الاثنين، 6 يناير 2014

(الزمان) تحصل على تفاصيل مخطوطة عمرها ربع قرن بيد عالم الإجتماع علي الوردي

(الزمان) تحصل على تفاصيل مخطوطة عمرها ربع قرن بيد عالم الإجتماع



مقال من ظهور الحمير إلى الجمبو يلخّص حياة الوردي


صانع عطار براتب 5 روبيات

الايمان القوي يسبغ طمأنينة نفسية يفتقدها المترفون

احب التفرج على السياسة لامشاركا


أربيل -  غفران حداد

تنشر (الزمان) مخطوطة بيد استاذ الاجتماع علي الوردي عمرها 25 سنة عبارة عن محاورة صحفية تسلط الضوء على محطات في حياة الوردي.

وتسلم ملاّ بختيار ونوزاد احمد رئيس مركز كلاويز الثقافي من قاسم حسين صالح المخطوطة وقال صالح لـ(الزمان) ،ان هذه المخطوطة هي من حوار صحفي اجريناه مع الوردي عام 1989 في داره الواقعة خلف اعدادية الحريري بمدينة الأعظمية واضاف (المؤلم ان الوردي الذي يعد ابرزعالم اجتماع عراقي في القرن العشرين، عاش مضطهدا زمن النظام الدكتاتوري ومنسيا في زمن النظام الديمقراطي. فالذين جاءوا بعد التغيير وكانوا لا يملكون ثمن تذكرة الطائرة.. بنوا القصور بملايين الدولارات في مدينة الكاظمية ولم يقيموا له نصبا تذكاريا فيها..مع انه ابن الكاظمية وتابع صالح(لقد احتفظنا بهذه الاوراق ربع قرن وها نحن نهدي هذه الأمانة لمركز كلاويز الثقافي وكلنا ثقة  انهم أهلّ لحمل هذه الامانة، ووضعها في مكان يعرّف جيل ما بعد الوردي بوصفه أول من درس طبيعة المجتمع العراقي بأسلوب علمي، وصاحب أشهر المؤلفات المعنية بتحليل المجتمع والجريئة في طرح الأفكار بأسلوب السهل الممتنع) واكد صالح ان (ملا بختيار قد تسلم المخطوطة ووعد بصون الأمانة)  وفيما يلي المخطوطة:

{ أرجو أن تحدثنا عن قصة حياتك من طفولتك حتى الآن، بروايتك انت لتكون مرجعا”، وما هو شعورك الآن بعدما بلغت سن الشيخوخة ؟

-كتبت ذات مرة مقالا” في احدى الصحف بعنوان: (من على ظهور الحمير الى الجمبو). وكنت اقصد به انّي في بداية حياتي سافرت على ظهور الحمير ثم أتيح لي أن أسافر بطائرة “الجمبو” وهذا المقال يصوّر سيرة حياتي وحياة مجتمعي تصويرا” واضحا”.

واني من مواليد العهد العثماني، فقد ولدت في عام 1913 وشهدت هذا التطور الهائل الذي حدث في العراق حيث تحوّل المجتمع به من وضع القرون الوسطى الى العصر الحديث. ومما يلفت النظر أنني أنا شخصيا” قد تحولت حياتي بما يشبه التحول الذي مرّ به العراق. فقد كنت في صباي صانع عطار براتب شهري قدره خمس روبيات (375 )فلسا”، ثم صرت الآن مؤلفا” اتحذلق على الناس بأقاويل لا يفهمونها وأطلب منهم أن يفهمونها.

واني مشغول الآن بكتابة مذكراتي، وهي ستكون ذات جانبين، أحدهما أتحدث فيه عما جرى في المجتمع من تحول عجيب، والآخر أتحدث فيه عما جرى لي أنا من تحوّل أعجب منه.

واني ما زلت أتذكر تلك الأيام التي كنت أعمل فيها صانعا” في دكان عطار من شروق الشمس حتى الساعة الواحدة بعد الغروب.

وحدث لي في عصر أحد الأيام أنّي ذهبت الى شاطيء النهر في مهمة كلفني بها “استاذي” العطار، فرأيت المقاهي وصوت الحاكى يلعلع بأغاني محمد القبنجي ورشيد القندرجي وبدرية انور. وقد أثار هذا المنظر دهشتي وأخذت أسائل نفسي: (كيف يكسب هؤلاء الناس رزقهم ومن اين يعيشون؟). فقد كنت أتصور ان كسب الرزق يضطر الانسان الى العمل من شروق الشمس الى ما بعد غروبها، وليس من الممكن لشخص يريد أن يكسب رزقه وهو جالس في المقهى عصرا” يستمع الى الاغاني.

ثم دارت الايام بعد ذلك، فوجدت نفسي قد صرت من المترفين، وأخذت أصول وأجول راكضا” وراء الدنيا، ونسيت أني كنت قبلئذ من المساكين(كتبها اولا:من أبناء الصعاليك وشطب عليها-ق). وتلك الايام نداولها بين الناس ـ كما ورد في القرآن الكريم.

وان مذكراتي تخلو من السياسة، في الغالب، وهي تختلف بذلك عن المذكرات التي صدرت في العراق. فالذين كتبوا تلك المذكرات كانوا من رجال السياسة وكان غرضهم من كتابة المذكرات تبيان وجهة نظرهم في الحوادث السياسية التي شاركوا فيها أو عاصروها. أما مذكراتي فليس فيها من ذلك الا قليلا”.

اني لم اشارك في الحوادث السياسية، فان مزاجي لا ينسجم مع السياسة. اني أحب أن اكون متفرجا” فيها لامشاركا”. ولكل انسان مزاج خاص به، وليس للانسان يد في صنع مزاجه كما لايخفى.

حاولت في مذكراتي أن اتحدث عن السياسة بصفتي متفرجا” عليها. ولا حاجة بي الى القول ان الحوادث السياسية لها جانب اجتماعي، ولهذا سوف يجد القاريء في مذكراتي شيئا” من التحليل لبعض حوادث السياسة، انما هو تحليل من وجهة نظر اجتماعية ـ والله المستعان على كل حال!

أعود الآن الى سؤالك عن شعوري في مرحلة الشيخوخة التي أمرّ بها، وهو سؤال لا يخلو من شيء من الاحراج لي.

اني اشعر الآن بالتذمر. وهناك سببان أو ثلاثة لهذا التذمر لا مجال هنا لذكرها، وسوف يجد القاريء تفصيلا” لها في مذكراتي. قد يكفي هنا أن أقول اني فقدت ايمان العجائز الذي كان متوافرا” في الاجيال الماضية.

ليس في مقدور شخص يعيش في هذه الحضارة الصاخبة، ويطلع على ما فيها من تطور علمي، أن يظل محافظا” على ايمان العجائز.

فان هذا الايمان لايتوافر الا في البيئات الراكدة المنعزلة، وهي البيئة التي كان أباؤنا يعيشون فيها.

اني لو خيرّت بين حالتي الاولى عندما كنت معدما” ولكني املك ايمان العجائز وهذه الحالة التي انا فيها الآن لفضلّت الحالة الاولى. فان الايمان القويّ يسبغ على الانسان طمأنينة نفسية يندر أن يحصل عليها المترفون من أرباب الملايين.

{ الملاحظ أنك اجتماعي تارة ومؤرخ تارة أخرى،فما هو السبب الذي جعلك كذلك؟ وهل هنالك علاقة بين علم التاريخ وعلم الاجتماع؟

- نعم. هنالك علاقة تفاعلية وثيقة بين علم التاريخ وعلم الاجتماع. فالمؤرخ يكون أقدر على فهم حوادث التاريخ اذا كان ملمّا بعلم الاجتماع، كما أن الاجتماعي يكون أقدر على فهم المجتمع اذا كان ملمّا بتاريخه.

 أستطيع أن آتيك بمثال على أهمية علم الاجتماع في فهم حوادث التاريخ حول الحادثة الكبرى التي حدثت في عهد الخليفة عثمان بن عفان وأدت الى مقتله.فهذه الحادثة كان لها أثر بالغ جدا في مسيرة التاريخ الاسلامي،وقد انقسم المؤرخون حولها الى فريقين متعارضين، فمنهم من وضع اللوم كله على الذين ثاروا على عثمان ،ومنهم من وضع اللوم كله على حاشية عثمان.

ونحن اليوم اذ نحاول دراسة هذه الحادثة في ضوء علم الاجتماع الحديث نستطيع ان نفهمها فهما يختلف عن فهم المؤرخين القدامى لها.

{ كيف؟

- يمكن القول من الناحية الاجتماعية ان تلك الحادثة كانت محتومة لابدّ من وقوعها عاجلا او آجلا.ان حاشية عثمان ربما كانوا سببا في تعجيل وقوع الحادثة ،ولكن الحادثة لابدّ أن تقع في تلك المرحلة التي مرّبها المجتمع الاسلامي .فهي لو لم تقع في عهد عثمان لوقعت في عهد تال له.

{ هل هذا يعني أن أسبابها كانت موجودة قبل عهد عثمان؟

- كان نظام الحكم في الخلافة الراشدة التي دامت نحو ثلاثين سنة يشبه أن يكون ديمقراطيا،أو هو كان ديمقراطيا فعلا. فالحاكم فيها كان ذا مرتّب محدود وهو لا يستطيع أن يتصرّف بالأموال العامة كما يشتهي .وهو كان ايضا لا يستطيع أن يقتل أحدا أو يعاقب أحدا كما يشتهي اذ هو كان مقيّدا في ذلك بالتعاليم الاسلامية.وهو كان ايضا لا يستطيع أن يستبدّ بأمور الناس كما يريد بل يجب أن يستشيرهم فيها حسب المبدأ القرآني القائل (وأمرهم شورى بينهم).

يجب أن نعلم أن معالم الديمقراطية هذه التي ذكرناها لم يكن من السهل تحقيقها في أية أمّة من الأمم في العصور القديمة. وان هي صارت من الممكن تحقيقها في مدة من الزمن فانها لا يمكن أن تدوم طويلا، ولابدّلها من حدّ تقف عنده.

{ لماذا؟

- لأن مشكلة البشر انهم لا يمكن أن يرضوا عن حاكم حتى ولو كان هذا الحاكم عادلا نزيها الى أقصى درجة ممكنة .ان رضا الناس غاية لا تدرك – كما ورد في المثل العربي القديم.فاذا تمكن الحاكم من ارضاء فريق من الناس فلابدّ أن يسخط عليه فريق آخر منهم.

كان الحكام قديما يسيطرون على الناس عن طريق الترهيب والترغيب .فالمال بيدهم يغدقونه على من يريدون اجتذابه،كما أن السيف حاضر بين أيديهم يعاقبون به من يسخطون عليه.وبذا صار الرعايا في العصور القديمة ساكتين خائفين،ولم يكن في مقدورهم أن يفعلوا غير ذلك.

{ وما الذي اختلف الآن؟

- الذي حصل في العصور الحديثة أن النظام الديمقراطي قد حلّ المشكلة. فالناس الآن لا يختلفون عن الناس قديما، اذ هم لا يمكن ان يرضوا كلهم عن حاكم، ولابد ّأن يكون فيهم الراضون عنه والساخطون عليه. ولكن الانتخابات التي تجري فيهم بين حين وآخر تتيح لهم أن يعزلوا الحاكم الذي لا يرضون عنه ،وينصّبوا حاكما آخر بدلا منه. انهم يعلمون أن الحاكم الجديد لم ينل تأييد الناخبين جميعا،فان رضا الناس غاية لا تدرك – كما أشرنا اليه آنفا.ولكنه قد نال تأييد الأكثرية منهم وهذا يكفي.

{ يبدو انك تنظر للصراع وكأنه مسألة حتمية وأبدية ولا تحله حتى الديمقراطية؟

- ان الاختلاف والتنازع نزعة أصيلة في البشر لا مفرّ منها.ومن طبيعة البشر أنهم حين يختلفون يعتقد كل ّفريق منهم أن الحق في جانبه وأن الباطل في جانب خصمه. واذا وقع الاختلاف بين البشر من دون أن تكون لديهم طريقة عملية للفصل بينهم، كطريقة التصويت والانتخابات في الديمقراطية الحديثة،فان الاختلاف بينهم ينمو ويتصاعد بمرور الأيام، وقد يؤدي أخيرا الى التنازع العنيف وسفك الدماء. وهذا هو ما حصل فعلا في عهد الخليفة عثمان.

{ وهل حصل هذا على صعيد الناس بشكل عام؟

- نعم ،فقد انقسموا الى حزبين متصارعين،أحدهما ناقم على عثمان والآخر مؤيد له .فكيف يمكن حل هذا الصراع بينهما؟

{ كيف؟

- اجتمع الناقمون على عثمان في المسجد أخيرا وأخذوا يوجهون اليه اللوم الشديد ويصرخون في وجهه ويقذفونه بالحجارة ،فسقط عثمان على الأرض مغمي عليه ،وحمل الى بيته، وهنالك تسلق اليه نفر من الغوغاء فقتلوه.

 لو كان عثمان من طراز الحكام القدامى، اذ يقف الحرس والجلاوزة بين يديه وهم مستعدون لقتل أي رجل يأمرهم بقتله، لما تجرّأ أحد عليه بالصورة التي رأيناها.

ومن الجدير بالذكر أن علي بن أبي طالب الذي تولّى الخلافة بعد عثمان لم يكن أفضل حالا تجاه رعيته من عثمان. ونحن حين ندرس الكلمات والخطب التي قالها في أواخر خلافته نجدها مليئة بالتذمر من رعيته والشكوى منهم. انهم لم يوجّهوا اللوم الشديد أو يقذفونه بالحجارة على نحو ما فعلوا مع سلفه عثمان ،ولكنهم كانوا يخالفونه ويستهترون بأمره ويجابهونه بما لا يرضى، وقد خاطبهم ذات مرة قائلا اذا كانت الرعايا قبلي لتشكو حيف رعاتها فانني اليوم لأشكو حيف رعيتي كأنني المقود وهم القادة أو الموزوع وهم الوزعة).

ان هذه الكلمة من علي لها مغزى اجتماعي يلفت النظر .فنحن نرى الحاكم هنا يشكو من المحكومين له. وهذا أمر غريب غير مألوف في العصورالقديمة ،اذ جرت العادة أن يكون المحكومون هم الذين يشكون من حكامهم،ولم يكن مألوفا أن يشكو الحكام من المحكومين.

{ هذا يعني وكأنك تريد أن تقول بأن الديمقراطية في عهد الخلفاء الراشدين جاءت في غير وقتها ؟

-  نعم. فما جرى يدل على أن الخلافة الراشدة وصلت الى نهاية عمرها وليس في مقدورها أن تبقى مدة أطول ،فالحاكم فيها لم يكن قادرا أن يسوس رعيته عن طريق الترغيب والترهيب كما كان الحكام القدامى يفعلون، وكذلك لم يكن قادرا على أن يلجأ الى التصويت على نحو ما يجري في الديمقراطية الحديثة .وخلاصة القول ان الديقراطية الراشدية جاءت في غير أوانها، أو هي جاءت قبل أوانها. ونحن اذ نريد دراستها في ضوء علم الاجتماع الحديث نتوصل الى نتيجة تختلف عن تلك التي وصل اليها المؤرخون القدامى.

{ حدثني عن الجانب الآخر للموضوع.. أعني أهمية التاريخ للباحث الاجتماعي؟

- جرى الباحثون الاجتماعيون في النصف الأول من هذا القرن (يقصد القرن العشرين – ق) على أنهم اذا أرادوا دراسة مجتمع انكبّوا على دراسة حاضره ولم يهتموا بدراسة ماضيه. وقد تبين لهم بعدئذ أنهم كانوا في هذا مخطئين. يقول الباحث المعروف روبرت نيسبت في كتاب له صدر في عام 1970 :”ان الفجوة بين علم الاجتماع والتاريخ أخذت في السنوات الأخيرة تتقلص باستمرار ،وهي الفجوة التي كانت موجودة لمدة طويلة في الولايات المتحدة الأمريكية.ففي السنوات العشرين الأخيرة صار المؤرخون ينتفعون من مفاهيم علم الاجتماع تدريجا،وكذلك صار الاجتماعيون ينتفعون من المعلومات التاريخية..”.

 اننا لا يمكن ان نفهم مجتمع من المجتمعات البشرية مالم نفهم تاريخه ولاسيما تاريخه القريب.وأوضح مثل يمكن أن نأتي به في هذا الشأن هو المجتمع العراقي، فنحن لا نستطيع أن نفهمه في وصفه الحاضر فهما واقعيا مالم نحاول فهم الحوادث التي جرت له في العهد العثماني، وهذا ما حاولته عند تأليف كتابي “لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث”.

{ كان تركيزك فيه على القيم والمعتقدات، فهل ترى أنها تبقى تعمل بعد سبعين عاما؟

- ان القيم والمعتقدات والتقاليد التي تنشأ في عهد من العهود لا يمكن أن تختفي فجأة عند زوال ذلك العهد،فهي تبقى تؤثر في سلوك الناس وتفكيرهم مدة طويلة من الزمن بعد زوال أسبابها.انها تضعف تدريجا بمرور الزمن ولكنها لا تختفي من أعماق النفوس اختفاءا تاما..وهذا هو من معالم ” التناشز الاجتماعي”كما اشرنا اليه آنفا.

الخميس، 2 يناير 2014

موقع قنطرة :: الصراع مع الداعية الإسلامي فتح الله كولن يضعف إردوغان

الصراع مع الداعية الإسلامي فتح الله كولن يضعف إردوغان
حوار مع الخبير الألماني في الشؤون التركية غونتر زويفرت

"الصراع مع الداعية الإسلامي فتح الله كولن يضعف إردوغان"

بينما كان أنصار الداعية التركي فتح الله كولِن حلفاء سياسيين في السابق لحزب رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان، صار يدور بين هذين المعسكرين صراع على السلطة. ألكسندرا شرله أجرت الحوار التالي حول خلفية هذا الصراع وعواقبه، مع غونتر زويفرت الخبير الألماني في الشؤون التركية من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية SWP.
- أحيانًا يصف الرأي العام حركة فتح الله كولِن كمنظمة غير حكومية وأحيانًا كشبكة سياسية وكذلك كجماعة دينية أو حتى كنِحلة أو فرقة إسلامية. فكيف تصف هذه الحركة التي أسَّسها الداعية الإسلامي التركي فتح الله كولِن؟
غونتر زويفرت: إنَّها بحسب تعريفي جماعة دينية تركِّز تركيزًا شديدًا على الداعية عبد الله كولن بالذات. ولكنها في الوقت نفسه تنظر إلى تعاليمها الدينية على أنَّها رسالة مجتمعية مدنية كما أنَّ لديها بالإضافة إلى ذلك إرادة سياسية واضحة المعالم. وهذه ظاهرة لا نعرفها في مجتمعاتنا الأوروبية.
لقد نشأت هذه الحركة نتيجة خطب الداعية فتح الله كولن الذي أدرك كيفية إعادة تفسير المطالب المعنوية والأخلاقية التي يوصي الإسلام بها المؤمنين. وتحديدًا ليس فقط من خلال نقل التقاليد الدينية ببساطة، ولكن كذلك أيضًا من خلال معرفة الطبيعة، أي إعادة معرفة الله وإدراكه في قوانين الطبيعة والفيزياء.
وقد عمل ذلك على تمهيد الطريق أمام المحافظين، الذين كانوا ينتقدون في السابق التعليم العلماني انتقادا شديدا بسبب خشيتهم من تزعزع التصورات والرؤى الدينية، فباتوا يرسلون أبناءهم إلى المدارس العلمانية في نهاية المطاف.

صراع على السلطة في الحياة السياسية والاقتصادية - يقول غونتر زويفرت: "هناك أسباب عديدة للخلافات الحالية القائمة بين حركة كولن وحكومة حزب العدالة والتنمية المحافظ بزعامة رجب طيب إردوغان؛ إذ عملت هذه الحركة على توسيع نفوذها في أجهزة الدولة وربما أكثر بكثير مما تسمح لها به الحكومة".
- كيف يتجلى في يومنا هذا الصراع الدائر على السلطة بين حكومة رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان وحركة كولن؟
غونتر زويفرت: المحسوبون على هذه الحركة لهم حاليا سياستهم الخاصة القائمة بذاتها في كلّ من الإدارات والشرطة وكذلك أيضًا في القضاء والجيش ووزارة الداخلية. وتهدف هذه السياسة في المقام الأول إلى إضعاف الحكومة وزعزعة استقرارها وكذلك إلى إطلاق طلقات تحذيرية، وذلك بسبب شعور حركة كولن بالتهديد من حكومة إردوغان. أما في السابق فقد تعاونت الحكومة وحركة كولن بعضهما مع بعض تعاونًا وثيقًا للغاية من أجل إضعاف النخبة العلمانية في البلاد وخاصة من أجل الحد من نفوذ الجيش في الحياة السياسية.
هناك أسباب عديدة للخلافات الحالية القائمة بين حركة كولن وحكومة حزب العدالة والتنمية المحافظ بزعامة رجب طيب إردوغان: إذ عملت هذه الحركة على توسيع نفوذها في أجهزة الدولة وربما أكثر بكثير مما تسمح لها به الحكومة. وفي الوقت نفسه لا تتكوّن حركة كولن فقط من العاملين في المدارس والكوادر الإدارية، بل كذلك أيضًا من رجال أعمال يرغبون في جني المزيد من الأرباح من ثمار الدولة - أي من المناقصات والأشغال الحكومية ومن تخصيص الأراضي لغرض البناء أو كذلك من برامج دعم التجارة الخارجية. وهذا يعني أنَّ هناك الكثير من الثروة التي يمكن توزيعها، وحول هذه الثروة اختلف الطرفان أيضًا إلى حدّ ما.
- يتميّز كلّ من حركة كولن وحزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب إردوغان بطابعهما الإسلامي المحافظ. فما هي على الرغم من ذلك الاختلافات الأيديولوجية القائمة بينهما؟
غونتر زويفرت: من الناحية الإيديولوجية لا توجد بينها تقريبًا أية اختلافات. وكذلك توجد لديهما هوية إسلامية قوية وتوجّهاتهما الاجتماعية والأخلاقية محافظة، وهما يشدِّدان على الأدوار التقليدية للجنسين وعلى الهوية القومية التركية. كما أنَّهما يمجّدان بالإضافة إلى ذلك ماضي تركيا العثماني. ولكن مع ذلك توجد بينهما اختلافات سياسية مهمة وخاصة فيما يتعلَّق بالمسألة الكردية أو العلاقة مع إسرائيل والولايات المتَّحدة الأمريكية.
اتَّضح الصراع بين حركة كولن والحكومة في عام 2010 في المواقف المختلفة من قضية السفينة مافي مرمرة التي حاولت كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة؛ وكانت هذه السفينة تركية والمنظمة الخيرية التي قادت أسطول الحرية إلى قطاع غزة مقرَّبة من حزب العدالة والتنمية.
وفي تلك الأيّام واجهت الاجراءات التي اتخذتها إسرائيل انتقادات حادة في جميع أنحاء تركيا، بينما أدان فتح الله كولن نشاط أسطول الحرية وقال إنَّه كان من المفروض إبان التحضير لهذا الأسطول الحصول على موافقة إسرائيل من أجل نقل المساعدات إلى غزة. وهكذا فإن حركة كولن لا تتبنى مواقف الحكومة التركية الناقدة لإسرائيل والناقدة جزئيا للولايات المتَّحدة الأمريكية أيضاً.

فضيحة فساد لها عواقبها - أعلن يوم الأربعاء ( 25 ديسمبر/ كانون الأول 2013) كلّ من وزير الاقتصاد ظافر تشاغليان (يمين الصورة) ووزير الداخلية معمر غولر (يسار الصورة) بالإضافة إلى وزير البيئة إردوغان بيرقدار عن استقالتهم. وتحوّلت فضيحة الفساد إلى صراع على السلطة بين الحكومة وجهازي القضاء والشرطة اللذين يتهمهما إردوغان بتدبير الفضيحة للنيل من حكومته.
- ما مدى قوة حركة عبد الله كولن سواء داخل تركيا أو على المستوى الدولي؟
غونتر زويفرت: تعدّ حركة كولن على المستوى الدولي حركة مجتمع مدني قادرة على الشروع في مناقشات واتخاذ مواقف. وتحظى هذه الحركة خاصة في الولايات المتَّحدة الأمريكية بسمعة حسنة إلى حدّ ما، وذلك لأنَّها تعتبر هناك بمثابة تيار إصلاحي داخل الإسلام يدعو إلى التعليم العلماني والتعاون مع الكنائس وكذلك إلى الحوار بين الأديان. ولكنها لا تملك في الخارج أية سلطة سياسية.
ولكن الوضع في تركيا يختلف عما هو عليه في الخارج؛ حيث خلقت هذه الحركة في تركيا ومن خلال شبكتها التربوية والتعليمية نخبة تربوية وتعليمية من المحافظين الجدد. وبالإضافة إلى ذلك تُجرى حاليًا تحريات حول تورّط أبناء ثلاثة وزراء بارزين داخل حكومة إردوغان في قضايا فساد. ويعزوا الكثيرون هذه التحريات إلى أنشطة حركة كولن - ويعتبرونها جزءًا من الصراع الدائر على السلطة بينها وبين الحكومة.
- هل سيؤدِّي هذا الصراع على السلطة إلى إضعاف إردوغان وحزبه، حزب العدالة والتنمية - خاصة بالنظر إلى الانتخابات الرئاسية والمحلية في تركيا والتي سيتم إجراؤها قريبًا في عام 2014؟
غونتر زويفرت: أجل، فهذا الصراع على السلطة يضعف الآن إردوغان وحزبه. ومن خلال الكشف عن قضايا الفساد هذه في محيط أسر بعض وزراء حزب العدالة والتنمية أصيبت سمعة حكومة حزب العدالة والتنمية بأضرار كبيرة لدى الناخبين. لقد كان إردوغان يصوّر حزبه، حزب العدالة والتنمية، على أنَّه الحزب الذي لن يتورّط على الإطلاق في قضايا فساد - وساهمت هذه الصورة إلى حدّ كبير في نجاحه.
وإذا صار الناخبون الآن ينظرون إلى حزب العدالة والتنمية على أنه حزب فاسد تمامًا مثل أسلافه، فسوف يشكِّل ذلك ضربة حاسمة لإردوغان وستؤدِّي هذه الضربة من دون شكّ إلى حصول حزبه على عدد أقل من الأصوات. لقد أثار إردوغان من خلال ردوده القاسية على المظاهرات التي خرجت في الصيف غضب الأتراك الليبراليين ضدّه - والآن باتت أيضًا فضيحة الفساد تشكِّل عبئًا على علاقة المواطنين المتديِّنين المحافظين مع الحكومة.


حاورته: ألكسندرا شرله
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2013

يعمل الخبير الألماني في شؤون تركيا، الدكتور غونتر زويفرت، باحثًا لدى مجموعة أبحاث علاقات الاتحاد الأوروبي الخارجية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) في برلين. صدرت له مؤخرًا دراسة حول حركة عبد الله كولن. كما شغل منصب المدير الأكاديمي لمعهد الدراسات الشرقية في اسطنبول وكان لعدة أعوام مراسلاً صحفيًا مستقلاً في تركيا.

شارك

Share |