د. أحمد الحاج عبد الرحمن :القراءة المتأنيه للتاريخ الإسلامى كفيلة بحل المعضلات الصوماليه
|
بوصاصو:(الصومال اليوم) أرادوه ضابطا عسكريا ، فطلع عالما شرعيا، وأرادوه شيوعيا صلبا فتحول إلى سلفي من طراز خاص،واجتهدوا أن يقسم الولاء لحزب البعث لكن البعثية لم تلامس وجدانه ، الرجل عندما وافق إجراء حوار معه فرحت كثيرا لكن صعب علي طريقة اختياري للأسئلة ،وأي الجوانب سوف أركز عليها لأن الشخصية التي سأقابلها من النوع الذي يصفونه بأنه "موسوعي" وعندما قابلني داخل مكتبته العامرة ازددت إعجابا به ..الدكتور أحمد الحاج عبد الرحمن أحد تلك الشخصيات القادرة أن تعطي الأجيال صورة أمينة عن عصره الذي عاش ،وهي مرحلة حاسمة من مراحل التاريخ الصومالي ،وكان لها تأثيرها فيما بعد .إلى جانب تخصصه فى علوم الشريعه "علوم الحديث" ظهر شخصية حازت على قدر كبير من الثقافة الإنسانية المتعمقة، كثير الاطلاع واكب الحركة الفكرية وتابع المعارك ونهل من ينابيعها،وتأثر كغيره بكتب عصره التي غيرت مجرى حياته,ورغم قلة الوقت التى استغرق الحوار إلا أنه طاف بنا فى عوالمه المليئة بالأحداث المؤثره سواء على الصعيد الثقافى أو الاجتماعى وحتى السياسى منها, شخصيه إجتماعيه بشوشه يحدثك عن كل ما يتعلق به دون تبالغ في التحفظ أو إخفاء الجوانب السلبية في ماضيه.. الرجل أحد المؤسسين لجامعة شرق إفريقيا وأستاذ علم الحديث والسياسه الشرعيه في هذه الجامعه,وفى منزله الواقع في الضاحيه الغربيه فى مدينة بوصاصو ,وداخل مكتبته العامره كان هذا الحوار:البدايات الأولى هي المراحل الحاسمة في حياة الإنسان فكيف كانت النشأةالولاده كانت فى مدينة جالكعيو 1958 لعائله تتمتع بمكانة إجتماعيه وسياسيه فأبى كان نائبا فى أول برلمان صومالي وهو من مؤسسى حزب الشباب الصومالى وأمى من عائله اشتهرت بقرض الشعر وهى آل (كينديد) عائلة تتمتع بسمعه قويه وسط المجتمع الصومالى،ففى تللك البيئه نشأت حيث جمعت السياسىة والأدب فغرزت في نفسي حب الأدب وتذوقه,وحفطت القراءن فى سن مبكر شأن الكثيرين من أبناء الصومال فى ذاك الوقت ثم التحقت بمدرسه إبتدائيه نموذجيه فى جالكعيو وبعد نتهائى من المرحلة الابتدائية توجهت نحو العاصمة مقديشو والتحقت بمدرسة محمد عبد الله حسن الإعداديه (قائد الدراويش المناضل المعروف للاستعمار الإنجليزى المشهور بالسيد) وبعد انتهائى من الإعداديه التحقت بمدرسة جمال عبد الناصر الثانويه، وعند التخرج من الثانويه كنت ضمن خمسة عشر شخصا كانوا الأوائل فى التحصيل الدراسى 1977 وبناء عليه حصلت على منحة دراسية من العراق لدراسة العلوم العسكريه تخصص المشاة البريه الدفعه 60هل أكملت دراستك العسكريه؟نعم أكملت دراستى العسكريه ومنحت درجة البكلاريوس فى العلوم العسكرية ،وعلى الفور عدت الى الوطن وانخرطت في العمل العسكري فتره يسيرة ووصلت لرتبة ملازم أول وبعدها استقلت.لماذا قدمت استقالتك؟لأتفرغ لدراسة الشريعه حيث التحقت بجامعة أم القرى في مكه المكرمه عام 1986 تخصص علوم الحديث وكنت في الترتيب أول دفعة ،وبعد التخرج سجلت الدراسات العليا- الماجستير- وكان عنوان رسالتى "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لإبن الملقن:دراسة وتحقيق " وأجزت بتقدير ممتاز،وبعدها مباشرة تقدمت للدكتوراة وكان عنوان رسالتي "الحافظ مغلطاى بن فليج وجهوده في علوم الحديث" أجزت بتقدير ممتاز –أيضا- مع التوصية بطباعة الرسالة.هل هناك سبب آخر لتخليك عن العسكرية وتوجهك نحو الدراسات الإسلاميه؟هناك سبب آخر وهو ميولى الإسلاميه فعندما كنت فى بغداد كانت هناك جهود حثيثه من قبل العسكر لجعلى بعثيا عروبيا ،والعراق والعالم العربى حينها كانت تتجاذبه الاتجاهات والأفكار من قبيل الاشتراكيه والقوميه ،فكنت مقتنعا بالنهج الإسلامي لا أتخلى عنه رغم الضغوط التى مورست عليَّ أثناء الدراسه ،وبحمد الله لم تفلح جهودهم،وثبتني الله.هل تتذكر أول كتاب قرأته؟أول كتاب قرأته كان كتاب الأيام لطه حسين، وكتب محمود عباس العقاد المشهوره بـ"العبقريات "وكنت متابعا مقالات الصحفي أحمد بهاء الدين أحد كتاب الأهرام،وكذلك كتابات محمد حسينين هيكل وكنت أقرأ الروايات والقصص البوليسيه أذكر أننى قرأت رواية tells of two cities لكاتب فرنسى وروائع شكسيبير وأولاد حارتنا لنجيب محفوظ ،وهذه القراءة لم تكن عن رغبة مني،ولكن الواقع أجبرنى لأننى كنت أهوى القراءة ولإشباع تلك الرغبه كنت أقرأ أي كتاب يقع في يدي وتلك الكتب والوروايات كانت تأتينى عن طريق أشقائي الكبار وكانوا يضعونها فى المنزل وأنا كنت أقرؤها ،وأذكر كذلك قراءتي لمقالات محمد التابعى الصحفى العملاق ويعتبر أستاذ محمد حسينين هيكل ؛لأن نمط وأسلوب كتابة هيكل هو نفس أسلوب التابعى وكان يكتب سلسلة مقالات عن الملك فاروق وأمه نازلي,وكنت أقرأ كذلك سلسلة مقالات"فتش يوسف فى كل بئر" لأنيس منصور الأديب والكاتب المصرى المشهور –وما زال حيا -وكذلك كتابه (في صالون العقاد كانت لنا أيام).وكانت تصلنى كتب وروايات الكاتب مصطفى أمين كرواية (سنه أولى سجن) ،الى جانب حبى للشعر الصومالى كأشعارعلى طوح الشاعر الصومالى المشهور وسلان عربى وأشعار السيد محمد عبد الله حسن. وأحفظ الكثيرمن تلك الأشعار حاليا عن ظهر قلب رغم مرور زمن طويل.وسبب حبى للأشعار هى أن أمى رحمة الله عليها الحاجه فاطمة كانت تحب الأدب الصومالى إلى أبعد الحدود مما غرز حب الشعر في نفسى، وحبى للشعر لا ينحصر فى الصومالى منه بل أحب الأشعار العربيه وفي مكتبتى الخاصه المعلقات السبع،وديوان المتنبى ومعركة النقائض التى جرت بين جرير والفرزدق وديوان الهذليين،وهذيل هى القبيله العربيه العريقة في الفصاحة ،وقد ذهب إليها الإمام الشافعى ليعلم منها العربيه,وعندى كذلك الشوقيات وديوان أبى نواس وجمهرة أنساب العرب لإبن حزم الأندلسى كما أقرأ لشعراء معاصرين عرب.فترة السبعينات اتسمت بالتجاذبات الفكريه ماذا كنت تقرأ فى تللك الفتره؟نعم تللك الفتره كانت تتسم بقوة طرح الأفكار والتعتبرعنها ،كانت فترة إثبات الذات ،أذكر أن العالم فى تلك الفتره كان مشغولا بمسألة (هل الله موجود؟) وهذا الشك جاء نتيجة تغلغل الماركسيه فى أوساط الأمة، ومن الكتب القيمه التى قرأتها في هذا الوقت كتاب (الإسلام يتحدى) لوحيد الدين خان. وكتاب(الله يتحدى فى عصر العلم) لكريس موريسون وكتاب (العلم يدعو الى الإيمان) وكتاب (شبهات حول الإسلام ) لمحمد قطب وكلها كتب تدور حول إثبات وجود الله ودحض النطريات الماركسيه الإلحاديه.يضاف إلى قراءة لكتاب الصحوة الإسلامية التي كان لها انتشار مثل كتب الداعيه اللبنانى فتح يكن( توفي في بداية عام 2009) وكتب الشيخ محمد الغزالى وكتب الداعية بهي الخولى وكتب محمد قطب وسيد قطب وكتب الشيخ القرضاوى وأبى الحسن الندوى وأبى الأعلى المودودى. وكتب زينب الغزالى كـ(كتاب أيام من حياتى) وكتب عائشه بنت الشاطىء ،وأكاد أجزم لك أنه ما من كاتب إسلامى فى تلك الفتره إلا وقرأت له، وبالمناسبه هذه الفتره فترة السبعينات والثمانينات تعتبر فتره ذهبية للفكر الإسلامي.حاليا ماذا تقرأ ؟بعد رحلة استشفائى الأخيرة وعودتى من الحج اقتنيت العشرات من الكتب من دور النشر السعوديه وأعكف حاليا على قراءة مذكرات مدلين أولبرايت،وكتاب لنعوم تشومسكى وهو كاتب أمريكى يهودى يعارض السياسه الأمريكيه تجاه العرب والمسلمين وكتبا أخرى.ماذا بقي من ذكرياتك من لقاء العلماء والدعاة والمفكرين ؟نعم أنا سعيد بالالتقاء بالكثير منهم، ومن لم أجالسه حضرت له محاضره أو ندوه يقدمها أثناء دراستى فى السعوديه أذكر أننى التقيت بالعالم د. محمد على الصابونى صاحب كتاب (صفوة التفاسير) وجرى بيننا نقاش وكان يقول لى يا أحمد أنت متعصب شافعى وحقا أنا أتعصب للمذهب الشافعى ،وأرى أن من مشاكل الصحوة الإسلامية العلمية انصراف شبابها عن المذهب الشافعى وعدم دراسته، وكذلك تخليهم عن قراءة أبي عمرو فى القرآن وقراءة أبي عمرو تعتبر قراءة العلماء وهي إرث الصوماليين، وآمل العودة الى الأصالة التاريخية، وذا عدت إلى الموضوع التقيت كذلك بأبى الحسن الندوى وقرأت له كتابا نادرا لم تنتبه إليه الصحوة وهو كتاب (التفسير السياسى للإسلام ) كان يلقى على مسامعنا نحن الطلبه بأشعار الشاعر محمد إقبال أولا بالأرديه وثانيا بالعربيه. وكان متأثرا أيما تأثر بمحمد إقبال وشعره،والتقيت كذلك بأبى الأعلى المودودى ،وكانت بينى وبين مترجم كتبه الى العربيه معرفة خاصه وهو خليل حامد وممن التقيت بهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وابن عثيمين وعبد المحسن العباد نائب رئيس الجامعه الإسلاميه حينها وحماد الأنصارى وهو أثري لا يشق له غبار وأفتخر بمعرفتى لأبى التراب الظاهرى وهو ظاهرى المذهب وأبى عبد الرحمن ابن عقيل الظاهرى وكان له منزلان فى الرياض سمى أحدهما بأبى داؤود والآخر بابن الحزم الأندلسى تيمنا بالإمامين الظاهريين.وأغرب من التقيت بهم أندرو وسكى وهو بريطانى متخصص باللغة الصوماليه، وفي إحدى المرات التقيت به فى منزل شقيقى الأكبر عبد الله حاجى وكانا يتحدثان فتعجبت وقلت: عجبا كافر بريطانى يتكلم بالصوماليه، فقال أخى: من جد وجد، فرد أندرو وسكى: لماذا تكلف نفسك باستدلال مثل بريطانى ألم تسمع المثل الصومالى القائل:fadhi iyo fuud yicibeed la isku waaفازددت عجبا من تمكنه من اللغة الصومالية، واستشهاده بالأمثال.القائمة من المشاهير تطول، وهناك شخصيات من العلماء لا تسعفنى الذاكره بتذكرهم.الدكتور أحمد هل لك مؤلفات؟لم أؤلف كتبا ولكن هناك بحوث نشرت لى من بينها الصيرفه الإسلاميه, وبحث آخر عن الإعلام الإسلامى فى العهد النبوى قدمت هذا البحث فى مؤتمر بمكة، وتم تكريمى وأعطيت جائزه قيمه, وهناك بعض البحوث الأخرى كالوسطيه فى الإسلام نشرته في مجلة المحجة التي كانت تصدر من مقيشو.ما تقييمك للأوضاع التعليمية فى الصومال ؟هناك نهضة علمية ملموسة في الصومال ازادات بعد انهيار الحكومه المركزيه عام1991، وهناك إقبال ملحوظ على التعليم فى الصومال؛ لكنه لم يصل إلى المستوى المنشود ونأمل المزيد من التقدم والتطور فى مجال التعليمى بإذن الله.حدثنا عن تأسيس الصرح العلمى الذي أقمتموه (جامعة شرق إفريقيا ) أنت ورفيق دربك الدكتور عبدالقادر (رحمه الله)؟د.عبد القادر محمد عبد الله -رحمه الله- كان إنسانا رقيق القلب جم الأدب زاهدا يحب التقشف، ما أذكر أنه أساء الى أحد بل كان يكره أن يقول لأحد كلمة واحدة فيها نوع من التوبيخ عداك أن يسىء الى أحد، ولم يكن يحب المناصب ولا من حطام الدنيا شيئا، والدليل على ذلك تسليمه لمنصب الجامعه الى خلفه الأستاذ محمد عبده.جامعة شرق إفريقيا ظهرت فكرتها أثناء تواجدنا فى السعوديه أنا ود.عبد القادر وبعد تخرجنا قررنا العودة الى أرض الوطن لنأسس هذه الجامعه رغم عروض العمل المغريه في السعوديه لكننا عزمنا على العودة على كل حال.والحمد لله ابتدأت الجامعة بكليتي الشريعة والعلوم الإدارية عام1999، وما زالت تتسع ويستمر عطاؤها، ولا ننسى جهود المخلصين من أبناء الوطن الذين أعطوا هذا الصرح كل الغالى والنفيس من أجل تأدية الجامعه رسالتها على أكمل وجه.وأخيرا، وبعد أن حققت الجامعة الكثير من النجاح فضلنا نحن المؤسسين –أنا والدكتور عبد القادر –رحمه الله - تسليم المهام الى آخرين بهدف تجديد ودعم روح الإبتكار لتجرى فى الجامعه دماء جديدة، ومن المعروف أن كل إداره جديده لابد وأن تأتى بالجديد، فمن باب "أعطوا المنارة لمن يبنيها" سلمناها الى إدارة جديدة مع ثقتنا التامه بأنها تأتى بالشىء النافع الجديد للأمه، وفي إحدى المرات زارنا فى مقر الجامعه فى بوصاصو الجنرال محمود موسى حرزى رئيس حكومة ولاية بونت لاند فقلنا له: يا رئيس نحن سلمنا الجامعه بصوره ديمقراطيه وسلميه نرجو أن تقتدوا بنا أنتم السياسيون في تسليم المهام دون إراقة دماء... والجامعه مسجلة عند جهات الاختصاص بأنها وقف وليست تابعه لجهه معينة.أخيرا ما رسالتك إلى الشعب الصومالي ؟العنف هدَّام فعلى الصوماليين نبذه، علينا تغليب لغة الحوار على لغة الرصاص،على المجتمع الصومالى أن يتخد الحوار أداة لحل مشاكله، فسياسة الإقصاء هي التي جرت الويلات للوطن؛ لأنك حين تقصي خصمك فمعناه أنه يستعد بكل جهده للتدمير، فبدل الإقصاء علينا تبنى سياسة الاحتواء التى تعنى إفساح الطريق لمشاركة الجميع فى العملية السياسيه أو التنمويه فى الوطن العزيز، وهذا لا يأتى إلا بإعادة وصياغة مفاهيم من قبيل الفقه السياسى هل نحن كإسلاميين علينا تغيير أنظمة الحكم فى الصومال بالقوه أم علينا مسؤلية إصلاح الأنظمه أعتقد أن الأسلم هو المساهمه فى إصلاح الأنظمة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.ولنعلم أن الأمه كلها لا يمكن أن تكون أفرادا صالحين بل يكون فيها الشرير والفاضل, ففي السابق فى عصرالتابعين كان هناك الفرزدق والحسن البصرى، وبعدهم أبو نواس وسفيان الثورى, وكان المجتمع الإسلامي فى تناغم وانسجام دون أن يكفر أحد منهم الآخر لابد أن نبرمج فى عقولنا ثنائى الخير والشر وأن لا نعتبر الزلات البسيطة مصائب عظام.وهذا يتحقق بالتعمق فى فهم الدين، والقراءة المتأنيه للتاريخ الإسلامى كفيلة بحل الكثير من المعضلات الحالية فى الصومال: لنقرأ ماذا استفاد السابقون من الاستقواء بالأجنبي؟ لم يستفدوا غير الدمار وخراب الديار، ولهذا لابد أن نعيد حساباتنا فالوقت حتى اللحظة قابل للتراجع عن كثير من الأخطاء.حاوره : عبد الفتاح نور (أشكر)المصدر: الصومال اليوم |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق