الاثنين، 6 يناير 2014

(الزمان) تحصل على تفاصيل مخطوطة عمرها ربع قرن بيد عالم الإجتماع علي الوردي

(الزمان) تحصل على تفاصيل مخطوطة عمرها ربع قرن بيد عالم الإجتماع



مقال من ظهور الحمير إلى الجمبو يلخّص حياة الوردي


صانع عطار براتب 5 روبيات

الايمان القوي يسبغ طمأنينة نفسية يفتقدها المترفون

احب التفرج على السياسة لامشاركا


أربيل -  غفران حداد

تنشر (الزمان) مخطوطة بيد استاذ الاجتماع علي الوردي عمرها 25 سنة عبارة عن محاورة صحفية تسلط الضوء على محطات في حياة الوردي.

وتسلم ملاّ بختيار ونوزاد احمد رئيس مركز كلاويز الثقافي من قاسم حسين صالح المخطوطة وقال صالح لـ(الزمان) ،ان هذه المخطوطة هي من حوار صحفي اجريناه مع الوردي عام 1989 في داره الواقعة خلف اعدادية الحريري بمدينة الأعظمية واضاف (المؤلم ان الوردي الذي يعد ابرزعالم اجتماع عراقي في القرن العشرين، عاش مضطهدا زمن النظام الدكتاتوري ومنسيا في زمن النظام الديمقراطي. فالذين جاءوا بعد التغيير وكانوا لا يملكون ثمن تذكرة الطائرة.. بنوا القصور بملايين الدولارات في مدينة الكاظمية ولم يقيموا له نصبا تذكاريا فيها..مع انه ابن الكاظمية وتابع صالح(لقد احتفظنا بهذه الاوراق ربع قرن وها نحن نهدي هذه الأمانة لمركز كلاويز الثقافي وكلنا ثقة  انهم أهلّ لحمل هذه الامانة، ووضعها في مكان يعرّف جيل ما بعد الوردي بوصفه أول من درس طبيعة المجتمع العراقي بأسلوب علمي، وصاحب أشهر المؤلفات المعنية بتحليل المجتمع والجريئة في طرح الأفكار بأسلوب السهل الممتنع) واكد صالح ان (ملا بختيار قد تسلم المخطوطة ووعد بصون الأمانة)  وفيما يلي المخطوطة:

{ أرجو أن تحدثنا عن قصة حياتك من طفولتك حتى الآن، بروايتك انت لتكون مرجعا”، وما هو شعورك الآن بعدما بلغت سن الشيخوخة ؟

-كتبت ذات مرة مقالا” في احدى الصحف بعنوان: (من على ظهور الحمير الى الجمبو). وكنت اقصد به انّي في بداية حياتي سافرت على ظهور الحمير ثم أتيح لي أن أسافر بطائرة “الجمبو” وهذا المقال يصوّر سيرة حياتي وحياة مجتمعي تصويرا” واضحا”.

واني من مواليد العهد العثماني، فقد ولدت في عام 1913 وشهدت هذا التطور الهائل الذي حدث في العراق حيث تحوّل المجتمع به من وضع القرون الوسطى الى العصر الحديث. ومما يلفت النظر أنني أنا شخصيا” قد تحولت حياتي بما يشبه التحول الذي مرّ به العراق. فقد كنت في صباي صانع عطار براتب شهري قدره خمس روبيات (375 )فلسا”، ثم صرت الآن مؤلفا” اتحذلق على الناس بأقاويل لا يفهمونها وأطلب منهم أن يفهمونها.

واني مشغول الآن بكتابة مذكراتي، وهي ستكون ذات جانبين، أحدهما أتحدث فيه عما جرى في المجتمع من تحول عجيب، والآخر أتحدث فيه عما جرى لي أنا من تحوّل أعجب منه.

واني ما زلت أتذكر تلك الأيام التي كنت أعمل فيها صانعا” في دكان عطار من شروق الشمس حتى الساعة الواحدة بعد الغروب.

وحدث لي في عصر أحد الأيام أنّي ذهبت الى شاطيء النهر في مهمة كلفني بها “استاذي” العطار، فرأيت المقاهي وصوت الحاكى يلعلع بأغاني محمد القبنجي ورشيد القندرجي وبدرية انور. وقد أثار هذا المنظر دهشتي وأخذت أسائل نفسي: (كيف يكسب هؤلاء الناس رزقهم ومن اين يعيشون؟). فقد كنت أتصور ان كسب الرزق يضطر الانسان الى العمل من شروق الشمس الى ما بعد غروبها، وليس من الممكن لشخص يريد أن يكسب رزقه وهو جالس في المقهى عصرا” يستمع الى الاغاني.

ثم دارت الايام بعد ذلك، فوجدت نفسي قد صرت من المترفين، وأخذت أصول وأجول راكضا” وراء الدنيا، ونسيت أني كنت قبلئذ من المساكين(كتبها اولا:من أبناء الصعاليك وشطب عليها-ق). وتلك الايام نداولها بين الناس ـ كما ورد في القرآن الكريم.

وان مذكراتي تخلو من السياسة، في الغالب، وهي تختلف بذلك عن المذكرات التي صدرت في العراق. فالذين كتبوا تلك المذكرات كانوا من رجال السياسة وكان غرضهم من كتابة المذكرات تبيان وجهة نظرهم في الحوادث السياسية التي شاركوا فيها أو عاصروها. أما مذكراتي فليس فيها من ذلك الا قليلا”.

اني لم اشارك في الحوادث السياسية، فان مزاجي لا ينسجم مع السياسة. اني أحب أن اكون متفرجا” فيها لامشاركا”. ولكل انسان مزاج خاص به، وليس للانسان يد في صنع مزاجه كما لايخفى.

حاولت في مذكراتي أن اتحدث عن السياسة بصفتي متفرجا” عليها. ولا حاجة بي الى القول ان الحوادث السياسية لها جانب اجتماعي، ولهذا سوف يجد القاريء في مذكراتي شيئا” من التحليل لبعض حوادث السياسة، انما هو تحليل من وجهة نظر اجتماعية ـ والله المستعان على كل حال!

أعود الآن الى سؤالك عن شعوري في مرحلة الشيخوخة التي أمرّ بها، وهو سؤال لا يخلو من شيء من الاحراج لي.

اني اشعر الآن بالتذمر. وهناك سببان أو ثلاثة لهذا التذمر لا مجال هنا لذكرها، وسوف يجد القاريء تفصيلا” لها في مذكراتي. قد يكفي هنا أن أقول اني فقدت ايمان العجائز الذي كان متوافرا” في الاجيال الماضية.

ليس في مقدور شخص يعيش في هذه الحضارة الصاخبة، ويطلع على ما فيها من تطور علمي، أن يظل محافظا” على ايمان العجائز.

فان هذا الايمان لايتوافر الا في البيئات الراكدة المنعزلة، وهي البيئة التي كان أباؤنا يعيشون فيها.

اني لو خيرّت بين حالتي الاولى عندما كنت معدما” ولكني املك ايمان العجائز وهذه الحالة التي انا فيها الآن لفضلّت الحالة الاولى. فان الايمان القويّ يسبغ على الانسان طمأنينة نفسية يندر أن يحصل عليها المترفون من أرباب الملايين.

{ الملاحظ أنك اجتماعي تارة ومؤرخ تارة أخرى،فما هو السبب الذي جعلك كذلك؟ وهل هنالك علاقة بين علم التاريخ وعلم الاجتماع؟

- نعم. هنالك علاقة تفاعلية وثيقة بين علم التاريخ وعلم الاجتماع. فالمؤرخ يكون أقدر على فهم حوادث التاريخ اذا كان ملمّا بعلم الاجتماع، كما أن الاجتماعي يكون أقدر على فهم المجتمع اذا كان ملمّا بتاريخه.

 أستطيع أن آتيك بمثال على أهمية علم الاجتماع في فهم حوادث التاريخ حول الحادثة الكبرى التي حدثت في عهد الخليفة عثمان بن عفان وأدت الى مقتله.فهذه الحادثة كان لها أثر بالغ جدا في مسيرة التاريخ الاسلامي،وقد انقسم المؤرخون حولها الى فريقين متعارضين، فمنهم من وضع اللوم كله على الذين ثاروا على عثمان ،ومنهم من وضع اللوم كله على حاشية عثمان.

ونحن اليوم اذ نحاول دراسة هذه الحادثة في ضوء علم الاجتماع الحديث نستطيع ان نفهمها فهما يختلف عن فهم المؤرخين القدامى لها.

{ كيف؟

- يمكن القول من الناحية الاجتماعية ان تلك الحادثة كانت محتومة لابدّ من وقوعها عاجلا او آجلا.ان حاشية عثمان ربما كانوا سببا في تعجيل وقوع الحادثة ،ولكن الحادثة لابدّ أن تقع في تلك المرحلة التي مرّبها المجتمع الاسلامي .فهي لو لم تقع في عهد عثمان لوقعت في عهد تال له.

{ هل هذا يعني أن أسبابها كانت موجودة قبل عهد عثمان؟

- كان نظام الحكم في الخلافة الراشدة التي دامت نحو ثلاثين سنة يشبه أن يكون ديمقراطيا،أو هو كان ديمقراطيا فعلا. فالحاكم فيها كان ذا مرتّب محدود وهو لا يستطيع أن يتصرّف بالأموال العامة كما يشتهي .وهو كان ايضا لا يستطيع أن يقتل أحدا أو يعاقب أحدا كما يشتهي اذ هو كان مقيّدا في ذلك بالتعاليم الاسلامية.وهو كان ايضا لا يستطيع أن يستبدّ بأمور الناس كما يريد بل يجب أن يستشيرهم فيها حسب المبدأ القرآني القائل (وأمرهم شورى بينهم).

يجب أن نعلم أن معالم الديمقراطية هذه التي ذكرناها لم يكن من السهل تحقيقها في أية أمّة من الأمم في العصور القديمة. وان هي صارت من الممكن تحقيقها في مدة من الزمن فانها لا يمكن أن تدوم طويلا، ولابدّلها من حدّ تقف عنده.

{ لماذا؟

- لأن مشكلة البشر انهم لا يمكن أن يرضوا عن حاكم حتى ولو كان هذا الحاكم عادلا نزيها الى أقصى درجة ممكنة .ان رضا الناس غاية لا تدرك – كما ورد في المثل العربي القديم.فاذا تمكن الحاكم من ارضاء فريق من الناس فلابدّ أن يسخط عليه فريق آخر منهم.

كان الحكام قديما يسيطرون على الناس عن طريق الترهيب والترغيب .فالمال بيدهم يغدقونه على من يريدون اجتذابه،كما أن السيف حاضر بين أيديهم يعاقبون به من يسخطون عليه.وبذا صار الرعايا في العصور القديمة ساكتين خائفين،ولم يكن في مقدورهم أن يفعلوا غير ذلك.

{ وما الذي اختلف الآن؟

- الذي حصل في العصور الحديثة أن النظام الديمقراطي قد حلّ المشكلة. فالناس الآن لا يختلفون عن الناس قديما، اذ هم لا يمكن ان يرضوا كلهم عن حاكم، ولابد ّأن يكون فيهم الراضون عنه والساخطون عليه. ولكن الانتخابات التي تجري فيهم بين حين وآخر تتيح لهم أن يعزلوا الحاكم الذي لا يرضون عنه ،وينصّبوا حاكما آخر بدلا منه. انهم يعلمون أن الحاكم الجديد لم ينل تأييد الناخبين جميعا،فان رضا الناس غاية لا تدرك – كما أشرنا اليه آنفا.ولكنه قد نال تأييد الأكثرية منهم وهذا يكفي.

{ يبدو انك تنظر للصراع وكأنه مسألة حتمية وأبدية ولا تحله حتى الديمقراطية؟

- ان الاختلاف والتنازع نزعة أصيلة في البشر لا مفرّ منها.ومن طبيعة البشر أنهم حين يختلفون يعتقد كل ّفريق منهم أن الحق في جانبه وأن الباطل في جانب خصمه. واذا وقع الاختلاف بين البشر من دون أن تكون لديهم طريقة عملية للفصل بينهم، كطريقة التصويت والانتخابات في الديمقراطية الحديثة،فان الاختلاف بينهم ينمو ويتصاعد بمرور الأيام، وقد يؤدي أخيرا الى التنازع العنيف وسفك الدماء. وهذا هو ما حصل فعلا في عهد الخليفة عثمان.

{ وهل حصل هذا على صعيد الناس بشكل عام؟

- نعم ،فقد انقسموا الى حزبين متصارعين،أحدهما ناقم على عثمان والآخر مؤيد له .فكيف يمكن حل هذا الصراع بينهما؟

{ كيف؟

- اجتمع الناقمون على عثمان في المسجد أخيرا وأخذوا يوجهون اليه اللوم الشديد ويصرخون في وجهه ويقذفونه بالحجارة ،فسقط عثمان على الأرض مغمي عليه ،وحمل الى بيته، وهنالك تسلق اليه نفر من الغوغاء فقتلوه.

 لو كان عثمان من طراز الحكام القدامى، اذ يقف الحرس والجلاوزة بين يديه وهم مستعدون لقتل أي رجل يأمرهم بقتله، لما تجرّأ أحد عليه بالصورة التي رأيناها.

ومن الجدير بالذكر أن علي بن أبي طالب الذي تولّى الخلافة بعد عثمان لم يكن أفضل حالا تجاه رعيته من عثمان. ونحن حين ندرس الكلمات والخطب التي قالها في أواخر خلافته نجدها مليئة بالتذمر من رعيته والشكوى منهم. انهم لم يوجّهوا اللوم الشديد أو يقذفونه بالحجارة على نحو ما فعلوا مع سلفه عثمان ،ولكنهم كانوا يخالفونه ويستهترون بأمره ويجابهونه بما لا يرضى، وقد خاطبهم ذات مرة قائلا اذا كانت الرعايا قبلي لتشكو حيف رعاتها فانني اليوم لأشكو حيف رعيتي كأنني المقود وهم القادة أو الموزوع وهم الوزعة).

ان هذه الكلمة من علي لها مغزى اجتماعي يلفت النظر .فنحن نرى الحاكم هنا يشكو من المحكومين له. وهذا أمر غريب غير مألوف في العصورالقديمة ،اذ جرت العادة أن يكون المحكومون هم الذين يشكون من حكامهم،ولم يكن مألوفا أن يشكو الحكام من المحكومين.

{ هذا يعني وكأنك تريد أن تقول بأن الديمقراطية في عهد الخلفاء الراشدين جاءت في غير وقتها ؟

-  نعم. فما جرى يدل على أن الخلافة الراشدة وصلت الى نهاية عمرها وليس في مقدورها أن تبقى مدة أطول ،فالحاكم فيها لم يكن قادرا أن يسوس رعيته عن طريق الترغيب والترهيب كما كان الحكام القدامى يفعلون، وكذلك لم يكن قادرا على أن يلجأ الى التصويت على نحو ما يجري في الديمقراطية الحديثة .وخلاصة القول ان الديقراطية الراشدية جاءت في غير أوانها، أو هي جاءت قبل أوانها. ونحن اذ نريد دراستها في ضوء علم الاجتماع الحديث نتوصل الى نتيجة تختلف عن تلك التي وصل اليها المؤرخون القدامى.

{ حدثني عن الجانب الآخر للموضوع.. أعني أهمية التاريخ للباحث الاجتماعي؟

- جرى الباحثون الاجتماعيون في النصف الأول من هذا القرن (يقصد القرن العشرين – ق) على أنهم اذا أرادوا دراسة مجتمع انكبّوا على دراسة حاضره ولم يهتموا بدراسة ماضيه. وقد تبين لهم بعدئذ أنهم كانوا في هذا مخطئين. يقول الباحث المعروف روبرت نيسبت في كتاب له صدر في عام 1970 :”ان الفجوة بين علم الاجتماع والتاريخ أخذت في السنوات الأخيرة تتقلص باستمرار ،وهي الفجوة التي كانت موجودة لمدة طويلة في الولايات المتحدة الأمريكية.ففي السنوات العشرين الأخيرة صار المؤرخون ينتفعون من مفاهيم علم الاجتماع تدريجا،وكذلك صار الاجتماعيون ينتفعون من المعلومات التاريخية..”.

 اننا لا يمكن ان نفهم مجتمع من المجتمعات البشرية مالم نفهم تاريخه ولاسيما تاريخه القريب.وأوضح مثل يمكن أن نأتي به في هذا الشأن هو المجتمع العراقي، فنحن لا نستطيع أن نفهمه في وصفه الحاضر فهما واقعيا مالم نحاول فهم الحوادث التي جرت له في العهد العثماني، وهذا ما حاولته عند تأليف كتابي “لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث”.

{ كان تركيزك فيه على القيم والمعتقدات، فهل ترى أنها تبقى تعمل بعد سبعين عاما؟

- ان القيم والمعتقدات والتقاليد التي تنشأ في عهد من العهود لا يمكن أن تختفي فجأة عند زوال ذلك العهد،فهي تبقى تؤثر في سلوك الناس وتفكيرهم مدة طويلة من الزمن بعد زوال أسبابها.انها تضعف تدريجا بمرور الزمن ولكنها لا تختفي من أعماق النفوس اختفاءا تاما..وهذا هو من معالم ” التناشز الاجتماعي”كما اشرنا اليه آنفا.

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |