شيخ الأزهر في حوار مع الخليج | ||
| ||
| ||
القاهرة - “الخليج”: | ||
أكد د .أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن العالم الإسلامي يواجه مؤامرات تستهدف تفتيت وحدته واستنزاف خيراته وبث الفرقة بين شعوبه، ليكون فريسة سهلة للخصوم . . وطالب الدول العربية والإسلامية بالعمل الجماعي لضرب هذه المؤامرات وإفشال مخططات أعداء الأمة . . وقال: يخطئ من يظن أن الحديث عن المؤامرات الغربية هو ضرب من الخيال والوهم . وأكد شيخ الأزهر في حواره مع “الخليج” أن الإسلام دين حوار وتعايش سلمي، وأنه لا يناصب أي أمة العداء ولا يحارب إلا من يحاربه، والجهاد بمفهومه الشرعي الصحيح هو للدفاع عن الدين والوطن والعرض، وليس لإكراه غير المسلمين على اعتناق الإسلام، كما يردد الجاهلون بالإسلام والحاقدون على رسالته الإنسانية والحضارية بين الناس . ودافع د .الطيب عن الأزهر ورسالته، مؤكداً استمرار هذه المؤسسة العلمية والدعوية والحضارية في نشر قيم التسامح ومنهج الوسطية الإسلامية بين المسلمين وغير المسلمين داخل مصر وخارجها . وتحدث شيخ الأزهر في حواره مع “الخليج” عن علاقة المسلمين بأتباع الديانتين المسيحية واليهودية، مبرزاً عظمة هذا الدين الخاتم في الحفاوة بأهل الكتاب والتحاور معهم . . رافضاً كل صور التوتر وتصعيد الخلافات بين المسلمين والمخالفين لهم في العقيدة . . هذا فضلاً عن قضايا وهموم ومشكلات عديدة تحدث عنها د .الطيب متسلحاً بالأمل والتفاؤل والرغبة في الإصلاح . . وهذا نص حوارنا معه: البعض يرى أن الأزهر يقبع في عزلة عن الأحداث الكبرى التي تعيشها مصر والبلاد العربية الأخرى التي تشهد ثورات تحرر وحركات إصلاح . . هل يعتبر الأزهر ما يحدث بعيداً عن نطاق مهامه الدعوية والتعليمية؟ - من يردد هذا الكلام هو الذي يعيش في عزلة، فالأزهر يعيش في قلب الأحداث منذ اندلاعها في تونس ثم في مصر ثم في ليبيا وفى سوريا واليمن ودول عربية أخرى، والأزهر طوال تاريخه مع الشعوب يدعم كفاحها الوطني ويناصر حقوقها العادلة ومطالبها المشروعة، ولم يقف الأزهر طوال تاريخه مع السلطة الحاكمة ضد الشعوب . . ولذلك فقد قطع الأزهر عهداً على نفسه بألا يتخلى عن مطلب عادل للشعوب العربية والإسلامية، وألا يناصر تياراً دينياً متطرفاً أو متشدداً . . لكن سيظل الأزهر مع الحقوق العربية والإسلامية، مع الشارع الإسلامي ومطالبه المشروعة . دور الأزهر هل سيؤدي تنامي التيارات الدينية داخل مصر وارتفاع أصواتها إلى تراجع صوت الأزهر . . كما يردد البعض؟ - هذا توقع لا تسانده أي مؤشرات أو دلالات حالياً، والمسلمون داخل مصر وخارجها يحتاجون وسطية الأزهر واعتداله الآن أكثر من أي وقت مضى، ولا شيء يمكن أن يلغي دور الأزهر ورسالته، فهو المرجعية الصحيحة لكل صاحب فكر إسلامي . ونحن نعترف بأن الأزهر خلال العقود الأخيرة قد تراجع دوره، لكن علينا أن ندرك أن هذا التراجع ليس خاصاً بالأزهر وحده، ذلك أن كل المؤسسات العلمية والفكرية في العالم تراجع دورها، والأزهر كان، وسيظل، هو المؤسسة الإسلامية والعلمية الأعرق في العالم، ولا توجد مؤسسة علمية وثقافية بدأت قبل ألف عام واستمرت حتى الآن إلا الأزهر الشريف، ومع ذلك نحن نؤمن بأنه لا شيء يبقى على حاله، والأزهر ارتفعت أسهمه حيناً من الدهر وانخفضت حيناً آخر، وسوف نعمل بإخلاص كي يستعيد مكانته في نفوس المسلمين في كل ربوع العالم، فالأزهر هو القبلة العلمية والفكرية والثقافية للمسلمين في كل ربوع الأرض، وسيظل كذلك إن شاء الله . البعض يؤكد أن الأزهر ابتعد كثيراً عن هموم ومشكلات المسلمين خلال الفترة الماضية . . فهل سيعيد الأزهر حساباته ويتخذ وسائل وأساليب جديدة للعودة إلى ممارسة دوره وأداء رسالته الدعوية والفكرية والثقافية؟ - الأزهر لم يبتعد يوماً عن هموم ومشكلات المسلمين . . فعلى المستوى الداخلي يسهم الأزهر في كل جهود التنمية، فهو يخرج كل عام عشرات الآلاف من الأطباء والمهندسين والتجاريين والمترجمين والتربويين والمتخصصين في العلوم البحتة والعلوم الإنسانية، إلى جانب المتخصصين في العلوم والمعارف الإسلامية، وهؤلاء يشاركون أقرانهم في العمل من أجل خدمة المجتمع . وفي خارج مصر ينتشر علماء ودعاة الأزهر في كثير من بلاد العالم، يشرحون حقائق الإسلام ويدافعون عنه بكل حماس وإخلاص وإيمان برسالتهم الدعوية، ومن يريد أن يعرف مكانة الأزهر في نفوس المسلمين فعليه أن يذهب إلى ماليزيا وإندونيسيا والصين والعديد من الدول الإفريقية . وشيخ الأزهر مع علمائه لا يقصرون في الدفاع عن الإسلام ومناصرة حقوق المسلمين والدفاع عن المظلومين . . ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الذي يمثل هيئة كبار العلماء، يبحث دائماً قضايا ومشكلات المسلمين ويوضح الحكم الشرعي الصحيح فيها . إذن الأزهر لم يقصر ولم يتخل عن واجباته، وإذا كان المسلمون داخل مصر وخارجها يطالبونه بالمزيد من الجهد والعمل فهذا حقهم وسوف نعمل على تحقيق طموحاتهم في الأزهر . التآمر على المسلمين البعض يرى أن ما يحدث في عالمنا العربي من انقلابات سياسية وما نشهده من محاولات وقيعة بين السنة والشيعة وبين المسلمين والأقباط في مصر هو نتاج مؤامرات تحاك بدقة لضرب وحدة المسلمين، والإضرار بمصالحهم السياسية والاقتصادية، وضرب استقرار بلادهم وإشعال الفتنة بين شعوبهم . . هل يؤمن شيخ الأزهر بنظرية المؤامرة؟ - التآمر على العالم الإسلامي يستهدف تفتيت وحدته فهو ليس مجرد نظرية أو توقع لدى البعض، وليس وهماً أو خيالاً، بل هو حقيقة تؤكدها كل الأحداث التي تحيط بنا، فما يحدث من وقيعة بين دول عربية متجاورة وزرع التوتر بينها لا يمكن أن يكون من قبيل الصدفة، وما يحدث من وقيعة وقطيعة بين السنة والشيعة ليس من صنع السنة ولا من صنع الشيعة، ولكنه من تخطيط وتنفيذ قوى يزعجها توحيد جهود المسلمين من سنة وشيعة لمواجهة قوة متغطرسة مثل “إسرائيل” . . وأيضاً ما يحدث من فتنة وتفجير كنائس وحرق مساجد ونزاعات مسلحة تزهق فيها الأرواح وتراق فيها الدماء ليس من صنع المسلمين ولا من صنع الأقباط، لكنه من تخطيط قوى متربصة بمصر وتريد إشعال حرائق الفتنة الطائفية فيها، كي ينتهي أمر هذه الدولة الكبرى والقوية والمؤثرة في المنطقة إلى دولتين صغيرتين إحداهما للمسلمين وأخرى للأقباط . فالتآمر على المسلمين موجود ويزيد ولا ينبغي أن نتعامل معه على أنه وهم وخيال جامح . فهم خاطئ بعض المثقفين والكتاب الغربيين ما زالوا يتعاملون بمنطق خاطئ مع مفهوم “الجهاد”، إذ يعتقدون أن الجهاد شُرع لإجبار غير المسلمين على اعتناق الإسلام . . ماذا تقولون لهؤلاء؟ - من الطبيعي أن يفهم هؤلاء الجهاد فهماً خاطئاً يسيئ إلى الإسلام ويشوه صورته في عيون المسلمين وغير المسلمين، وواجبنا أن نصحح لهم الصورة ونرد على مزاعمهم وشبهاتهم، ونحن في الأزهر نفعل ذلك، وأنا شخصياً لا أترك فرصة اللقاء بوفد سياسي أو فكري من الغربيين إلا وأوضح لهم حقيقة الجهاد وتأكيد أن الجهاد في الإسلام لا يمكن فهمه على أساس حمل الناس على اعتناق مذهب أو دين معين، فلا إكراه في الدين . . إنما الجهاد، وفقاً لمفهومه الصحيح ومقاصده الشرعية، هو دفاع عن الحق، والحق هنا قد يكون وطناً وقد يكون مالاً وقد يكون عرضاً وقد يكون ديناً يتعرض أهله للاضطهاد والظلم وتسلب حقوقه، والدفاع عن الحق لا يعني بأي حال من الأحوال إكراه الغير على اعتناق الإسلام . وعلينا أن نرجع إلى قوانين الحرب في الشريعة الإسلامية، وكيف أنها راعت كل الظروف التي تحول دون وقوع التجاوزات والمجازر التي نراها في عالم اليوم . واجبنا أن نؤكد للغربيين وغيرهم من الذين اختلطت مفاهيم الإسلام الصحيحة في أذهانهم أن الإسلام لا يقصي الآخر مهما كان مختلفاً، وأن المسلمين لا يعادون أحداً ولا يحقرون من شأن الأديان الأخرى، وأنهم لا يقبلون أن يقصيهم أحد أو يبعدهم عن دينهم، ذلك أن معظم ما يعانيه العالم المعاصر هو بسبب إقصاء الدين، فقد جرب الغرب التكنولوجيا والحضارة العلمية كثيراً، لكنه لم ينعم بالسعادة المرجوة، فعليهم أن يجربوا التحضر المبني على القيم الدينية . إن طبيعة الدين الإسلامي كما هي واضحة في المفهوم القرآني، أنه دين يقوم على التسامح، ولم لا و جميع الأنبياء من سيدنا إبراهيم إلى سيدنا عيسى عليهما السلام كلهم كانوا من المسلمين؟ فالإسلام يمثل حلقة متممة وخاتمة لدين الله عز وجل، ومن ثم فالإسلام يعترف بكل الأديان السابقة، وأن الاختلاف الموجود هو مقدر ومستمر إلى يوم القيامة وهو حقيقة إلهية . دين عقل وحوار يحاول البعض الوقيعة بين المسلمين وأتباع الأديان السماوية السابقة . . فما مظاهر التلاقي والترابط بين الإسلام واليهودية والمسيحية؟ - موقف الإسلام الحضاري من الأديان السماوية السابقة واضح وليس محل مزايدة من أحد، والواقع أن أي قراءة في القرآن الكريم توصلنا إلى الجواب الصحيح في هذه المسألة، لأن هذا الدين القيم هو في المقام الأول دين العقل، وترتيباً على ذلك منطقياً لا بد أن يكون دين حوار، إذ لا سبيل إلى مخاطبة العقل إلا بما هو قابل للحوار والنظر والدليل . وإذا كان الإسلام قد عوّل في الخطاب الإلهي الذي يبلغه الأنبياء إلى الناس، على العقل، والعقل وحده، فإنه ألغى أي وسائط أخرى من كهنوت أو ممثل لحق إلهي يتوسط بين الله والناس . واعتماد الإسلام على العقل أولاً، وعلى الحوار تبعاً، لم يكن على المستوى النظري أو على مستوى النصوص القرآنية فقط، بل كان على مستوى التطبيق العملي الذي جسدته سيرة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع المسلمين وغير المسلمين على السواء، وهنا أنتقل إلى النقطة المطلوبة التي هي محل السؤال، وهي مظاهر محاورة الآخر والاعتراف به . . وفي هذا الصدد يطالعنا أول ما يطالعنا هذه المعاهدة السياسية التي عقدها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بين المسلمين واليهود، وقد صيغت في شكل وثيقة سياسية، تعكس صورة فريدة من صور تسامح الإسلام واعترافه بالأديان الأخرى . فهذه الوثيقة تنص على موادعة اليهود، لدرجة أنها اعتبرتهم أمة مع المسلمين جنباً إلى جنب . وتستطيع أن تقول الشيء نفسه وأكثر منه بالنسبة إلى موقف الإسلام ونبي الإسلام من المسيحية، ففي القرآن الكريم كلام طيب عن النصارى، وأوصاف نبوية رائعة تليق بمكانة سيدنا عيسى عليه السلام، عبد الله ورسوله، وفيه سورة كاملة اسمها سورة الروم، والآيات الأولى منها تحمل بشارة لنصارى الروم وتعدهم بالنصر على أعدائهم في بضع سنين، وكان المسلمون يحبون أن ينتصر الروم لأنهم نصارى، وكانت عاطفة المشركين مع الفرس والوثنيين في ذلك الوقت، وجاءت فرحة المسلمين غامرة وكبيرة بانتصار الروم، ولما اشتد أذى أهل مكة على المسلمين وفكروا في الهجرة خارج مكة قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: “إن بأرض الحبشة ملكاً لا يُظلم أحد عنده فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه”، تقول السيدة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: “فخرجنا إليه إلى النجاشي إرسالاً حتى اجتمعنا به فنزلنا بخير دار إلى خير جار آمننا على ديننا ولم نخش منه ظلماً” . . علماً بأن هذا الملك الذي التجأ إليه المسلمون وآمنوا في جواره على دينهم وحياتهم هو ملك مسيحي يحكم شعباً مسيحياً ودولة مسيحية . ملمح آخر يتضح فيه حوار الإسلام مع أهل الكتاب، يتمثل هذه المرة في اكتساب المسلم حقاً شرعياً في الاقتران بزوجة يهودية أو مسيحية، تبقى على دينها وتكون شريكة حياته وأم أولاده وربة بيته، وكلنا يعلم عاطفة المودة والحنان والإيثار التي تثمرها العلاقة الزوجية والخلطة بين الزوجين، وأنه بمقتضى هذا الحق الشرعي فلا حرج على المسلم أن يحتفظ بما شاء وما استطاع من هذه العواطف النبيلة ليبادل بها شريكة حياته المسيحية أو اليهودية . إذن فالإسلام يعترف بأهل الكتاب ويقبلهم، ويقيم معهم علاقات ترقى إلى تكوين أسرة مسلمة تعتمد على زوجة يهودية أو مسيحية، ولا يجد الإسلام غضاضة في ذلك، وكنا نتوقع أن يتوجس الإسلام من اليهود أو من غيرهم، ويحذر المسلم من الاختلاط بهم والركون إليهم، خاصة بعد ما أظهروا عداءهم وبغضهم للإسلام والمسلمين . ولكن وجدنا القرآن الكريم الذي نبهنا إلى هذا العداء هو نفسه القرآن الذي لا يصادر على أتباعه قبول أهل الكتاب إلى درجة المصاهرة كما هو معلوم . إن هذا المستوى من العدل والإنصاف والاعتراف بالآخر لا يُعرف إلا لهذا الدين القيم، ولن تتسع له شريعة أخرى كشريعة الإسلام، وهنا أطالب كل أمم الأرض بأن تتعلم التسامح من ديننا . خلافات العلماء ما الحكم لو اختلف الفقهاء في مسألة، بأن قال بعضهم بالإباحة وقال بعضهم بالحرمة ولم يستطع المسلم أن يحدد من هو على صواب ومن هو على غير ذلك؟ - خلافات العلماء وتعدد اجتهاداتهم حول القضايا الاجتهادية من الأمور الطبيعية التي لا تضر، بل هي في واقع الأمر تفيد، فمثلاً قضية معاملات البنوك قضية اجتهادية ومعاملات البنوك من الأمور المستحدثة التي لم تأت بشأنها أدلة قاطعة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولذلك فهي تخضع لرؤى العلماء وتقديرهم، ومن الطبيعي أن تختلف هذه الرؤى، وهذا الأمر لا ينبغي أن نحمله أكثر مما يحتمل، ونصور المسألة على أن هناك صراعاً وجدالاً حاداً بين العلماء، وأن الجماهير المسلمة في حيرة نتيجة هذا الخلاف، فما دامت القضية اجتهادية وما دام كل فريق من الفريقين يعبر عن رأيه ويذكر اجتهاده دون تحقير أو تقليل من آراء المخالفين له، فواجب الجميع أن يحترم الرأي والرأي الآخر، والمسلم هنا يأخذ بما يطمئن إليه قلبه، وليس مفروضاً عليه أن يلتزم برأي من الرأيين، حتى لو كان صادراً من جهة رسمية أو منسوباً إلى “س” أو “ص” من العلماء . |
الأربعاء، 3 أغسطس 2011
دار الخليــــج - مجلة الصائم-التآمر على المسلمين ليس وهماً أو خيالاً
دار الخليــــج-مجلة الصائم-التآمر على المسلمين ليس وهماً أو خيالاً
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق