الجندى: الوقيعة بين السنة والشيعة مؤامرة أمريكية
قال: ان الوقت الراهن غير مؤهل لتطبيق الشريعة الإسلامية
الشحات الجندى
- حوار– صابر رمضان:
- منذ 11 ساعة 6 دقيقة
المفكر الإسلامي د. محمد الشحات الجندي الأمين العام السابق للمجلس الأعلي للشؤون الإسلامية تولي مناصب عديدة من قبل، فقد كان عميداً لكلية الحقوق جامعة حلوان،
وسافر إلي دول العالم في مؤتمرات كثيرة لمناقشة قضايا المسلمين، فهو رجل يتمتع بالفهم العميق لتلك القضايا، وله رؤية واضحة للواقع الإسلامي مع الوعي العميق بكل سبل التحرر من هذا الواقع الذي ألقي بظلاله علي المجتمع كله، ثم أن له له دور ريادياً وفعالاً في الدفاع عن الإسلام والمسلمين في كل مكان حل به أو ارتحل عنه، وهو بعد هذا شخصية علمية قانونية متميزة، ومفكرنا له دور في ميادين البحث والمعرفة، وله العديد من الأفكار القيمة والاجتهادات المفيدة في مجال الشريعة الإسلامية، وقد ساهم بفاعلية مؤثرة في تقويم وتعميق الفكر الإسلامي. وقد صدر له مؤخراً مؤلف جديد بعنوان «الدولة المدنية بين الإسلام والغرب»، تناول فيه قضية الدولة المدنية والدولة الدينية التي بات طرحها أمراً مهماً في ظل الأحداث التي تجري للمنطقة العربية والإسلامية بأسرها. ومن منطلق هذه الخلفية الفكرية العريضة كان معه هذا الحوار.
فى البداية ما هى رؤيتك لمستقبل مصر بعد الثورة؟
- مصر بعد ثورة «25» يناير نبهت وأيقظت الكثير من المواطنين في الشارع العربي إلي حقوق الشعوب في الأمة العربية والإسلامية نحو حياة مزدهرة تسودها الحرية والكرامة للإنسان الذي يعيش في جنبات الدولة الإسلامية، وبالطبع فإنني أعتبر هذه الثورة أنها كانت مطلباً شرعياً وليس مطلباً للحرية الاجتماعية ضد نظام فاسد أو ظالم فقط.. نعم: كانت مطلباً شرعياً لأن الأمور كانت قد وصلت إلي تداعيات وتدنٍ في الكثير من معتركات الحياة سواء علي المستوي الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي، فقد كانت منظومة الحياة المصرية كلها متدنية أو في انحدار، بالإضافة إلي أن هناك أموراً كثيرة كانت تعاني منها أغلبية الشعب لعدم وجود مقومات الحياة الضرورية فكان هناك فساد علي المستوي السياسي، وهناك أيضاً حكومة مستبدة، تستأثر بخيرات هذا الوطن في إطار حرمان الجماهير العريضة منه، وقد تراجعت الهوية الإسلامية بشكل كبير فتم إثارة النعرات والفرقة التي وجدت في المجتمع المصري، وتحت وطأة هذه الأمور كلها كان من الضروري قيام الثورة، وكان لابد أن يكون هناك مستقبل آخر لمصر غير هذا المستقبل الذي كان في ظل الحكم السابق، وهذا المستقبل يحمل - كما نقول - ثوابت الإسلام بغض النظر عن رأي التيارات السياسية، فإذا قلنا ديمقراطية فينبغي أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية وليست «ديكوراً» كما كان يحدث في النظام السابق، والدليل علي ذلك مسألة تزييف الانتخابات في عام «2010»، فنحن نريد ديمقراطية حقيقية، وهذه الديمقراطية إذا صح التعبير هي عبارة عن تطور لنظام الشوري الإسلامي فهي ليست منبتة الصلة عنه، وإنما هي صورة معاصرة له أيضاً، نريد الكرامة لكل مصري ولكل من يعيش علي أرض هذا الوطن، فالقرآن كما نعلم قررها لكل إنسان، وقوله تعالي خير دليل «ولقد كرمنا بني آدم» «الإسراء: 70» حتي أنه قررها لغير المسلم في ظل المنظومة الإسلامية، ولا أدل علي ذلك من أن الرسول قام واقفاً عندما مرت جنازة يهودي أمامه، فسأله الصحابة هذه «جنازة يهودي» فقال الرسول: «أليست نفساً»، وهذا فيه تعبير عن كرامة الإنسان، وهذا قمة الحقوق التي ينادون بها، فمثل هذه الأمور مطلب مصري وعربي ولكن قبل أن تكون مطلباً مصرياً وعربياً فهي مطلب إسلامي، لأن النصوص داعمة لذلك، ولا يقولن أحد إن الإسلام ينتقص من رصيد غير المسلمين فهو لا يقلل من أحد فلهم حقوق مثل حقوقنا والإسلام دين يؤمن بالحرية ولا أدل علي ذلك من أنه قرر حرية العقيدة وهي أثمن الحريات، فإذا كان هذا هو الأصل فمن باب أولي لابد أن تكون هناك حرية التعبير، وحرية التظاهر السلمي، وحرية أن يكون هناك رأي فيمن يتولي أمور البلاد، الحكم وشكل الحكومة رئاسي أم برلماني ورئيس الجمهورية، كيف يكون فمثل هذه الأمور كلها تدخل في نطاق السياسة الشرعية للإسلام، وبالتالي أري أن هذا هو التحول الجديد الذي ينشده الشارع المصري والشارع العربي.
لكم كتاب بعنوان «الدولة المدنية في الإسلام فما المقصود بالدولة المدنية وهل تختلف عن نظام الدولة الذي تحقق في عهد النبي صلي الله عليه وسلم؟ - تقوم فكرة الكتاب باختصار علي الإجابة عن سؤال هو: ما هو شكل الدولة في الإسلام، ومن واقع استقرائي لنظام الدولة الإسلامية مما دل عليه التطبيق العملي للرسول عليه الصلاة والسلام عند بنائه للدولة الإسلامية في المدينة المنورة ومروراً بعهد الخلفاء الراشدين وحتي في الدولتين الأموية والعباسية نري أنه لا يوجد ما يسمي بدولة الكهنوت، أي لا يوجد ما يسمي بالدولة الدينية أو الثيوقراطية التي تعتمد علي حكم رجال الدين الذين يقولون بأن كلمتهم لا ترد ولا تجوز معارضتهم، فالاستبداد عندهم أمر مقرر ومسلك طبيعي، ومثل هذه الأمور لم يعرفها الإسلام، وقلت في هذه الدراسة إن الدولة الدينية اصطلاح جاء بسبب ما كان سائداً في أوروبا في العصور الوسطي، فهو مصطلح وافد علينا، أرادوا أن يلصقوه بالإسلام بعد نمو ما يسمي بظاهرة «الإسلام السياسي»، أي وجود الجماعات والأحزاب والتيارات التي تنادي بتطبيق الشرعية الإسلامية والعودة إلي الإسلام مرة أخري، فقالوا إن هذا معناه الدولة الدينية، لكن هذا ليس معناه أبداً، فالإسلام لا يعرف الدولة الدينية ومن يمارس الإسلام بأن كلامه لا يرد وأنه ينبغي أن يطاع لأنه يحتكر التفسير، فهذا أمر مرجعه له ولا ينبغي أن يحمل علي الإسلام، لأن الإسلام بريء من ذلك، فالقرآن الكريم يقول للرسول عليه الصلاة والسلام: «فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر» فإذا كان هذا شأن الرسول الذي يوحي إليه ولا ينطق عن الهوي، ولم يقل عنه إن كلامه لا يرد، فالقرآن يقول له «إن عليك إلا البلاغ» وقال أيضاً: «وشاورهم في الأمر» وقال: «ليس لك من الأمر شيء» مثل هذه الأمور كلها تؤكد أن الإسلام لم يمارس الدولة الدينية مطلقاً، ولذلك فهذا الكتاب إبحار في نظام الحكم الإسلامي والمقارنة بين الفكرين الإسلامي والغربي والتجربة الإسلامية الأولي والتجربة الغربية في العصور الوسطي، وينتهي إلي أن الإسلام حمل زوراً وبهتاناً فكرة من يقول إن الدولة الدينية لصيقة بالإسلام وهي في الحقيقة ليست من الإسلام في شيء، بالإضافة إلي قضايا أخري تستعرضها صفحات الكتاب وعددها «329» صفحة من خلال أربعة أقسام رئيسية تناولت الدولة بين الدين والسياسة وأسس الحكم والنظام السياسي وحقوق الإنسان وأخيراً القسم الرابع وهو الدولة الإسلامية المعاصرة.
هل أنت مع محاكمة النظام السابق أم الاكتفاء باسترداد الأموال المنهوبة؟
- أريد الأمرين معاً، فأنا مع محاكمة النظام السابق، فالمخطئ لابد أن ينال جزاءه، أما من ناحية الأموال المنهوبة فلابد أن يحصل الشعب علي حقوقه من هذه الأموال ويستردها حتي أن الفقهاء قالوا في آية السرقة «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما نكالاً من الله» قالوا: قطع يد الجاني لأنه سرق، وفي الوقت ذاته عليه أن يرد ما سرقه فكذلك الحال بالنسبة للنظام السابق يجب أن تتم محاكمة رموزه أمام قاضيهم الطبيعي وفق محاكمة عادلة فإذا ثبتت براءتهم كان بها وإن ثبت خطأهم فيجب أن يحاكموا، ثم استرداد المال العام، فالمال مال الله أي مال عام، وبالتالي ليس هناك أكثر مما قاله الرسول صلي الله عليه وسلم: «إنما أنا قاسم أضع هذا المال، حيث أمرت وليس هذا المال لي ولا أحد» فأنا مأمور أن أعطي كل ذي حق حقه حسب إسهام كل فرد في بناء الدولة وجهده وقدرته في نفع الناس يأخذ من هذا المال، وهذه هي المعايير، لكن أن يكون هناك أصفياء وأن يكون هناك من يوالون حكاماً ظالمين مستبدين يريدون توريث الحكم لأشخاص لا تتوافر فيهم معايير القيادة، فهذا أمر ينبغي أن يحاسب مثل هذا النظام عليه لأنه أفسد الشخصية المصرية، فقد أصابتها معاول هدم، فاليوم المواطن المصري أصبح يختلف عن الماضي بكثير، فقد أثر النظام السابق سلباً علي الشخصية المصرية وفرغها من مضامين وقدرات مبدعة كانت لديها وجرّف العقل المصري وجعل الجميع كأنهم أغنام يساقون من الحاكم الذي له الأمر والنهي، وكأنه - حاشا لله- لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، فينبغي أن يحاكم جنائياً وسياسياً أيضاً، وينبغي أن ترد الأموال المنهوبة للشعب مرة أخري.
هناك نبرة خوف من وصول الأنظمة الإسلامية للحكم تحديداً فما رأيكم؟
- بداية هناك من يتربص بهذه التيارات الإسلامية أو كما يقال عنهم «الإسلام السياسي» وهناك في الوقت ذاته تصريحات خاطئة صدرت عن بعض الإسلاميين مثل الحديث عن السياحة والأمور المعيشية، وما حدث أثناء الانتخابات البرلمانية بالدعوة للإدلاء بالأصوات لصالح التيار الإسلامي فقط، وإلا أصبح الناخب آثماً، فأسوأ شيء نواجهه اليوم هو تصنيف الأشخاص فهذا مسلم وهذا غير مسلم، فما دامت هناك مرجعية إسلامية للجميع، فالمهم هو تطبيق مبدأ الشوري في الإسلام وكيف نطبقه، لكن دون فرض رؤية واحدة علي الجميع، فلابد أن يكون هناك حوار مجتمعي، وأن يكون هناك توافق بين كل التيارات وهذا أمر علي درجة كبيرة من الأهمية، ولذلك ينبغي علي التيارات الدينية أن ترجع إلي الأزهر في تفسير المرجعية الإسلامية ولا تستأثر برأيها وحدها، فلا يوجد من يحتكر فهم الإسلام، فالإمام علي قال: «القرآن حمّال أوجه» فما بالك إذا كان القرآن يحمل أكثر من وجه فكيف بالإسلام، ولذا يجب أن تعي التيارات الإسلامية لهذا، ونقول لهم احرصوا علي العرفان المجتمعي ولا تقصوا أحداً.
ظهرت في بعض الدول مؤخراً محاولات قوية لتأجيج الصراع بين السنّة والشيعة، كيف برأيك يمكن تجنب هذا الصراع؟ - هذه أيضاً للأسف الشديد نبرة غير قويمة وغير حميدة، وهذا ما يريده الأميركان والعالم الغربي الذي يريد استقطاب الإسلاميين الآن، لأن الشارع العربي يريد الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، فلذلك ينبغي أن تكون الأحزاب الإسلامية في مصر التي هي بصدد الوصول للحكم وفي تونس وفي اليمن أو غيرهما، ينبغي عليها أن تعي ذلك جيداً ولا تسمح بانفراط عقد الأمة ولا تستجيب للوقيعة أو الفخ الذي نصبته أميركا والعالم الغربي وأوروبا للوقيعة بين السُنّة والشيعة، فالتقريب بين السُنّة والشيعة فريضة إسلامية مقررة بنص القرآن والسنة كما في قوله تعالي: «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» «الأنبياء: 92» وقول الرسول صلي الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم علي رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» «رواه: مسلم» وهو ما يعني أن التوحد بين السُنّة والشيعة ركيزة شرعية وفريضة حتمية لا يتسني للأمة أن تنهض وأن تحقق مقاصد الإسلام ونهضة المسلمين إلا عن طريق هذه الوحدة، فالفرقة تكمن أعداء الأمة من النيل منها، خاصة أنهم يتعمدون تكريس التشرذم والانقسام وهذا ما نلحظه مؤخراً، فقد كثرت الانقسامات وعلت أصوات الطائفية والمذهبية والعصبية الجوفاء، ولكي يكون الحوار مجدياً بين السُنّة والشيعة علينا أن نتعاون فيما اتفقنا فيه، ونتحاور في نقاط الخلاف، فكما ينسب للإمام الشافعي: «نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه»، ولكن في الوقت ذاته علي الشيعة خاصة غير المعتدلين منهم أن يمتنعوا عن سب الصحابة الكرام وعن تصدير الثورة الإيرانية إلي دول العالم السني، فهذا مطلب مهم حتي يقوم الحوار بين السُنّة والشيعة علي أساس من الاحترام المتبادل لمصلحة الأمة الإسلامية عامة.
فى البداية ما هى رؤيتك لمستقبل مصر بعد الثورة؟
- مصر بعد ثورة «25» يناير نبهت وأيقظت الكثير من المواطنين في الشارع العربي إلي حقوق الشعوب في الأمة العربية والإسلامية نحو حياة مزدهرة تسودها الحرية والكرامة للإنسان الذي يعيش في جنبات الدولة الإسلامية، وبالطبع فإنني أعتبر هذه الثورة أنها كانت مطلباً شرعياً وليس مطلباً للحرية الاجتماعية ضد نظام فاسد أو ظالم فقط.. نعم: كانت مطلباً شرعياً لأن الأمور كانت قد وصلت إلي تداعيات وتدنٍ في الكثير من معتركات الحياة سواء علي المستوي الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي، فقد كانت منظومة الحياة المصرية كلها متدنية أو في انحدار، بالإضافة إلي أن هناك أموراً كثيرة كانت تعاني منها أغلبية الشعب لعدم وجود مقومات الحياة الضرورية فكان هناك فساد علي المستوي السياسي، وهناك أيضاً حكومة مستبدة، تستأثر بخيرات هذا الوطن في إطار حرمان الجماهير العريضة منه، وقد تراجعت الهوية الإسلامية بشكل كبير فتم إثارة النعرات والفرقة التي وجدت في المجتمع المصري، وتحت وطأة هذه الأمور كلها كان من الضروري قيام الثورة، وكان لابد أن يكون هناك مستقبل آخر لمصر غير هذا المستقبل الذي كان في ظل الحكم السابق، وهذا المستقبل يحمل - كما نقول - ثوابت الإسلام بغض النظر عن رأي التيارات السياسية، فإذا قلنا ديمقراطية فينبغي أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية وليست «ديكوراً» كما كان يحدث في النظام السابق، والدليل علي ذلك مسألة تزييف الانتخابات في عام «2010»، فنحن نريد ديمقراطية حقيقية، وهذه الديمقراطية إذا صح التعبير هي عبارة عن تطور لنظام الشوري الإسلامي فهي ليست منبتة الصلة عنه، وإنما هي صورة معاصرة له أيضاً، نريد الكرامة لكل مصري ولكل من يعيش علي أرض هذا الوطن، فالقرآن كما نعلم قررها لكل إنسان، وقوله تعالي خير دليل «ولقد كرمنا بني آدم» «الإسراء: 70» حتي أنه قررها لغير المسلم في ظل المنظومة الإسلامية، ولا أدل علي ذلك من أن الرسول قام واقفاً عندما مرت جنازة يهودي أمامه، فسأله الصحابة هذه «جنازة يهودي» فقال الرسول: «أليست نفساً»، وهذا فيه تعبير عن كرامة الإنسان، وهذا قمة الحقوق التي ينادون بها، فمثل هذه الأمور مطلب مصري وعربي ولكن قبل أن تكون مطلباً مصرياً وعربياً فهي مطلب إسلامي، لأن النصوص داعمة لذلك، ولا يقولن أحد إن الإسلام ينتقص من رصيد غير المسلمين فهو لا يقلل من أحد فلهم حقوق مثل حقوقنا والإسلام دين يؤمن بالحرية ولا أدل علي ذلك من أنه قرر حرية العقيدة وهي أثمن الحريات، فإذا كان هذا هو الأصل فمن باب أولي لابد أن تكون هناك حرية التعبير، وحرية التظاهر السلمي، وحرية أن يكون هناك رأي فيمن يتولي أمور البلاد، الحكم وشكل الحكومة رئاسي أم برلماني ورئيس الجمهورية، كيف يكون فمثل هذه الأمور كلها تدخل في نطاق السياسة الشرعية للإسلام، وبالتالي أري أن هذا هو التحول الجديد الذي ينشده الشارع المصري والشارع العربي.
لكم كتاب بعنوان «الدولة المدنية في الإسلام فما المقصود بالدولة المدنية وهل تختلف عن نظام الدولة الذي تحقق في عهد النبي صلي الله عليه وسلم؟ - تقوم فكرة الكتاب باختصار علي الإجابة عن سؤال هو: ما هو شكل الدولة في الإسلام، ومن واقع استقرائي لنظام الدولة الإسلامية مما دل عليه التطبيق العملي للرسول عليه الصلاة والسلام عند بنائه للدولة الإسلامية في المدينة المنورة ومروراً بعهد الخلفاء الراشدين وحتي في الدولتين الأموية والعباسية نري أنه لا يوجد ما يسمي بدولة الكهنوت، أي لا يوجد ما يسمي بالدولة الدينية أو الثيوقراطية التي تعتمد علي حكم رجال الدين الذين يقولون بأن كلمتهم لا ترد ولا تجوز معارضتهم، فالاستبداد عندهم أمر مقرر ومسلك طبيعي، ومثل هذه الأمور لم يعرفها الإسلام، وقلت في هذه الدراسة إن الدولة الدينية اصطلاح جاء بسبب ما كان سائداً في أوروبا في العصور الوسطي، فهو مصطلح وافد علينا، أرادوا أن يلصقوه بالإسلام بعد نمو ما يسمي بظاهرة «الإسلام السياسي»، أي وجود الجماعات والأحزاب والتيارات التي تنادي بتطبيق الشرعية الإسلامية والعودة إلي الإسلام مرة أخري، فقالوا إن هذا معناه الدولة الدينية، لكن هذا ليس معناه أبداً، فالإسلام لا يعرف الدولة الدينية ومن يمارس الإسلام بأن كلامه لا يرد وأنه ينبغي أن يطاع لأنه يحتكر التفسير، فهذا أمر مرجعه له ولا ينبغي أن يحمل علي الإسلام، لأن الإسلام بريء من ذلك، فالقرآن الكريم يقول للرسول عليه الصلاة والسلام: «فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر» فإذا كان هذا شأن الرسول الذي يوحي إليه ولا ينطق عن الهوي، ولم يقل عنه إن كلامه لا يرد، فالقرآن يقول له «إن عليك إلا البلاغ» وقال أيضاً: «وشاورهم في الأمر» وقال: «ليس لك من الأمر شيء» مثل هذه الأمور كلها تؤكد أن الإسلام لم يمارس الدولة الدينية مطلقاً، ولذلك فهذا الكتاب إبحار في نظام الحكم الإسلامي والمقارنة بين الفكرين الإسلامي والغربي والتجربة الإسلامية الأولي والتجربة الغربية في العصور الوسطي، وينتهي إلي أن الإسلام حمل زوراً وبهتاناً فكرة من يقول إن الدولة الدينية لصيقة بالإسلام وهي في الحقيقة ليست من الإسلام في شيء، بالإضافة إلي قضايا أخري تستعرضها صفحات الكتاب وعددها «329» صفحة من خلال أربعة أقسام رئيسية تناولت الدولة بين الدين والسياسة وأسس الحكم والنظام السياسي وحقوق الإنسان وأخيراً القسم الرابع وهو الدولة الإسلامية المعاصرة.
هل أنت مع محاكمة النظام السابق أم الاكتفاء باسترداد الأموال المنهوبة؟
- أريد الأمرين معاً، فأنا مع محاكمة النظام السابق، فالمخطئ لابد أن ينال جزاءه، أما من ناحية الأموال المنهوبة فلابد أن يحصل الشعب علي حقوقه من هذه الأموال ويستردها حتي أن الفقهاء قالوا في آية السرقة «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما نكالاً من الله» قالوا: قطع يد الجاني لأنه سرق، وفي الوقت ذاته عليه أن يرد ما سرقه فكذلك الحال بالنسبة للنظام السابق يجب أن تتم محاكمة رموزه أمام قاضيهم الطبيعي وفق محاكمة عادلة فإذا ثبتت براءتهم كان بها وإن ثبت خطأهم فيجب أن يحاكموا، ثم استرداد المال العام، فالمال مال الله أي مال عام، وبالتالي ليس هناك أكثر مما قاله الرسول صلي الله عليه وسلم: «إنما أنا قاسم أضع هذا المال، حيث أمرت وليس هذا المال لي ولا أحد» فأنا مأمور أن أعطي كل ذي حق حقه حسب إسهام كل فرد في بناء الدولة وجهده وقدرته في نفع الناس يأخذ من هذا المال، وهذه هي المعايير، لكن أن يكون هناك أصفياء وأن يكون هناك من يوالون حكاماً ظالمين مستبدين يريدون توريث الحكم لأشخاص لا تتوافر فيهم معايير القيادة، فهذا أمر ينبغي أن يحاسب مثل هذا النظام عليه لأنه أفسد الشخصية المصرية، فقد أصابتها معاول هدم، فاليوم المواطن المصري أصبح يختلف عن الماضي بكثير، فقد أثر النظام السابق سلباً علي الشخصية المصرية وفرغها من مضامين وقدرات مبدعة كانت لديها وجرّف العقل المصري وجعل الجميع كأنهم أغنام يساقون من الحاكم الذي له الأمر والنهي، وكأنه - حاشا لله- لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، فينبغي أن يحاكم جنائياً وسياسياً أيضاً، وينبغي أن ترد الأموال المنهوبة للشعب مرة أخري.
هناك نبرة خوف من وصول الأنظمة الإسلامية للحكم تحديداً فما رأيكم؟
- بداية هناك من يتربص بهذه التيارات الإسلامية أو كما يقال عنهم «الإسلام السياسي» وهناك في الوقت ذاته تصريحات خاطئة صدرت عن بعض الإسلاميين مثل الحديث عن السياحة والأمور المعيشية، وما حدث أثناء الانتخابات البرلمانية بالدعوة للإدلاء بالأصوات لصالح التيار الإسلامي فقط، وإلا أصبح الناخب آثماً، فأسوأ شيء نواجهه اليوم هو تصنيف الأشخاص فهذا مسلم وهذا غير مسلم، فما دامت هناك مرجعية إسلامية للجميع، فالمهم هو تطبيق مبدأ الشوري في الإسلام وكيف نطبقه، لكن دون فرض رؤية واحدة علي الجميع، فلابد أن يكون هناك حوار مجتمعي، وأن يكون هناك توافق بين كل التيارات وهذا أمر علي درجة كبيرة من الأهمية، ولذلك ينبغي علي التيارات الدينية أن ترجع إلي الأزهر في تفسير المرجعية الإسلامية ولا تستأثر برأيها وحدها، فلا يوجد من يحتكر فهم الإسلام، فالإمام علي قال: «القرآن حمّال أوجه» فما بالك إذا كان القرآن يحمل أكثر من وجه فكيف بالإسلام، ولذا يجب أن تعي التيارات الإسلامية لهذا، ونقول لهم احرصوا علي العرفان المجتمعي ولا تقصوا أحداً.
ظهرت في بعض الدول مؤخراً محاولات قوية لتأجيج الصراع بين السنّة والشيعة، كيف برأيك يمكن تجنب هذا الصراع؟ - هذه أيضاً للأسف الشديد نبرة غير قويمة وغير حميدة، وهذا ما يريده الأميركان والعالم الغربي الذي يريد استقطاب الإسلاميين الآن، لأن الشارع العربي يريد الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، فلذلك ينبغي أن تكون الأحزاب الإسلامية في مصر التي هي بصدد الوصول للحكم وفي تونس وفي اليمن أو غيرهما، ينبغي عليها أن تعي ذلك جيداً ولا تسمح بانفراط عقد الأمة ولا تستجيب للوقيعة أو الفخ الذي نصبته أميركا والعالم الغربي وأوروبا للوقيعة بين السُنّة والشيعة، فالتقريب بين السُنّة والشيعة فريضة إسلامية مقررة بنص القرآن والسنة كما في قوله تعالي: «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» «الأنبياء: 92» وقول الرسول صلي الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم علي رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» «رواه: مسلم» وهو ما يعني أن التوحد بين السُنّة والشيعة ركيزة شرعية وفريضة حتمية لا يتسني للأمة أن تنهض وأن تحقق مقاصد الإسلام ونهضة المسلمين إلا عن طريق هذه الوحدة، فالفرقة تكمن أعداء الأمة من النيل منها، خاصة أنهم يتعمدون تكريس التشرذم والانقسام وهذا ما نلحظه مؤخراً، فقد كثرت الانقسامات وعلت أصوات الطائفية والمذهبية والعصبية الجوفاء، ولكي يكون الحوار مجدياً بين السُنّة والشيعة علينا أن نتعاون فيما اتفقنا فيه، ونتحاور في نقاط الخلاف، فكما ينسب للإمام الشافعي: «نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه»، ولكن في الوقت ذاته علي الشيعة خاصة غير المعتدلين منهم أن يمتنعوا عن سب الصحابة الكرام وعن تصدير الثورة الإيرانية إلي دول العالم السني، فهذا مطلب مهم حتي يقوم الحوار بين السُنّة والشيعة علي أساس من الاحترام المتبادل لمصلحة الأمة الإسلامية عامة.
هل تري أن الأجواء الحالية تساعد علي تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وما الذي يعنيه تطبيق الشريعة؟
- أنا أري أن الشريعة الإسلامية لها أولويات في التطبيق، فالمجتمع في الوقت الراهن غير مؤهل لتطبيق الشريعة الإسلامية، فالشريعة الإسلامية ليست حدوداً فقط، وقد يختلف معي الكثيرون في ذلك، لأنه توجد لدينا عشوائيات ولدينا بطالة وفقر، ومن الطبيعي أن نجد السارق الذي يسرق ليأكل، وإذا علم الأغنياء بحاجة الفقراء إلي القوت الضروري فلم يسدوا حاجتهم أو لم يعلموا الآخرين بسد حاجاتهم اشتركوا جميعاً في الإثم وتؤخذ منهم الدية.. والدية هنا باعتبار أنهم قتلة، وهذا ما قال به الإمام بن حزم، فيجب أن ننظر للشريعة بأكملها وبكل أركانها أي أنه لابد من وجود الضمانات الحقيقية لتطبيق الشريعة، فالإسلام ليس حدوداً فقط وإنما توفير مقومات الحياة الضرورية وعدالة اجتماعية وحسن توزيع الثروات، وهو أيضاً قضاء علي الفرقة والطائفية، وهو تعايش مع الآخر، وهذا معني التطبيق المتكامل للشريعة وليس الاقتصار علي الحدود دون غيرها، ففي الشريعة يجب أن نأخذ كل النصوص وليس بعضها، وتطبيق الشريعة لها ضمانات وهي تبدأ بتوفير الضمانات للفرد المسلم وغير المسلم وهو حد الكفاية، فإذا وفرت كل هذه المقومات يمكن وقتها أن نطبق الشريعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق