مثير فتنة أم وسيط؟ ـ دور الإعلام في حوار الثقافات
شهدت جلسات مؤتمر الإعلام الذي نظمه موقع قنطرة العالمي للحوار مع العالم الإسلامي مناقشات حامية، إذ اقترح الصحفي عبد الباري عطوان ميثاقا صحفيا يضمن عدم الإساءة إلى الأديان، فيما اعتبر آخرون أن ذلك قد توظفه الأنظمة الديكتاتورية لصالحها. هيثم عبد العظيم يطلعنا على أهم مداولات المؤتمر.
حاول مؤتمر قنطرة البحث عن إجابات تتعلق بطريقة التغطية الإعلامية للإسلام وللنقاش حول المهاجرين ودور الإعلام في حوار الثقافات
في عالم تحول إلى قرية صغيرة بفضل ثورة الاتصالات، يتعاظم دور وسائل الإعلام التقليدية والحديثة في خلق وتعزيز الحوار بين الثقافات، لاسيما في أوقات الأزمات. فهل تعي وسائل الإعلام مسؤولية الحوار الملقاة على عاتقها؟ وكيف يمكنها أن تضطلع بها خلال تغطيتها الإعلامية؟ من أجل الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها افتتح موقع قنطرة ومؤسسة دويتشه فيله في (25 اكتوبر/تشرين أول) مؤتمرا في برلين تحت عنوان "دور الإعلام في الحوار بين الثقافات - وساطة أم إشعال حرائق؟".
وحضر المؤتمر لفيف من الإعلاميين، والخبراء العرب والألمان من بينهم عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة القدس العربي اللندنية، وخالد الحروب مدير مشروع الإعلام العربي بجامعة كامبريدج، وايهاب الزلاقي من صحيفة المصري اليوم المصرية، إضافة إلى صحفيين غربيين من بينهم ياسين مشربش المحرر في الموقع الالكتروني لجريدة دير شبيجل الألمانية، وميشيل سلاكمان مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز في برلين.
وعُقد المؤتمر في مقر وزارة الخارجية الألمانية على مدي يومين والذي يأتي أيضا في إطار المؤتمر الخامس لتحالف الحضارات الذي تأسس بمبادرة تركية إسبانية عام 2005، وترعاه الأمم المتحدة. ويهتم التحالف بدعم المشاريع الهادفة إلى تعميق التفاهم بين الشعوب، وبخاصة بين الغرب والعالم الإسلامي، ومن هنا جاء قرار الخارجية الألمانية، إحدى شركاء موقع قنطرة، استضافة المؤتمر للإشارة إلى قنطرة كمثال ناصع لهدم الهوة بين الثقافات.
"ميثاق صحفي لضمان عدم الإساءة للأديان"
"المشكلة تكمن في الاهتمام بالأحداث الساخنة وإهمال المواد الصحفية التي تخلق سياقا لفهم تلك الأحداث وتحليلها"
المحور العريض لجلسات المؤتمر الثلاث اليوم كان النقاش حول مسؤولية الإعلام وسبل إسهامه في الحد من الصراعات بين الثقافات، وتناول المشاركون عددا من المحاور كان أكثرها إثارة للنقاش الاقتراح الذي تقدم به الصحفي عبد الباري عطوان والمتعلق بالحاجة إلى وضع ميثاق شرف صحفي يضمن عدم الإساءة إلى الأديان، وذلك على خلفية أزمة الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية، وانتقد عطوان بشدة الإعلام الغربي معتبرا أنه يؤجج الصراعات في العالم العربي بسبب "تغطيته المنحازة والتي تعيد إنتاج الصور النمطية"، موضحا أن "الإساءة إلى الدين اليهودي تُعتبر عداء للسامية، والإساءة إلى السود تُعتبر عنصرية، أما الإساءة إلى المسلمين فتعد حرية للتعبير عن الرأي".
لكن الصحفي الأمريكي ميشيل سلاكمان الذي كان الضيف الآخر بجانب عطوان في الجلسة الأولى أبدى تشككه من إمكانية أن تكون فكرة وضع ميثاق صحفي مفيدة، بل إنها إذا صدرت من أنظمة غير ديمقراطية فقد تفتح الطريق أمام تضييق حرية التعبير عن الرأي وتكميم الأفواه، وعوضا عن ذلك يراهن سلاكمان على وعي القارئ وسلامة حسه اللذين يضمنان استبعاد أية مواد قد تكون مسيئة بفضل الإمكانيات الحديثة التي تمكنه من توصيل رأيه إلى الجهة الإعلامية المعنية.
وظيفة الإعلام خلق سياق للخبر
كريستيان غرامش مدير راديو وموقع دويتشه فيله: "الإعلام لم يتدخل كوسيط وإنما دافع أو هاجم، ما ساهم في إشعال الأزمة".
التغطية الصحفية لأزمة الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية كانت حاضرة بقوة في المؤتمر باعتبارها أبرز مثال على فشل وسائل الإعلام في نزع فتيل الصراع. فقد اعتبر مدير البرامج لإذاعة ومواقع دويتشه فيله كرستيان غرامش خلال كلمة الافتتاح أن الإعلام لم يتدخل كوسيط بين الأطراف المختلفة وإنما انبرى للدفاع أو الهجوم مما أدى إلى اشتعال الأزمة. وتساءل غرامش في كلمته ما سبب هذا الفشل الذريع؟
إحدى الإجابات الممكنة قدمها الصحفي الألماني من أصل عربي ياسين مشربش، فقد اعتبر أن المشكلة تكمن في الاهتمام بالأحداث الساخنة وإهمال المواد الصحفية التي تخلق سياقا لفهم تلك الأحداث وتحليلها. وانتقد مشربش الإعلام العربي لإنه لم يقدم لقارئه خلفيات كافية توضح له مدى حساسية حرية الصحافة لدى الغرب، معتبرا أن الإعلام الغربي لم ينجح في كل الأحوال لعمل الشيء نفسه لكنه على الأقل حاول، إذ لم تكد وسائل الإعلام الألمانية أثناء الأزمة أن تخلو من مواد صحفية تسعى إلى توضيح للقارئ الألماني حساسية المسلمين تجاه تناول نبيهم في أعمال فنية، ناهيك عن تحريم تصويره، أما الإعلام العربي فخلا تقريبا من خلال متابعته من مواد شبيهة توضح للقارئ أهمية حرية الصحافة في الثقافة الغربية.
الصحفية التركية ايسي كربات التي ضمتها الجلسة الثانية مع مشربش وآخرين ضمت صوتها إلى الأصوات المنادية بأهمية تقديم مواد صحفية تحليلية، وقالت إن النزاعات تتسبب كثيرا في أبلسة الآخر، ونزع صفة الإنسانية عنه، وبالتالي قطع الطريق أمام أي محاولة لفهم كيف يفكر الآخر، وهنا يأتي دور الإعلام من وجهة نظر كربات، وذلك من خلال تقديم قصص صحفية تعيد صفة الإنسانية إلى ذلك الآخر، وخلق سياق هادئ غير مشحون قد يؤدي في النهاية إلى قيام حوار بين أطراف النزاع.
أهمية النقد الذاتي والالتزام بالمعايير الصحفية
وتداول المشاركون في المؤتمر عددا من الأفكار والمقترحات الأخرى التي تسهم في عمل الإعلام على الحد من الصراعات، من بينها أهمية النقد الذاتي والاعتراف بالخطأ والتراجع عنه إذا حدث. في هذا السياق ثمّن عبد الباري عطوان الاعتذار الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز بعد حرب العراق عام 1991، حيث اعتبرت أن نبأ امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة نووية، والذي نشرته قبل الحرب، هو نبأ خاطئ لم تتحر الجريدة دقته، ونشره يستحق الاعتذار للقارئ.
كذلك أشار المشاركون إلى أهمية الالتزام بمعايير العمل الصحفي، وروى الصحفي ياسين مشربش أنه اضطر للانتظار عدة أشهر لتأكيد معلومة لديه في مقال يعمل عليه حتى حصل أخيرا على تأكيد من مصدر موثوق، ثم نشر الخبر. فتلقى رسالة من مدون ينتقد فيها نشر الخبر الآن لإن المدون المذكور نشره منذ مدة طويلة، فكانت إجابة مشربش أنه صحفي وعليه التقيد بمعايير العمل الصحفي ومن بينها التأكد من صحة المعلومة، أما المدون فلا يحتاج لذلك. وهذا من وجهة نظر مشربش مصدر قوة الصحفي. كذلك أشار الصحفي عارف حجاوي أن ما يميز الصحفي عن المدون، هو أن معظم المدونين هم بالأساس مدافعون عن الحرية أو عن قضايا أخرى، أما الصحفي فهو ينقل الأخبار ويوضح سياقها بحياد ودقة ولا يضع نفسه في خدمة هدف خارجي.
هيثم عبد العظيم- برلين
مراجعة: حسن زنيند
حقوق النشر: قنطرة 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق