسان إرادة العمل، وتبث في نفسه طاقة الأمل، وتذكي جذوة الحماسة للحركة من أجل التغيير الذي يصلح الذات، ويبني المجتمع، ويصنع التقدم، ويشيد صروح الحضارة.
لقد انطلقت حركة الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات من قاعدة الثقافة، فالحوار هو فعل ثقافي، وكذلك هو التحالف مبادرة ثقافية.
ذلك أن الحوار الثقافي في عمقه، هو إرادة سياسية تحركها دوافع ثقافية، والتحالف الحضاري هو طور متقدم من الحوار ينبثق من إرادة سياسية، يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية على المستويات كافة، ويعزز جهود الأسرة الدولية من أجل إقرار الأمن والسلام في العالم. فالسلام يبدأ في العقل وينشأ في الضمير وينبثق من إرادة الإنسان الحر المؤمن بمبادئ السلام وبقيم الخير والفضيلة والعدل وحب الإنسان لأخيه الإنسان، وهو ما يعبر عنه بـ (ثقافة السلام)، ويعبر عنه في أدبيات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ــ إيسيسكو ــ بـ (ثقافة العدل والسلام).
والصياغة الثانية أبلغ في الدلالة وأعمق في المعنى وأبعد مدى في المفهوم العام. والصيغتان معاً تحيلان على (الثقافة السياسية) بمدلولها الواسع. ولا غرو، فإن الثقافة السياسية بهذا المعنى الشامل، هي أحد فروع الثقافة وحقل من حقول العمل الثقافي العام.
وينسجم هذا الاصطلاح مع اصطلاح آخر هو (العلوم الإنسانية)، التي هي ثقافة في البدء والختام. فالعلوم الإنسانية، هي علوم ثقافية، إذا أردنا أن نتوسَّع في المدلول مستندينَ إلى النظرية الحديثَة التي تجعل من العلوم الإنسانية جزءاً من (العلوم التطبيقية) و(العلوم الأساسية). وهذا الدمج بين العلوم في مختلف التخصّصات وفي شتّى الحقول المعرفية، يُكسب الثقافةَ دلالةً عميقة، ويعطي للعمل الثقافي معنىً أشمل ومفهوماً أكمل، ودوراً فاعلاً في حياة الفرد والمجتمع، وفي إعادة تجديد العلاقات الدولية على أسس أقوى وأرسخ.
وإذا كان من المفاهيم الحديثة في علوم التربية، مفهوم (جودة التعليم) الذي يراد به وضع مناهج جديدة للتعليم تكون داعمة له وممهدة لأن يصبح تعليماً جيداً، يصل إلى تحقيق درجة كبيرة من الجودة، فيمكن لنا أن نقتبس هذا المفهومَ الحديثَ من علوم التربية، ونستخدمه في مجال الثقافة، فنقول بضرورة اعتماد فلسفة (جودة الثقافة).
ولاشك أن مفهوم (جودة الثقافة) سيكون أكثر تعقيداً من مفهوم (جودة التعليم)، لأسباب كثيرة، منها أن الثقافة عملية مركبة تتداخل فيها عناصر متعدّدة منها عنصر التعليم ذاته؛ لأن الثقافة أشمل مضامينَ وأوسع ميادين، وأعمق مفهوماً وأبعد مدى في صياغة الذهنية الجماعية المؤهلة للإنتاج والابتكار والإبداع، وفي الإسهام بحظ وافر، في تقوية نسيج العلاقات الدولية، وإقامة أسس الأمن والسلم والاستقرار في العالم.
إنَّ الثقافة الجيّدة البانية للسلام والصانعة للتقدم والداعمة للتعاون الدولي في شتى المجالات، تقوم بدور بالغ الحيوية شديد الأهمية في تعزيز جهود المجتمع الدولي الرامية إلى تقوية العلاقات الدولية، وتطهيرها من الشوائب وإبعاد المخاطر التي تهدّدها عنها، وفي تطبيق مبادئ الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات وإدماج مفاهيمها ضمن قواعد القانون الدولي، ممّا يقوي من فعالية التعاون الثقافي الدولي، ويوطد علاقات الشعوب والأمم بعضها ببعض، ويبدّد سحب التوترات التي تسود في سماء هذا العالم، وتحول دون تحقيق سلام حقيقي يقوم على مبادئ العدل وأحكام ميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية.
إنَّ الإنسانية تعيش اليوم عصراً من سماته أن للثقافة دوراً فاعلاً ومؤثراً في معترك العلاقات الدولية، يَتَنامى باطّراد، وتمتدُّ آثاره إلى المجالات كافة، من أجل بناء مستقبل آمن ومزدهر، تُحفظ فيه للإنسان كرامتُه، وتُصان حقوقُه، وتُحترم سيادة القانون".
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق