السبت، 15 يونيو 2013

وزير الثقافة الجديد يتحسس مسدسه - جلال أمين - بوابة الشروق

وزير الثقافة الجديد يتحسس مسدسه - جلال أمين - بوابة الشروق


وزير الثقافة الجديد يتحسس مسدسه


قرأت مرة تعريفا للمثقف لا يخلو من طرافة، وأظن أن القائل به لم يكن جادا تماما، ومع ذلك فالتعريف لا يبعد كثيرا عن الحقيقة. المثقف طبقا لهذا التعريف هو «الشخص المشغول بالأمور المبهمة»!.

المثقف فيما يبدو، لا يكف عن البحث عن الحقيقة (وان كانت هذه الحقيقة دائما مبهمة)، سواء كانت طريقته فى البحث عنها كتابة قصة أو رواية أو مسرحية، أو رسم صورة أو كاريكاتير، أو نحت تمثال، أو  تأليف مقطوعة موسيقية، أو كتابة بحث تاريخى أو اجتماعى...إلخ. هناك دائما شىء مبهم، أو على الأقل ليس واضحا تماما، عصى عن الاحاطة التامة به، والنتيجة لا تكون أبدا قاطعة (بل ان النتيجة القاطعة كثيرا ما تفسد العمل الأدبى وتضعف البحث التاريخى أو الاجتماعى).

ولكن هذا العجز المستمر عن الوصول إلى نتيجة قاطعة (مع المحاولة المستمرة للاقتراب منها) هو نفسه الذى يكسب العمل الأدبى أو الفنى جماله، ويكسب البحث التاريخى أو الاجتماعى قدرته على إثارة المزيد من التفكير. هذا العجز عن الوصول إلى نتيجة قاطعة هو أيضا الذى يجعل الأديب أو الفنان أو الباحث لا يتوقف أبدا عن المحاولة من جديد، ومن ثم يضفى على حياتنا بهجة مستمرة وحيوية متجددة، ويجعلنا نفهم وصف شخص بأنه «مثقف»، لا على أنه شخص بلغ درجة معينة من المعرفة، بل على أنه شخص منهمك فى «عملية» لا تنتهى من البحث عن حل «لأمور مبهمة».

تذكرت هذا التعريف للمثقف عندما شاهدت فى الآونة الأخيرة احتدام الصدام بين عدد كبير من صفوة المثقفين المصريين وبين وزير جديد للثقافة، عينه نظام يحكمه الإخوان المسلمون، وخطر لى أن السبب الحقيقى لهذا الصدام الحاد قد يكمن فى الفرق بين طبيعة المثقف (التى وصفتها فيما سبق) وبين طريقة تفكير المنتمين لمذهب من مذاهب الفكر السلفى (بالمعنى العام للسلفية الذى يشمل أيضا جماعة الإخوان المسلمين).

لقد قرأت فى الصحف، فى غمار هذا الصدام، اتهاما وجهه بعض المثقفين لجماعة الإخوان يتضمن خلوها من «المبدعين»، وان الاسم الوحيد منهم، وهو سيد قطب، الذى يمكن اعتباره استثناء، كان نشاطه الثقافى أو «الإبداعى» سابقا على انتمائه للجماعة، ثم توقف بعد انتمائه إليها. هذا الاتهام فى رأيى صحيح (حتى لو عثرنا على استثناء أو استثناءين غير مثال سيد قطب الذى يدعم الاتهام ولا يدحضه)، مما يثير التساؤل عما إذا كان هناك تعارض مهم بين طبيعة (أو نفسية) المثقف، وطبيعة المنتمى إلى جماعة تعتنق مذهبا من المذاهب السلفية.

  
أرجو ألا يستغرب القارئ (الذى سار معى حتى هذه النقطة)، إذا تحولت فجأة إلى الكلام عن نوع اخر من الناشطين السياسيين وهم الماركسيون. فعلى الرغم مما نعرفه من تعارض صارخ بين أفكار الماركسيين وأفكار المتدينين المسيسين، فإن بين الفريقين شبها صارخا أيضا، كثيرا ما أشار إليه دارسو الفكر السياسى، مما يسمح لى بالكلام عن الفريقين وكأنهما يتخذان موقفا واحدا من الثقافة والمثقفين.

قد يبدو هذا الكلام متعارضا مع ما نعرفه عن كثير من الماركسيين من اتساع فى الثقافة، واهتمامهم بمختلف أنواع الفنون والعلوم. ولكننى أصر على أن هناك وجه شبه مهما بين الفريقين فيما نحن بصدده.

فإذا قبلنا تعريف «المثقف» بأنه يشير إلى عملية مستمرة من القلق والبحث، وليس بأنه الشخص واسع المعرفة، وجدنا أن الماركسى المتعصب والمتدين المتعصب يجمعهما شىء هو العكس بالضبط، وهو الاطمئنان التام إلى أن ما وصل إليه تفكيره هو الحقيقة المطلقة التى لا تقبل نقاشا ولا تحتمل المزيد من الكلام، وأن هناك نصوصا قاطعة، لا تحتوى فقط على هذه الحقيقة المطلقة، بل ولا تحتمل أكثر من تفسير واحد، وأن التفسير الذى يتبناه صاحبنا هو التفسير الوحيد الصحيح والباقى هراء.

هذه الحقيقة الواحدة المطلقة، الكامنة وراء نصوص مقدسة أو شبه مقدسة، ولا تحتمل أكثر من تفسير واحد، تتعلق بالحياة الدنيا والحياة الآخرة (ويخطئ من يظن أن الماركسيين ليس لديهم أفكار قاطعة عن الحياة الأخرى أيضا)، وهى تتعلق بشكل النظام السياسى كما تتعلق بالعلاقات الاجتماعية والأخلاق.

كل شىء معروف ومنته، والتدليل على ذلك سهل جدا، إذ يكفى فى ذلك اقتطاف نص أو قول مأثور، دون بذلك أى جهد لفحص التفسيرات المختلفة التى يمكن ان تعطى له، أو للبحث عن المعانى المختلفة التى يمكن أن تعطى للكلمات والمصطلحات. الأمر دائما مقطوع به ولا يحتمل أى نقاش، أو حتى إرهاق الذهن بإعادة التفكير فيه.

إذا كان الأمر كذلك، فهل نستغرب أن يخلو أصحاب الفكر السلفى من «المبدعين»، أيا كان تعريفنا للإبداع؟ أن يكون هذا موقفهم من المثقفين المشغولين «بالبحث فى الأمور المبهمة»؟ بل هل نستغرب أن يقدموا بتغطية التماثيل أو تكسيرها، وبإحراق الكتب وإغلاق الأوبرا وتحقير فن الباليه.. الخ؟ إذًا ما الذى يمكن أن يكون هدف ناحتى التماثيل ومؤلفى الكتب، وراقصى الباليه إلا إثارة الشكوك فى أشياء تم حسمها منذ زمن طويل وانتهى حولها الخلاف؟.

إن هذا ما يفعله المتدينون المتعصبون اليوم، وهو نفسه ما فعله الماركسيون فى روسيا السوفييتية فقتلوا روح الشعب الروسى لعشرات من السنين، وهو ما فعله النازيون فى ألمانيا والفاشيون فى إيطاليا، لفترة أقصر لحسن الحظ، فأجبروا أصحاب أفضل العقول وأشد الناس حساسية على الهجرة هاربين إلى خارج بلادهم، أو على الهجرة مكتئبين إلى داخل النفس، مع التزام الصمت التام.


•••

من الأقوال المأثورة عن زعيم من زعماء النازية، وكان أيضا الساعد الأيمن لهتلر «إننى إذا رأيت مثقفا أتحسس مسدسى». وقد صدرت عن ستالين وموسولينى وهتلر نفسه أقوال مماثلة عن المثقفين. وقرأنا كيف كان حكم التاريخ على الرجال الثلاثة، سواء من تم شنقه منهم فى ميدان عام، أو قتل نفسه، أو مات موتا طبيعيا ثم تولى خلفاؤه كشف جرائمه بعد وفاته بثلاثة أعوام.

وها نحن الآن قدر رزقنا بوزير جديد للثقافة يقول كلاما مشابها عن المثقفين المصريين، ويتوعدهم بالتنكيل وسوء المصير، لأنهم يسيئون الأدب وينفقون أموال الدولة على مالا نفع منه. ها هو إذن وزيرنا الجديد للثقافة يتحسس مسدسه. وليس من الصعب، والحال كذلك، التنبؤ بما سوف يحدث للمصريين.

رد الاعتبار.. لنظرية المؤامرة - جلال أمين - بوابة الشروق

رد الاعتبار.. لنظرية المؤامرة - جلال أمين - بوابة الشروق

رد الاعتبار.. لنظرية المؤامرة

جلال أمين


نشر فى : السبت 15 يونيو 2013 - 8:00 ص
آخر تحديث : السبت 15 يونيو 2013 - 11:57 ص
لابد أن القارئ الكريم قد لاحظ أنه مع مرور الوقت، تزداد غرابة الأحداث التى تمر بها مصر، فإذا بكل حدث يثير الدهشة، يعقبه حدث آخر يثير دهشة أكبر، فمن قانون يسمى الصكوك الإسلامية لا علاقة له بالإسلام، إلى مشروع قانون لعزل الأراضى المحيطة بقناة السويس عن بقية الأراضى المصرية، إلى تجرؤ دولة أفريقية على إعلان مشروع يتضمن تحويل مجرى النيل دون استشارة مصر، إلى قطع الكهرباء عن الناس أثناء موسم الامتحانات دون تفسير مقبول، إلى تدهور الأمن فى الشارع وكأن استعادة الأمن مهمة مستحيلة إلى تعيين وزير غريب للثقافة يقوم فور تعيينه بأعمال أكثر غرابة، إلى صدور حكم ملئ بالمتناقضات من المحكمة الدستورية العليا، إذ ينص على أن مجلس الشورى باطل، ولكنه يمنحه الحق فى الاستمرار فى إصدار القوانين.. إلخ.

قد يلاحظ القارئ الكريم أيضا، أنه كلما زادت الأحداث المثيرة للدهشة والمستعصية على التصديق، كلما زاد ميل المفسرين والمعلقين إلى استخدام نوع من التفسيرات ينتمى إلى ما يسمى بنظرية المؤامرة. وليس هذا فى حد ذاته أمرا غريبا، إذ كلما عجز المرء عن تفسير الظواهر الطبيعية بعوامل طبيعية مثلها لجأ إلى «الميتافيزيقا»، أى إلى عوامل تنتمى إلى «ما وراء الطبيعة»، أى إلى تفسير الأحداث المرئية بأسباب غير مرئية، ومن هذا القبيل اللجوء إلى نظرية المؤامرة.

لا عجب إذن أن قرأت منذ فترة قصيرة، بضع مقالات لأستاذ مصرى مرموق فى العلوم السياسية يشرح فيها مشروعا قديما لتقسيم المنطقة العربية إلى قطع من الفسيفساء لصالح إسرائيل. كما نشرت مؤخرا صحيفة مصرية ملخصا لكتاب فرنسى حديث يشرح فيه دور قطر فيما يجرى فى المنطقة، ومقالات أخرى عن العلاقة بين الإدارة الأمريكية والإخوان المسلمين...الخ.

وأنا لا أجد أى غضاضة فى ذلك، إذ لا عيب فى الحقيقة فيما يسمى بنظرية المؤامرة إلا اسمها. «فنظرية المؤامرة» اسم قبيح لعملية عقلية مشروعة تماما، وهى البحث عن تفسير لظاهرة لايساعد فى فهمها ما نراه أو نسمعه مما يقال فى تفسيرها. لقد سمعت مرة الأستاذ الأمريكى (ناعوم تشومسكى)، الذى وصفته جريدة النيويورك تايمز مرة بأنه «قد يكون أهم مثقف على قيد الحياة فى العالم اليوم»، إذ يقول له محاوره «أليس ما تقوله الآن من قبيل نظرية المؤامرة؟» فيرد عليه تشومسكى بأن ما تسمونه نظرية المؤامرة.

قد يكون الاسم الأنسب له هو «التحليل المؤسسى»، أى البحث عن تفسير لما يحدث فى عالم السياسة والمجتمع بالرجوع إلى الدوافع الحقيقية التى تحكم تصرفات المؤسسات السياسية والاجتماعية، كالجيش مثلا، أو البنوك والشركات العملاقة، أى ما حذر منه الرئيس الأمريكى الأسبق أيزنهاور وسماه «تكتل المؤسسات العسكرية والصناعية».

•••

ليس من الصعب أن نكتشف نوع الأشخاص المعادين «لنظرية المؤامرة»، والكارهين لها، فهناك أولا، وبالطبع، «المتآمرون» أنفسهم، الذين يجدون مصلحتهم المباشرة فى إنكار وجود أى مؤامرة أو ترتيب خفى، وفى الاستهزاء بكل من يحاول لفت النظر إلى هذه الترتيبات. لابد أن هؤلاء هم الذين ابتدعوا أو على الأقل روجوا تسميتها بهذا الاسم.

وهذا يذكرنى بالذين ابتدعوا وروجوا لتهمة «العداء للسامية»، وإطلاق هذا الاسم على كل من يتجرأ على اتهام إسرائيل أو الصهيونية بأى اتهام. وقد انتشر هذا الوصف الغريب لهذه التهمة الغريبة «العداء للسامية»، انتشارا مذهلا، حتى اعتاد الناس عليه وضمنت بعض الدول قوانينها عقابا عليها، لأسباب مماثلة، وبنفس الدرجة المدهشة، انتشر استخدام اسم «نظرية المؤامرة» لوصف أى محاولة لاستخدام العقل لاكتشاف أسباب خفية وراء الأسباب المعلنة، إذا تعارضت هذه المحاولة مع مصالح من يخفى الأسباب الحقيقية ويعلن عكسها.

ولكن هناك أعداء آخرين «لنظرية المؤامرة» غير مدبريها والمستفيدين الأصليين من «المؤامرة» أو «الاتفاق الخفى». لقد صادفت كثيرين من المشتغلين بالعلوم السياسية والاجتماعية ممن يبدون حساسية مفرطة ضد «نظرية المؤامرة»، ويدأبون على الاستهانة بها وتحقيرها. ولكن هذا الموقف العدائى من جانب هؤلاء الأساتذة ليس من الصعب تفسيره.

إن كثيرين من هؤلاء حصلوا حقا على شهادات الدكتوراه من جامعات محترمة فى علم من العلوم السياسية أو الاجتماعية، وتعبوا بلا شك خلال سنوات دراستهم فى تحصيل المعلومات اللازمة فى موضوعات تخصهم، وربما اكتشفوا خلال ذلك بعض المعلومات التى لم تكن معروفة من قبل، ولكنهم مع ذلك يفتقدون صفة أو أخرى من الصفات اللازمة لإلقاء أى ضوء مهم على الموضوعات التى تشغل الناس فى الحقيقة. إن معظمهم أثبتوا قدرتهم على تقديم إجابات صحيحة على أسئلة غير مهمة، تاركين الأسئلة المهمة لمن يحبون أن يتهموهم بأنهم «أصحاب نظرية المؤامرة».

قرأت مرة لأستاذ بريطانى تعليقا على رسائل الدكتوراه التى تقدم فى هذه العلوم، فذكر فى تعليقه أن الجامعات البريطانية، (ولا شك أن قوله هذا ينطبق على غيرها أيضا)، ربما لم تكن لتمنح اليوم مفكرا كأرسطو شهادة الدكتوراه على ما ألف من كتب، لسبب أو آخر، ولكنها يمكن أن تمنح هذه الشهادة لشخص أثبت على نحو قاطع أن أرسطو كان يسكن فى البيت رقم (10) مثلا، فى شارع معين فى أثينا، بعكس الرأى الشائع بأن رقم بيته كان (8) أو (6)!

هناك نوع آخر من أعداء نظرية المؤامرة، أفضل بكثير من النوعين السابقين. هؤلاء لا يرفضون احتمال وجود مؤامرة (أو مخطط) لا يرغب أصحابه فى الكشف عنه وقد يعرفون جيدا الفرق بين الأسئلة المهمة والأسئلة الأقل أهمية، ولكنهم بطبعهم أشخاص «عمليون لا يحبون الاستغراق فى التفكير أو الجدل إذا لم يؤد هذا التفكير أو الجدل إلى النصح بالقيام بعمل معين.

إنهم إذن يفضلون عمل أى شىء طيب، مهما كان قليل الأثر، على التفكير فى أشياء أهم بكثير ولكنها لا تؤدى مباشرة إلى نتيجة عملية. من ذلك مثلا محاولة تحديد الحد الأدنى الأمثل، أو الحد الأقصى للأجور، فى وقت يزداد فيه فى كل ساعة عدد من لا يحصلون على أى أجر على الإطلاق، ويفضلون ذلك على محاولة تحديد المسئول عن استمرار مشكلة البطالة فى مصر، أملا فى الحصول على حل لها مهما كانت صعوبة هذا الحل.

يذكرنى موقف هذين النوعين الأخيرين من الناس بالقصة الطريفة المنسوبة لجحا، إذ وقع من جحا دينار ذهبى وهو سائر فى طريق مظلم، ولكنه رؤى وهو يبحث عنه فى مكان آخر بعيد عن المكان الذى وقع فيه الدينار. فلما سئل عن سبب ذلك، قال إن الضوء هنا أقوى! إننى بصراحة أفضل البحث فى الظلام الدامس، ما دام هذا هو مكان وقوع الدينار، ومهما كان الأمل ضئيلا فى العثور عليه، على أن أحاول البحث عنه (أو أن أتظاهر بذلك) فى مكان لا يمكن العثور عليه فيه.

الجمعة، 7 يونيو 2013

أحمد الطاهري يكشف " ما وراء الستار" في ملف "... - النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية

أحمد الطاهري يكشف " ما وراء الستار" في ملف "... - النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية
أحمد الطاهري يكشف " ما وراء الستار" في ملف " النيل"
ان الظرف السياسي يستدعي البوح بما في جعبتي المهنية الصغيرة لأن الامر يتعلق بأمن مصر القومي ويهدد وجودها لانه يهددها في نيلها .. لذا سيكون هذا المقال سردا لمعلومات دون تأويل او تحليل وعرض لحقائق مجردة .
بداية بحكم عملي محررا دبلوماسيا تولدت علاقة عملية وانسانية مع وزير الخارجية الاسبق " المتميز " احمد ابو الغيط وذلك في الفترة من اغسطس 2005 وحتى مارس 2011 عندما ترك ابوالغيط المنصب ليخلفه فيه الدكتور نبيل العربي .. خلال تلك السنوات اتيحت لي الفرصة لمعرفة تفاصيل دقيقة في ادارة العديد من الملفات من بينها ملف مياه النيل والتحرك في افريقيا بصفة عامة واستراتيجية مصر في هذا التحرك .
هذه الاستراتيجية ملخصها ان افارقة الالفية ليسوا افارقة ستينات عبد الناصر .. ففي الحقبة الناصرية كان كل ما تحتاجة الدول الافريقيه دعم سياسي ودعم مسلح وكانت مصر تستطيع ان تقدمه , اما افارقة الالفية فيسعون الي التنمية بمعني ادق يسعون لمن يملك امكانات مادية تساعدهم على التنمية .
من هنا كانت مصر تتحرك على محورين الاول هو الدفع باستثمارات مصرية في هذه الدول وتقديم خدمات على الارض من خلال خبراء الصندوق المصري لدعم التعاون الفني مع افريقيا وحتى 25 يناير 2011 التى شاء القدر ان اتابع احداثها من اثيوبيا وشاهدت شماتة الاثيوبين في مصر علنا وفي مبارك على وجه الخصوص لدرجة دفعتني الي البكاء ونهرني ابوالغيط بحزم قائد عسكري قائلا يجب ان نكون شامخين ... المهم كان لمصر حينها 390 خبيرا في افريقيا معظمهم فى دول حوض النيل فضلا عن قيام الصندوق بتأهيل كوادر هذه الدول في كل المجالات الشرطية والعسكرية والدبلوماسية والقضائية , اما مسألة الاستثمارت فتم الاعتماد على ثلاثة شركات رئيسية وهي اوراسكوم والسويدي والمقاولون العرب .. وحتى 25 يناير 2011 تمكنت الاستثمارات المصرية في اثيوبيا من تخطي حجم الاستثمارات الاسرائيلية وتجاوزت نحو المليار ونصف دولار .

اما المحور الثاني فكانت ان مصر لاتدخل في صدام مع دول حوض النيل حول اتفاقية عنتيبي وتتمسك بحقها في حصتها من المياة والتمسك بكل المعاهدات القانونية التي كانت دول حوض النيل وخاصة اثيوبيا تتنصل منها .. وكانت تتعامل عن ثقة في قدرتها على التأثير على الدول والجهات المانحة وكانت قادرة على ذلك لربط هذه المسألة بمصالح الدول المانحة ليس في مصر فقط ولكن في المنطقة .. وحتى يناير 2011 كانت مصر ناجحة في سياستها .

وفي مايو 2009 بدأت دول المنبع تصرخ من احكام مصر قبضتها على مسألة التمويل وكانت بداية حرب اعلامية شرسه على مصر وتصعيد هذا الملف لتحكيم دولي وتزامن مع ذلك الكثير من التقارير الصحفية في مصر التي تتحدث عن ضياع الدور المصري في افريقيا وتضخيم في الوجود الاسرائيلي مقابل الوجود المصري .

الي ان جاء مساء يوم 20 مايو 2009 وتم استدعائي في وزارة الخارجية المصرية والتقيت هناك مسئول رفيع اتحفظ عن ذكر اسمه لانه مازال يباشر سلكه الوظيفي .. ودار التحدث عن هذه المسألة وابلغني ان تقارير المخابرات العامة تؤكد ان تواجدنا يتجاوز بكثير تواجد اسرائيل في حوض النيل سواء من ناحية الاستثمارات او الدعم اللوجستي او تدريب الكوادر .
وفي مساء اليوم نفسه حصلت على تقرير المخابرات العامة من مصدر سيادي وكان عباره عن ملف من الاوراق في شكل جدول خانه تحمل اسم مصر والاخرى تحمل اسم اسرائيل .
وتفحص كل دولة من دول حوض النيل وتقارن بين وجودنا ووجود اسرائيل وعدد المسئولين الذين توجهوا لتل ابيب والعكس وعدد المسئولين في هذه الدول الذين توجهوا لهذه الدول والعكس بما يثبت احكام قبضة الدولة المصرية وقمت بنشر التقرير ماعدا الاجزاء التي تضم معلومات لايصح نشرها حفاظا على امننا القومي.

وفي يونيو 2009 التقيت السفير المخضرم محمد عاصم ابراهيم سفير مصر الاسبق في كل الدول التي تقع في دائرة الامن القومي وكشف لي الحاح القذافي على مصر لتوصيل قناة من مياه النيل والحاح ياسر عرفات لنفس السبب وكان رد مبارك عليهم انه ليس بامكانه تحويل مجرى النهر ولهذا اوقف مبارك العمل في ترعة السلام لان اسرائيل كانت تريد المياه ايضا.

في فبراير 2011 وبعد سقوط مبارك مباشرة اعلنت احدى الدول في حوض النيل انضمامها لاتفاق عنتيبي بعدما كانت في صف مصر والتقيت مسئول رفيع في الخارجية المصرية للاستفسار عن الامر فأجاب بوضوح قاموا بالتوقيع لأن " الشيك " اتأخر عليهم .

واثناء حكم المجلس العسكري قام رئيس وزراء اثيوبيا السابق ميليس زيناوي بتعليق التصديق على اتفاقية عنتيبي لحين انتخاب رئيس في مصر , هلل البعض وقتها واعتبره انتصارا للثورة المصرية بينما كان الواقع ان اثيوبيا تنتظر القادم في مصر لكي تحدد تكتيك المواجهة وقد كان .

وبعد انتخاب الدكتور مرسي وفي صباح 30 يونيو 2012 ذهبت لاجراء حوار مع الدبلوماسي المرموق السفير رفاعة الطهطاوي الذي اصبح فيما بعد رئيسا لديوان رئاسة الجمهورية وكان الغرض منه التعرف على فكر احد الاشخاص شديدة القرب من الرئيس الجديد لمعرفة ماهو قادم .. وعندما تحدثنا في ملف المياة انتقد اسلوب ادارة مبارك واعلن صراحة بلهجة ناصرية ان مصر يجب ان تعرف الاشقاء في افريقيا انها قادرة على نفع اصدقائها كما انها قادرة على الحاق بالغ الضرر بمن يتخذ موقف عدائي منها .
وفي يوليو 2012 توجهت الي اثيوبيا لتغطية قمة الاتحاد الافريقي التي كانت اول ظهور لرئيس مصر الجديد في محفل دولي وكان ملفتا ان الزيارة خلت من تصريحات واضحه بخصوص ملف المياة او سد النهضة تحديدا وتم اختزال المكسب الدبلوماسي لمصر في اعادة الزميلة شيماء عادل الصحفية بجريدة الوطن من الخرطوم بعد احتجازها من قبل السلطات السودانية اثناء تأدية مهام عملها بتغطية المظاهرات في الخرطوم على نفس الطائرة مع الرئيس وتم احضارها من الخرطوم الي اديس ابابا وعادت معه وهلل الاعلام وقتها لهذا الامر وخاصة الاخواني في حين كانت مصر قد تلقت هزيمة دبلوماسية عنيفة في هذه القمة عندما خالفت جنوب افريقيا العرف الافريقي الخاص برئاسة الاتحاد الافريقي وتقدمت للمنصب وحصلت علية لتقترب من حسم معركتها مع مصر بالضربة القاضية لتكون هي ممثل افريقيا في مجلس الامن حال توسعته وهو الملف الذي تحارب من اجله الخارجية المصرية على مدار السبعة سنوات الماضية .

وفي مارس 2013 ومن خلال متابعة تقارير الصحف الدولية كان هناك جرس انذار بأن ازمة مقبلة في ملف المياه وقمت خلالها بعمل سلسلة حوارات تحت اسم الامن القومي المصري نشرتها جريدة الوطن في الشهر نفسه مع كل من وزير الخارجية الاسبق احمد ابو الغيط ووزير الخارجية السابق محمد العرابي واللواء محمود خلف مستشار اكاديمية ناصر العسكرية واللواء فؤاد علام الخبير الامني المرموق واللواء سامح سيف اليزل وكيل جهاز المخابرات العامة الاسبق وجميعهم اجمعوا ان مصر مقبلة على كارثة في ملف المياة خلال اسابيع .. وقمت بإرسال هذه الحوارات الي الصديق الاكاديمي المرموق احمد عبد ربة استاذ العلوم السياسية لصهرها في تحليل مضمون سياسي وهو ماقام به بشكل علمي واضعا خطا احمر على مسألة المياة .

وفي 24 ابريل 2013 حذر نائب وزير دفاع المملكة العربية السعودية " الشقيقة " الامير خالد بن سلطان من مؤامرة خطيرة تجهزها اثيوبيا لمصر والسودان تستهدف حقوقهم في مياة النيل .. وفي هذا اليوم اتصلت بعدد من الاصدقاء داخل وزارة الخارجية لسؤالهم عن تطورات ملف المياه فكان ردهم ان الوضع سكون يسبق العاصفة وطلبوا عدم اثارة الامر اعلاميا في حينها .
وبعدها بيومين جمعني عشاء مع عدد من الدبلوماسيين في احد فنادق القاهرة وابلغوني بالامر نفسه وان ادارة الامر ليست على المستوى المطلوب سواء داخليا في الوزارة وكذلك على مستوى القيادة السياسية وان كانوا قد قالوا ان هناك بعض التطور في المام الرئاسة بالملف وتفاصيله .

وفي نهاية مايو 2013 اعلنت اثيوبيا بتحد بالغ تحويل مجرى النيل .. وقبل ايام تابعنا حوار الرئيس مع شخصيات القوى السياسية وفضح امننا القومي على الهواء مباشرة .. وبين التاريخين دشنت العديد من المقالات الهوائيه فكان حق على ان اقدم المعلومة التي امتلكها .
وهذه المعلومات اهديها للقارىء لأنها حق له ليس لأنصاف شخص وتقليل من اخر ولكن لمعرفة الحقيقة .. فالامر اكبر من اشخاص الامر يتعلق بوجود مصر .

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

الإسلام النسوي....لا لتسييس القرآن - QANTARA.DE

 كتب محرر دار الغربة: ينشر موقع قنطرة مواضيع ذات تاريخ سابق لكن "راهنية" موضوع النص تبدو الأساس في اختيارها وهو ما يهمني لإعادة نشرها هنا مع الشكر لموقع قنطرة

 

الإسلام النسوي....لا لتسييس القرآن - QANTARA.DE

07.05.2012 

النسوية الإسلامية وتحديث الإسلام

الإسلام النسوي....لا لتسييس القرآن

تستخدم نسويات مسلمات مثل المفكِّرة والكاتبة الإصلاحية والأستاذة الجامعية الأمريكية أمينة ودود القرآن كأداة فاعلة من أجل الدفاع عن حقوق المرأة ومواجهة هيمنة النظام الذكوري الأبوي. ولكن بعضهن يقعن للأسف في فخ الفقه الدفاعي التبريري ويتعرضن لخطر استغلال الإسلام لأسباب سياسية، كما ترى الباحثة نيمت شكر في هذا التعليق.

نسوية إسلامية، هل يمكن وجود شيء من هذا القبيل؟ يبدو للوهلة الأولى أنَّ الإسلام والنسوية منهجان متضادان. ولكن على الرغم من ذلك تكوَّنت داخل الإسلام حركة نسوية تعمل على المستوى العالمي.
بدءًا بالولايات المتحدة مرورًا بأوروبا وصولاً إلى اندونيسيا تـُعقد سنويًا مؤتمرات عالمية، كما تنشط منظمات غير حكومية من أجل حقوق المرأة على أساس الشريعة الإسلامية. وقد نشأت نسوية إسلامية حتى في دول مثل إيران أو المملكة العربية السعودية.
ناشطات الحركة النسوية وفقيهات الدين مطلوبات لتقديم المحاضرات. وتعتبر أمينة ودود من بين الأكثر شهرة بينهن. وهي تتحدث عن جهاد النوع الاجتماعي (Gender Jihad) وعن النضال من أجل المساواة بين الجنسين. وتقول إنَّ الإسلام يريد في الواقع تجاوز النظام الأبوي بدلاً من ترسيخه. والقرآن يمدَّها بحججٍ قويةٍ تدعم بها أطروحاتها.
تناغم مع للحداثة
أمينة ودود
أمينة ودود، أحد أشهر المدافعات عن حقوق المرأة في الإسلام، تتحدث في كتابها عن جهاد النوع الاجتماعي (Gender Jihad) ، وعن النضال من أجل المساواة بين الجنسين
النسوية الإسلامية هي محاولة للتوفيق بين مبادئ الشريعة الإسلامية والقيم الحديثة مثل حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. ويبدو أنه لا توجد طريقة لمواجهة الأصولية والتعصب الديني أفضل وأكثر فعالية، إذ يتم بذلك ضرب العدو بأسلحته في نهاية الأمر. وفي الوقت نفسه يجري احباط جهود المدافعين عن صراع الحضارات، حيث يتم إظهار منح القرآن للمرأة حقوقٍ في وقتٍ لم تكن فيه أوروبا ولا للحداثة موجودين! لقد عامل النبي النساء باحترام ويجب اعتباره قدوةً للعلاقات بين الجنسين. هذا النهج يجعل الحركة النسوية الإسلامية محببة. ولكن حذاري من أنْ نخدع أنفسنا عبر تجميل بعض الأمور؟
ماذا عن السياق التاريخي الأبوي الذي جرى فيه تنزيل القرآن على النبي محمد؟ إجابة النسويات على هذا: إنَّ المبدأ الأخلاقي للمساواة في القرآن يزيل قواعد أبوية معينة، مثل حق الرجل في أن يكون له أربع زوجات. من يحدِّد معايير هذه المبادئ الأخلاقية الكونية للقرآن و من يحدِّد مكان وكيفية استخدامها؟ هذه المسألة مسألة تفسير النص. أرى أنَّ الرؤية السياسية الاجتماعية للحركة النسوية الإسلامية أكثر إشكالية، ذلك لأنها نشأت أيضًا باعتبارها ردًا على الإسلام السياسي وتؤدِّي بالتالي إلى حدوث توترٍ بين النشاط السياسي وفقه الدين. وفي الحالات القصوى ومن جراء ذلك تتكوّن في علوم الفقه مواقف تبريرية مدافعة.
شكل من أشكال الإصلاح الإسلامي الحديث
داود أمينة
أمينة ودود كانت أول امرأة تؤم صلاة الجمعة في عام 2005 في نيويورك، فلاقت أحيانا احتجاجات المسلمين المحافظين الغاضبة.
يعتبر الإسلام النسوي شكلاً من أشكال الإصلاح الإسلامي الحديث، الذي يتخذ الإسلام السياسي نقطة انطلاقٍ له ويمنحه مكانة إسلام الأغلبية. يتعلق الأمر في نهاية المطاف بامتلاك حق التأويل الذي يقبل بالإسلام السياسي أكثر من انكاره له. لذلك يتم منح الإسلام السياسي في حياة المؤمنين اليومية قوةً أكبر من القوة التي يملكها بالأصل. وبالتالي تتم تقوية ادعاء الإسلام السياسي بامتلاك الحقيقة. وهذا تطورٌ خطيرٌ لأنه يؤدي إلى تسييس علوم فقه الدين. بالتأكيد لا بد من الاهتمام بمواقف الإسلام السياسي الحديث، ومن منظورٍ فقهيٍ بالذات، لكي تمكن مواجهته بشيء ما. بيد أنه لا يجوز في هذا السياق تجاهل العلـّامة القدماء ومعهم تقاليد الفقه الإسلامي التي دامت أكثر من ألف عام.

التأصيل الإسلامي الدنيوي
أكبر خطأ يرتكبه المفكرون الإصلاحيون هو فهم الإسلام السياسي على أنه راسخٌ في التقاليد، لأنه بالذات يقطع مع المعارف والتقاليد القديمة، إذ يرى أنَّ الحداثة تتطلب مناهج جذرية جديدة. وقد كانت السلفية أيضًا حركةً إصلاحيةً في الأصل، قطعت بشكلٍ جذريٍ مع التقاليد الإسلامية، وقد تطورت كما نرى في اتجاهٍ من شأننا أن نصفه بأنه عقائديٌ ومعادٍ للحداثة.
إنَّ اعتبار الحركة النسوية الإسلامية طريقةً لمحاربة المشاكل الاجتماعية بوسائل دينية، هو أيضًا في نهاية الأمر محاولة للتأصيل الإسلامي لما هو دنيوي. ولا بد أيضًا للمفكرين التقدميين مثل المفكرة النسوية أمينة ودود الإقرار بذلك. علمًا بأنه لا يمكن حل المشاكل الاجتماعية والسياسية من خلال الدين وحده.

نيمت شكر
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012

السبت، 1 يونيو 2013

مجلة التسامح :: نظرية الغزالي السلوكية أساساً للإصلاح الاجتماعي

مجلة التسامح - نحو خطاب إسلامي متوازن
نظرية الغزالي السلوكية أساساً للإصلاح الاجتماعي
عز الدين جلولي*
كانت وراء اختياري لهذا الموضوع بواعث ذاتية وأخرى موضوعية؛ تمثلت الأولى في قناعتي الشخصية بغنى تراثنا الإسلامي غنى لا يضاهيه إلاّ جهل به أو تجاهله في الصروح العالية للبحث العلمي، الأمر الذي جرّ إلى نتائج أحسبها وخيمة، كان من أهمها قصور الدراسات النفسية والاجتماعية عن تلمّس الحقائق الكونية في هذه الميادين من جهة، واقتصارها، نتيجة لذلك، على ماله سمة الذيوع والانتشار من الأفكار ولو جانبت الصواب من جهة أخرى.
أما فيما يخصّ الدوافع الموضوعية لهذه الدراسة فشديدة الصلة بمضمونها، الذي كشف لي بأن الإمام أبا حامد الغزالي(1) هو صاحب النظرية المسمّاة بنظرية الإشراط، المنسوبة خطأ إلى "بافلوف"(2) بل إن الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ذكر، في عنوان المقالة التي أشار فيها إلى هذا الخطأ، أن النظرية سرقت من الغزالي، فعنوان المقال بقول: "ما هي حقيقة الخير والشر؟ أو النظرية التي سرقت من الغزالي"(3).
قد لا أميل إلى القول بسرقتها، وإن كان ذلك غير مستبعد، فـ"بافلوف" لم يكن السباق إلى لفت الانتباه إلى فكرة الارتباط بين المثيرات والاستجابات حتى في الفكر التربوي الغربي، وأساس عدم استبعادي للسرقة أن الغرب دأب على أن ينسب إليه نظريات ويدّعي حيازة قصب السبق فيها فتأتي الوقائع الحقه لتخالف ذلك، وتثبت أنّها من نتاج غيره، ومن بنات أفكار آخرين.
لن أقارب في هذه الدارسة كل نظريات الارتباط بما ورد عند الإمام الغزالي، فذلك أمر يطول ويتّسع،(4) لكني سأكتفي بمقارنة نظرية الاشتراط ين الغزالي و"بافلوف"، تاركا بقية النظريات الاقترانبة خارج حدود البحث، لأتوجه إلى الحديث عن آثار هذه النظرية السلوكية في الاصلاح الاجتماعي، وبيان الحاجة إلى استبهامها في فقه الواقع مقدمة للدعوة والتربية والتبليغ.
كثيرة هي المحاولات التي جدّت في تقسير سيكولوجية السلوك الانساني، والملاحظ أن أكثر هذه المحاولاتت من تجارب كانت تجرى على الحيوانات، فلم ترق بنتائجها إلى مستوى الحقائق العلمية الموثوق بها، بل بقيت فرضيات تعطي بعض الضوء ولا تهدي الإنسان إلى حقائق السلوك عند الإنسان، ذلك الكائن المجهول.
إن النظرية العلمية هي "جملة من القوانين الواضحة التفاعل في ما بينها، تعطي تفسيراً شاملاً لظاهرة رئيسية(نظرة داروين، أنشتاين...)، أما نظريات التعلم(وهو جزء من السلوك) فلا تعطينا تفسيراً شاملاً ومتفقاً عليه لما يحدث أثناء التعلم؛ ولذلك فمن الأسلم اعتبارها مجرد نظريات افتراضية"(5). يؤخذ على هذا التعريف، الذي أورده الدكتور فوزي أيوب، إدراجه نظرية دارروين ضمن النظريات العلمية، رغم أنها انتقدت وتجاوزها الباحثون في علم النفس وفي مقدمتهم تلامذة داروين أنفسهم، ولعلّ هذا ما جعل الدكتور نشواتي يكون أكثر حذراً في إعطاء تعريف للنظرية، فقال بأنها مجموعة من المبادئ الموجّهة التي تزودنا بإطار يمكننا من فهم طبيعة سيكولوجية الأنماط السلوكية المتنوعة(6).
إن أهم النماذج أو النظريات التي حاولت تفسير السلوك الإنساني انطلقت من ميدان التعلم، لكون التعلّم نشاطاً تميّز به الإنسان عن سائر المخلوقات الحيوانية، فتوجه علماء النفس إلى دراسته وتحديد ماهيته وآليته. وكان من أهم العلماء المحدثين الذين اشتغلوا بهذا الأمر "تورانديك" و"غثري"؛ فالأول منهما قال بنظرية التعلم أو الربطية (Connectionism)، ومعناها حدوث ارتباطات بين المثيرات والاستجابات (Learning by Selecting and Connecting)، وأهم تلك المثيرات الثواب، الذي يدفع إلى حدوث سلوكات يراد تعلمها. ويعد هذا العالم سبّاقاً في ميدان التعلم الإشراطي ونظريات التعزيز(7). أما "غثري" (Guthrie)، فقال بأن "الحركة المرافقة لمجموعة من المثيرات تنزع إلى الحدوث ثانية لدى ظهور هذه المثيرات"،(8) ومن هنا نفهم الفرق بين السلوك المعقد والبسيط، المتعلقان بعدد الارتباطات قلة او كثرة. وكلا الرجلين لا يعتمدان في تصورهما على الدافعية الفطرية التي يعتبرها البعض ذات أهمية لا تنكر في حدوث المتغيرات السلوكية(9).
الملاحظ فيما سبق قوله، وفيما سيأتي من حديث عن "بافلوف"، أن البحث في السلوك الإنساني لدى الغربيين سار على هدى من الفلسفة؛ نتيجة لانفصال العلوم عنها أو انفصالها عن تلك العلوم، وميدان البحث النفسي واحد من هذه الحقول المعرفية، التي اتسعت في ضوء المنهج التجريبي، المركّز على الحالة المدروسة من دون الاستعانة بالبعد الديني أو الفلسفي للظاهرة. وهي مشكلة في المنهج عانى منها البحث في العلوم الإنسانية لدى الغرب ولا يزال.
أتصور أنه من الأهمية بمكان استصحاب السياق أو الجوّ العام الذي نشأت فيه آية: فكرة أو نظرية؛ لأن ذلك يعطينا القدرة على تصور الجذور الحقيقة لما نريد ان نعالجه، ويساعدنا على تفهمه، ومن ثم نقده وتقويمه.
لقد كان سياق الإشراط عند الإمام أبي حامد الغزالي، أو "سبق الوهم إلى العكس" كما سمّاه- هو البحث في حقيقة الخير والشر، تلك المسألة القديمة قدم الإنسانية، والتي تباينت الآراء فيها تبايناً إلى حد التناقض؛ فمثلاً يرجع البعض مفهوم الخير والشر إلى الأعراف، بحيث كان حنق طفل صغير في دنّ من الخمر خيراً عند قدامى الرومان، وكان وأد البنات كذلك خيراً وشهامة عند بعض العرب في الجاهلية. وقتل الولد لوالده في مناطق المتجمد الشمالي برّاً ما بعده برّ إراحة للكبير من قساوة الطبيعة وبرودتها.ً
وفسّر آخرون حقيقة الخير والشر بقيمة السعادة الشخصية، التي حقيقة ذاتية لكل من الشر والخير؛ قال بذلك قديماً "أبيقور" (230ق.م) وحديثاً "هوبز". وقد كان الرجلان مدفوعين بنزعة الأنانية التي "هي ذروة ما تقوم عليه حقيقة كل من الشّر والخير عندهؤلاء". وقدرها "استيوارت ميل" و"بنتام" بالمنفعة العامة، ولكن هذه الأخيرة لا يمكنها أن تكون إلاّ في صالح البعض من دون آخرين(10).
أما علماء الإسلام فقد عالجوا هذه القضية في الفلسفة وفي علم أصول الفقه الإسلامي، وكان أبرز هؤلاء أبو حامد الغزالي. وقبل عرض ما قاله الغزالي في هذا الموضوع، أشير إلى أن سبب الاختلاف في مفهوم الخير والشّر نابع من توهّم البعض أن لهما مضموناً ذاتياً، في الوقت الذي لا مضمون لهما، بل هما انعكاس لما نتصوره نحن من منطلق طباعنا وفطرتنا، التي بتبدّلها تتغير قيمة الخير والشّر وبثباتها تثبت؛ إذا فحقيقة الخير والشّر في المنظور الإسلامي اعتباري، رسخ مفهومها بطول الاقتران مع ما "يميل إليه الطبع أو بما يتناسق مع وضع التركيب الاجتماعي؛ فقد أورثها طول هذا الاقتران معنى الحسن أو القبح فيما تتوهمه النفس؛ حتى وإن انفكّت العلاقة بينهما بعد ذلك. إذا إنها قد رسخت في النفس فهي ماثلة فيه"(11).
إنّ الدافع الذي حدا بعلماء الإسلام إلى البحث عن حقيقة الخير والشّر – هو تأمل الأساس الذي قامت عليه الشريعة الإسلامية، التي ما جاءت إلاّ لحماية مصالح الإنسان التي لا تتبدّل عبر الزمان والمكان، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل. واجتمعوا مع غيرهم من الفلاسفة في هذا المضمار وشقّوا لأنفسهم طريقا أوصلهم إلى أن حقيقة الخير والشّر اعتبارية. ويمثل الدكتور البوطي لنظرتهم بـ"القطع المتناثرة لآلة محركة أو طابعة، لا توصف الواحدة منها بأي فائدة أو نفع ما دامت أنكاثاً مجتزأة عن أخواتها، فإذا ما تضامّت إلى بعضها، وشملتها جميعاً الهيئة التركيبية المطلوبة، تجلّى فيها عندئذ معنى الحسن أو الخير، منبثقاً من العلاقة القائمة بين تلك القطع المتآلفة"(12).
أما الطبيب الروسي "بافلوف" فلم أجد لديه سياقاً مقصوداً عندما بحث في الإشراط سوى أنه كان يدرس الجهاز الهضمي، ثم انتقل إلى دراسة فيزيولوجيا الجهاز العصبي، لأهميته في التعلم، وحينها اكتشف كيفية تكوين المنعكسات الشرطية عند الكائنات الحيّة، ففسّر بها ظاهرة التعلم، وعلى آثاره اقتفى مؤسس المدرسة السلوكية "واطسون" (Watson) عام 1915م ليجعل نظرية "بافلوف" أساساً لتفسير السلوك الإنساني(13).
أورد الإمام أبو حامد الغزالي نظريته المسماة "سبق الوهم إلى العكس ": ومضمونها ذاته تقريبا في نظرية "بافلوف" – في معرض رده على المعتزلة في الحسن والقبح، والذي يتلخص في ثلاث نقاط:
1-    الإصطلاح العامي المشهور، بأن الأفعال تنقسم بحسب ما يوافق غرض الفاعل وما يخالفه إلى حسن وقبيح وعبث.
2-    الحسَنَ هو ما حسنَّه الشرع بالثناء على فاعله، وافق غرضه أم لا.
3-    الحسَنََ هو كل ما لفاعله أن يفعله، "فيكون المباح حسناً مع المأمورات وفعل الله يكون حسناً بكل حال"(14).
وبعد أن يعرض الغزالي رأي المعتزلة هذا، يردّ عليه من وجود ثلاثة، لا يعنينا في سياق هذا البحث إلاّ الوجه الثالث:
1-    إنّ مردّ القبح إلى طبع الإنسان الخاص، فالاستقباح شخصي وليس موضوعياً.
2-    طول النشوء على استقباح أشياء واستحسانها يورث الاعتقاد بأنها دوماً كذلك.
3-  أما الوجه الثالث في توهم الحسن والقبح، فسببها "سبق الوهم إلا العكس، فإنّ ما يرى مقروناً بالشئ يظن أن الشئ أيضاً لا محالة مقرون به مطلقاً(...) ومثالة نفرة نفس السليم، وهو الذي نهشته الحية، عن الحبل المبرقش(...) لكن خلقت قوى النفس مطيعة للأوهام وإن كانت كاذبة"(15). ثم يورد الغزالي مثالاً آخر عن حالة المشرف عن الغرق وموقف المنقذ، "وسببه أن الإنسان يقدّر نفسه في تلك البلية ويقدر غيره معرضا عنه وعن إنقاذه فسيتقبحه منه بمخالفة غرضه، فيعود ويقدر ذلك الاستقباح من المشرف على الهلاك في حق نفسه، فيدفع عن نفسه ذلك القبح المتوهم. فإن فرض في بهيمة أو في شخص لا رقّة فيه فهو بعيد تصوّره". وحتى لو تصور فطلب الثناء على إحسانه فهو الدافع؛ لأن المنقذ إذا كان وحده ولا أحد يعلم به فيتوقع أن يعلم فهذا يؤثر، لأنه رأى صورة الذي يقدم على إنقاذه غريق مقرونة بالثناء دوماً مقرون يها(16).
كما بحث الإمام الغزالي هذه النظرية مبكراً في كتابه "تهافت الفلاسفة" في سياق بحثه عن المعجزة، فقد ذكر أن الفلاسفة لم يثبتوا من المعجزات الخارقة للعادات إلاّ بثلاثة أمور:
1-    بالخيال: وفيه يكشف للإنسان عن عوالم أخرى، ويتأتى ذلك يقظة للأنبياء ونوماً لبقية الناس.
2-    بقوة الحدس: وهي سرعة الانتقال من معلوم لآخر، وقد اجتمعت في النبوة في كل الأوقات ولجميع المعقولات(17).
3-  بالقوة النفسية العملية، وهذا ما يهمنا بالنسبة لنظرية سبق الوهم إلى العكس، "ومثاله أن النفس منّا، متى توهمت شيئاً خدمتها الأعضاء والقوى التى فيها، فتحركت إلى الجهة المطلوبة؛ حتى إذا توهمت شيئاً طيب المذاق تحلبت أشداقه، وانتهضت القوة الملعبة، فياضة باللعاب من معادنه، وإذا تصوّرت الوقاع(الجماع) انتهضت القوة، فنشرت الآلة، بل إذا مشى على جذع ممدود على فضاء، طرفاه على حائطين، اشتد توهمه للسقوط فانفعل الجسم بتوهمه وسقط، ولو كان ذلك على الأرض لمشى عليه ولم يسقط؛ وذلك لأن الأجسام والقوى الجسمانية خلقت خادمة مسخرة للنفوس، ويختلف ذلك باختلاف صفاء النفوس وقوتها، فلا يبعد أن تبلغ قوة النفس إلى حدّ تخدمها القوة الطبيعية في غير بدنه، لأن نفسه ليست منطبعة في بدنه، إلاّ أن لها نوع نزوع وشوق إلى تدبيره، خلق ذلك في جبلته، فإذا جاز أن تطيعها أجسام بدنها لم يمتنع أن يطيعها غيرها"(18). ومن ثم فإن ما نلاحظه في الكون من تلازم الأسباب والمسببات ليس ضرورياً أبداً؛ لأن السبب إذا حلّ محله شيء مقترن به أدّى إلى النتيجة نفسها والمعجزة هي ظاهرة تفسّر بخروج المسببات عن أسبابها(19).
وللتذكيرفإن ابن رشد في "تهافت التهافت"، الذي استدرك فيه على الغزالي بعض الأمور،لم يعلق على ما قاله الغزالي مما نقلناه لبيان ريادة الإمام في هذه النظرية السلوكية؛ مما يعني الفيلسوفين متفقان.
من هذا المنطلق الفلسفي أبدع الغزالي نظريته،مما يوحي بأن العلوم في الإسلام لا تنفصل عن النظرة الشاملة للكون الإنسان والحياة، بخلاف البحث في المنظور الغربي الحديث، الذي أثر على منهجنا في البحث فتبعناه حذواً بحذو وذراعاً بذراع؛ فـ"بافلوف"، الذي تنسب إليه هذه النظرية خطأ، أجرى اختباره على كلب، وضعه في صندوق عازل للصوت بعد تعرّضه لعملية جراحية يتم بها تحويل فتوحات القنوات اللعابية إلى خارج الفم والجلد، لتسهيل ملاحظة إفراز اللعاب وقياس كميته. ويتناول الكلب أثناء وجوده داخل الصندوق مسحوق اللحم بعد قرع جرس معين، ففي كل مرة يقرع فيها الجرس، يقدم مسحوق اللحم للكلب مباشرة لدى سماعه لصوت الجرس، وبعد تكرار عدد من المحولات على هذا النحو، أي قرع الجرس فتقديم المسحوق، يتعلم الكلب إفراز اللعاب نتيجة لسماع صوت الجرس فقط"(20).
إن الإشراط الكلاسيكي هو في جوهره تشكيل ارتباط بين مثير شرطي ما واستجابة ما ناتج عن ارتباط بين مثير شرطي وغير شرطي، أي بين صوت الجرس ومسحوق اللحم، والجرس في حدّ ذاته لا يملك صفة الإثارة وحده، وإنما اكتسب ذلك بعد طول الاقتران مع مسحوق اللحم، لذلك فهو يفقد صفة إثارة اللعاب إذا تكرر قرع الجرس من دون تقديم مسحوق اللحم.
وتتدخل في هذه التجربة عدّة عوامل مؤثرة منها:
1 ـ كمية التدريب: والمقصود عدد مرات اقتران المثير الشرطي بغير الشرطي، بحيث إذا تكرر الاقتران يعطي الاستجابة المرغوب فيها، وتبلغ مداها بعد ثلاثين اقتراناً تقريباً خلال أسبوعين.
2 ـ الأفضل أن يكون الفاصل الزمني بين تقديم المثير الشرطي وغير الشرطي هو نصف ثانية وزيادة والنقصان يضعفان.
3 ـ أثبتت الدراسات وجود علاقة بين شدّة المثير غير الشرطي وقوة الإشراط(21).
إن هذه العوامل المساعدة على فهم شدة الإرتباط بين المثي الشرطي وغير الشرطي - تمكّن الدارس لسلوك المجتمع من قراءة الواقع الذي يتحرك فيه بعمق، فكيف إذا كان ذلك الدارس مصلحاً اجتماعياً له رسالة في الحياة؟ حاول السائرون على طريق "بافلوف" الارتقاء بالنظرية من المجال الحيواني إلى تعميم يطول الإنسان، فقالو بأن "مستوى أداء الأفراد الذين يتلقون تعليمات لفظية قبل عملية الإشراط بعدم طرف جفن العين بالصدمة الهوائية، كان أقل من مستوى أداء الأفراد الذين يتلقون مثل هذه التعليمات"(22). فاعتماد اللغة والتجريد نقل مستوى الإشراط من البسيط الذي يشترك فيها الحيوان والإنسان إلى الراقي الذي يحدث عند الإنسان وحده(23).
إن الموازنة بين هذه النظرية لدى كل من "بافلوف" والإمام الغزالي من حيث التسمية، تجعلنا نقول بأن في التسمية النظرية بالإشتراط عموم، وفي ذلك تركيز على العلاقة بين المثير والاستجابة، أما تسمية الغزالي لها بسبق الوهم إلى العكس فتنطلق من الماهية التي هي أدق في إعطاء التعريف من التركيز على العلاقات.
هذا فيما يخصّ التسمية، أمّا فيما يتعلق بالمضمون فهو متقارب إلى حدّ كبير بين الرجلين، والفوارق تكمن في أن الغزالي وصل على اكتشافها من باب الفلسفة، حين بحث في حقيقة الخير والشّر وظاهرة المعجزة، أما "بافلوف" فكان يدرس الجهازين الهضمي والعصبي من خلال تجارب على الكلاب! وهذا الأمر يثير قضية منهجية في علم النفس، تكمن في مصداقية الأبحاث التجريبية على الحيوان بهدف الوصول على معرفة النفس البشرية.
كما يعتبر الطبع والاعتبارية من عوامل هذا الاقتران، وبعبارة أخرى أن سبب الاقتران شخصي وليس موضوعياً، فيمكن تغيير المثيرات وتنويعها، ما يجعل حقيقة الخير والشّر اعتبارية وليست ذات قيمة ذاتية، الأمر الذي يفسر ظاهرة السلوك عند الإنسان، ومنها ظاهرة التعلم، التي ركز عليها أصحاب الإشراط.
يضاف إلي هذه المقارنة للنظرية عند الغزالي و"بافلوف" أمر يتعلق بالمثير الشرطي، فقد يكون واضحاً في بعض الأحيان وقد يكون غير واضح لدقته(24). ولذلك آثار على السلوك الإنساني كما سيأتي بيانه.
نشير ههنا إلى ملحوظة مهمّة تتعلق بتطوير هذه النظرية في بُعديها الإسلامي والغربي؛ فقد عني الدارسون بالحديث عن نظرية الإشراط لدى "بافلوف" تجريباً وتطبيقياً، فتعرضوا للعوامل المؤثرة فيها، كالفاصل الزمني بين تقديم المثير الشرطي وغير الشرطي، وشدّة المثير، ودرجة الاستجابة، وكمية التدريب؛ أمّا الدراسات التي اشتغلت انطلاقاً من نظرة الغزالي فلم يكتب لها الانتشار، وبقيت حبيسة الرفوف في المكتبات.
إن لنظرية الإشراط بمفهومها الغزالي لا البافلوفي تشكل أساساً ثقافياً مهمّاً للداعية والمصلح الاجتماعي في تحرّكه بدعوته وإسلامه؛ فالسلوك عند أغلب الناس يتغير بلا وعي غالباً مع مرور الزمن، وهذا التغير في الواقع الذي نعيشه لا يخرج عن وجود مؤثر أنتج استجابة سلوكية، وبعامل الوقت وتكرار المؤثر تجد الفرد من سلوكاته وبدّل، من دون الالتفات إلى فطرته وقناعاته السابقة، بل إن كثيراً ما يحدث من ذلك للفرد والمجتمع يكون بغير رضاً منهم وإرادة، ما جعل الكائدين ممن لا يبغون للأمة الخير، وعلى رأسهم علماء النفس والاجتماع العاملون لصالح المؤسسات الاستعمارية – يفيدون من نظرية الإشراط، التي أبدعها علماؤنا وطوّرها غيرنا ليوجهوا سلوكنا في غير ما نشتهي ونؤمن، وفي المقابل غفونا عنها نحن وولينا أدبارنا لها ويممّنا وجوهنا شطر العفوية واللاوعي فيما نعمل ونسلك، فكنا كما صيّرتنا الأقدار، عدلاً وإنصافاً، أمّة تابعة لا متبوعة، ومتأثرة لا مؤثرة.
لو أن المصلح الاجتماعي استصحب معه هذه النظرية كما سماها الإمام الغزالي "سبق الوهم إلى العكس" لاستطاع أن يتحرر هو بنفسه عمّا استقر في تربيته من أوهام قادته إلى بعض السلوكات الشاذَّة، كالنرجسية وحبّ الذات، وبطر الحق وغمط الناس، وغير ذلك مما ارتبط في الذهن بمرور الوقت حسنه بين الناس، أو قل عظمته والإشادة به، حتى غدا حامل الدعوة والتبليغ ضحية هذا التأثير من تحيث يدري ولا يدري. لك أن ترى ذلك في تعاطي المشايخ مع الناس، فهو تعاطي لا يخلو دائماً من الاستعلاء والمباهاة بالمال والسلطان، وهما مثيران يقدرهما كثير من البش وليسا في حقيقة الأمر بشيء.
لقد تكوّنت في المجتمع عادات وترسخت أعرافاً باتت تحكم خصائص المجتمع وتوجه سلوكه، فالبيت أصبح جزءاً من الشخصية في حسّ مجتمعات عربية كثيرة، وبات الطموح في بلوغ مراتب عالية بين الناس طريقة اكتناز المال وامتلاك القوة المادية، التي تتيح للفرد، كما وقر في خلد المجتمع، الوصول إلى تلبية الحاجات المادية، من سكنى فارهة، ومراكب متعدّدة مريحة، ووسائل اتصال حديثة، وقدرة على الاستشفاء في أغلى المشافي، والدراسة في أشهر الجامعات... وكل هذا وغيره كثير وهم سيطر على الأفراد فتنافسوا في لبلوغه رجاء الشعور بالذات، والتسلّط على الناس، والتكبر على عباد الله، بما يمتلك من قدره ومال، بل غدت تلك الوسائل المادية السبيل الأوحد في حسّ الناس لبلوغ أعلى المناصب والوظائف. وما يقال بخلاف ذلك دروشة وقلة وعي وافتقاد للشطارة، فما بقي للآداب والأخلاق ساح في الأفئدة والقلوب، بل إن الدنيا غابة يأكل القويّ فيها الضعيف، ومن أعيته الحيلة فمصيره الهلاك والمسكنة. تلك هي المعادلة الاجتماعية التي تحكم سلوك الناس، وذلك هو الوهم الذي يسبق الإنسان إلى العكس فيتصرف وفقه من دون تأمل وتدبر. ولو تدبر لعلم أن الله –سبحانه وتعالى– أراد ما هو خير له وأبقى، وأي خير أحسن حالا مما وصف الخالق وقدر، وهو وإن كان لايخرج في معظمه عن ارتباط واشراط،فنعم العلاقة هي!
إن الإسلام في أساسه ميثاق أخذه الله –تعالى– من بني آدم أول الخلق ﴿وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورهِمِِْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾،(25) ولطول الزمان نسي بنو آدم هذا الميثاق وران على فطرتهم ما اقترفوه من فساد وضلال، فابتعث الله –تعالى- لهم الأنبياء ليذكروهم،﴿وَذَكِّرْ فإنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾،(26) وما الذكرى؟ أليست كلمات تثير في النفس أموراً، فتدفعها إلى فعل شيء أو ترك آخر، وذلك هو عين الإشراط. إن الكلمة هي رأس مال الأنبياء والحكماء، وهي المثير التجريدي الذي يليق بالإنسان العاقل، والعقل هو مناط التكليف، والاستجابة بالعبودية والاستسلام لله –تعالى- هي السلوك أو النتاج التعلّمي المرجوّ.
لا يحسن بالمربي أو المصلح الاجتماعي أن يعمل في حقله بين الناس وهو بمنأى عن هذه الثقافة النفسية التي تبصّره بواقع الحال، ولو فعل ذلك فبدأ بجرد ما في نفسه وما في نفوس الآخرين من سلوكات مبناها أوهام لا تمت للدين والآداب والفضائل بصلة – لأدرك كيف يؤكل لحم الكتف، ولأبصر العلاقات الخفية التي تحكم أفعال الناس، فسعى بحكمة ووعي إلى تفكيكها ثم إعادة بنائها على أسس دينية متينة، فينبّه الناس قولاً وعملاً يؤثر في سلوكهم سلباً فيقضي عليه، وإلى ما يؤثر في نفوسهم إيجاباً فيحضّهم عليه. إنّه إن فعل ذلك فقه واجبه وأدّى ما عليه، وإلى ما يؤثر في نفوسهم إيجاباً فيحضّهم عليه. إنّه إن فعل ذلك فقه واجبه وأدّى ما عليه وزيادة، ﴿فَذَكِّرْ إنَّمَا أنْتَ مُذَكِّر، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بمُصَيْطِرٍ﴾،(27) ومن تولى وكفر فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه وإن شاء غفر.
*******************
الهوامش:
*) باحث وكاتب من الجزائر.
1) - هو أبو حامد محمد الغزالي، خرساني المولد والوفاة، فيلسوف ومتصوف وأصولي، له نحو مئتي مصنف، يقال له الغزالي (نسبة إلى غَزَالة من قرى طوس) أو الغزَّالي (نسبة إلى صناعة الغزال). من كتبه: إحياء علوم الدين، المستصفى، تهافت الفلاسفة... ولد في (450-505هـ/1058- 1111م). (يراجع: الزركلي: الأعلام (10 أجزاء)، ج 7ص 247 و248،ط 2، مطبعة كوستا توماس وشركاه، القاهرة 1376هـ/1956م).
2) - هو "إفان باتروفيتش بافلوف" (1849- 1963م)، روسي، نال سنة 1904 جائزة نوبل في الطب، اشتغل في عدة مخابر عالمية، وإليه تنسب نظرية الإشراط إلى اليوم.
(Jacques Bersami et d'autres: Encyclp dia Universalis, corpus 17, p 652- 654, Editeur Paris 1996.
3) - محمد سعيد رمضان البوطي، من الفكر والقلب: فصول في النقد في العلوم والاجتماع والآداب، ص24، دار الفارابي، دمشق 1414هـ/ 1994م.
4) - يكفي أن أشير هنا إلى أن الدكتور فايز الحاج تقدم بأطروحة دكتوراه في هذا الموضوع سنة 1971م، حملت عنوان "نظرية سبق الوهم إلى العكس عند الغزالي مع مقارنة علمية بآراء الفلاسفة المتقدمين والنظريات الإشراطية الاقترانية الحديثة"، ولقد بحثت عن هذه الأطروحة في المكتبات والأسواق فلم أر لها أثراً، ما يعني أنها لم تطبع كما أشار الدكتور البوطي مع الأسف الشديد. (يراجع: د. البوطي: من الفكر والقلب، ص28).
5) - فوزي أيوب: نظريات التعلم، محاضرات مصوّرة لدبلوم الدراسات العليا بكلية التربية بالجامعة اللبنانية (1998/1999م)، ص2.
6) - عبدالمجيد نشواتي علم النفس التربوي، ص317، ط6، دار الفرقان ومؤسسة الرسالة، عمان وبيروت 1413هـ/1993م.
7) - عبدالمجيد نشواتي: علم النفس التربوي، ص82 و93.
8) - المرجع السابق، ص329.
9) - المرجع نفسه.
10) البوطي: من الفكر والقلب، ص24 و25.
11) - البوطي: من الفكر والقلب، ص28.
12) - المرجع السابق، ص26.
13) - يراجع: نشواتي، علم النفس التربوي، ص336- فوزي أيوب: نظريات التعلم، ص2 و3.
14) - أبو حامد الغزالي (505هـ): المستشفى من علم الأصول (جزءان)، ج 1 ص56، دار صادر، بيروت.
15) - المصدر السابق، ج 1 ص59.
16) - المصدر نفسه، ج 1 ص60.
17) - ابو حامد الغزالي (505هـ): تهافت الفلاسفة، ص236 و237، تحقيق الدكتور سليمان دنيا، ط5، دار المعارف، القاهرة 1972م.
18) - المصدر السابق، ص237 و238.
19) - المصدر نفسه، ص235 و236.
20) - نشواتي: علم النفس التربوي، ص337
21) - المرجع السابق، ص340-342.
22) - المرجع نفسهن ص342
23) - فوزي أيوب: نظريات التعلم، ص3.
24) - يراجع: البوطي، من الفكر والقلب، ص28.
25) - سورة الأعراف، آية: 7-172.
26) - سورة الذريات، آية: 51-55.
27) - سورة الغاشية، آية: 88/21-22.

الوطن :: وما أدراك.. ما التعليم!!! - تعليق آخر على دراسة د.فوزي أيوب

وما أدراك.. ما التعليم!!!
وما أدراك.. ما التعليم!!!
فاطمة حسين
2012/04/19   11:37 م




التقيم الحالي 5/5
writer image



انطلاقا من موقعي كمواطن تابعت حلقات ملف (أزمة التعليم.. لماذا؟) عبر صحيفة «القبس» والذي أعده باقتدار عجيب الدكتور فوزي ايوب الاستاذ من الجامعة اللبنانية والمتخصص بالمناهج وقدمه فريق الصحيفة بصورة مهنية مميزة.
تابعت فقط لأنني انتمي الى جماعة تحترق يوميا وهي تسمع وتقرأ عن الآلاف من الابناء الخريجين يستجدون الوظيفة وآلاف اخرى تبحث عن موقع قدم في مكان ما وجامعة ما لإتمام دراستهم في وطن يكاد ينفجر من تكدس ارقام الوافدين من مشارق الارض ومغاربها للقيام بأدوار لا تصعب على الكويتي (ان حظي هذا الاخير بتعليم جيد).
يقول لي العالمون بالأمر بأن ميزانية التعليم ضعيفة وجلها يصرف على الرواتب والاجور، واقول – من موقعي اللا مسؤول: اذن لماذا لا نعرض (التعليم) على المقاول اسوة بأعمال اخرى اهديناها له وليس في ذلك ضير ان اعترفنا بأنه ليس بالإمكان افضل مما كان مع اليقين بأن ما هو كائن سيأخذ (الوطن) الى منحدر خطير يحتاج لصحوة وفطنة عاجلة وسريعة.
ان التعليم – كما يقول العالمون بمفاصله – هو صياغة بشر وليس مجرد مبان وصالات وملاعب، والصياغة هذه تحتاج لادارة عالمة، ومسار علمي وعملي يحمل كامل الجاهزية لتحويل تلك الاجساد صغيرها وكبيرها الى طاقة فكرية متنامية جاهزة للعطاء في حركة نمو جذورها ذاتية، نعم لكن فروعها واغصانها وثمارها اجتماعية تجه نحو الحداثة والنور حيث نهضة الوطن المستحقة.
بصراحة كنت اظن في متابعتي لتلك الدراسة المميزة بأنني – ربما – سوف احتفظ بمكاني ما بين الامل واليأس، لكن الارقام التي اثبتت بها (الدراسة) والمسوغات لذاك التخلف وموقعنا من العالم ونحن ندعي بأننا جزء لا يتجزأ منه والتفاوت بين الجهد المبذول – وليس المال – وبين جهود الغير ملحقا بالنتائج المؤلمة ألبستني لباس اليأس رغم رفضي الشديد لذلك..
لم يفاجأ كثيرون بالنتائج مثلي نظراً لقربهم من العملية ذاتها لكن المنحى الذي اتخذته الصحافة هذه المرة قد ينفع.. قد يحرك ساكنا رغم فشل الكثيرين من دارسي العملية من قبل بالتحديد أو مع شمولية الامر وسط قضايا اخرى سياسية وثقافية وقانونية مثل دراسة بلير وغيره…
اليوم اظن ان الجرس اصبح اعلى صوتا فهل تسمع الوزارة وهل تسمع الحكومة حتى تتحرك لانقاذ ما يمكن انقاذه؛ فالعالم لا ينتظرنا نحن الذين ننتظره.. الحفرة كبيرة جدا وردمها صعب ولكنه ضرورة حياتية فهل يوجد بيننا من يعي هذه المأساة؟؟؟؟
ولما كان الشيء بالشيء يذكر، فقد كان لي لقاء خاطف مع احدى القياديات في وزارة التربية التي اوضحت لي اموراً تعليقاً على كلامي قبل اسبوعين فيما يخص توقيت بعثات المتعاقدين والمنافسة واقتراحي بالتفكير بالتكويت…
لقد اسرت لي بشيء غاية في الخطورة وهو رفض بعض معلمات الاطفال التحرك نحو تعليم الفئات الاكبر سنا – رغم قدرتهن وتأهيلهن لذلك – بسبب ساعات الدوام فساعات رياض الاطفال اقصر من ساعات من يكبرونهم… تخيلوا معي هذا النوع من السلوك؟؟ وهذا النوع من الادارة المدرسية؟؟
فهل تتوقعون تعليما ينقلنا من الظلمات الى النور؟؟ ام اننا سنبقى ونبقى على طماط المرحوم حتى يكتب على جباهنا شعب تعلم ألا يتعلم وسعد به.
اتقوا الله في الوطن يا سادة يا كرام.
لستم دائمين ولكن الوطن دائم بكم وبغيركم من بعدكم.
ارفعوا أيديكم عن العملية التعليمية حتى تسير بسلام.
لقد أصبح لزاما علينا ان نستنجد بولي الأمر الشيخ صباح الأحمد الصباح ليأمر بإنقاذ ما يمكن انقاذه؛ لأن فساد الذمم قد استشرى، والربح العلمي السريع تفوق على الجهد الجهيد؛ والبلاد على منحدر خطر لا ينقذها سوى التعليم الجاد والحقيقي.

فاطمة حسين

السياسة::الترف في المجتمعات لي سلبا يا دراسة "القبس" تعليقا على دراسة د.فوزي أيوب "التربية الإسلامية في الكويت" التي أعدت نشرها

السياسة::الترف في المجتمعات لي سلبا يا دراسة "القبس"
شفافيات 03/05/2012
الترف في المجتمعات لي سلبا يا دراسة "القبس"
لست أدري لماذا يصر الدكتور فوزي أيوب أستاذ الجامعة اللبنانية وكاتب "القبس" وباحثها العلمي, في علوم المناهج لماذا يصر على الوقوع المستمر في التناقض والمدعم بالبراهين? وهو تناقض تشهد عليه وتخالفه أدلته نفسها التي أراد أن تشهد له وأرادها أن تكون معه فشهدت ضده, ففي الحلقة الرابعة من دراسته التربوية في "القبس" يظل يؤكد أن هناك إهمالا من المتعلم ومن الأهل للمتعلمين في طلب العلم, بينما يؤكد ومن غير حساب منه لنباهة قارئ من الناس, أن كل تلميذين في المدارس الحكومية يقابلهما تلميذ كويتي في التعليم الخاص; ومعلوم أن اتجاه الأسر إلى التعليم الخاص إنما يأتي للبحث عن تعليم أفضل , وقد قلب الدليل الدكتور, فبدلا من أن يقول أن هناك تسربا من التعليم للعمل المبكر مثلا, للمتعلمين أكدت أدلته أن هناك حرصا شديدا من الأهل لتعليم أبنائهم يدفعهم إلى دفع مبالغ طائلة من الأموال في سبيل تحسين مستوى أبنائهم  وذلك بنقلهم من المدرسة الحكومية إلى الأهلية الخاصة لظنهم أنها هي الأفضل .
 لست أدري كيف يغفل أستاذ قدير مثل أخي أيوب أن أدلته تلعب في ملعب الخصم ضده وليس في ملعبه, فهل اعتمد على نظرية موشيه دايان الذي قال:" إن العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون" لعله كان  قد تأكد أنهم لا يفهمون عندما يقرأون بحث الدكتور فوزي!
 حاشاه ذلك فهو أستاذ قدير وجاد ونواياه طيبة لكن القلم يخون صاحبه أحيانا, ويعانده كما يعاند الحصان الأصيل فارسه وصاحبه فيتعثر به ويكبو به , وسلامات أخي الدكتور فوزي من الكبوات, وبودي أن أؤكد مثل ما أكد أخي أيوب بالخطأ أؤكد بالصواب أن الترف ليس سبب العزوف عن القيم ولا المبادئ ولا الأفكار ولا الحرية , وإذا أردت أمثلة من التاريخ فهاك مثال للمرفهين  هو مصعب بن عمير الصحابي الجليل, الصحابي الغني الذي إذا سار قبل إسلامه في شوارع مكة عرف الناس مروره بسبب نوع الطيب الذي يتعطر به; وكان يرتدي كل يوم جلبابا يمانيا  جديداغالي الثمن; وقد نازعته أمه على الإسلام حين أسلم فقال لها ما معناه: والله يا أماه لو كانت لك مئة نفس خرجت الواحدة تلو الأخرى على أن أترك دين محمد ما تركته! وقد قتل في معركة "أحد" فلم يجدوا ما يغطونه به; فالترف في هذا المثل لم يكن له أثر سلبي على معتقدات وقيم مصعب بن عمير.
 ومثل حديث آخر: "فأسامة بن لادن" كان من الشباب المترفين,  لكنه اختار القتال في تورا  بورا بين الصخور الوعرة واختار أن يمتطي دابة وحمارا على أن يستقل "جاكوار أو "مازوراتي أو بنتلي" وهو يملك أن يشتري مثل هذه السيارات ويغيرها كل سنة; لكن الترف لم يكن له أثر على سلوكه مع اعتقادي الجازم بأنه كان يفعل الخطأ في ما فعل  وارتكب من حماقات ومن قتل للأبرياء ومن الإساءة للمسلمين قبل غيرهم, فما فعله ابن لادن جرائم, فانا  ضد ما فعل لكنني ضربته مثلا في مسألة الترف فقط, وإليك مثال ثالثا:وهو أن المجتمع الأميركي مجتمع مترف لم يمنع الترف أهله من المغامرة من أجل الحصول على العلم والحصول على الحقيقة لقد وصلوا إلى القمر, وقد مات بعضهم نتيجة مغامراته في البحث عن الحقيقة, وكان بالإمكان العيش بترف ودعة وغناء ورقص; والجندي الأميركي هو خير المقاتلين اليوم برا وبحرا وجوا  وهو مدرب الجيوش العالمية ,والجندي الأميركي هو شرطي العالم اليوم , وحارس الحرية والديمقراطية رغم ترفه, وهذا يكلفه راحته ويكلفه حياته, فمن أي البلاد الجنود في أفغانستان وفي العراق وفي الصومال وفي كل مكان وبمن  يستنجد الناس في الشدة بعد الله?  أو ليسوا من المجتمع الأميركي المترف. أكتفي بهذا الآن وأترك تساؤلا أجيب عليه في الغد كاملا إن شاء الله? لماذا يحدد الزميل فوزي أيوب أن التعليم في الكويت يعاني من أزمة ومنذ عشرين سنة? من يشفع له ومن يؤيده في هذا التحديد?  مع ملاحظة مهمة وهي جزء من الإجابة وهي أن التعليم عندنا ولد أعرجا منذ اللحظة التي خرج فيها من رحم  البعثة المصرية الأولى التي بنت التعليم. وللحديث بقية إلى اللقاء.
كاتب كويتي
from:shfafya50@hotmail.com

تاكسي حلال في ألمانيا ''يحُدّ من الإهانة والخيانة الزوجية'' - QANTARA.DE







21.05.2013 

موقع ''التاكسي الإسلامي المشترك '' الإلكتروني 

تاكسي حلال في ألمانيا ''يحُدّ من الإهانة والخيانة الزوجية''

خدمة سيارات الأجرة التشاركية يستخدمها عادةً رُكّاب لا يعرف بعضهم بعضا بالضرورة، وخاصة للمسافات الطويلة وهي تكون أرخص عادةً من وسائل المواصلات الأخرى، ولذا قام سليم رائد في ألمانيا بتأسيس موقع إسلامي لسيارات التاكسي المشتركة وهو muslimtaxi.de حتى لا تضطر والدته المُحَجَّبة لسماع إهانات من أشخاص لا تعرفهم وأيضاً بهدف التقليل من الخيانات الزوجية كما يؤكد سليم في هذا الحوار الذي أجرته معه الصحافية تشيدام أكيول.
لقد قمتَ في ديسمبر الماضي بتأسيس الموقع الإسلامي لخدمة سيارات الأجرة المشتركة. كيف خطرت في بالك فكرة "التاكسي الإسلامي"؟

سليم رائد: لقد اشتكى كثير من الأخوات والإخوة المسلمين من عدم قدرتهم على السفر وحدهم عبر المواقع خدمة السيارات المشتركة التقليدية في ألمانيا، ذلك أن مبدأ الفصل بين الجنسين الذي يفرضه الإسلام غير متوفر فيها. وبعد تراكم هذه الشكاوى، خطرت في بالي فكرة إنشاء "تاكسي إسلامي".

هل هو إذاً حب الخير وحده الذي دفعك لإنشاء الموقع؟

سليم رائد: هناك أيضاً تجربة شخصية مررت بها حفزتني على القيام بذلك أيضاً. فقد قمت مرة بتنظيم رحلة لوالديّ من هامبورغ إلى برلين عبر أحد هذه المواقع. من يستمع إلى طريقة حديثي، لن يتوقع أنني من أصول مهاجرة.
وعندما جلبت والديّ إلى نقطة اللقاء، واجهتنا نظرات باردة وخالية من المشاعر من قبل السائق وبقية الركاب. من هذه النظرات أدركت أنهم لا يحبون الأجانب. وأثناء الرحلة، كانوا يسخرون من الأجانب بشكل عام ومن الحجاب الذي كانت ترتديه والدتي بشكل خاص.
وبما أن والديّ لم يستطيعا مغادرة السيارة في منتصف الطريق السريع، اضطروا لتحمّل كل ذلك. لقد كان الركاب يظنون أن والديّ لا يتقنان اللغة الألمانية، إلا أنهم مخطؤون في ذلك.

أنت تتحدث عن التفرقة وتنتقد جهل غالبية المجتمع الألماني. ألا تعتقد، إذاً، أن الموقع الذي أنشأته للمسلمين يساهم في الفصل الذي ينبع منه هذا الجهل؟

سليم رائد: نحن لا نقوم بأي شيء يختلف عما تقوم به المجتمعات المسيحية المتدينة، التي تقدم الدعم بعضها لبعض. وعلاوة على ذلك، فإن بإمكان غير المسلمين أيضاً استخدام الموقع. من يبحث حقاً عن الحوار، سيجده في "التاكسي الإسلامي".

ما الذي تقدمه بالضبط لزبائنك وتفتقده بقية مواقع السيارات المشتركة؟

سليم رائد: إن حقيقة سعي المسلمين، ذكوراً وإناثاً، إلى الفصل بين الجنسين يمنعهم من استخدام خدمات المشاركة في السيارات، التي لا يمكن فيها للزبون تحديد هوية السائق وهوية بقية الركاب بالضبط. وبالتالي، كان من الصعب جداً على المسلمات الاستفادة من هذه الخدمة دون مَحْرَم.
لكن مع "التاكسي الإسلامي"، فإن هذه المشكلة غير موجودة بحمد الله. فمن ناحية مقدمي عروض السفر، يمكن للمهتمين معرفة ما إذا كان مقدم العرض رجلاً أو امرأة.
وبهذا نحن نحمي الزيجات، إذ سمعت كثيراً عن خيانات زوجية وقعت أثناء السفر، ونتج عنها تفكك العديد من الأسر.

هل ترى أن واجبك هو حماية الزيجات؟

سليم رائد: أنا أعرض إمكانية بسيطة أَحُدُّ عبرها من الخيانة الزوجية أثناء السفر. كما أن اهتمامي مرتبط بالإسلام، فالمسلمون يهتم بعضهم ببعض. نحن إخوة في الدين ويدعم بعضنا بعضاً.
تاكسي للنساء في طهران.    Arian Fariborz
رد فعل على ازدياد حالات التحرش بالنساء في المواصلات العامة: في شركة تاكسي النساء بمدينة طهران الإيرانية، والتي تم تأسيسها قبل عشر سنوات، تتولى السيدات قيادة سيارات الأجرة.

اهتمام؟ أليس الأمر في النهاية لمجرد كسب المال؟

سليم رائد: "التاكسي الإسلامي" بحمد الله هو أول موقع إسلامي لسيارات الأجرة المشتركة في ألمانيا وكل أنحاء أوروبا.
المبدأ الذي يقوم عليه موقعي شبيه بمبدأ أول معرض للأثاث، فالبعض يتخصصون في المطابخ والبعض الآخر في غرف النوم. أنا أيضاً أقدم خدمة لزاوية غير مطروقة في السوق، وربما أكسب بعض المال لقاء ذلك.
إن مشجعي نادي هامبورغ لكرة القدم، مثلاً، لا يرغبون في السفر بنفس السيارة مع مشجعي بايرن ميونخ. هذا ليس مجتمعاً موازياً، بل ببساطة مصالح مختلفة يتلاقى بعضها مع بعض وأنا أقوم بخدمتها.

هل لديك اهتمامات أخرى بجانب الفصل بين الجنسين وحماية الزيجات؟

سليم رائد: إن أفضل ما يميز سفر المسلمين بعضهم مع بعض هو الدعوة. فما هو أول موضوع يتحدث فيه شخصان أو أكثر التقوا لتوهم ولا يجمع بينهم سوى الدين؟ الإسلام طبعاً.
كما يمكن لغير المسلمين أيضاً التقرب من الإسلام وفهمه من خلال تلك الأحاديث. أريد أن أساهم في تقارب المسلمين وتعاضدهم ومشاركتهم في نقاط القوة لهذا الدين، بشكل يجعل غير المسلمين يتحمسون لديننا وربما يعتنقونه.

إذاً غير المسلمين أيضاً يمكن دعوتهم إلى الإسلام أثناء السفر؟

سليم رائد: الأمر يتعلق بالدعوة إلى الإسلام، وهذه من واجبات كل مسلم. أنا مقتنع بأن الإسلام يربط بين كل الأديان وأنّ هناك رباً واحداً فقط.

يبدو وكأن فكرتك لا تناسب الوقت المعاصر، فما هي نظرتك للفصل بين الرجل والمرأة في مجتمعنا الحالي؟

سليم رائد: عدد من يعتنقون الإسلام في ازدياد، وغالبيتهم من النساء، اللواتي يرتدين الحجاب طوعاً ولا يتعرضن لأي اضطهاد.
إن الفصل بين الجنسين هو جزء من عقيدتنا والإسلام هو جزء من ألمانيا. لذلك يمكنك توفير هذا السؤال.

لكن الإسلام يمرّ بتغيرات، وفي بعض الدول العربية تكافح النساء ضد الفصل الكامل بين المرأة والرجل...

سليم رائد: الإسلام لن يتغير والمبادئ ستظل كما هي والنساء سيحتفظن بالحجاب حتى بعد ألف عام. نحن مقتنعون بأن الإسلام هو الدين الحق وأن الكمال لله.
لذلك، فإن الدين الذي أرسله الله هدية لنا كامل أيضاً، وبالتالي فإنه سيظل باقياً طوال الدهر.

كيف ترى الإقبال على موقعك؟

سليم رائد: في الأيام الأولى من انطلاق الموقع سجلنا ألفي تصفح للموقع. كما أن الإخوة والأخوات متحمسون لهذه الفكرة.
ويقوم الكثيرون بتوجيه الشكر شخصياً عبر الاتصالات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني.

هل تم انتقادك بسبب فكرة "التاكسي الإسلامي"؟

سليم رائد: بالطبع. لكنني كنت مستعداً منذ البداية لهذه الانتقادات. الانتقاد لا يعني بالضرورة أنك ترتكب خطأ ما.
هل تعتقدين أن ألبرت آينشتاين لم يتعرض للانتقاد قط؟ طالما بقيت الانتقادات لفظية، فإن كل شخص حرّ فيما يفكر.


حاورته: تشيدام أكيول
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: تاغيستسايتونغ/ قنطرة 2013

مواضيع ذات صلة


شارك

Share |