الجمعة، 23 أكتوبر 2015

الدبابةُ الأمريكيةُ والعباءة الصوفية

الدبابةُ الأمريكيةُ والعباءة الصوفية



علي بن جابر بن سالم الفيفي

alfaifi_ali@


 

بسم الله الرحمن الرحيم


هو وليي وبه أستعين

الدبابةُ الأمريكيةُ والعباءة الصوفية


 يقفُ النظام العالمي الجديد حامياً وداعماً للإتجاه الصوفي ، رئيسُ أقوى
دولة في العالم يستشهد بكلام الشيخ عبد الله بن بيه قبل أيام  ، وقبله هشام
قباني الصوفي النقشبندي والذي يحتل مكانة رفيعة لدى رؤوس النظام العالمي ،
وتلاحقه المدائح من السياسيين الغربيين حيثما حل بصفته يقدم إسلاماً لا
يعرف إلا لغة الخنوع والركوع[i] ويتضح ذلك جلياً في نشاطاته ومقابلاته
وتصريحاته.

الباحثون الغربيون يُقدمون الإسلام الصوفي بصفته الإسلام الحقيقي وما سواه
فهو طارئ ، بينما كانوا - في العقود والقرون الماضية  - يُقدمون الإسلام
الصوفي بصفته طارئ ولا يقدم الرؤية الإسلامية الكاملة [ii]

 الإمارات العربية المتحدة – وهي السفير المُطيع للنظام العالمي الجديد في
الشرق الأوسط - تنشر التصوف وتستضيف زعماءه كعلي الجفري وابن بيه وحسن
الشافعي وغيرهم وتُنشئ "مجلس حُكماء المسلمين"  في توقيت له دلائله[iii]

 روسيا تدعم رمضان قادروف الرئيس الشيشاني الحالي ، وقادروف نفسه لديه
علاقة عميقة بحكام الإمارات ، وهو الذي شارك بكل قوته في كسر الجهاد
الشيشاني / الداغستاني.

 بجولة سريعة في الإعلام المصري - بعد حضور السيسي للحكم - سنلحظ طرحاً
صوفياً طاغياً في جل القنوات الإسلامية.

في أمريكا يظهر اسم الداعية حمزة يوسف طاغياً على الأسماء الأخرى التي بدأت
تتوارى أو يخبوا بريقها ، و حمزة يوسف هو أحد طلاب ابن بيه المقربين جداً
بل كما قال لي أحدهم " حمزة يوسف شرب ابن بيه شُرباً! "  شيخ الأزهر صوفي ،
مُفتي بشار صوفي ، علي جمعة صوفي.

 ليس كل المذكورين هنا يسيرون في طريق واحدة ولكن يجمع بينهم التصوف ، وليس
معنى هذا أن السلفية وغيرها خالية من سقط المتاع.



سؤال :


الدعم العالمي للإسلام الصوفي لم يعد خافياً ،  ولكن لماذا ؟ لماذا يُشجع
العالم الغربي العلماني المد الصوفي ؟ مالذي يُميز الفكر الصوفي عن غيره
حتى يتفق أعداء الإسلام على دعمه بهذا الشكل ؟



خطوة إلى الوراء قبل الإجابة


لم تكن فكرة استعانة العدو ببعض المسلمين في تحقيق أهدافه فكرة وليدة اليوم
ولا هي وليدة الأمس القريب ، وقد أثبتت هذه الفكرة قوتها ونجاعتها نظراً
للثمار التي يجنيها العدو عند تطبيقها ، فهو من وجه يحقق ما يريده بأقل
الخسائر ، ومن وجه آخر يحصل على التغيير الذي يطمح إليه بشكل هادئ وبطيء
ولكنه عميق ، كالماء المُنساب بهدوء فيسيح في الصخرة القوية ببطئ  ثم لا
تلبث أن تتفتت ..

وبما أن الإستعمار البريطاني لمصر استخدم هذه الفكرة خلافاً للمستعمر
الفرنسي قبله فقد كانت النتائج التي حققها المستعمر البريطاني أكثر بكثير
مما حققه المستعمر الفرنسي خاصة على مستوى الأفكار وتغيير العقل العربي
المسلم ، وقديماً قال أحدهم ، لا يُنحر الإسلام إلا بسيف الإسلام[iv]



الإسلام السني في عين العاصفة


لم يعد هُناك أدنى شك لكل مُنصف أن العداء الغربي للإسلام إنما هو عداء
للإسلام السني الذي هو حقيقة الإسلام ، وأن سؤال الإسلام واعتبار الإسلام
أخطر الأعداء = هو ما تسير عليه الانظمة الغربية ، وأن المد الصفوي الرافضي
الذي أخذ يتوسع بشكل غريب من حيث المساحة ، وأخذ يزداد قوة من حيث العتاد
العسكري والحضور على المستوى الفكري ، وفي أروقة مؤسسات الأبحاث العالمية ،
إنما هو ثمرة اليد الممدودة من الغربي نفسه ومن الصهيوني بشكل خاص ، وهذه
اليد الممدودة تظهر تارة (1) بغض الطرف عن المشاريع الصفوية وترك الصفوي
يفعل ما يريد ، وتظهر أخرى (2) بإيقاف أي مد إسلامي يهدف لمواجهة هذا
التمدد الفارسي الصفوي ، وهذا يعني أن هذا العدو الصفوي الذي يلبس لباس
الإسلام ليس من الإسلام في شيء وليس بينه وبين الغربي ومحركه الصهيوني أي
عداء مطلقاً وما نراه من تصريحات إعلامية هي أشبه بنكته سمجة استثقلتها
الآذان لطول تردادها.

إن أهم مهمات الغربي أن لا تعود للإسلام قائمة ، الإسلام بمعناه الشمولي
الذي هو حقيقة الإسلام ، الإسلام الذي يسكن النفوس ويحيى خارجها ويرى حياً
بشريعة تُطبقه على الأرض وتنشر مبادئه وأخلاقه وتشريعاته التي بزت كل
التشريعات وعلت على كل المبادئ.



الغربي أمام الصحوة الإسلامية


في ظل الصحوة الإسلامية التي عمت العالم الإسلامي خلال العقود الماضية ،
وجد الغربي نفسه أمام عدة عدة أفكار تُسيرُ عقل الجمهور المسلم ، أبرزها :
الفكر السلفي ، الفكر الإخواني ، والفكر التنويري الإصلاحي.

العدو الحقيقي للغربي هو الفكر السلفي ، حتى وإن كان بعض أتباعه يكتفون فقط
بالتعليم بعيداً عن التغيير على الأرض ، وسبب هذا العداء هو أنه ينشر تلك
المبادئ والقيم والعقائد نفسها التي نشرها محمد صلى الله عليه وسلم فأحيا
بها العظام من الرميم ، وبهذه التعاليم تحول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
من مجرد أشخاص بلا قيمة إلى أشخاص سادوا الأرض وانقادت لهم الامم ، إن
الإتجاه السلفي باختصار هو الوحيد الذي يُقدم الغذاء المحمدي كما هو حتى
وإن قدمه بعض أتباعه بشكل بارد فهو لا يلبث أن ينبعث من نفسه ويحرك الجمود
- ولسنا هنا في موطن تحرير المراد بالإتجاه السلفي ، مع ضرورته نظراً لتعدد
أدعيائه - وكل حركات الانبعاث الإسلامي في الأزمنة المتأخرة حتى تلك
المنحرفة منها – سواء كان هذا الإنحراف غالياً او جافياً - استندت بطريقة
أو بأخرى على البعث الإسلامي الذي قاده محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ،
والذي كان يعتمد فيما يقدمه على إعادة ما اندرس من الشرعة المحمدية بلا
زيادة  ، والتي بنشرها للتوحيد حررت العقل الإنساني من التعلق بمن لا يستحق
ومتى تحرر العقل فإن صاحبه على موعد مع الإبداع والقوة والعزة " كتاب
أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز
الحميد ، الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض"

 

الإتجاه السلفي مداً وجزراً


شهد المد السلفي - قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر- توسعاً جارفاً ، وحقق
قفزات كبيرة ،  وكان علماؤه الأكثر تأثيراً على الشعوب ولهم كلمتهم
المسموعة ، وتجلى ذلك بشكل كبير في مرحلة الشيخ ابن باز رحمه الله.

كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر نقطة مفصلية وحدث تاريخي أسهم بشكل كبير
في إيقاف المد الإسلامي والأنشطة الإسلامية عموماً و المد السلفي على وجه
الخصوص ، ومع رفع شعار محاربة الإرهاب – الذي هو الحرب على الإسلام - بدأ
انحسار المد السلفي بشكل كبير ، وفي ذات الوقت انتقلت الزعامة إلى تيارين "
تيار الإخوان المسلمين " و " تيار الإصلاح والتنوير" ومع اختلاف التيارين
فيما بينهما إلا أنهما يتفقان بشكل خاص فيما يتعلق بالانفتاح على الآخر
والتعامل مع المُخالف و الموقف من قضية أولوية تحكيم الشريعة ، مما جعل
هذين التيارين يقفان على الضد من الطرح السلفي.



بين أحداث ايلول والثورات العربية


منذ أحداث الحادي عشر من ايلول / سبتمبر إلى سنين الثورات العربية ، كان
تأثير المد الإخواني/ التنويري على الجماهير ظاهرة يلاحظها الجميع ، وكان
الغربي نفسه يُقدم الفكر الإخواني والأطروحات الإخوانية كأطروحات إسلامية
معتدلة ، بينما يقدم الفكر السلفي - بشكل عام - كفكر أصولي متشدد وجامد لا
يعترف إلا بالحرب والعداء ، وفي الوقت ذاته كان هناك دعم كبير للإتجاه
الليبروإسلامي " شبكة الإسلام الليبرالي في اندونيسيا أنموذجاً تأسست في
عام 2001 وهو نفس العام الذي رُفع فيه شعار محاربة الإرهاب"[v]

وكانت الأبواب الإعلامية والرسمية  تُفتح للإخوان وفكرهم – ويدخل في هذا كل
من يسير في الخط الإخواني حتى لولم يكن معهم تنظيمياً – وربما شارك بعض
منظري الإخوان في وصف التيار السلفي بذات الأوصاف التي يصفه بها الغربي –
وهذا ليس عمالة ولكنهم مخدوعون ، كما أنه ليس من باب حب الغربي للإخوان
ولكن لإستعمالهم في إيقاف المد السلفي ومكتسباته.

 كان موضوع الصفوي الفارسي هو أحد أكبر مناطق الصراع بين التيار السلفي
وبين التيار الإخواني ومن يسير في خطه ، فالإخوان يقدمون الصفوي الفارسي
على أنه من الإسلام ويعمل للإسلام ويرفضون الطرح السلفي الذي يفضح الفكر
الصفوي ويكشف غاياته ، واتضح ذلك بشكل جلي في التعامل مع الخميني ومن بعده
، ومع ابن الخميني في لبنان – حسن زميرة – الذي كان يوصف في أدبيات الإخوان
بالرجل الشهم المقاوم بينما كان الفكر السلفي يحذر منه ويؤكد أن الشيطان
سيبقى شيطاناً وإن صلى الليالي الطوال ، ولن يُغير رعي الذئب مع الخراف
شيئاً من الحقيقة[vi]

اتسع جداً تأثير التيار الإخواني والتيار التنويري الإصلاحي على الجماهير ،
فهم يلغون الخلافات بين السنة والشيعة بصفتها – كما يزعمون خلافات تاريخية
عفا عليها الزمن – وهم يمدون أيديهم ويفتحون أبوابهم للتيارات الغير
إسلامية ، كما أنهم يصطفون إلى جانب تلك التيارات في نقد الأصولية
والجمودية لدى الإسلاميين ، وهم أيضاً يحاربون الفساد والإستبداد الواقع في
البلاد الإسلامية.



ثم جاءت الثورات


جاءت  الثورات وكانت الجماهير في الجملة متلهفة للحكم الإسلامي سواء في
صورته الكاملة أو المشوهة أو الأمريكية ، المهم أن الضمير الجمعي للجماهير
كان متلهفاً لحكم إسلامي بغض النظر عن صحة تطبيقه للإسلام!

قبل هذا الوقت كانت الدراسات الغربية تُصنف المسلم إلى معتدل ومتشدد ،
المسلم المعتدل هو الذي لا يدعم تحكيم الشريعة ، والمتشدد هو من يسعى
لتحكيم الشريعة[vii] وعلى هذا فإن الإخواني والسلفي وكل من يرى تحكيم
الشريعة بأي طريقة كانت فهو = المسلم المتشدد ، و عليه فإن الجميع أعداء في
عين النظام العالمي ، ودعم النظام العالمي للفكرة الفلانية ليس حباً فيها
وإنما لتدمير فكرة أخرى وهكذا على طريقة الأسد مع الثيران الثلاثة.

وبما أن الجماهير – كم ذكرنا - في غالبها متلهفة لحكم إسلامي وورقة
الإسلاميين بكل توجهاتهم حاضرة بشكل جارف في مقابل ضعف الورقة الليبرالية ،
فقد كانت الخطوة الأولى الأهم في نظر أعداء الشريعة = تشويه صورة الحكم
الإسلامي في أعين الجماهير ، وإقناع الشعوب بأن الإسلاميين لا يصلحون أبداً
للحكم ، وأن كل ما يذكره الإسلاميون في أطروحاتهم من جمال الحكم الإسلامي
فإنما هو محض خيال لا يلبث أن يتلاشى عندما يصل أولئك الإسلاميون إلى
الحكم.

وصل الإخوان في مصر إلى الحكم بتأييد جماهيري ، واستطاعوا بسبب سابقتهم
المُشرفة مع الشعب أن يتجاوزوا جميع المنافسين ، وبمجرد وصول الإخوان إلى
الحكم بدأ العمل بشكل جاد على إفشال التجربة الإخوانية التي كانت تعُد –
بالإسلام الوسطي – وفي خلال أشهر كان الهمس يتردد بين أوساط الشعب المصري
بشكل خاص والشعب المسلم بشكل عام أن الإخوان صادقون ومخلصون ولكنهم دراويش
لا يصلحون  للحكم ، صاحب ذلك آلة إعلامية ضخمة تسعى في تشويه الحكم
الإخواني الذي لم يمض عليه بضعة أشهر وهو الذي جاء إلى الكُرسي بعد عقود من
الظلم والفساد والإستبداد ، واستخدم هنا الصوت السلفي ليُضفي صبغة شرعية
على مواجهة الإخوان ،

ومن المُضحكات المُبكيات هنا ؛ استعمال الصوت السلفي باستخدام ورقة العلاقة
بين الإخوان وإيران أو بين الإخوان والشيعة كدليل على فساد الفكر الإخواني
، وهذه الورقة نفسها  كانت تُستخدم قبل سنوات لتمجيد الإخوان وتلميعهم في
انفتاحهم على الآخر وهي ذاتها التي كانت تُرفع كدليل على الأصولية والجمود
السلفي!

سقط الإخوان في مصر وتشوه بسقوطهم الحكم الإسلامي المعتدل أو التلفيقي الذي
طالما روجوا له ، وأما إخوان تونس فقد تنازلوا بكل شيء وتخلوا عن فكرتهم
وعادوا إخوانهم وساروا في كل طريق لإرضاء أعداء الشريعة فما ظفروا بشيء.

أما فكرة تحكيم الشريعة فقد تكفلت داعش بتشويهها ، وحصلت على كامل الدعم
العالمي ، وكأن العالم يقول للناس "هكذا ستكون حياتكم عندما تحكم الشريعة"


يواجه أردوغان اليوم حملة منظمة لإسقاطه وإسقاط حزبه هذا مع أن أردوغان لم
يُلوح يوماً بتحكيم الشريعة ، كل ما فعله أردوغان أنه رفض الدخول في هذه
اللعبة واختار الدفاع عن مُرسي ، وصناعة امبراطورية لا تخضع لأوامر الغربي
وهي في ذات الوقت تحترم الموروث العثماني ، كما أنه جعل من دولته بيتاً آخر
يرتحلُ إليه المظلومون من المسلمين.[viii]

إذن فقد تراجع الشغف الشعبي لتحكيم الشريعة ، أو وصول الإسلاميين إلى مناطق
إدارة الدولة ، وأصبح الجو متاحاً لنشر فكرة أخرى ، فما هي ؟

 



لماذا يُشجع النظام العالمي العلماني المد الصوفي ؟ مالذي يُميز الفكر
الصوفي عن غيره حتى يتفق أعداء الإسلام على دعمه بهذا الشكل ؟


الفكر الصوفي هو أكثر الأفكار المنتسبة للإسلام تكيفاً مع الفكر الغربي ،
الفكر الغربي يفصل بين الدين وبين الدولة ، والفكر الصوفي لا يهتم مطلقاً
بشكل الحاكم ونوع الحكم ، وإنما يركز – فقط – على روحانية الفرد ، وحتى
فيما يتعلق بالإيمان الفردي فهو مرن جداً فهو لا يهتم بمظهر الفرد ولا
بالعبادات العملية ولا بالشكل الخارجي للمجتمع المُسلم ، وإنما يهتم
بالتأمل والخيال وهذا اللون من العبادات الذي تجعل صاحبها يتقوقع على نفسه
ويعيش في عالم من الوهم ولا يلقي بالاً لتحكيم شريعة الله على الأرض وأن
تكون كلمة الله هي العليا.

ولكن ، لماذا لم يكن هذا الدعم للتيار التنويري الإصلاحي وهو الذي أيضا –
في بعض صوره – لا يعتبر تحكيم الشريعة أولوية بل هو - في بعض صوره - لا
يُسلم بأن الشريعة تدعوا إلى تحكيم الشريعة ؟ لماذا لا يُدعم هو بدلاً من
الفكر الصوفي ؟

لأن الفكر التنويري الإصلاحي فكرٌ – في كثير من صوره – لا يرضى بالهيمنة
الغربية حتى وإن لم يجعل تحكيم الشريعة من أولوياته ، وأما الفكر الصوفي
فهو أشبه بطقوس اليوقا التي يُمارسها صاحبها بنوع من التأمل والهدوء بعيداً
عن الضوضاء وحياة الناس ومن يحكمهم!

أضف لذلك أن الإنسان الغربي يعاني فراغاً روحياً نتيجة الحياة المادية التي
تستجيب لحاجة الجسد وتُلغي حاجة الروح ، فهو يبحث عن إشباع حاجته الروحية ،
وكنتيجة لهذا فإن  اعتناق الإسلام في العالم الغربي أصبح ظاهرة ، وأصبح
الدين الإسلامي هو أكثر الأديان نمواً ، وبما أن الفكر الإصلاحي التنويري
لا يتناول هذا الحقل فإن دعم الإسلام الصوفي هو الحل الأفضل كونه يوفر
آماناً روحياً من وجه وهو لا يسير في المناطق المحظورة من وجه آخر.

الصوفية طريقة تركن إلى الخمول ولا تهتم بالسياسة ، وهي تملأ وقتها بالرقص
وهز الروؤس وترديد الأذكار الطوال فحسب ، وأما مواجهة المستعمر ومدافعة
الغازي وجهاد المحتل فإن الصوفية لا تراه بل هي تعتبره نوع من الرضا
بالقضاء والقدر ، بل الصوفية في بعض المواطن والأزمان كانت داعماً للمحتل
بالانضواء تحت حكمه والرضا بهيمنته ، ولم يحدث أن حصل العكس إلا في حالات
نادرة تُعد استثنائية كالنورسي مُقاوماً ومُصطفى صبري مُفكراً وعالماً.



خلطة الصوفية والمقاصد


إذا كان هذا هو حال الصوفية فماذا سيكون الحال إذا كان الفكر الصوفي الحالي
– متمثلاً في ابن بيه ومن معه - يتكئ على نظرية المقاصد الشاطبية والمصلحة
القرافية ، لتُسهل عليه مهمة تفصيل الإسلام تفصيلاً أمريكياً غربياً تحت
غطاء أن الشريعة قصدت إلى سعادة الإنسان فكلما انضوى تحت هذه الدعوى
فالشريعة تقصدُ إليه ولتذهب نصوص الوحيين وعمل الصحابة وإجماعاتهم وما جرى
عليه العمل عند المسلمين أدراج الرياح!

تتضح هذه الخلطة بقوة لدى التيار الإسلامي الصوفي في أمريكا ، وهذه الطريقة
– طريقة الإتكاء على مقاصد الشاطبي ومصلحة القرافي – هي الطريقة ذاتها التي
أخذ بها التيار العربي الحداثي ولا يزال.



نداء إلى عُقلاء الصوفية


مع أن الشيخ عبد الله بن بيه يُعد القائد والأب الروحي لهذا المد الصوفي
المدعوم من الغربي إلا أني لا زلت مقتنعاً بأن هدف الرجل نبيل وليس عن
عمالة والله حسيبه ، إذ الصوفية تدعوا لما ذكرنا آنفاً ليس عن عمالة وإنما
عن قناعة بأنها تُطبق الإسلام وهذا وإن كان شره أكثر ونتائجه أكبر إلا أنه
ينبغي على المُتعامل مع أصحابه أن يستحضر هذه القضية – قضية أن بعض هؤلاء
يظنون أنهم يقدمون خدمة للإسلام وأنهم يُطبقون ما أمره الله –

كان الشيخ ابن بيه عضد القرضاوي الأيمن ثم وبعد الإنقلاب على مُرسي أعلن
انسحابه من اتحاد علماء المسلمين ، وفي فترة قصيرة كان ضيفاً على الكونجرس
، ثم وفي فترة قصيرة أيضاً أعلن هو و الحكومة الإماراتية تكوين مجلس حُكماء
المسلمين ، ثم مرت الأيام حتى رأينا الرئيس الامريكي يستعير بعض كلام الشيخ
ابن بيه حول السلم الإسلامي في الوقت الذي تنتهك فيه أعراض المسلمات في
سوريا والعراق ولبنان وفلسطين وبورما  وفي وقت تُصبحُ علينا وسائل الإعلام
وتُمسي بصور المسلمين المقتولين والمطرودين والمعذبين والنازحين! ما أشبه
هذا بما فعله الإمام الغزالي عندما ألف سفره الكبير – إحياء علوم الدين -
والذي لم يترك فيه شاردة ولا واردة إلا كاد ان يذكرها ولكنه رغم هذا لم يشر
إلى الجهاد لا من قريب ولا من بعيد هذا وهو الف هذا الكتاب في وقت كان
الصليب يعيث في القدس فساداً! وهل أوقع الإمام الغزالي في مثل هذا إلا
التصوف ؟!

ليعلم الشيخ ابن بيه ومن معه في هذا الطريق أن الله سيسألهم في الآخرة وأن
العدو لن يتركهم غداً إن تركهم اليوم ، فكلنا في عين العدو أعداء وإنما هو
يرتبنا ليستأصلنا ويستخدم بعضنا لقتل بعض ، وليعلم الشيخ وغيره أن هذه
الحفاوة الإمارتية ليست حباً فيهم ولا هي حُباً في الشريعة بل تكتيك
يستخدمونه وعما قريب ينقلبون عندما يحققون مبتغاهم.

 
كتبه :

علي جابر المشنوي

7\1\1436هــ

---------------------------------------------------


[i]  رابط

[ii] راجع إن شئت كتاب "عندما يكون العم سام ناسكاً"  رسالة دكتوراه تناولت
العلاقة الحميمية بين الصوفية والغرب

[iii]  تأسس المجلس في شهر رمضان عام 1435هــ  الموافق 19 يوليو 2014

[iv] راجع إن شئت ما كتبه كرومر حول أهمية استخدام هذه الفكرة بدلاً من
المواجهة

[v] Ali Muhamad. "Southeast Asia, Islamic Liberalism in." In Oxford
Islamic Studies

[vi] اتضح هذا جلياً في الخلافات بين الاسلاميين في التعامل من حزب الله في
حرب 2006

[vii]  انظر تقرير راند 2007

[viii]  بدأت خطة إسقاط أردوغان باحداث تقسيم التي لم تنجح ثم محاولة الضغط
عليه للدخول في حرب مع داعش لاستنزافه والآن تُعد العدة لإسقاطه في
الانتخابات المبكرة القادمة.

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |