الجمعة، 23 أكتوبر 2015

الدبابةُ الأمريكيةُ والعباءة الصوفية

الدبابةُ الأمريكيةُ والعباءة الصوفية



علي بن جابر بن سالم الفيفي

alfaifi_ali@


 

بسم الله الرحمن الرحيم


هو وليي وبه أستعين

الدبابةُ الأمريكيةُ والعباءة الصوفية


 يقفُ النظام العالمي الجديد حامياً وداعماً للإتجاه الصوفي ، رئيسُ أقوى
دولة في العالم يستشهد بكلام الشيخ عبد الله بن بيه قبل أيام  ، وقبله هشام
قباني الصوفي النقشبندي والذي يحتل مكانة رفيعة لدى رؤوس النظام العالمي ،
وتلاحقه المدائح من السياسيين الغربيين حيثما حل بصفته يقدم إسلاماً لا
يعرف إلا لغة الخنوع والركوع[i] ويتضح ذلك جلياً في نشاطاته ومقابلاته
وتصريحاته.

الباحثون الغربيون يُقدمون الإسلام الصوفي بصفته الإسلام الحقيقي وما سواه
فهو طارئ ، بينما كانوا - في العقود والقرون الماضية  - يُقدمون الإسلام
الصوفي بصفته طارئ ولا يقدم الرؤية الإسلامية الكاملة [ii]

 الإمارات العربية المتحدة – وهي السفير المُطيع للنظام العالمي الجديد في
الشرق الأوسط - تنشر التصوف وتستضيف زعماءه كعلي الجفري وابن بيه وحسن
الشافعي وغيرهم وتُنشئ "مجلس حُكماء المسلمين"  في توقيت له دلائله[iii]

 روسيا تدعم رمضان قادروف الرئيس الشيشاني الحالي ، وقادروف نفسه لديه
علاقة عميقة بحكام الإمارات ، وهو الذي شارك بكل قوته في كسر الجهاد
الشيشاني / الداغستاني.

 بجولة سريعة في الإعلام المصري - بعد حضور السيسي للحكم - سنلحظ طرحاً
صوفياً طاغياً في جل القنوات الإسلامية.

في أمريكا يظهر اسم الداعية حمزة يوسف طاغياً على الأسماء الأخرى التي بدأت
تتوارى أو يخبوا بريقها ، و حمزة يوسف هو أحد طلاب ابن بيه المقربين جداً
بل كما قال لي أحدهم " حمزة يوسف شرب ابن بيه شُرباً! "  شيخ الأزهر صوفي ،
مُفتي بشار صوفي ، علي جمعة صوفي.

 ليس كل المذكورين هنا يسيرون في طريق واحدة ولكن يجمع بينهم التصوف ، وليس
معنى هذا أن السلفية وغيرها خالية من سقط المتاع.



سؤال :


الدعم العالمي للإسلام الصوفي لم يعد خافياً ،  ولكن لماذا ؟ لماذا يُشجع
العالم الغربي العلماني المد الصوفي ؟ مالذي يُميز الفكر الصوفي عن غيره
حتى يتفق أعداء الإسلام على دعمه بهذا الشكل ؟



خطوة إلى الوراء قبل الإجابة


لم تكن فكرة استعانة العدو ببعض المسلمين في تحقيق أهدافه فكرة وليدة اليوم
ولا هي وليدة الأمس القريب ، وقد أثبتت هذه الفكرة قوتها ونجاعتها نظراً
للثمار التي يجنيها العدو عند تطبيقها ، فهو من وجه يحقق ما يريده بأقل
الخسائر ، ومن وجه آخر يحصل على التغيير الذي يطمح إليه بشكل هادئ وبطيء
ولكنه عميق ، كالماء المُنساب بهدوء فيسيح في الصخرة القوية ببطئ  ثم لا
تلبث أن تتفتت ..

وبما أن الإستعمار البريطاني لمصر استخدم هذه الفكرة خلافاً للمستعمر
الفرنسي قبله فقد كانت النتائج التي حققها المستعمر البريطاني أكثر بكثير
مما حققه المستعمر الفرنسي خاصة على مستوى الأفكار وتغيير العقل العربي
المسلم ، وقديماً قال أحدهم ، لا يُنحر الإسلام إلا بسيف الإسلام[iv]



الإسلام السني في عين العاصفة


لم يعد هُناك أدنى شك لكل مُنصف أن العداء الغربي للإسلام إنما هو عداء
للإسلام السني الذي هو حقيقة الإسلام ، وأن سؤال الإسلام واعتبار الإسلام
أخطر الأعداء = هو ما تسير عليه الانظمة الغربية ، وأن المد الصفوي الرافضي
الذي أخذ يتوسع بشكل غريب من حيث المساحة ، وأخذ يزداد قوة من حيث العتاد
العسكري والحضور على المستوى الفكري ، وفي أروقة مؤسسات الأبحاث العالمية ،
إنما هو ثمرة اليد الممدودة من الغربي نفسه ومن الصهيوني بشكل خاص ، وهذه
اليد الممدودة تظهر تارة (1) بغض الطرف عن المشاريع الصفوية وترك الصفوي
يفعل ما يريد ، وتظهر أخرى (2) بإيقاف أي مد إسلامي يهدف لمواجهة هذا
التمدد الفارسي الصفوي ، وهذا يعني أن هذا العدو الصفوي الذي يلبس لباس
الإسلام ليس من الإسلام في شيء وليس بينه وبين الغربي ومحركه الصهيوني أي
عداء مطلقاً وما نراه من تصريحات إعلامية هي أشبه بنكته سمجة استثقلتها
الآذان لطول تردادها.

إن أهم مهمات الغربي أن لا تعود للإسلام قائمة ، الإسلام بمعناه الشمولي
الذي هو حقيقة الإسلام ، الإسلام الذي يسكن النفوس ويحيى خارجها ويرى حياً
بشريعة تُطبقه على الأرض وتنشر مبادئه وأخلاقه وتشريعاته التي بزت كل
التشريعات وعلت على كل المبادئ.



الغربي أمام الصحوة الإسلامية


في ظل الصحوة الإسلامية التي عمت العالم الإسلامي خلال العقود الماضية ،
وجد الغربي نفسه أمام عدة عدة أفكار تُسيرُ عقل الجمهور المسلم ، أبرزها :
الفكر السلفي ، الفكر الإخواني ، والفكر التنويري الإصلاحي.

العدو الحقيقي للغربي هو الفكر السلفي ، حتى وإن كان بعض أتباعه يكتفون فقط
بالتعليم بعيداً عن التغيير على الأرض ، وسبب هذا العداء هو أنه ينشر تلك
المبادئ والقيم والعقائد نفسها التي نشرها محمد صلى الله عليه وسلم فأحيا
بها العظام من الرميم ، وبهذه التعاليم تحول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
من مجرد أشخاص بلا قيمة إلى أشخاص سادوا الأرض وانقادت لهم الامم ، إن
الإتجاه السلفي باختصار هو الوحيد الذي يُقدم الغذاء المحمدي كما هو حتى
وإن قدمه بعض أتباعه بشكل بارد فهو لا يلبث أن ينبعث من نفسه ويحرك الجمود
- ولسنا هنا في موطن تحرير المراد بالإتجاه السلفي ، مع ضرورته نظراً لتعدد
أدعيائه - وكل حركات الانبعاث الإسلامي في الأزمنة المتأخرة حتى تلك
المنحرفة منها – سواء كان هذا الإنحراف غالياً او جافياً - استندت بطريقة
أو بأخرى على البعث الإسلامي الذي قاده محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ،
والذي كان يعتمد فيما يقدمه على إعادة ما اندرس من الشرعة المحمدية بلا
زيادة  ، والتي بنشرها للتوحيد حررت العقل الإنساني من التعلق بمن لا يستحق
ومتى تحرر العقل فإن صاحبه على موعد مع الإبداع والقوة والعزة " كتاب
أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز
الحميد ، الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض"

 

الإتجاه السلفي مداً وجزراً


شهد المد السلفي - قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر- توسعاً جارفاً ، وحقق
قفزات كبيرة ،  وكان علماؤه الأكثر تأثيراً على الشعوب ولهم كلمتهم
المسموعة ، وتجلى ذلك بشكل كبير في مرحلة الشيخ ابن باز رحمه الله.

كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر نقطة مفصلية وحدث تاريخي أسهم بشكل كبير
في إيقاف المد الإسلامي والأنشطة الإسلامية عموماً و المد السلفي على وجه
الخصوص ، ومع رفع شعار محاربة الإرهاب – الذي هو الحرب على الإسلام - بدأ
انحسار المد السلفي بشكل كبير ، وفي ذات الوقت انتقلت الزعامة إلى تيارين "
تيار الإخوان المسلمين " و " تيار الإصلاح والتنوير" ومع اختلاف التيارين
فيما بينهما إلا أنهما يتفقان بشكل خاص فيما يتعلق بالانفتاح على الآخر
والتعامل مع المُخالف و الموقف من قضية أولوية تحكيم الشريعة ، مما جعل
هذين التيارين يقفان على الضد من الطرح السلفي.



بين أحداث ايلول والثورات العربية


منذ أحداث الحادي عشر من ايلول / سبتمبر إلى سنين الثورات العربية ، كان
تأثير المد الإخواني/ التنويري على الجماهير ظاهرة يلاحظها الجميع ، وكان
الغربي نفسه يُقدم الفكر الإخواني والأطروحات الإخوانية كأطروحات إسلامية
معتدلة ، بينما يقدم الفكر السلفي - بشكل عام - كفكر أصولي متشدد وجامد لا
يعترف إلا بالحرب والعداء ، وفي الوقت ذاته كان هناك دعم كبير للإتجاه
الليبروإسلامي " شبكة الإسلام الليبرالي في اندونيسيا أنموذجاً تأسست في
عام 2001 وهو نفس العام الذي رُفع فيه شعار محاربة الإرهاب"[v]

وكانت الأبواب الإعلامية والرسمية  تُفتح للإخوان وفكرهم – ويدخل في هذا كل
من يسير في الخط الإخواني حتى لولم يكن معهم تنظيمياً – وربما شارك بعض
منظري الإخوان في وصف التيار السلفي بذات الأوصاف التي يصفه بها الغربي –
وهذا ليس عمالة ولكنهم مخدوعون ، كما أنه ليس من باب حب الغربي للإخوان
ولكن لإستعمالهم في إيقاف المد السلفي ومكتسباته.

 كان موضوع الصفوي الفارسي هو أحد أكبر مناطق الصراع بين التيار السلفي
وبين التيار الإخواني ومن يسير في خطه ، فالإخوان يقدمون الصفوي الفارسي
على أنه من الإسلام ويعمل للإسلام ويرفضون الطرح السلفي الذي يفضح الفكر
الصفوي ويكشف غاياته ، واتضح ذلك بشكل جلي في التعامل مع الخميني ومن بعده
، ومع ابن الخميني في لبنان – حسن زميرة – الذي كان يوصف في أدبيات الإخوان
بالرجل الشهم المقاوم بينما كان الفكر السلفي يحذر منه ويؤكد أن الشيطان
سيبقى شيطاناً وإن صلى الليالي الطوال ، ولن يُغير رعي الذئب مع الخراف
شيئاً من الحقيقة[vi]

اتسع جداً تأثير التيار الإخواني والتيار التنويري الإصلاحي على الجماهير ،
فهم يلغون الخلافات بين السنة والشيعة بصفتها – كما يزعمون خلافات تاريخية
عفا عليها الزمن – وهم يمدون أيديهم ويفتحون أبوابهم للتيارات الغير
إسلامية ، كما أنهم يصطفون إلى جانب تلك التيارات في نقد الأصولية
والجمودية لدى الإسلاميين ، وهم أيضاً يحاربون الفساد والإستبداد الواقع في
البلاد الإسلامية.



ثم جاءت الثورات


جاءت  الثورات وكانت الجماهير في الجملة متلهفة للحكم الإسلامي سواء في
صورته الكاملة أو المشوهة أو الأمريكية ، المهم أن الضمير الجمعي للجماهير
كان متلهفاً لحكم إسلامي بغض النظر عن صحة تطبيقه للإسلام!

قبل هذا الوقت كانت الدراسات الغربية تُصنف المسلم إلى معتدل ومتشدد ،
المسلم المعتدل هو الذي لا يدعم تحكيم الشريعة ، والمتشدد هو من يسعى
لتحكيم الشريعة[vii] وعلى هذا فإن الإخواني والسلفي وكل من يرى تحكيم
الشريعة بأي طريقة كانت فهو = المسلم المتشدد ، و عليه فإن الجميع أعداء في
عين النظام العالمي ، ودعم النظام العالمي للفكرة الفلانية ليس حباً فيها
وإنما لتدمير فكرة أخرى وهكذا على طريقة الأسد مع الثيران الثلاثة.

وبما أن الجماهير – كم ذكرنا - في غالبها متلهفة لحكم إسلامي وورقة
الإسلاميين بكل توجهاتهم حاضرة بشكل جارف في مقابل ضعف الورقة الليبرالية ،
فقد كانت الخطوة الأولى الأهم في نظر أعداء الشريعة = تشويه صورة الحكم
الإسلامي في أعين الجماهير ، وإقناع الشعوب بأن الإسلاميين لا يصلحون أبداً
للحكم ، وأن كل ما يذكره الإسلاميون في أطروحاتهم من جمال الحكم الإسلامي
فإنما هو محض خيال لا يلبث أن يتلاشى عندما يصل أولئك الإسلاميون إلى
الحكم.

وصل الإخوان في مصر إلى الحكم بتأييد جماهيري ، واستطاعوا بسبب سابقتهم
المُشرفة مع الشعب أن يتجاوزوا جميع المنافسين ، وبمجرد وصول الإخوان إلى
الحكم بدأ العمل بشكل جاد على إفشال التجربة الإخوانية التي كانت تعُد –
بالإسلام الوسطي – وفي خلال أشهر كان الهمس يتردد بين أوساط الشعب المصري
بشكل خاص والشعب المسلم بشكل عام أن الإخوان صادقون ومخلصون ولكنهم دراويش
لا يصلحون  للحكم ، صاحب ذلك آلة إعلامية ضخمة تسعى في تشويه الحكم
الإخواني الذي لم يمض عليه بضعة أشهر وهو الذي جاء إلى الكُرسي بعد عقود من
الظلم والفساد والإستبداد ، واستخدم هنا الصوت السلفي ليُضفي صبغة شرعية
على مواجهة الإخوان ،

ومن المُضحكات المُبكيات هنا ؛ استعمال الصوت السلفي باستخدام ورقة العلاقة
بين الإخوان وإيران أو بين الإخوان والشيعة كدليل على فساد الفكر الإخواني
، وهذه الورقة نفسها  كانت تُستخدم قبل سنوات لتمجيد الإخوان وتلميعهم في
انفتاحهم على الآخر وهي ذاتها التي كانت تُرفع كدليل على الأصولية والجمود
السلفي!

سقط الإخوان في مصر وتشوه بسقوطهم الحكم الإسلامي المعتدل أو التلفيقي الذي
طالما روجوا له ، وأما إخوان تونس فقد تنازلوا بكل شيء وتخلوا عن فكرتهم
وعادوا إخوانهم وساروا في كل طريق لإرضاء أعداء الشريعة فما ظفروا بشيء.

أما فكرة تحكيم الشريعة فقد تكفلت داعش بتشويهها ، وحصلت على كامل الدعم
العالمي ، وكأن العالم يقول للناس "هكذا ستكون حياتكم عندما تحكم الشريعة"


يواجه أردوغان اليوم حملة منظمة لإسقاطه وإسقاط حزبه هذا مع أن أردوغان لم
يُلوح يوماً بتحكيم الشريعة ، كل ما فعله أردوغان أنه رفض الدخول في هذه
اللعبة واختار الدفاع عن مُرسي ، وصناعة امبراطورية لا تخضع لأوامر الغربي
وهي في ذات الوقت تحترم الموروث العثماني ، كما أنه جعل من دولته بيتاً آخر
يرتحلُ إليه المظلومون من المسلمين.[viii]

إذن فقد تراجع الشغف الشعبي لتحكيم الشريعة ، أو وصول الإسلاميين إلى مناطق
إدارة الدولة ، وأصبح الجو متاحاً لنشر فكرة أخرى ، فما هي ؟

 



لماذا يُشجع النظام العالمي العلماني المد الصوفي ؟ مالذي يُميز الفكر
الصوفي عن غيره حتى يتفق أعداء الإسلام على دعمه بهذا الشكل ؟


الفكر الصوفي هو أكثر الأفكار المنتسبة للإسلام تكيفاً مع الفكر الغربي ،
الفكر الغربي يفصل بين الدين وبين الدولة ، والفكر الصوفي لا يهتم مطلقاً
بشكل الحاكم ونوع الحكم ، وإنما يركز – فقط – على روحانية الفرد ، وحتى
فيما يتعلق بالإيمان الفردي فهو مرن جداً فهو لا يهتم بمظهر الفرد ولا
بالعبادات العملية ولا بالشكل الخارجي للمجتمع المُسلم ، وإنما يهتم
بالتأمل والخيال وهذا اللون من العبادات الذي تجعل صاحبها يتقوقع على نفسه
ويعيش في عالم من الوهم ولا يلقي بالاً لتحكيم شريعة الله على الأرض وأن
تكون كلمة الله هي العليا.

ولكن ، لماذا لم يكن هذا الدعم للتيار التنويري الإصلاحي وهو الذي أيضا –
في بعض صوره – لا يعتبر تحكيم الشريعة أولوية بل هو - في بعض صوره - لا
يُسلم بأن الشريعة تدعوا إلى تحكيم الشريعة ؟ لماذا لا يُدعم هو بدلاً من
الفكر الصوفي ؟

لأن الفكر التنويري الإصلاحي فكرٌ – في كثير من صوره – لا يرضى بالهيمنة
الغربية حتى وإن لم يجعل تحكيم الشريعة من أولوياته ، وأما الفكر الصوفي
فهو أشبه بطقوس اليوقا التي يُمارسها صاحبها بنوع من التأمل والهدوء بعيداً
عن الضوضاء وحياة الناس ومن يحكمهم!

أضف لذلك أن الإنسان الغربي يعاني فراغاً روحياً نتيجة الحياة المادية التي
تستجيب لحاجة الجسد وتُلغي حاجة الروح ، فهو يبحث عن إشباع حاجته الروحية ،
وكنتيجة لهذا فإن  اعتناق الإسلام في العالم الغربي أصبح ظاهرة ، وأصبح
الدين الإسلامي هو أكثر الأديان نمواً ، وبما أن الفكر الإصلاحي التنويري
لا يتناول هذا الحقل فإن دعم الإسلام الصوفي هو الحل الأفضل كونه يوفر
آماناً روحياً من وجه وهو لا يسير في المناطق المحظورة من وجه آخر.

الصوفية طريقة تركن إلى الخمول ولا تهتم بالسياسة ، وهي تملأ وقتها بالرقص
وهز الروؤس وترديد الأذكار الطوال فحسب ، وأما مواجهة المستعمر ومدافعة
الغازي وجهاد المحتل فإن الصوفية لا تراه بل هي تعتبره نوع من الرضا
بالقضاء والقدر ، بل الصوفية في بعض المواطن والأزمان كانت داعماً للمحتل
بالانضواء تحت حكمه والرضا بهيمنته ، ولم يحدث أن حصل العكس إلا في حالات
نادرة تُعد استثنائية كالنورسي مُقاوماً ومُصطفى صبري مُفكراً وعالماً.



خلطة الصوفية والمقاصد


إذا كان هذا هو حال الصوفية فماذا سيكون الحال إذا كان الفكر الصوفي الحالي
– متمثلاً في ابن بيه ومن معه - يتكئ على نظرية المقاصد الشاطبية والمصلحة
القرافية ، لتُسهل عليه مهمة تفصيل الإسلام تفصيلاً أمريكياً غربياً تحت
غطاء أن الشريعة قصدت إلى سعادة الإنسان فكلما انضوى تحت هذه الدعوى
فالشريعة تقصدُ إليه ولتذهب نصوص الوحيين وعمل الصحابة وإجماعاتهم وما جرى
عليه العمل عند المسلمين أدراج الرياح!

تتضح هذه الخلطة بقوة لدى التيار الإسلامي الصوفي في أمريكا ، وهذه الطريقة
– طريقة الإتكاء على مقاصد الشاطبي ومصلحة القرافي – هي الطريقة ذاتها التي
أخذ بها التيار العربي الحداثي ولا يزال.



نداء إلى عُقلاء الصوفية


مع أن الشيخ عبد الله بن بيه يُعد القائد والأب الروحي لهذا المد الصوفي
المدعوم من الغربي إلا أني لا زلت مقتنعاً بأن هدف الرجل نبيل وليس عن
عمالة والله حسيبه ، إذ الصوفية تدعوا لما ذكرنا آنفاً ليس عن عمالة وإنما
عن قناعة بأنها تُطبق الإسلام وهذا وإن كان شره أكثر ونتائجه أكبر إلا أنه
ينبغي على المُتعامل مع أصحابه أن يستحضر هذه القضية – قضية أن بعض هؤلاء
يظنون أنهم يقدمون خدمة للإسلام وأنهم يُطبقون ما أمره الله –

كان الشيخ ابن بيه عضد القرضاوي الأيمن ثم وبعد الإنقلاب على مُرسي أعلن
انسحابه من اتحاد علماء المسلمين ، وفي فترة قصيرة كان ضيفاً على الكونجرس
، ثم وفي فترة قصيرة أيضاً أعلن هو و الحكومة الإماراتية تكوين مجلس حُكماء
المسلمين ، ثم مرت الأيام حتى رأينا الرئيس الامريكي يستعير بعض كلام الشيخ
ابن بيه حول السلم الإسلامي في الوقت الذي تنتهك فيه أعراض المسلمات في
سوريا والعراق ولبنان وفلسطين وبورما  وفي وقت تُصبحُ علينا وسائل الإعلام
وتُمسي بصور المسلمين المقتولين والمطرودين والمعذبين والنازحين! ما أشبه
هذا بما فعله الإمام الغزالي عندما ألف سفره الكبير – إحياء علوم الدين -
والذي لم يترك فيه شاردة ولا واردة إلا كاد ان يذكرها ولكنه رغم هذا لم يشر
إلى الجهاد لا من قريب ولا من بعيد هذا وهو الف هذا الكتاب في وقت كان
الصليب يعيث في القدس فساداً! وهل أوقع الإمام الغزالي في مثل هذا إلا
التصوف ؟!

ليعلم الشيخ ابن بيه ومن معه في هذا الطريق أن الله سيسألهم في الآخرة وأن
العدو لن يتركهم غداً إن تركهم اليوم ، فكلنا في عين العدو أعداء وإنما هو
يرتبنا ليستأصلنا ويستخدم بعضنا لقتل بعض ، وليعلم الشيخ وغيره أن هذه
الحفاوة الإمارتية ليست حباً فيهم ولا هي حُباً في الشريعة بل تكتيك
يستخدمونه وعما قريب ينقلبون عندما يحققون مبتغاهم.

 
كتبه :

علي جابر المشنوي

7\1\1436هــ

---------------------------------------------------


[i]  رابط

[ii] راجع إن شئت كتاب "عندما يكون العم سام ناسكاً"  رسالة دكتوراه تناولت
العلاقة الحميمية بين الصوفية والغرب

[iii]  تأسس المجلس في شهر رمضان عام 1435هــ  الموافق 19 يوليو 2014

[iv] راجع إن شئت ما كتبه كرومر حول أهمية استخدام هذه الفكرة بدلاً من
المواجهة

[v] Ali Muhamad. "Southeast Asia, Islamic Liberalism in." In Oxford
Islamic Studies

[vi] اتضح هذا جلياً في الخلافات بين الاسلاميين في التعامل من حزب الله في
حرب 2006

[vii]  انظر تقرير راند 2007

[viii]  بدأت خطة إسقاط أردوغان باحداث تقسيم التي لم تنجح ثم محاولة الضغط
عليه للدخول في حرب مع داعش لاستنزافه والآن تُعد العدة لإسقاطه في
الانتخابات المبكرة القادمة.

أحمد الفخراني: ..السير عكس مجرى نهر المؤسسة الدينية :: فنون وعلوم | جريدة السفير

الخميس، 28 أغسطس 2014

الخبيرة الألمانية هيلبيرغ: "لن يدحر داعش سوى السُّنة"

قنطرة : الخبيرة الألمانية هيلبيرغ: "لن يدحر داعش سوى السُّنة"

الخبيرة الألمانية هيلبيرغ: "لن يدحر داعش سوى السُّنة"

اتسمت السياسة الخارجية الغربية في الشرق الأوسط لسنين عديدة بقصر النظر واتبعت نهجا غير بناء. لكن الضرورة باتت تقتضي عليها إيجاد مزيج ذكي من الانخراط والتحفظ في هذه المنطقة. فحيثما يوجد خطر يهدد بوقوع إبادة جماعية لا بد من العمل وبكل الوسائل لحماية المدنيين، والذود عنهم سواء من نظام الأسد القاتل أو من إرهاب ميليشيات تنظيم "الدولة الإسلامية"، مثلما ترى الخبيرة الألمانية كريستين هيلبيرغ في تحليلها المعمق التالي لموقع قنطرة.
"غير إنساني ورهيب وأسوأ من تنظيم القاعدة": يتّفق الجميع ومن دون أي استثناء -من واشنطن وحتى إلى طهران- في تقييمهم لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي. وكذلك يوجد في كلّ مكان توافق على ضرورة قيام العالم بشيء ما لإيقاف هذه العصابة القاتلة. ولكن مثلما هي الحال دائمًا يصبح الأمر معقدًا وصعبًا عند الدخول في التفاصيل. هل يجب القيام بغارات جوية أم يجب مدّ جسور جوية؟ أسلحة هجومية أو أجهزة لاسلكي؟ ما الذي يتعيّن إرساله وإلى مَنْ، مِنْ أجل حماية مئات الآلاف من العراقيين، وأيضًا السوريين حيثما أمكن، من السلطة التعسفية المتوحشة لهؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم خلفاءَ وأمراءَ للمسلمين؟
ومن أجل تجنّب الوقوع في أي سوء فهم فلا بدّ من الإشارة إلى أنَّ هذه الدولة الإسلامية لا تمثّل أية قوة سياسية تطوّرت إقليميًا بذراع عسكرية وبدعم شعبي، وأنها ليست مثلما هي الحال مع حركة حماس في فلسطين أو حزب الله في لبنان أو حزب العمال الكردستاني في تركيا، بل تمثّل الإرهاب في أنقى صوره، كما أنَّها مكروهة وغير مُرحّب بها في أي مكان. إذ إنَّ السكَّان المحليين يهربون بمئات الآلاف من مقاتليها، وذلك لأنَّ هذه الدولة الإسلامية تفسّر الإسلام من أجل مصالحها الخاصة بمزيج لا يمكن تجاوزه أو المزايدة عليه، مكوَّن من انحيازات شخصية وجهل وغطرسة.
يعتبر هذا التنظيم بؤرة تجمع للجهاديين المحترفين القادمين من جميع أنحاء العالم، وللمحبطين والساخطين والمضطربين المنحرفين عن الاتّجاه السَّوي، وللمقاتلين المحليين اليائسين الباحثين عن الأجر والمال، وللانتهازيين الذين يسعون في الواقع إلى أهداف عقائدية وسياسية مختلفة ويتحالفون مع تنظيم الدولة الإسلامية بشكل مؤقت فقط.
سياسة خارجية فاشلة
 إنَّ مَنْ يرِد القضاء على إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية بشكل دائم، يجب عليه أن يفهم أولاً من أين يأتي هذا الإرهاب ولماذا تمكّن من الانتشار بهذه السرعة. من هذه الناحية يتحمّل الغرب، وخاصة الولايات المتَّحدة الأمريكية، جزءًا كبيرًا من المسؤولية. فقد تركت الولايات المتّحدة الأمريكية خلفها سياستها الخارجية الفاشلة التي مارستها على مدى عقد من الزمن: فبعد سياسة التدخّل التي انتهجها جورج دبليو بوش وكانت تقودها المصالح الإمبريالية، اتّبع الأمريكيون سياسة عدم التدخّل المتشنّجة في عهد باراك أوباما- وأتت كلتاهما بعواقب وخيمة.
 إنَّ ما نشاهده اليوم في العراق وسوريا -من تفكّك هاتين الدولتين وإلغاء حدودهما الوطنية وحالة غياب القانون ​​وانتشار الفوضى وظهور ميليشيات طغت في وحشيتها اللا إنسانية حتى على تنظيم القاعدة- أمرٌ له علاقة بحالة الجهل والارتباك، التي تعاني منها هذه السياسة الخارجية الغربية في الشرق الأوسط.
ولنبدأ في العراق- في عام 2003 نقل الأمريكيون الحرب إلى البلاد، حيث أسقطوا صدام حسين وقاموا بحلّ الجيش العراقي وحزب البعث، وحاولوا إحلال الأمن والنظام بالاعتماد على جنودهم. وكانت عواقب هذا العمل خطيرة، لأنَّهم قد جعلوا أنفسهم من خلال ذلك محتلين وخلقوا في الوقت نفسه أعداءً لهم. نتيجة ذلك خسر فجأة مئات الآلاف من العراقيين -من الجنود والكوادر القيادية والمسؤولين السابقين- كلّ شيء ووجدوا في مقاومة القوَّات الأمريكية مجال عمل جديد.
بؤرة جذب جديدة للجهاديين القادمين من جميع أنحاء العالم
خريطة مناطق نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" في نهاية شهر يوليو/ تموز 2014.  Quelle: DW / Qantara
تفكّك الدولة وإلغاء الحدود الوطنية- "ساهمت الولايات المتَّحدة الأمريكية وحلفاؤها مرتين في صعود تنظيم الدولة الإسلامية. فقد خلقوا في العراق الأرضية لوجود الإرهابيين وتركوا لهم في سوريا فراغ السلطة"، مثلما ترى كريستين هيلبيرغ.
تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي ظهر تنظيم "القاعدة في العراق"، وهو فرع عنيف ووحشي من تنظيم القاعدة الإرهابي، كان يستهدف في المقام الأوّل الشيعة العراقيين بالإضافة إلى الجنود الأمريكيين. وهكذا نمت الكراهية الطائفية المستخدمة كوسيلة سياسية بين السُّنة والشيعة -كراهية كانت غريبة عن العراقيين في السابق- وبات يتم إشعالها من قبل القوتين الإقليميتين المتنافستين إيران والمملكة العربية السعودية. وغدا العراق من بعد أفغانستان بؤرة جذب جديدة للجهاديين القادمين من جميع أنحاء العالم.
 في أواخر عام 2006 غيّر تنظيم "القاعدة في العراق" اسمه إلى "الدولة الإسلامية في العراق". وأدرك الأمريكيون أنَّهم لا يستطيعون محاربة الإرهاب إلاَّ بمساعدة المواطنين السُّنة أبناء البلاد وقد وجدوا في "حركة الصحوة" حلفاءهم الأساسيين، ليتمكّنوا في عام 2008 من دفع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق إلى الاختفاء تحت الأرض.
 وعندما بدأت الانتفاضة ضدّ نظام الأسد في سوريا في ربيع عام 2011 وبدأت البلاد تنزلق إلى الفوضى بشكل متزايد، شعر الإرهابيون بفرصتهم هناك. وفي بداية عام 2013 امتدّت الدولة الإسلامية في العراق إلى سوريا وصارت تطلق على نفسها منذ ذلك الحين اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). ولكن مع ذلك فإنَّ جهاديي الدولة الإسلامية لا يقاتلون ضدّ جيش الأسد، بل يقاتلون من أجل بسط سيطرتهم في المناطق التي قام بتحريرها في وقت سابق المتمرّدون السوريون. ومن خلال ذلك ساهم هؤلاء الجهاديون بشكل إضافي في إضعاف المقاومة المعارضة لنظام الأسد، وقد جاء هذا مناسبًا للنظام السوري، ولهذا السبب احتمل النظام وجودهم في البداية وكان يشجّعهم في بعض الأحيان.
ومنذ ذلك الحين أصبح متمرّدو "الجيش السوري الحرّ" وكوادره وفصائله الباقية وكذلك مقاتلو "الجبهة الإسلامية" -المكوّنة من مجموعات الإسلاميين السورية المحلية- يقاتلون ضدّ عدُوّيْن اثنين. غير أنَّهم من دون حصولهم على الدعم من الغرب عاجزون عن فعل أي شيء لمواجهة إرهاب غارات الأسد الجوية وكذلك إرهاب تقطيع الرؤوس من قبل داعش على الأرض.
سلبية ذات عواقب وخيمة
إنَّ كلاً من الولايات المتَّحدة الأمريكية وأوروبا تنكران قيمهما الخاصة، وذلك من خلال وقوفهما مكتوفتي الأيدي إلى حدّ بعيد ومراقبتهما النظام السوري وهو يقصف المدنيين بالقنابل ويقتلهم بالغازات ويعذّبهم ويجوّعهم حتى الموت- من دون قيامهما بفعل أي شيء من أجل حماية هؤلاء المدنيين. وبدلاً من العمل في الوقت المناسب من أجل جعل الجيش السوري الحر الذي أسّسه المنشقّون بديلاً عن الجيش السوري، أو على الأقل الاستمرار في تسليح المتمرّدين المعتدلين (أي الذين يؤيّدون تعايش جميع الطوائف والمجموعات العرقية)، ترك الغرب تقديم هذا الدعم -وبالتالي التأثير على المعارضة المسلحة- لأطراف أخرى: لكلّ من تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية وفي النهاية لتنظيم القاعدة.
أبو بكر البغدادي. Foto. picture alliance/abaca
إعلان الخلافة في سوريا والعراق- بعد استيلائهم على مدينة الموصل المليونية في شمال العراق، اقترب الجهاديون في منتصف شهر حزيران/ يونيو إلى حدّ خطير من العاصمة العراقية بغداد. وبعد أسبوعين أعلن المتطرّفون السُّنة قيام دولة الخلافة في المناطق التي يسيطرون عليها في سوريا والعراق بزعامة أبو بكر البغدادي كخليفة لهذه الخلافة.
اختلف الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا، أي "جبهة النصرة"، مع الدولة الإسلامية في العراق والشام، عندما أراد زعيمها أبو بكر البغدادي في العام الماضي 2013 إعلان نفسه الممثّل الوحيد لهذه الشبكة الإرهابية في العراق وسوريا. ونتيجة ذلك أمره زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بالتراجع عن هذا العمل. وبدوره ترك البغدادي تنظيم القاعدة وبات يعمل منذ ذلك الحين لحسابه الخاص من أجل إقامة الخلافة في "بلاد الشام" التاريخية، أي في العراق وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين. ومنذ بداية الهجوم الذي شنته في شهر حزيران/ يونيو 2014 في شمال العراق، صارت هذه الدولة الإسلامية في العراق والشام تطلق على نفسها فقط اسم "الدولة الإسلامية"، وصار البغدادي يظهر بصفته خليفة.
وهكذا ساهمت الولايات المتَّحدة الأمريكية وحلفاؤها مرتين في صعود تنظيم الدولة الإسلامية. فقد خلقوا في العراق الأرضية لوجود الإرهابيين وتركوا لهم في سوريا فراغ السلطة. وبما أنَّهم بدأوا حربًا -أي الحرب في العراق- ولم يساعدوا في إنهاء الحرب الأخرى -أي حرب الإبادة التي يخوضها نظام الأسد ضدّ السوريين- فهم يتحمّلون مسؤولية كبيرة عن معاناة الناس في المنطقة. ولهذا السبب بالذات يجب على الغرب الآن العمل.
لكن مع ذلك لا بد من توخي الحذر، لأنَّ الوضع معقّد ولا يجوز تكرار الأخطاء نفسها مرة أخرى. من الممكن الاستفادة في البحث عن طريق وسط بين سياسة الإمبريالية والجهل من هذه الدروس الخمسة المستخلصة من التطوّرات التي شهدتها الأعوام الأخيرة:
 حماية المدنيين مسؤولية الغرب
أولاً، يجب ألاّ تكون محاربة تنظيم الدولة الإسلامية من أجل تحقيق أهداف سياسية أو مصالح اقتصادية، ولا حتى من أجل "قيمنا"، بل فقط من أجل الحماية، من أجل إنقاذ المدنيين ومن أجل بقائهم فقط. وفي هذا الصدد يعتبر مبدأ "مسؤولية الحماية" المنصوص عليه في القانون الدولي هو المبرّر الوحيد للتدخّل العسكري. أليست الأسلحة الموجودة في المنطقة كافية؟ أجل، هذا صحيح، فالأسد وتنظيم الدولة الإسلامية لديهما كلّ ما يحتاجان إليه. ولكن أحيانًا تنفذ الذخيرة فقط لدى قوّات البشمركة والجيش السوري الحر- وهذا من سوء حظّ جميع الأشخاص المعتمدين على حمايتهم.
إيزيديون عراقيون اضطروا إلى الفرار من سنجار. Foto: Reuters
الهروب من خطر الإبادة الجماعية- بحسب التقديرات هرب حتى الآن أكثر من 800 ألف شخص من جرائم ميليشيات تنظيم الدولة الإسلامية إلى المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون الأكراد، مع استمرار كارثية وضعهم الإنساني.
ثانيًا، يجب على الغرب أن يحدّ من نشاطاته العسكرية بقدر الإمكان. وهذا يعني عدم وجود قوّات برية وعدم وجود أي احتلال، بل تقديم المساعدة للناس هناك من أجل تمكينهم من مساعدة أنفسهم. وكذلك يجب دعم جميع المجموعات المسلحة غير الحكومية التي تواجه الدولة الإسلامية- بصرف النظر عما إذا كانت في العراق أو في سوريا. وبما أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية يقيم خلافته عبر الحدود، فيجب علينا أن نتوقّف عن التفكير ضمن مفاهيم الدولة القومية، أم هل نريد مثلاً إنقاذ الإيزيديين في العراق من خلال إيصالهم "بأمان" إلى سوريا، لنتركهم هناك للإرهابيين؟
إنَّ الأطراف التي تحارب تنظيم الدولة الإسلامية هي البشمركة في شمال العراق ومقاتلو حزب الاتّحاد الديمقراطي الكردي في شمال شرق سوريا والجيش الإسلامي (فصيل من فصائل الجبهة الإسلامية) في ضواحي دمشق وريفها، وفي جنوب سوريا الجيش السوري الحر. كما أنَّهم هم الذين يحمون المدنيين هناك على الأرض، ولذلك فهم حلفاؤنا. يجب علينا أن نتعامل معهم بمرونة ومن دون بيروقراطية، حتى وإن كانوا لا يمثّلون دولاً.
ثالثًا، لا أحد يستطيع القضاء بشكل دائم على تنظيم الدولة الإسلامية سوى أبناء المنطقة السُّنة، لأنَّهم الوحيدون القادرون على سحب البساط من تحت الإرهابيين وتقويض عقيدتهم، وذلك من خلال كسبهم الإسلاميين المعتدلين وعلماء الدين المعترف بهم من أجل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وبالتالي كسب جميع الأشخاص المتحالفين مع هذا التنظيم الإرهابي لأسباب تتعلق بالسلطة السياسية المؤقّتة. يجب تعزيز دور السّنة على المستوى السياسي ومشاركتهم في المسؤولية وعدم وضعهم تحت اشتباه عام.
الدعم ليس فقط للبشمركة
 رابعًا: يجب ألاَّ تقتصر المساعدة على الأكراد، ويجب ألاَّ تركّز فقط على الأقليات الدينية. إذ إنَّ ضحايا العنف الرئيسيين في المنطقة ليسوا من المسيحيين وحدهم بل من المسلمين أيضا. وتعتبر شحنات الأسلحة المقدّمة إلى البشمركة في شمال العراق صحيحة ومهمة، ولكن لا يجب على الغرب عدم تأجيج الخلاف بين الأكراد والعرب أكثر. حيث باتت تزداد الآن الريبة والكراهية بين أبناء المجموعتين العرقيتين وصار هناك خطر يهدّد بحدوث تفكّك عرقي في كلّ من العراق وسوريا.
 وحتى وإن كان قيام دولة كردية مستقلة أمرًا طبيعيًا أو مرغوبًا فيه على المدى الطويل، فإنَّ من واجب الجميع التعاون سوية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية: يجب على العرب والأكراد والسُّنة والشيعة والمسيحيين والإيزيديين والعلويين والدروز والإسماعيليين تكوين جبهة مُوحدّة لمواجهة الإرهاب.
الرئيس السوري بشار الأسد. Foto: Reuters/Syria TV
"لقد قام كلّ من نظام الأسد وكذلك حكومة المالكي بتمهيد الطريق لتنظيم الدولة الإسلامية، وذلك من خلال عنف الأسد المطلق ودعايته ومن خلال سياسة الإقصاء التي اتّبعتها حكومة المالكي. ولذلك فهما يمثّلان أسباب تقدّم الجهاديين ولا يعتبران جزءًا من الحلّ. وبناءً على ذلك لا يجوز أن يصبح الأسد ولا المالكي حلفاءَ في الحرب على الإرهاب"، بحسب رأي كريستين هيلبيرغ.
خامسًا، يجب على الغرب أن يحذر ويحترس من الحلفاء الكاذبين. لقد قام كلّ من نظام الأسد وكذلك حكومة المالكي بتمهيد الطريق لتنظيم الدولة الإسلامية، وذلك من خلال عنف الأسد المطلق ودعايته ومن خلال سياسة الإقصاء التي اتّبعتها حكومة المالكي. ولذلك فهما يمثّلان أسباب تقدّم الجهاديين ولا يعتبران جزءًا من الحلّ. وبناءً على ذلك لا يجوز أن يصبح الأسد ولا المالكي حلفاءَ في الحرب على الإرهاب.
 لقد أدرك قادة الغرب هذا في حالة المالكي وصاروا يأملون في تشكيل حكومة توافقية برئاسة رئيس الوزراء العراقي المُكَلّف حيدر العبادي. وأمَّا في حالة الأسد يبدو أنَّ بعض السياسيين لا يزالون مخدوعين بخرافته التي تصوّره على أنَّه "الضامن للاستقرار والراعي للأقليات". وللتذكير فلا بدّ من التنويه هنا إلى أنَّ الأسد يصف كلّ من يعارضه بأنَّه إرهابي: سواء كان معارضوه من تلاميذ المدارس أو المتظاهرين السلميين أو مخرجي الأفلام المسيحيين أو المنشقين والمتهربين العلويين من الخدمة العسكرية أو من نساء يعملن في تهريب الأدوية والعقاقير أو من الصحفيين والأطباء.
 كما أنَّ ما يفعله شبيحة الأسد مع المدنيين السوريين، ليس أفضل من إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية. يضاف إلى ذلك أنَّ جرائمهم ضدّ الإنسانية -من طعن الأطفال الصغار وعمليات الاغتصاب الجماعي وتعذيب السجناء حتى الموت وتجويع أحياء برمّتها وإلقاء البراميل المتفجّرة على الأحياء المأهولة بالسكّان وكذلك الغارات التي تستهدف المستشفيات والمخابز- هي فوق ذلك جرائم ممنهجة. والفرق الوحيد هو أنَّ الجهاديين يعرضون أعمالهم البشعة في وسائل الإعلام، في حين أنَّ الحكَّام في دمشق يتستّرون على جرائمهم. فتنظيم الدولة الإسلامية يتفاخر ونظام الأسد ينكر.
 الانخراط والتحفظ
 تتّبع الدول الغربية في الشرق الأوسط منذ عدة أعوام سياسة خارجية قصيرة النظر وغير بنّاءة ومنافقة. ولذلك فإنَّ ما نحتاجه الآن هو مزيج ذكي من الانخراط والتحفظ في هذه المنطقة. حيثما يوجد خطر يهدّد بوقوع إبادة جماعية أو عندما تقع إبادة جماعية، يجب علينا تحمّل المسؤولية والعمل بكلّ الوسائل من أجل حماية المدنيين- سواء من نظام قاتل مثل النظام السوري أو من الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية.
 وحالما يزول الخطر، يجب علينا أن نقيّد عملنا ضمن تقديم المساعدات الإنسانية ودعم عملية إعادة الإعمار. وفي المقابل فإنَّ النظام السياسي الجديد والتطوّرات الاجتماعية في البلاد هي أمور من اختصاص العراقيين والسوريين؛ إذ يجب عليهم أن يجدوا طريقهم الخاص إلى المشاركة في صنع القرار وتقاسم السلطة، ويجب عليهم العمل بمفردهم من أجل مواجهة الفساد والهياكل الذكورية والسلطوية. وفي هذا الصدد يمكننا تقديم الدعم لقوى المجتمع المدني المحلية التي تعمل على معالجة هذه الموضوعات، ولكن لا يجوز لنا أن نفعل شيئًا أكثر من ذلك.
 يمكننا عندما لا نعود ننادي فقط بحقوق الإنسان، بل كذلك نعمل ونبذل ما في وسعنا من أجل تطبيقها، أن نجعل من أهالي هذه المنطقة حلفاءَ لنا. وعندما نفعل ذلك سوف نستعيد شيئًا مهمًا جدًا بالنسبة لنا في منطقة الشرق الأوسط- أي مصداقيتنا.


كريستين هيلبيرغ
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014

عملت الصحفية كريستين هيلبيرغ منذ عام 2001 وحتى عام 2009 مراسلة صحفية حرة في دمشق.
صدر كتابها "سوريا: بؤرة توتر. نظرة في عمق بلد منغلق":
Brennpunkt Syrien. Einblick in ein verschlossenes Land
في طبعته الثانية المحدّثة والموسّعة في شهر شباط/ فبراير 2014 عن دار نشر هيردر.

شارك

Share |