لا فراغ في ملعب السياسة، تغيب أنت.. يلعب غيرك.. للمشروع السياسي جذور لا تنقطع عن جغرافيتها وأصالة لا تبارح تاريخها، فهما تغيرت السياسات واختلفت يبقى المشروع السياسي للأوطان صامداً لا يسقط، شامخاً إن تعثر، متجدداً إن أخطأ، أو هكذا يفترض فيه، فمصير الأوطان ليس في وارد من التمصلح، وهويتها المدنية ليست عرضة للتبدل، وكل ما يقوم السياسي به هو اجتهاد وتنفيذ، تجسيد وتعبير في اطار مرسوم ومعلوم.. فالسياسة، كما يُنقل عن الزعيم الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول، هي انعكاس الارتباط بالخريطة، فلا تأليف في السياسة ينفع ولا فراغ فيها يصح، وإن حصل التأليف وجاء الفراغ فإن الكل سيدعي الصواب، وسيظن أنه الأولى بالحق والأجدر بالدفاع، بسبب أم من دونه، بتعقل أم بغيره، وقد حدث أن الخريطة العربية في سنوات مضت انطلق من وسطها مشروع سياسي مستحق، امتد بالتفاعل لشرق الخريطة وغربها، لكنه بالأخطاء الذاتية تعطل، وبالتربص والتشويه أُسقط، وبالدعم والدفع تقدمت تنظيمات الاسلام السياسي بأكبر تنظيماته، وهو تنظيم «الاخوان المسلمون» ليسد الفراغ ويكون البديل حاملاً رسالة السماء بالهداية مرة وبالعنف مرات، طارحاً بالدليل والبرهان أحياناً، وبحجة العنف المضاد الذي لاقاه أحياناً أخرى نفسه ورسالته وحلوله، نسي أو تناسى تنظيم الإخوان المسلمين ومعه باقي تنظيمات التأسلم السياسي، أن رسالة السماء أكرم من التفرقة وألطف من التزمت والاختلافات حول فقهها، عميقة في امتداداتها، وذلك رحمة من السماء بعبادها، ولأن الخريطة عربية والأوطان فيها مدنية فإن في ذلك اصطدام مع التأسلم وتنظيماته ورسالته، واصطدام بين تنظيمات التأسلم ذاتها. فالتطرف يأكل بعضهُ مهما ادعى من أخوة بينه، وإن تخلى عن رسالته أو ما يتصور انها رسالته، فلن يكون هو ذاته، هذا من جانب، أما من جانب آخر فإن هناك اسئلة مُلحة تبحث عن اجابات ضرورية، هل يمكن فرض التطرف على التنوع؟ وهل يمكن تكفير الرأي؟ وهل يمكن منع الاختلاف؟ وأخيراً هل يمكن تجاوز مقولة ديغول؟
ناصر العطار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق