زوال أثـر التحفظات العراقية على اتفاقية (سيداو)
الجمعة, 18 يونيو 2010 00:00 هادي عزيز علي
اعتمدت الجمعية العامة للامم المتحدة اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة بقرارها المرقم (34/18) والمؤرخ 18 كانون الاول 1979، ودخلت حيز النفاذ في 3 ايلول 1981، وصادق عليها العراق بالقانون المرقم (66) لسنة 1986، ونشر التصديق في جريدة الوقائع العراقية العدد ( 3107) بتاريخ 21 / 7 / 1986.
والمفارقة التي رافقت النشر هي ان نص الاتفاقية لم ينشر، ولم يذكر في النشر الا رقم وتاريخ قرار الامم المتحدة المشار اليه اعلاه، ولم يلحقه النشر الا في المجموعة التشريعية التي اصدرتها وزارة العدل في سنة 1992، والغريب ايضا ان وزارة العدل نشرت نص الاتفاقية كاملا من دون ذكر التحفظات. وقبل تصديق العراق على الاتفاقية فقد وضع تحفظاته عليها البالغ مجموعها اربعة تحفظات، ندرجها وحسب ترتيب تسلسل المواد وعلى الوجه الاتي:
اولاً
المادة الثانية من الاتفاقية تتضمن لزوم المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير الوطنية او التشريعات المناسبة الاخرى. فاذا لم يكن هذا المبدأ قد ادمج واتخذت التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب اي شخص او منظمة او مؤسسة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير او ابطال القائم من القوانين والانظمة والاعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة، اضافة الى الغاء جميع الاحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة.
ان احكام المادة (14) من الدستور تشكل استجابة الى هذه المادة عندما نصت على: (العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس....)، وكذلك احكام المادة (16) من الدستور التي تقول بأن تكافؤ الفرص مكفول لجميع العراقيين، والمادة (20) منه القائلة: (للمواطنين رجالا ونساء حق المشاركة في الشؤون العامة..)، والنص على منع كل اشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع، المادة 29 / رابعا، وسواها من النصوص الاخرى التي يمكن اعتبارها الغاء جزئياً للتحفظ على هذه المادة، الا ان هذا ليس نهاية المطاف بل ان هنالك نصوصاً تشريعية مخالفة لاهداف هذه المادة، خاصة ما يتعلق منها بالنصوص المتعلقة بالجزاء موضوع الفقرة (ز) من المادة (2) من الاتفاقية التي تنص على (الغاء جميع الاحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة)، ومن مراجعة بسيطة لبعض النصوص الجزائية نجدها غارقة في التمييز ضد المرأة، الأمر الذي يؤدي الى عدم المساواة والى العنف القانوني على وجه التحديد. وكعينة لتلك النصوص الجزائية في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل:
ـ نص المادة (41): لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون، ويعتبر استعمالا للحق تأديب الزوج لزوجته فى حدود ماهو مقرر شرعا وقانونا وعرفا.
ـ المادة (377) عقوبات التي تنص على: (تعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنا بها ... ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج اذا زنى في منزل الزوجية). ومن هذا النص يتضح ان لا عقاب على الزوج اذا زنى خارج منزل الزوجية.
ـ المادة (380 ) عقوبات التي تنص على: (كل زوج حرض زوجته على الزنا فزنت بناء على هذا التحريض يعاقب بالحبس). وامام هذا النص فأذا قررت الزوجة تقديم الشكوى ضد تحريض الزوج فأن الدعوى لا تقبل لوجوب القيام بالزنى اولا حتى تقبل الشكوى وحسب منطوق المادة اعلاه.
هذه النصوص الجزائية تعبير واضح للتمييز ضد المرأة، وهي استلاب لكرامتها وادميتها وانسانيتها، ولا يصح التحفظ على هذه الفقرة التي تعبر على عدم المساواة، وتجعل المواطنين غير متساوين امام القانون. وحيث انها كذلك، فانها نصوص تتعارض واحكام المادة (14) من الدستور التي تنص على: ( العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس ...)، وبالمحصلة فهي نصوص غير دستورية يجب الغاؤها على وفق الآلية المذكورة في قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 .
ثانيا
لقد تحفظ العراق على نص الفقرة (2) من المادة (9) من الاتفاقية التي تنص على : ( تمنح الدول الاطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية اطفالهما ) ، حيث اعتبر هذا التحفظ ملغيا ، على وفق احكام الفقرة – ثانيا – من المادة (18) من الدستور التي نصت على : ( يعد عراقيا كل من ولد لأب عراقي أو لأم عراقية ، وينظم ذلك بقانون ). وفعلا فقد صدر القانون رقم (26) لسنة 2006 ، التي نصت المادة (3) منه: يعتبر عراقيا : أ – من ولد لأب عراقي أو لأم عراقية .
ثالثا
تحفظ العراق كذلك على حكم المادة (16) من الاتفاقية المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، كالنص على نفس الحق في عقد الزواج، ونفس الحق في حرية اختيار الزوج. ولا نعرف السبب الذي دفع العراق حينئذ للتحفظ على موضوع حرية اختيار الزوج في الوقت الذي اعتبر قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل عقد الزواج من العقود الرضائية، المادة (الثالثة) منه ، لا بل انه اعتبر الاكراه على الزواج من قبل الأقارب والأغيار جريمة جزاؤها الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، المادة التاسعة.
ومن ضمن الفقرات المتحفظ عليها من نفس المادة المشار اليها في الاتفاقية هي نفس الحقوق والمسؤوليات اثناء الزواج وعند فسخه، ونفس الحقوق والمسؤوليات في الامور المتعلقة باطفالهما ويكون لمصلحة الاطفال الاعتبار الاول، ونقول لماذا التحفظ وقانون الاحوال الشخصية يقول ان الحضانة تدور وجودا وعدما مع مصلحة المحضون وهو ذات المبدأ الوارد في هذه الفقرة.
ومن فقرات هذه المادة الفقرة (هـ) التي تعطي نفس الحقوق لعدد الاطفال والفاصل بين الطفل والذي يليه، وكذلك الفقرة (و) التي تعطي نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الاطفال، وكذلك الفقرة (ز) نفس الحقوق للزوج والزوجة في اختيار اسم الاسرة والمهنة ونوع العمل، والفقرة (ح) المتضمنة نفس الحقوق فيما يتعلق بالملكية وحيازة الممتلكات والاشراف عليها وادارتها والتمتع بها والتصرف بها. وقدر تعلق الامر بالفقرتين المذكورتين، فأن العراقيين يتصرفون على وفق احكامهما ولا تشكلان هما اجتماعيا، ولم نجد اي تفسير للتحفظ عليهما.
المفارقة الجديرة بالملاحظة في تحفظ العراق على هذه المادة من الاتفاقية، هو ان موضوع هذه المادة ذاته قد ورد في احكام المادة (23) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من قبل العراق، الذي يعتبر جزءاً من النظام القانوني العراقي – ولم يرد اي تحفظ على النص المذكور في العهد الدولي.. لذا لا قيمة قانونية للتحفظ الوارد في الاتفاقية موضوع بحثنا، ما دام نص العهد نافذا لكونه لم يعدل او يلغى بأي قانون لاحق.
رابعا
اما التحفظ الرابع على هذه الاتفاقية فقد جاء على حكم المادة (29) من الاتفاقية التي نصت فقرتها (1) على: ( يعرض للتحكيم اي خلاف بين دولتين او اكثر من الدول الاطراف حول تفسير او تطبيق هذه الاتفاقية لا يسوى عن طريق المفاوضات، وذلك بناء على طلب واحد من هذه الدول. فأذا لم يتمكن الاطراف، خلال ستة اشهر من تاريخ طلب التحكيم، من الوصول الى اتفاق على تنظيم امر التحكيم، جاز لاي من اولئك الاطراف احالة النزاع الى محكمة العدل الدولية بطلب يقدم وفقا للنظام الاساسي للمحكمة.
ان التحفظ على هذا النص يعني غياب ثقافة التحكيم التي اثبتت جدواها للوصول الى حل للنزاعات باسرع وقت ممكن، وضمن القرارات التي تصدر عن التحكيم وتكون واجبة النفاذ، وبعيدا عن اجراءات المحاكم واجراءاتها المطولة وتراخي مواعيدها .
الخلاصة
مما تقدم يمكن القول ان التحفظات التي وضعها العراق على اتفاقية القضاء على كل اشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) لم يعد لها وجود من الناحية التشريعية، وبالشكل الاتي:
1 -بالنسبة للمادة (2) فأن العراق قد اتخذ خطوات تشريعية مقبولة مؤدية الى ادماج مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الدستور . وان مثابرة المرأة مستمرة لبث مبدأ المساواة في بقية التشريعات. اما بشأن التشريعات الجزائية التي تشكل تمييزا ضد المرأة فأنها لا تحتاج اكثر من رفع الدعاوى امام المحكمة الاتحادية العليا للطعن بعدم دستوريتها، لذا فأن التحفظ على هذه المادة عديم الاثر.
2 - بخصوص حكم المادة (9 – 2 ) فقد الغي التحفظ دستوريا وقانونيا.
3- اما بالنسبة للتحفظ الوارد على المادة (16) فيكون معدوم الاثر للاسباب التالية:
أ – ان الكثير من النصوص القانونية الواردة في قانون الاحوال الشخصية قد انصفت المرأة، وأحكام هذه المادة مثبتة في تلك النصوص.
ب – ان اختيار اسم الاسرة والمهنة والعمل والملكية والتصرف بها ينسجم مع نصوص المادة (16) من الاتفاقية من حيث الواقع التطبيقي.
4 - ان للاتفاقية أغراضاً واهدافاً وضعت بدقة وعناية مستمدة احكامها من الشرعة الدولية لحقوق الانسان، وان اي تحفظ يتنافى مع اهداف اتفاقية (سيداو) غير جائز حسب منطوق الفقرة (2) من المادة (28) من الاتفاقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق