السبت، 21 ديسمبر 2013

السراج الدعوي :: علماء موريتانيون يصدرون وثيقة مرجعية حول الردة "وثيقة "

علماء موريتانيون يصدرون وثيقة مرجعية حول الردة "وثيقة "
علماء موريتانيون يصدرون وثيقة مرجعية حول الردة "وثيقة "
الأربعاء, 18 ديسمبر 2013 03:04
altaltقال عدد من أبز العلماء الموريتانيين إن هناك مسائل تعتبر خطوطا حمراء ولا يمكن لمسلم أن يتجاوزها وهو مسلم وأن هناك ملاحدة من بني جلدتنا  تناولوا راية الدانمرك بعد ما أسقطها العلماء ويحاولون إيجاد مكان لهم بينا لأنهم يتكلم بلغتنا ويلبسون زينا .
وأضاف العلماء الشناقطة في وثيقتهم والتي وقعت من طرف أبرز العلماء الموريتانيين أنها تشمل كلمة عن الردة يريدونها أن تدخل كل بيت مسلم لتحصنه من عواصف ريح سُموم ملاحدة مسخرة ٍ من داخل المنزل ومن داخل الجيب عبر الفيسبوك والإنترنت والقنوات  تستهزيء بالله وآياته ورسله .
وتطرقت الوثيقة إلي الردة من ثلاثة محاور هي :
1 حدُّها أي تعريفها وتفسيرها
 2 بما ذا تثبت الردة
3 ما هو حكم المرتد



وقد وقعت الوثيقة من طرف عددمن العلماء منهم :
محمد فال "ابَّاهْ" بن عبد الله
محمد الحسن بن أحمدُّ الخديم
القاضي ابَّيْنْ بن بَبانَهْ
القاضي أحمد شيخنا ابن أمّاتْ
محمد المختار بن امْبالهْ
أحمدُّو بن المرابط بن حبيب الرحمن
حمدا بن اتّاه
محمد بن سيد يحيي
محمد عبد الرحمن بن فتًى
محمد الامين بن الشيخ بن مزيد
ابَّاهْ بن محمد عالِ بن نِعْمَهْ
سيد محمد بن الشّوّاف
محمد عبد الله بن المصطفْ
محمد الأمين بن ابَّاه
محمدن الزايد بن لمرابط
محمد  سالم بن ألُمّا
محمد سالم بن اتاه بن يحظيه بن عبد الودود
حَيْمِدّهْ بن  لمرابط
 المختار بن بَوْبّهْ
محمد بن محفوظ بن المختار فالْ
عبد الرحمن بن البحر بن عَدُّودْ
الدينْ بن محمد علي
محمذِنْ فالْ بن آبَّــــــــــ
أحمد بن أجّاهْ

لقراءة الوثيقة كاملة اضغط هنا : حكم الردة في الإسلام 

اخبار الآن | لقاء حصري مع أبو حفص الموريتاني، المفتي السابق للقاعدة

اخبار الآن | لقاء حصري مع أبو حفص الموريتاني، المفتي السابق للقاعدة

لقاء حصري مع أبو حفص الموريتاني، المفتي السابق للقاعدة

أبو حفص، واسمه محفوظ ولد الوالد، كان أحد أهم ثلاث شخصيات في القاعدة بعد أسامة بن لادن، والظواهري. كان يرأس الهيئة الشرعية؛ أي أنه كان بمثابة مفتي القاعدة في بداياتها.

نشر من قبل: آسية عبد الرحمن، شوهد: 16,517
تاريخ النشر: December 15, 2013, 9:00 pm
نواكشوط ، 12 ديسمبر 2013 ، آسيا عبدالرحمن، أخبار الآن –
العام الماضي، 2012، كان حافل في حياة ومسيرة أبو حفص الموريتاني، المفتي السابق للقاعدة. في النصف الأول من العام، رُحل من إيران إلى بلده موريتانيا، وفي النصف الثاني أطلق سراحه ليعيش بين أهله في نواكشوط.
أبو حفص، واسمه محفوظ ولد الوالد، كان أحد أهم ثلاث شخصيات في القاعدة بعد أسامة بن لادن، والظواهري. كان يرأس الهيئة الشرعية؛ أي أنه كان بمثابة مفتي القاعدة في بداياتها.
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ترك أبو حفص القاعدة احتجاجا على تلك الهجمات وما كان سيتبعها. لاحقا، فرّ مع آخرين، أيضا من كبار قيادات القاعدة، إلى إيران. هناك، أمضى عشر سنوات انتهت بترحيله إلى بلده.
تطور الأحداث على هذا النحو له دلالات مهمة؛ فالرجل الذي رئس الهيئة الشرعية في القاعدة، هو نفسه الذي خالف طرقها في استهداف المدنيين؛ وكان حريصاً حيث فسر مخالفته هذه بناءً على أسس شرعية ودينية.  المراقب لهذا الكلام لن يستغرق طويلا قبل أن يلحظ أنه بينما تتاجر القاعدة وموالوها بالدين، نجد أن قيادات هامة فيها وعلى مستوى متقدم من العلم إكتشفت علل القاعدة؛ فاختارت الابتعاد.
في المرة الثانية فقط في تاريخه التي يجري فيها أبو حفص مقابلة مع وسيلة إعلامية عربية أو عالمية، التقيناه في بيته في نواكشوط واستوضحنا منه على كثير من الأمور مثل: كيف يرى مسار القاعدة الآن؟ ما رأيه في الهجمات التي يقوم بها مؤيدو القاعدة في أكثر من بلد في العالم؟ ماذا يقول عن سوريا، وإيران؟ ماذا يعرف عن مقتل أسامة بن لادن؟
إليكم نص المقابلة.
أخبار الآن:  أهلا بكم في هذا اللقاء الخاص والحصري على شاشة تلفزيون الآن والذي نستضيف فيه الرجل الثالث في تنظيم القاعدة ومفتيها سابقا، الشيخ محفوظ ولد الوالد المعروف بـ أبو حفص الموريتاني. أهلا بك معنا.
أبو حفص:  أهلا وسهلا ومرحبا، حياكم الله.
أخبار الآن:  بداية، نشكركم على قبول استضافتنا للرد على بعض الأسئلة التي تهم المشاهدين الكرام.
أبو حفص:  أهلا وسهلا، حياكم الله.
أخبار الآن:  ما الذي حدث حتى تحولتم من نهج القاعدة؟ صف لنا تلك اللحظة التي أدركت فيها أن القاعدة لم تكن على صواب.
أبو حفص:  بسم الله الرحمن الرحيم. والحمد لله وحده. وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده: نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. هذا السؤال تحتاج الإجابة عليه إلى تمهيد.
القاعدة عندما تأسست في نهاية الثمانينات تأسست للجهاد في سبيل الله ومقاومة المحتلين السوفييت في أفغانستان وقد أبلت بلاء حسنا في هذه المهمة حتى خرج الروس مهزومين من أفغانستان وحتى سقط النظام الشيوعي في كابول في ربيع 1992 من القرن الماضي ميلادي.
ولم تقم القاعدة في هذه الفقرة بشيء يستدعي الاستقالة منها، بل كانت كل أعمالها جيدة ومرضية. ولما سقطت كابول في أيدي المجاهدين وبدأ الاقتتال بين الأحزاب الجهادية على السلطة في كابول، وظهر للقاعدة أنه قتال على السلطة والحكومة وليس جهادا في سبيل الله، اعتبرته فتنة وتركته وخرجنا إلى السودان، وكان ذلك أيضا تصرفا صائبا تجاه تلك الأحداث. فترة السودان بدأت من عام 1992 إلى عام 1996.
في هذه الفترة قامت قامت القاعدة بمساعدة السودان في مجال البنى التحتية والاستثمار والزراعة؛ وحسنا فعلت، لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى. ولم يكن في هذه الفترة من أعمال القاعدة ما يدعو إلى استقالتي منها والانسحاب منها وقد كانت أعمال مرضية وموافقة للشرع.
أُخرجت القاعدة من السودان عام 1996 وانتقلت إلى أفغانستان. المرحلة الثانية من مراحل أفغانستان. هذه المرحلة هي التي بدأت تشهد نوعا من الخلاف بيني وبين الشيخ أسامة بن لادن رحمة الله عليه. وكان هذا الخلاف له أسبابه. أهم هذه الأسباب هو إعلان الشيخ أسامة رحمة الله عليه الجهاد على الأمريكان في هذه الفترة.
طبعا لا شك أن أي مسلم له غيرة على دينه وعلى عقيدته وعلى أمته يرفض وجود القوات الأمريكية والغرب في جزيرة العرب وفي بلاد الحرمين وفي مختلف بلاد المسلمين. ولكن رفض هذا الأمر واستنكاره شيء وإعلان الجهاد دون وجود مقومات لهذا الجهاد ودون وجود ظروف مناسبة لهذا الجهاد شيء آخر.
كان أول خلاف لي مع الشيخ حول هذه النقطة. فقد كنت معترضا على إعلانه الجهاد على الأمريكان في تلك الفترة من دون وجود مقومات لهذا الجهاد. السبب الثاني من اسباب خلافي مع الشيخ رحمة الله عليه هو مخالفته المستمرة لأوامر الملا عمر زعيم حركة طالبان فيما يتعلق بعملياته ضد الأمريكان.
طبعا الشيخ أسامة خرج مطروجا من السودان من قبل أصدقائه وأصحابه في حكومة السودان. ولما جاء إلى أفغانستان، تنكر له أصحابه السابقون أيضا: حكومة رباني والسيافي التي كانت تحكم كابول. وقد اتفقت هذه الحكومة على تسليمه ومن معه للدول التي تطالب به. في هذه الفترة جاءت حركة طالبان واستولت على كابول واستولت على السلطة في أفغانستان واحتضنت الشيخ رحمة الله عليه وآوته ودافعت عنه وخسرت الكثير من أصدقائها في سبيل حماية هذا الشيخ وقاومت ضغوطا كثيرة من السلطات السعودية والباكستانية والأمريكية في هذا المجال.
فكان من الواجب أن يبدي الشيخ قدرا من التعاون والتفهم لموقف وظروف الحركة وألا يحرجها بأعمال عسكرية لا تستطيع أن تتحمل ردود الفعل عليها. ولكن الشيخ لم يفعل ذلك. بل أصر على خوض حربه مخالفا أوامر الملا عمر. وكان ذلك سببا آخر من أسباب الخلاف مع الشيخ رحمة الله عليه.
أمر كان كان من المفروض يأخذ به الشيخ وهو أنه ضيف لدى حركة طالبان والملا عمر هو الحاكم الشرعي لهذه البلاد وإعلان الجهاد والحرب هو من صلاحيات الحاكم المسلم وليس من صلاحيات أفراد الأمة ولكن الشيخ أيضا لم يأخذ بذلك مع أنه يعترف بشرعية الملا عمر وأصر على خوض حربه ضد الأمريكان ما تسبب في النهاية في سقوط الإمارة الإسلامية في أفغانستان.
السبب الثالث من أسباب اختلافي مع الشيخ رحمة الله عليه هو عدم الانضباط في الأخذ بالفتاوى الشرعية، أحيانا، فأنا كنت رئيس اللجنة الشرعية ومن المفترض ألا يقوم التنظيم بأية أعمال إلا بإذن الموافقة من اللجنة الشرعية؛ وأحرى أن يقوم بأعمال أفتت اللجنة الشرعية بعدم مشروعيتها.
الشيخ رحمة الله عليه في الأمور التي كان يعلم أنني أعارضه فيها كان يقدم على بعض الأعمال دون استشارتي أحيانا وفي الأمور التي أبدي فيها رأيا مخالفا له كان أيضا لا يلتزم بذلك الرأي وهذا أيضا مأخذ آخر ليس لأنه لم يأخذ برأيي وإنما لأنه من وجهة نظري لم يأخذ الفتوى الشرعية اليت يجب أن يأخذ بها. السبب الرابع في تركي القاعدة هو المركزية الشديدة للشيخ أسامة رحمة الله عليه في إدارة التنظيم.
فالشيخ رحمة الله عليه كان كل شيء في كل شيء ولم يكن يعطي صلاحيات أو أدوار لمجلس الشورى مثلا أو اللجان الفرعية والمسؤولين الآخرين وهذا كان محل اعتراض مني أيضا. أنا كنت أرى أن الشورى ملزمة وأن ما اتفق عليه مجلس الشوري لا يجوز للأمير أن يخالفه وكان للشيخ رأي آخر.
هذه الأسباب تواجدت في السنوات الأخيرة في أفغانستان لكنها تكثفت وتركزت في الفترات الوجيزة قبل أحداث سبتمبر، فكان إصرار الشيخ على أحداث سبتمبر مع مخالفتنا له في اللجنة الشرعية ومعارضتنا له في مجلس الشوري ومعارضة حركة طالبان له وجميع الحركات الجهادية الموجودة في الساحة في أفغانستان. هذا كان الحد الفاصل الذي دفعني إلى تقديم استقالتي للشيخ رحمة الله عليه.
أخبار الآن:  هل تعرضت للوم بعد انفصالك عن القاعدة؟
أبو حفص:  كثير من الأخوة الكبار في التنظيم لم يفاجئهم قرار استقالتي لأنهم كانوا على اطلاع على فتور العلاقة في الفترة الأخيرة بيني وبين الشيخ رحمة الله عليه، وبالخلاف الذي كان بيني وبينه؛ بالتالي لم يفاجأ كثير عندما أعلنت استقالتي. بعض الشباب المتحمسين الصغار ربما صدر عنهم بعض الكلام وأنا يتسع صدري للوم هؤلاء وعتابهم طالما نيتهم حسنة ومقصدهم سليم.
أخبار الآن:  بعد وفاة أسامة بن لادن، هل تغيرت القاعدة؟
أبو حفص:  لا أعتقد أن وفاة الشيخ رحمة الله عليه أحدثت تغيرا كبيرا في التنظيم لأن الشيخ في فتراته الأخيرة كانت قيادته للتنظيم قيادة رمزية بل كان التنظيم المركزي كله في حالة ضمور وحالة انكماش في حين كان معظم أنشطة القاعدة هو أنشطة الفروع في الأقاليم الأخرى وبالتالي لم يكن لغياب الشيخ تأثير كبير على التنظيم.
ولكن التنظيم عرف تغيرا قبل وفاة الشيخ رحمة الله عليه. التنظيم نمت له فروع في أقاليم متعددة وهذا ما لم يكن من قبل. التنظيم بدأ يقوم بأعمال كان التنظيم المركزي قد تخلى عنها من قبل وهي مقاتلة الحكام ومواجهة الأنظمة. وهذا لم يكن من سياسة التنظيم المركزي ولكن هذا حدث في السنوات التي أعقبت غزو أفغانستان وكان هذا ردة فعل للغزو.
التنظيم في الوقت الذي وصلت فيه أحداث سبتمبر وحصل فيه الغزو لأفغانستان كان يضم عشرات من الأفراد أو المئات على أقصى تقدير في أفغانستان ولكن الحرب حولته إلى تنظيم عالمي وفروع عابرة للقارات وفكر يسري في واقع الأمة و بالتالي كانوا يتحركوا تلقائيا وذاتيا دون الرجوع للشيخ وبالتالي لم يكن غياب الشيخ مؤثرا تأثيرا كبيرا في حركة وسير التنظيم.
أخبار الآن:  كيف تنظر إلى ما جرى في نيروبي وبيشاور؟
أبو حفص:  لعلك تقصد أحداث المجمع التجاري والكنيسة. على كل حال، أنا سبق أن أعلنت مرارا أنني أرفض استخدام القوة وقتل المدنيين الأبرياء غير المسلحين لأي سبب كان.
أخبار الآن:  لا شك أنكم متتبعون لما يحدث في سوريا وأن السوريين يشتكون اليوم من ممارسات دولة العراق والشام المحسوبة على القاعدة. كيف ترى ما تقوم به؟
أبو حفص:  في الحقيقة السوريون يشتكون من أشياء كثيرة. السوريون يشتكون من نظام يذبح شعبه في عالم يتفرج على المأساة. السوريون يشتكون من حرب طائفية تقودها إيران وحزب الله وشيعة العراق أو بعض شيعة العراق. السوريون يشتكون من دول دفعت بهم إلى تسليح ثورتهم ثم تخلت عنهم في وقت حرج. والسوريون يمكن أن يكونوا يشتكون من تصرفات وأخطاء بعض الجماعات المحسوبة على الجهاد.
ليست لدي تفاصيل في هذا الشأن، ولكني لا أستبعد أن يكون بعض هذه الجماعات لديهم نوع من الغلو في التكفير ولديهم نوع من التوسع في استباحة الدماء. لا أستبعد أن يكون هناك شيء من هذا القبيل وأنا أوصي هؤلاء بأن يتقوا الله سبحانه وتعالى في أنفسهم وفي الشعب الذي جاؤوا لنصرته وأن يضبطوا أحكامهم على الآخرين بضوابط الكتاب والسنة ومنهاج أهل السنة والجماعة وأن يتقوا الله في دماء المسلمين. "فلا يزال المرء في بحبوحة من دينهم ما لم يسفك دما حرام."
أخبار الآن:  يقال أن أيمن الظواهري فقد السيطرة على فروع القاعدة بما فيها فرعها في الشام. كيف ترى إدارة الظواهري للأمور؟
أبو حفص:  ليست لدي تفاصيل عن طبيعة العلاقة بين الدكتور أيمن الظواهري وبين فروع التنظيم في الأقاليم المتعددة ولكني لا أستبعد أن يكون بعد المسافة والتباعد الجغرافي بين هذه الفروع وبين القيادة المركزية وصعوبة التواصل وظروف الملاحقة والمطاردة التي يتعرض لها الجميع. لا أستبعد أن تكون هذه أسباب في ضعف التواصل بين القيادة العامة والفروع ولكني شاهدت في الفترة الأخيرة في الإنترنت بعض التوجيهات من الدكتور أيمن وبعض الأوامر حتى للفروع في العراق والشام تدعوهم للالتزام بتلك التعليمات ومن تلك التعليمات إلغاؤه لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق ولاشام وإلزامه لفرع العراق الإلتزام بحدود العراق وفرع الشام الالتزام بحدود الشام. وهذا يدل على انه بينه وبينهم تواصل وله عليهم نوع من النفوذ لكن لا أعرف مدى قوة أوضاع ذلك النفوذ.
أخبار الآن:  لو كنت مكان الظواهري، هل كنت ستكون مختلفا؟
أبو حفص:  سؤال عجيب. هذا سؤال مغرق في الافتراض حقيقة. لا أظن أنه في المستقبل القريب سأكون مكان الظواهري. تجاوز هذا السؤال إلى غيره.
أخبار الآن:  بماذا تنصح الظواهري؟
أبو حفص:  أنصح الظواهري أن يتقي الله سبحانه وتعالى. فتقوى الله عز وجل هي وصية الله للأولين والآخرين وأنصحه أن يتجنب الأخطاء؛ تكرار الأخطاء التي حصلت في العهود السابقة ولا أشك أنه على اطلاع بها. وأنصحه أن يبذل مزيدا من الجهد في توجيه فروع التنظيم والوقوف في وجه موجة الغلو في التكفير والتوسع في استباح دماء المسلمين. استباح دماء المسلمين أمر عظيم وخطير وتكفير المسلمين مزلق خطير وكبير. وهذه من أشد الأخطاء التي تقع فيها الجماعات الجهادية.
أخبار الآن:  هل تتفق مع من يقولون إن الظواهري اتخذ قرارات سيئة جعلت الكثيرين يعانون في القاعدة؟
===
أبو حفص:  لما تركت القاعدة لم يكن للدكتور أيمن الظواهري دور في اتخاذ القرارات المصيرية بالنسبة للتنظيم. لم يكن هو من يتخذ القرار. وثم بعد ذلك كان معظم أنشطة القاعدة وأنشطة الفروع؛ والفروع غالبا تتخذ قراراتها بنفسها دون الرجوع إلى القيادة المركزية. وبالتالي لا أتذكر قرارات توصف بأنها سيئة اتخذها الدكتور أيمن، ولا حتى غيرها. لا يحضرني شيء من هذه القرارات لأنني تركت التنظيم منذ فترة طويلة. لكني في إحدى المرات سمعته يتكلم عن الأخوة في حركة حماس بشدة وحدة دون تقدير لظروفهم. لا شك أن النصيحة مطلوبة لكن من المهم تقدير ظروف الآخرين. كثير من الناس يعرف أن ميتة اللحم تجيزها ضرورة الجوع. ولكن قليل من الناس يعرف أن ضرورة السياسة تبيح أكل ميتة السياسة. الأخوة في حماس في ظروف خاصة ويضطرون لبعض الأمور التي قد لا يكونوا هم مقتنعين بها في حالة الاختيار ولكن حالة الاضطرار تختلف عن حالة الاختيار. الضرورة تبيح المحظورات لكن يجب أن تُقدّر بقدرها. لو كنت مكانه لكنت أقل حدة وأكثر تقديرا لوضع الأخوة في حماس.
أخبار الآن:  كنت رئيس الهيئة الشرعية في القاعدة وهذا منصب مهم. كنت مفتيا للقاعدة. كإنسان عاش تجربة ورأى الصواب، ماذا تقول للشباب المسلم الذي تأثر بفكر القاعدة؟
أبو حفص:  أنا أريد أن أصحح مسألة وهي أنني لم أكن على فكر ثم اقتنعت بغيره. الفكر الذي عليه أنا الآن هو الفكر الذي كان عندي من قبل. القاعدة هي التي خرجت من وجهة نظري عما كان خطا مشتركا بيني وبينها. لهذا تركتها. هذه مسألة.
نصيحتي للشباب هي كما قلت، أن يتقوا الله عز وجل. فتقوى الله عز وجل هي وصية الله للأولين والآخرين. وصيتي لهم الثانية هي أن يدرك ويعلم أن الجهاد مثلما هو ذروة سنام الإسلام وهو العبادة التي لا يعدلها شيء، فهو مع ذلك، لا بد له من شروط ومقومات. بدون هذه الشروط والمقومات لا يحقق الجهاد وأهدافه ولا تترتب عليه الثمار المرجوة من ورائه.
الجهاد لا بد له من مقومات شرعية. المقومات الشرعية هي استيفاؤه للمشروعية الفقهية لفتاوى العلماء العاملين الجامعين بين العلم بالشرع والعلم بالواقع وخشية الله عز وجل. فلا يصح أن يقوم بالجهاد أو أن يعلن الجهاد كل من هب ودب. ولو كانت نيته حسنة وقصده سليم. لا بد للجهاد من مقومات مادية؛ هذه المقومات المادية يعرفها أهل الخبرة والاختصاص.
ثم أنصح هؤلاء الشباب بأمر أكدت عليه أكثر من مرة وهو البعد عن تكفير المسلمين. الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. ومنهج أهل السنة والجماعة يضع شروطا وضوابط شديدة في باب التكفير والفسير والحكم على الآخرين. وللأسف كثير من الشباب لا يلتزم بهذا المنهج وستوسع في التكفير والتفسير والحكم على الآخرين. الوصية الأخرى هي أن يحتاطوا في دماء المسلمين. وأن يبتعدوا عن الخوض فيها. الله عز وجل يقول: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها. غضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما." والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا التقى المسلمان، سيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار." والرسول صلى الله عليه وسلم يقول، وهو جنب الكعبة: "ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمتك؛ دمه وماله وأن يُظن به إلا خير." ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا يزال المرء في بحبوحة في دينه ما لم يصب دما حرام." دماء المسلمين أمر عظيم.
ولذلك لما حصلت الفتنة في عهد الصحابة، رضي الله عنهم، قام كبار الصحابة باعتزال هذه الفتنة. سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو أحد الشورى الستة؛ وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة؛ لما عوه إلى القتال في تلك الفتنة التي جرت في ذلك الوقت، قال: "لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان يبين المؤمن من الكافر."
عبدالله بين عمر رضي الله عنه، رفض الدخول في شيء من ذلك. جاءه رجل مرة، فقال له: "يا أبا عبدالرحمن إن الله عز وجل يقول: ‘وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهم، فإن بغت إحداهما بالأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله.‘ لماذا لا تقاتل الطائفة التي تبغي؟" فقال له: "يا ابن أخي. أن أعُيّر بهذه الآية ولا أقاتل أحب إلي من أن أُعيّر بهذه الآية." وقرأ قوله تعال: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا جزاؤه جهنم خالدا فيها. غضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما."
وكذلك عبدالملك بن مروان، جاء إلى ايمن بن خريم ودعاه إلى القتال معه. فقال له أيمن بن خريم: "إن أبي وجدي شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بدر. وإنما عهدا إليّ ألّا أقاتل رجلا يقول لا غله إلا الله محمد رسول الله. فإن أنت جئتني ببراءة من النار، قاتلت معك." قال: "فاخرج عني." فخرج عنه وهو يردد أبيات من الشعر يقول فيها:
ولست بقاتل رجلا يصلي على سلطان آخر من قريش                                   له سلطانه وعليّ إثمي؛ معاذ الله جهل وطيش
الصحابة رضي الله عنهم، حتى الذين دخلوا في ذلك القتال بتأويل، ندموا على ذلك.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول في صفين؛ الحسن رضي الله عنه يقول له: "لله مقام قامه سعد وعبدالله بن عمر. إن كان برا إن أجره لعظيم؛ وإن كان إثما إن خطأه ليسير. ما كنت أظن أن الأمر يبلغ ما بلغ."
والتاريخ يشهد على أن كثيرا من الحركات التي قامت بقصد تغيير المنكر والثورة على الأنظمة الفاسدة انتهت إلى فشل وتحولت إلى مآسي، مع أن أصحابها يحتسبون الأجر ويريدون الإصلاح ولكن أعمالهم لم تكن مضبوطة بضوابط الشرع فكانت تلك هي النتيجة.
Break
أخبار الآن:  هل لك أن تحدثنا عن لماذا اخترت إيران بعد انفصالك عن القاعدة ومن غادر معك إليها؟
أبو حفص:  أنا في الحقيقة لم أختر إيران اختيارا، ولكن اضطررت إليها اضطرارا. نحن عندما سقطت أفغانستان لم يكن لنا منفذ ومخرج إلا إلى باكستان أو إلى غيران. باكستان معروف موقفها؛ فقد كان برويز مشرف أمريكيا أكثر من الرئيس بوش؛ وبالتالي لم يكن هناك مخرج إلا إلى إيران. وإيران في الحقيقة تقدمت بعرض واستعداد لاستقبالنا في هذه الظروف، فدخلت إليها مضطرين لاننا لم نجد غيرها.
أخبار الآن:  كيف كانت إقامتك في إيران؟ وهل التقيت خلالها مسؤولين إيرانيين؟
أبو حفص:  إقامتي في إيران كانت تتراوح من ضيافة كريمة في الأول، إلى اعقتال ظالم في مرحلة بعد ذلك؛ إلى مزيج من الاثنين في مرحلة لاحقة. قابلت بعض المسؤولين من رتبة وزير فما دون. وقابلت بعض علمائهم وبعض مسؤوليهم؛ فضلا عن المسؤولين الأمنيين الذين كانت علاقتي مباشرة معهم.
أخبار الآن:  هل كانت إيران تستفيدي من وجودكم هناك؟
أبو حفص:  لا شك أن إيران دولة تلعب على جميع الحبال. وهي تتحالف مع شخص وتتحالف عليه في نفس الوقت. فإيران ساعدت الأمريكيين في احتلال أفغانستان واستضافت بعض عناصر القاعدة وحركة طالبان في الوقت ذاته. ولا شك أن وجودنا عندها كان يضع بيدها ورقة رابحة تستطيع المساومة بها، بل وتستطيع اللعب بها عند الضرورة. من هذا المنطلق، كان احتفاظها بالأخوة الموجودين عندها.
أخبار الآن:  خرجت أنت وأبو غيث. ماذا عن الآخرين؟ ماذا يمكن أن تقول لأهلهم الآن الذين يشاهدونك؟
أبو حفص:  أقول لهم لم يتبق من الأخوة إلا قليل حسب علمي. بقيت تقريبا في إيران ثلاث أسر فقط، وهم في ظروف جيدة. أحسن بكثير من ذي قبل. وإن شاء الله سبحانه وتعالى يسر أمورهم وجعل لهم فرجا وأخرجهم مما هم فيه. أقول لأهلهم: اجتهدوا في الدعاء وعليكم بالصبر
ولَرُبّ نازلة يضيق بها لافتى ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج

فرج الله قريب وإن شاء الله سبحانه وتعالى يمن عليهم بالفرج والتحرر من الوضع الذي هم فيه ويمن على بقية المسلمين بتفريج كرباتهم إن شاء الله.
أخبار الآن:  أبو غيث سجين الآن بتهمة الإرهاب وهناك غيره. هل كان الأمر كله يستحق هذا العناء وهذه الخواتيم؟
أبو حفص:  الشيخ أبو غيث مل يكن إرهابيا. الشيخ أبو غيث أخ فاضل. أحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا. وهو أحد الدعاة الذين جاؤوا في الفترة الأخيرة إلى أفغانستان ولم تكن له علاقة بأي أعمال عسكرية حتى لم يأت إلا قبل أحداث سبتمبر بقليل. وبعد الأحداث بقليل خرج من أفغانستان وبقي معنا في إيران إلى أن اعتقل في تركيا أثناء توجهه إلى بلده. الشيخ أبو غيث ليس إرهابيا أبدا. الشيخ أبو غيث كنت معه في آخر فترة في إيران قبل خروجي. وهو معترض على كثي رمن أعمال القاعدة وغير موافق عليها. حدثني عن رغبته في العودة إلى بلاده لمواصلة مشواره الدعوي والتربوي وإمامة وخطابة مسجده في الكويت الذي كان فيه قبل ذهابه إلى أفغانستان. مشكلة الشيخ أبو غيث أن بلاده لم تساعده على ذلك بل اتخذت في حقه قضاء جائر وهو تجريده من جنسيته ولم تسمح له بالعودة وجعلت ذلك سببا أساسيا لأن يُعتقل. بقي فترة في تركيا وكان من الممكن لدولته أن تساعده في العودة إلى بلاده وتصحيح وضعه ولكنها لم تقم بذلك. أنا أستغرب حقيقة سياسة كهذه التي تتخذها بعض الدول ضد مواطنيها بتجريدهم من جنسياتهم ومنعهم وعدم إعطائهم فرصة لتصحيح أوضاعهم. حتى الأمريكان اعتقلوا أمريكيين يقاتلون مع المجاهدين ولم يجردوهم من جنسياتهم ولم ينقلوهم إلى غوانتانامو وإنما حاكموهم وفق القانون الأمريكي. حقيقة الشيخ أبو غيث يستحق بذلك الجهود من أجل أن يرجع إلى بلده. واتهامه بالإرهاب لا يعني أنه إرهابي أبدا. يم يشارك في أي عمل عسكري وكان معترضا على كثير من أعمال القاعدة.
أخبار الآن:  هل خشيت لحة أن يكون مصيرك كمصير أبو غيث وهل تعتبر أن الإيرانيين مكروا به؟
أبو حفص:  حقيقة تعرضت لمخاطر كثيرة ولكن الله سبحانه وتعالى كان يرعاني ويحفظني وله الحمد والشكر وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ كل الأخوة في كل مكان. في الحقيقة لم أجد علامات قاطعة أو أدلة قاطعة على أن الإيرانيين مكروا بأبي غيث وبغيره. ولكن هذا غير مستبعد في علام السياسة. السياسة هي مذهب بلا أخلاق. وكثير من الأخوة كانوا يتحدثون أن الإيرانيين كان بينهم نوع من التنسيق مع الأمريكان في شأن اغتيال بعض الأخوة الذين خرجوا من عندنا في إيران. أكثر الأخوة الذين خرجوا من عندنا في إيران من السجن، من الوضع الذي كنا فيه أخيرا، وذهبوا إلى باكستان، قُتلوا بقصف طائرات بدون طيار. وحتى الأخوة الذين كانوا في باكستان، سمعنا أنهم كانوا في الأخير يرفضون استقبال الأخوة القادمين من إيران لأنهم بمجرد قدومهم يكونوا محل استهداف هذه الطائرات. بل هناك من قال إن الأمريكان تعرفوا على مكان الشيخ أسامة بن لادن رحمه الله عن طريق زوجته التي كانت معنا في إيران وذهبت إليه في باكستان وقالوا إن ه زُرعت فيها شريحة هي التي قادت الأمريكان إلى مكانه بعد وصوله إليه. أنا طبعا ليست لدي أدلة قاطعة لأثبت هذا. ولكن هذه القرائن كانت موجودة. بعض الأخوة كان يأخذ بها ويضيف إليها سوء ظنه فيصدقها.
Break
أخبار الآن:  ما الذي تعرفه عن فرع التنظيم في الجزيرة العربية؟
أبو حفص:  في الحقيقة، ليست لدي معرفة بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية. أنا خبير في القاعدة الأم. ولست كذلك في القاعدة الفروع. وليست لدي معلومات كافية عنها ولا أستطيع التحدث عنها والحكم عليها.
أخبار الآن:  كنت قلت إنك قد تلعب دور الناصح لجماعة القاعدة في مالي إبان العملية العسكرية ضدهم في الشمال. هل لعبت هذا الدور؟
أبو حفص:  في الحقيقة، لم يكن بيني وبينهم تواصل خاص وإنما نصيحتهم لهم ونصيحتي للمجاهدين في كل مكان، للعاملين للإسلام في كل مكان، لأبناء هذه الأمة، هي تقوى الله عز وجل. ووصيتي الخاصة للمجاهدين هي ما أشرت إليه سابقا أثناء نصيحتي لشباب الأمة بصورة عامة. وليس عندي أكثر من ذلك.
أخبار الآن:  لو سُمح لك أن تقول لهم شيئا، ماذا تقول؟
أبو حفص:  أقول لهم ما نصحب به الشباب. ردي على السؤال السابق.
أخبار الآن:  لا بد أنك سمعت عن إحراق القاعدة مكتبة أحمد بابا في تمبكتو. ما الذي خطر لك عندما سمعت ذلك؟
أبو حفص:  أنا في الحقيقة لا أعلم من أحرق هذه المكتبة. قد يكون الذي أحرقها جنود ماليون. قد يكون الذي أحرقها جنود فرنسيون. قوات إفريقية. أستبعد أن يقوم مسلم فضلا عن مجاهد يدّعي أنه مجاهد على إحراق هذه المكتبة التي تُعتبر كنزا ثمينا لا يُقدر بثمن من كنوز التراث العربي والغسلامي في هذه المنطقة. وبغض النظر عمن قام بهذا الفعل، فهو فعل مدان وومنكر وليس له أي مبرر.
أخبار الآن:  منذ حوالي سنة وأنت في موريتانيا. هل لك أن تقارن بين فتراتك في القاعدة وإيران وموريتانيا؟
أبو حفص:  فترتي في القاعدة كانت فترة جهاد وتربية ومحاولة للإصلاح في هذا التنظيم. فترتي في إيران كانت فترة محنة وتقييد الحرية، وفترتي في موريتانيا هذه الأخيرة كانت فترة استجمام واستعداد لمرحلة جديدة من الدعوة والعمل الإسلامي، الله سبحانه وتعالى يتقبل.
أنا الآن في صدد تأسيس مركز إسلامي للدعوة والبحوث يهدف إلى الجمع بين الدعوة والتربية من ناحية وبين إعداد وإنجاز البحوث العلمية من ناحية في المجالات الشائكة التي تهم الشباب بصورة عامة وتهم شباب الصحوة الإسلامية بصورة خاصة. هنالك بحوث حول التكفير، ضوابط أهل السنة والجماعة، حول الحاكمة، الجهاد، الأمر بالمعروف والأمر عن المنكر، الخروج عن الحكام، حو لالقتال بصورة عامة: ما يجوز وما لا يجوز، حول ميثاق الجهاد الأخلاقي. هناك كثيرون يمارسون الجهاد ولكن لا يلتزمون بميثاق الأخلاق. عدم حفظ الذمة وعدم الوفاء بالعهد والاعتداء على الذميين والاعتداء على السياح، الاعتداء على المتأمنين وغيرهم. هذه أمور كثيرة إن شاء الله سوف تكون مجال وموضع بحث إن شاء الله من خلال المركز الذي سيبدأ عمله قريبا.
أخبار الآن:  من الملاحظ هو أنك منذ جئت إلى موريتانيا لم تسافر. هل يعني ذلك أنك تحت رقابة معينة؟
أبو حفص:  من قال لك إني لم أسافر؟ ليست هناك أية رقابة ولا قيود على سفري. أنا أستطيع السفر إلى أي مكان أريد.
أخبار الآن:  لو عاد بك الزمن، هل كنت ستنضم إلى القاعدة؟
أبو حفص:  الحقيقة، في فترة وجودي في القاعدة، قمت بأمور وأعمال أحتسبها من أرجى أعمالي عند الله سبحانه وتعالى، عسى الله سبحانه وتعالى يتقبلها. فما قمت به من دعوة وتربية وإصلاح وأمور أخرى في دالخ التنظيم هي أمور لا يندم عليها من أقدم عليها. لا أشعر ولا أتذكر أنني قمت خلال فترة وجودي في القاعدة بأي عمل يندم عليه صاحبه.
أخبار الآن:  ما مصير القاعدة في نظرك؟
أبو حفص:  القاعدة هي جزء من حالة رفض الأمة للواقع الذي تعيشه. هي إفراز لهذا الواقع وتعبير طائفة من أبناء هذه الأمة عن رفضهم لهذا الواقع: واقع ظلم واستبداد في المجال السياسي؛ واقع استنزاف ونهب خيرات وثروات الأمة؛ واقع الاحتلال الذي يعيشه أكثر من بلد إسلامي. هذه الأسباب طالما هي موجودة سوف تستمر القاعدة في الوجود وسوف تتطور وتتكيف مع كل مرحلة جديدة فقد توجد لها أخوات أخرى تحمل فكرها أو قريبا منه. الواجب هو القضاء على هذه الأسباب ومعالجتها حتى نستطيع أن نعالج الأخطاء التي وقع فهيا الشباب المنتمي للقاعدة وغيرها من الجماعات. العجيب أن الغرب نجحوا في احتواء جماعات كانت أشد عنفا وأشد غلوا وتطرفا من كثير من الجماعات الجهادية. الجيش الجمهوري الإيرلندي قضى عشرات السنوات وهو يفجر ويقتل المدنيين والعسكريين ومع ذلك استطاعت بريطانيا في النهاية أن تحتويه وتستوعبه. منظمة إيتا الباسكية وغيرها الكثير.
نحن قادرون على الوصول إلى نوع من التفاهم مع هذا الشباب الذي لا نشك في صدق نوايا كثير منه وإن كنا نختلف معه في المذاهب التي ذهب إليها. ولكن هذا للأسف لم يحصل. الواقع أن الأنظمة بدل أن تنحو هذا النحو لجأت إلى شيطنة القاعدة واتهام القاعدة وتشويه صورة القاعدة وهذا جاء بنتائج عكسية في كثر من الأحيان. القاعدة في الحقيقة لا تحتاج إلى شهادة حسن سلوك من أي أحد. هي مقتنعة بما تقوم به وتعتقد أن هذا جهاد وأن سخط الآخرين ومعارضتهم لها ومجابهتهم لها دليل على صحة منهجها. فلا تُعالج الأمور بهذه الطريقة وإنما تُعالج بعلاج أسباب وجود القاعدة. علاج منطقي عقلي لا يعتمد أسلوب الشيطنة والتشويه وإنما يعتمد أسلوب الحوار والإصلاح وأعتقد أن كثيرا من الشباب في القاعدة إذا وجدوا من أهل العلم الصادقين العارفين نفوذ من يطمئنون إليه، فسوف يقبلون بحوار جاد يعتمد على الإصلاح الجاد ويتركون ما هم فيه.
أخبار الآن:  هل تحدثنا كيف تلقيت خبر تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.
أبو حفص:  في أفغانستان لم تكن أحداث 11 سبتمبر مفاجأة لنا. فقد كنا نتوقعها، بل كنا نتوقع الوم الذي ستكون فيه. وفي هذا اليوم الثلاثاء 11 سبتمبر، كان كل شخص تقريبا سصطحب معه مذياع وينتظر الخبر كلن ما كان أكثر الناس يعرف طبيعة الأحداث. يعرف أن هناك أحداث ستكون. ولكن لا يعرف أين ولا كيف. فلما سمعنا الأخبار عن طريق المذياع وشاهدنا الهجمات، حقيقة الجميع ذهل لأنه لم يكن يدور بخيال أحد أن أعمالا بهذا الحجم وهذه الصورة وهذا الشكل هي ما كان يتحدث عنه الشيخ أسامة بن لادن ويهدد به أمريكا. كان حجم الدمار وهول الاحداث شيء مؤثر تأثيرا كبيرا جدا في الساحة ما كان أحد يتوقعه. طبعا كثير من الناس هللوا وكبروا وقد لا يكونوا راضين عن أصل الأعمال ولكن من كرههم لأمريكا رحبوا واعتبروا هذا انتقاما إلهيا من هذا العدو ففرحوا لذلك فرحا شديدا. قليل من الناس من استطاع أن يلجم عواطفه وإن كان لا يوافق على الأحداث إلا أنه لم يبد أي تعاطف مع أمريكا أيضا.
أخبار الآن:  أين كنت أنت؟
أبو حفص:  كنت في قندهار.
أخبار الآن:  كيف كانت ردة فعلك؟
أبو حفص:  بالنسبة لي كنت أتوقع شيئا من هذا القبيل وأنا لست عاطفيا بطبعي. ساءني العاقبة التي ستترتب على هذه الأحداث التي هي من أحد الأسباب التي جعلتني أعادي الأحداث قبل ذلك.
أخبار الآن:  ماذا تقول في التجفيرات التي وقعت في لبنان؟
أبو حفص:  أولا أنا أعارض مثل هذه العمليات التي يقتل فيها أبرياء مدنييون بصورة عامة. وأتوقع وأظن أن لها صلة بتدخل إيران وحزب الله في سوريا. السوريون تأذوا كثيرا من السياسة الغيرانية وسياسة حزب الله الداعم لبشار الأسد. ولا أستبعد أن تكون جهة ما داخل سوريا هي التي تقف وراء العمليات انتقاما من إيران وسياستها في سوريا والله.
أخبار الآن:  نعلم أنك شاهدة مادة للآن عن عائلتك. بماذا شعرت عندما رأيت أسرتك على شاشة الآن. ما أكثر ما أعجبك في تلك المادة وما أكثر ما لم يعجبك؟
أبو حفص:  في الحقيقة في نهاية 2أخبار الآن: أخبار الآن: 1، كان هناك برنامج سيئ تبثه قناة الآن اسمه القاعدة المهجورة. وأحد الأخوة كان يتابع هذا البرنامج وأخبرني أنه شاهد والدي على شاشة قناة الآن. فذهبت إلى التلفزيون. لم أكن أصدق من شدة الفرح رؤيتي للوالد وهو يتكلم. فقد كانت هذه أول مرةأطمئن فيها أنه لا زال حيا يرزق منذ تسع سنوات قبل ذلك. فغمرتني سعادة غامرة وفرحت فرحا شديدا لهذا الأمر ثم رأيت بعد ذلك شقيقي يتكلم في نفس البرنامج. فكان هذا اليوم بالنسبة لي عيدا. حتى من شدة فرحي أني عزمت كل الموجودين في المجمّع وعملنا وليمة كبيرة جدا دعونا إليها الجميع. هذا أجمل ما في تلك الحلقة. والشيء الوحيد الجميل فيها. لأن البرنامج من النوع السيئ في الدعاية ضد المجاهدين مع أخطائهم وضد أسرهم وضد ذويهم. وهو في الحقيقة كان برنامج يفتقد للموضوعية والمهنية. هذا حكمي عليه. وأرجو أن تكون الآن قد تجاوزت هذه المرحلة إلى مرحلة أكثر نضجا وأكثر موضوعية ومهنية في تغطيتها وبرامجها.
أخبار الآن:  ماذاذ تقول لوالدك الآن بعد كل السنوات التي غبت عنه فيها لانضمامك للقاعدة؟
أبو حفص:  من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى أن جمع لي بين نعمة الخروج من تقييد حريتي في إيران وغقراء عيني برؤية الوالد حفظه الله. فلم يكن للخروج من السجن أي طعم واي معنى لو لم تنضم إلي نعمة وجود الوالد. ومنّ الله سبحانه وتعالى علي ببقائه وأقر عينه. هذه نعمةعاجز عن شكرها. يحفظ الوالد ويزيد عمره وطاعته. هو أهم شخص على ظهر هذه الأرض.
أخبار الآن:  وردت معلومات تقول إنك ستصدر مذكرات عن تجاربك مع القاعدة. ما أهم المحاور؟
أبو حفص:  كتاب سيصدر قريبا إن شاء الله بعنوان "الطريق إلى بن لادن والقاعدة" وهو مذكرات شخصية تغطي كل الفترة الماضية من حياة الكاتب وتركز على السنوات العشرين الأخيرة التي قضاها مع القاعدة وقريبا منها وقريبا من الشيخ أسامة بن لادن رحمة الله عليه.
الكتاب يجمع بين تغطية الأحداث بأسلوب المذكرات الشخصية المعروف والتعليق عليها والتحليل أحيانا. يذكر تفاصيل تاسيس القاعدة وتاريخ انضمامه إلى القاعدة ورحلته الأولى إلى أفغانستان. كيف قابل الشيخ أسامة بن لادن. ويروي فترة السودان التي شهدت قرب الكاتب الشديد من الشيخ أسامة بن لادن ومصاحبته له فترة طويلة جدا ويتحدث عن العودة إلى أفغانستان مرة أخرى ويتحدث عن الحرب الأخيرة؛ حرب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على افغانستان. يسرد يوميات هذه الحر بوأبعادها ويذكر أنباء لم يتعرض لها الإعلام من قبل. يذكر خلافاتي مع الشيخ أسامة بن لادن والأسباب التي دعتني إلى ترك القاعدة. يذكر محاولات إصلاح التنظيم والعقبات التي اعترضت هذه المحاولات. يتحدث عن الفترة الإيرانية؛ كيف دخل إلى إيران، كيف عاش ضيفا؛ كيف عاش سجينا؛ كيف عاش مزيجا بين السجين والطليق. يتحدث عن العودة إلى موريتانيا. يذكر تفاصيل كثيرة. تقريبا كتبت أكثر من ثلاثة أرباع الكتاب وقد يأتي في مجلدين تقريبا. وهو أظن أول كتاب يخرج من داخل القاعدة بقلم أحد ممن عاشوا في قياداتها.

الجمعة، 27 سبتمبر 2013

الإسلام السياسي وتحديات الربيع العربي - الشرق

الإسلام السياسي وتحديات الربيع العربي

الإسلام السياسي وتحديات الربيع العربي

طباعة ٢ تعليقات
إنّ القصور في تحليل ثورات الربيع العربي وتداعياتها على تجربة الإسلاميين العرب، من شأنه أن يحول الأزمة من حيز الجماعات الإسلامية في الدول المعنية بالثورات، إلى كل التجربة الإسلامية في الدول العربية بلا استثناء، وهو ما يفرض الخروج من حالة الانفعال مع أو ضد تجربة الإسلاميين، إلى التدقيق في دهاليز التجربة، والبحث العميق في نقاط القوة والضعف، وهي محاولة جادة مطلوبة للوصول إلى نتائج تطبيقية في تجربة الحكم والإدارة التي سعى لها الإسلاميون دهرا من السنين.

الخيال السياسي والحلم الاجتماعي

لم يتوقع أكثر المحللين فطنة أن تنتهي تجربة الإخوان المسلمين في مصر بهذه السرعة الفجائية، وأن يتحول مزاج الشارع المصري في غضون العام من الإقبال على انتخاب الإخوان المسلمين والوثوق بهم، إلى مليونية ترفض حكمهم وتطالب بإنهائه بصورة حاسمة. كان من المرجح طبقا للمراقبين أن يحقق الإسلاميون بعض النجاحات النوعية اعتمادا على مكتسبات وإمكانات السلطة مدعومة بالتأييد الشعبي الواسع للتغيير الذي اختار الإسلاميين بوصفهم البديل الآمن، أو لا أقل أن يتصاعد الاستياء الشعبي ضد التجربة الإسلامية بعد فترة زمنية معتبرة، وبعد تراكم عدد لا بأس به من الأخطاء.
لكن هذا التوقع لم يتماش مع سياقات المخاض العسير الذي ضرب الدول العربية والإسلامية من المحيط إلى الخليج، وقد بدا واضحا أن الدعم المعنوي والمادي الذي قدمته القوى الغربية للإسلام السياسي، لم يكن خيارا نهائيا ومنجزا بوصفه البديل المستقر لاستلام كراسي الحكم الفارغة، وإنما مجرد أداة ناجعة وقوية للتخلص من أنظمة ما قبل الربيع العربي، فشعبية التيار الإسلامي، وقدراته التنظيمية، وضعاه في دائرة «الخيارات الصعبة» التي لا يمكن تجاوزها بسهولة، كما أن الاستعدادات التي أبداها الإسلام الحركي في كل من مصر وتونس وليبيا وسوريا بوصفه عراب الإسلام الأردوغاني التركي المتصالح مع الغرب، كان مبعث أمان الدول الغربية.
هكذا تألق الإسلاميون المتأهبون لاستلام ميراث الحكم في مبادراتهم، فلم تكن مصر إلا محطة جاورتها محطات أخرى في تسلم دفة الحكم في تونس وليبيا، في الوقت الذي كان نظراؤهم يخوضون معركة طاحنة في سوريا، ودخلوا في مساومات متقدمة للمشاركة في الحكم في المغرب والأردن، واصطدموا مع حكوماتهم في الكويت والإمارات، ربما تكون التجارب الأخيرة أقل بريقا لكنها تشكل في مجملها صورة للإسلام السياسي الذي انتفض ليعيد مجد الخلافة وينجز الخيال السياسي للإسلاميين بوراثة الأرض.
على أن ثمة معضلات حقيقية واجهت ولا تزال تواجه الحراك الإسلامي في مساعيه نحو الحكم، إذ لم ينتج الإسلاميون في تجربتهم الراهنة أو حتى السالفة، خطابا إسلاميا رصينا متوازنا بمستوى إدارة دولة متنوعة، ولم يفرقوا بين الخيال السياسي والواقع المجتمعي الذي ينتظره أغلب الناس، فالمسألة كانت أكبر بكثير من كونها عملية توارث لمكتسبات الحكم والدولة، وأوسع من تحقيق انتصارات جانبية أو مؤقتة على الخصوم، وإنما هي مسؤوليات عميقة تتطلب توفير الأدوات الحديثة والملائمة لإدارتها وتحقيق مقاصدها، كما تتطلب قدرة فائقة على فهم الواقع ومتطلباته.
بالاطلاع على أغلب ما نشر في السنوات الأخيرة، نلاحظ أن الإخوان المسلمين وأمثالهم من مناضلي الإسلام الحركي، اكتفوا بنقد الحكومات القائمة، ونشر المعلومات حول النظم القمعية، واستفادوا من وسائل الإعلام الحديثة لتوسعة دائرة الأنصار حول عدد من القضايا التي تعكس معاناة الناس اليومية، لكنهم لم يقدموا مادة علمية رصينة توضح شكل النظام السياسي كما يراه الإنسان المسلم في العصر الحديث، فقد كتب الإسلاميون كثيرا من الكتب والمقالات حول قضايا مختلفة في الشأن العام، لكن رغم كثافة وانتشار كتاباتهم، لم يقدموا فكراً عميقاً في شأن الدولة والحكم والإدارة، وتمسكوا بشعار الإسلام هو الحل، وأن أهل الشريعة أقدر على إدارة دار الإسلام.
إن القول بأن الشريعة تحتوي على كل الإجابات التي يطرحها الإنسان المعاصر أمر مقبول من الناحية النظرية عند الإنسان المسلم، لكنها لا تفي بالغرض عندما يكون الإسلامي في موضع الحكم والإدارة، ويواجه عديدا من الأسئلة الحرجة والإشكالات اليومية، والمشكلات التي هي مقتضيات عمل السلطة، ومن طبيعة التحديات التي تبرز أمام إدارة الجهاز البيروقراطي في الدولة الحديثة، إن أغلب ما كتبه الإسلاميون في هذا السياق لم يتجاوز النظريات العامة المدرسية، والطرح الجمالي للنظام الإسلامي، فيما توارت المحاولات الفكرية الجادة والبحوث المعمقة.

الإسلام السياسي والخطاب الغائب

أحد أسباب ذلك القصور يعود إلى انشغال الحركات الإسلامية المعنية – الإخوان المسلمون مثالا- في مقارعة السلطة القائمة، والتهاء قادتها ورجالها بأمور تخص التنظيم الداخلي للجماعة، أما مسألة «التمكين» التي تبشر بها الجماعة فلم تتحول إلى فكرة واثقة عند الإسلاميين، وإنما ظلت مجرد «أمل منتظر» تسعى إليها الجماعة الإسلامية على افتراض أنها سوف تتحقق في زمن قادم، زمن هم ليسوا جزءا منه بل مرتحلين عنه، وظلت التحديات سالفة الذكر جزءا من الهموم الهامشية، واكتفت الجماعة ورجالها بتناولها كمواد إعلامية تصلح لتعبأة جمهور متحفز، وتعمل على تعميق إيمانهم بالجماعة، ولم يطرحوها كضرورات ملحة لواقع قائم.
ولذا يلاحظ أن أغلب التجديدات والمواقف في القضايا العامة، لا تبادر الجماعة الإسلامية للنظر فيها، أو التعديل عليها ومراجعتها، إلا بعد أن تشعر بضغط الأمر الواقع، وأنها في موقف لا يسمح لها بمواجهة التيار الاجتماعي أو السياسي العام، وهو الأمر الذي بدا واضحا في طريقة تعاطي الإسلاميين المتردد مع مشاركة المرأة السياسية، أو قبولهم المتأخر بالدستور الوضعي، أو الخضوع القسري لنتائج صناديق الاقتراع وفق النظام الحديث، أو ضبابية الرؤية حول حقوق المواطنة واستحقاقاتها السياسية والاجتماعية وغيرها.
في مصر مثلا لم ينهر مشروع الإخوان المسلمين السياسي بسبب الظروف المعيشية فقط، وإن مثّل ذلك عامل ضغط على الناس التي حلمت بمستقبل مختلف، وإنما حصل ذلك بسبب فشل الإخوان في إنتاج خطاب حديث يستوعب تطلعات الشعب المصري، ويكسب الفرقاء لصالح مشروع الدولة. وهو ما انتهى إلى عزلة الإسلاميين عن فئات واسعة من المجتمع، التقليدية والحديثة، فلم يترددوا عن افتعال خصومة مع مؤسسة الأزهر العريقة، وتجلت الطائفية بأبشع صورها، فبرزت الصراعات المذهبية القديمة بين الأشعرية الصوفية والسلفية والشيعة، وتضامن الحكم مع المجموعات الإسلامية المتشددة ضد القوى الوطنية، وعاشت الكنيسة أسوأ ظروفها في ظل حكم الإسلاميين.

الثورة .. الشرعية المتحولة

إنّ وصول حركة سياسية إلى السلطة باسم الإسلام، والعمل على تعزيز الهوية الإسلامية هو أمر مشروع، لكن توقف الحركة عند مهمة الدفاع عن الهوية وترصيص صفوف الجماعة، هو فشل لذلك المشروع وسقوط للهوية ذاتها، فالعلاقة مع الهوية هي علاقة أخلاقية بالدرجة الأولى، والتقدم نحو نظام العدالة وسيادة دولة القانون، والتفكير العميق بإنجاز البديل، هو أمر يتفق مع تعزيز الهوية، ولا يتعارض معها، بل ويسهم في رص صفوف المجتمع لصالح مقررات الحكم.
على الإسلاميين اليوم أن يدركوا حقيقة أن التنظيمات المجتمعية الثورية التي ولدت أثناء وبعد الربيع العربي، وواجهت آلات القمع التقليدية بكل بسالة، واستطاعت أن تنجز مهمة إسقاط الحكومات الديكتاتورية العريقة، لم يعد بالإمكان التعاطي معها بلغة القوة والتهديد والقسر، ولابد لهم من إنتاج خطاب توافقي، يستوعب المجتمع بكل أطيافه وتوجهاته.
كما يتوجب عليهم الإقرار بأن عالم ما بعد الربيع العربي تغير وإلى حد كبير عن شكله القديم، حيث وجدت أشكال جديدة وفاعلة خارج حيز المؤسسات التقليدية، ولم تعد أنماط العلاقات القديمة مؤثرة بنفس الدرجة والأهمية، كما لم تعد وسائل جس نبض الشارع على حالها القديم، فجيل ما بعد الربيع العربي هو جيل تقني وثوري ومغامر، ولا يمكن الاتكاء على الأساليب القديمة وحدها لإنجاز الشرعية السياسية أو قياس حجم الرضا الشعبي العام.

حظر جمعية الإخوان المسلمين بمصر ودلالاته - رضوان السيد - جريدة الشرق الأوسط

كتب محرر دار الغربة : المشكلة مع الدكتور رضوان السيد في توظيفه السياسي للفكرة المعقولة والقابلة للرد والقبول فيحكم على دولة شرعيتها (دينية شعبية وفق مصطلح الشيخ ابو الأعلى المودودي ) ويستثني أخرى أساس قيامها  يستند إلى الغَلَبَة والشرعية فيها اليوم قَبَلية لا علاقة لها بالتنظيمات أوبالشريعة  إلا تحدرها من تحالف تنظيمي ( قَبَلي - شرعي ) ليحكم بالتالي على نظام الرئيس محمد مرسي ( الإخوان ) الذي وصل بشرعيتين ثورية شعبية وانتخابية شعبية لا يفترض أن ينقضهما قيام قسم من الشعب في وجه النظام مهما بلغت الأخطاء . وموقفي في الشأن المصري هو قبول الدعوة إلى المراجعة السياسية والمصالحة الوطنية ووقف العنف الداخلي قبل الوصول إلى مأزق الإنقسام والتقسيم وتضييع هوية وقوة مصر من يد العرب والمسلمين والمسيحيين من غير العرب فيستجيب الإخوان المسلمون لمحاولة إدخالهم في متاهة ودوامة إثبات شرعية التنظيم على حساب إثبات شرعية الوطن والدولة وفقا لقواعد لعبة مصارعة الثيران بإلهاء الثور بمواجهة العلم الأحمر دون القاتل المصارع .

حظر جمعية الإخوان المسلمين بمصر ودلالاته - رضوان السيد
حظر جمعية الإخوان المسلمين بمصر ودلالاته
لا ينبغي الاستخفاف بقرار القضاء المصري فرض الحظر على جمعية (جماعة) الإخوان المسلمين بالبلاد. ليس لأن القرار أو الحكم له جوانب سياسية؛ بل لأنها ليست المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك: فقد حصل الأمر نفسه بعد اتهام أعضاء بالتنظيم الخاص لـ«الإخوان» بقتل رئيس وزراء مصر في الأربعينات من القرن الماضي. أما القرارات الأخرى ضد الجماعة عامي 1954 و1965 فقد كانت سياسية وسيادية. وفي الحالتين المذكورتين فقد كان الاتهام المشاركة في أعمال إرهابية ضد أمن الدولة والنظام العام. أما هذه المرة (أي بتاريخ 2013/9/23) فقد كانت التهمة قيام الجمعية ذات الطابع «الخيري والاجتماعي» بنشاطات سياسية، ووجود أسلحة بمقراتها، وتحريض قادتها على العنف ضد خصومها من المتظاهرين السلميين.
سيقول كثيرون (بينهم عرب ومسلمون وغربيون) إن هذا الحكم القضائي سياسي الدوافع، لأنه جاء بعد إقصاء الرئيس محمد مرسي، وإصرار «الإخوان» وحلفائهم على الاعتصام والتظاهر والاشتباك مع قوات الأمن والجيش من أجل استعادة «الشرعية والشريعة». ومصطلحا الشرعية والشريعة في نظري هما الخيط الذي ينبغي التقاطه لفهم ظاهرة الإسلام السياسي السني والشيعي خلال العقود الماضية. فالذي لا يعرف أصول الحركات والتنظيمات الإسلامية المسلحة وغير المسلحة سيتجاهل مفردة «الشريعة» في الشعار المرفوع، وسيعتبر أن «الشرعية» هي المعروفة شروطها في العالم المعاصر مثل الدستور والانتخابات الحرة، وفصل السلطات، والأحزاب السياسية المتنافسة في المجتمع السياسي المتعدد والمفتوح. و«الإخوان» أنفسهم ومتفرعاتهم وأنصارهم بسائر البلاد العربية وبعد الانتخابات بالذات هم الذين شجعوا ولا يزالون على الانطباع بأنهم ليس في أذهانهم وتفكيرهم غير ذلك، عندما يتحدث الرئيس مرسي أو الغنوشي أو غيرهما عن الشرعية.
أما الواقع ومنذ الأربعينات من القرن الماضي فهو أن سائر الجمعيات والجماعات الإسلامية المتحولة إلى تنظيمات وأحزاب تربط ربطا وثيقا بين تحقق الشرعية وتطبيق الشريعة. وهذا الربط يعني عدة أمور؛ الأول أنه في زمن الدولة الوطنية الذي بدأ في حقبة ما بين الحربين العالميتين، تسللت قناعة إلى فئات من ذوي الذهنية الدينية العالية الحساسية، بأن الشرعية التقليدية في المجتمعات والدول الإسلامية تقلصت وأوشكت على الزوال، فظهرت في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي مئات الجمعيات للحفاظ على الهوية الدينية التي يتهددها الاستعمار والتغريب والدولة الوطنية البازغة. والأمر الثاني أن هذه الجمعيات نسجت خلال عقدين من الصراع لنفسها شرنقة تركزت فيها تلك الشرعية الزائلة عن سواها. وبالطبع فإن المشروع الوطني لدى الفئات الأَوسع والذي كان يحقق نجاحات حتى الستينات من القرن الماضي هو الذي ظل يستأثر بمشاعر الأكثريات الشعبية، مما أدى إلى تحول تلك الجمعيات، إلى أقليات صغيره وحاقدة.
والأمر الثالث أنه خلال تلك العقود الثلاثة في ما بين الثلاثينات والستينات أنتجت تلك الجماعات والتنظيمات أدبيات هائلة الاتساع تغذت على ثقافة الحرب الباردة وآثارها على العالمين العربي والإسلامي، ومن ضمن ذلك عقيدة الحاكمية في مواجهة الدولة الوطنية. والحاكمية تعني أن هناك نظاما كاملا موحى وشاملا لا بد من فرضه على الدولة والمجتمعات أو على المجتمعات من خلال النظام السياسي الذي يسيطر فيه الإسلاميون، ولا طريقة لاستعادة «الشرعية» إلا ذلك. والأمر الرابع أن خيبات الدولة الوطنية وقمعها زادا من شعبية تلك التنظيمات الإحيائية والأصولية. وقد تحرك الجمهور في كل مكان ضد الأنظمة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي: ومن باكستان إلى إيران إلى مصر إلى سوريا. أما في إيران فإن المؤسسة الدينية القوية استطاعت استيعاب ثوران العامة فأقامت دولة دينية قوامها نظام ولاية الفقيه (الصيغة الشيعية للحاكمية). وأما في مصر وبلدان عربية أخرى، وبسبب عجز الإسلاميين الجدد عن الاستيلاء على السلطة؛ فقد انفجرت في أوساطهم وعلى حواشيهم جهاديات تحمل الفكر نفسه، فحولت الإسلام إلى مشكلة عالمية.
والأمر الخامس أن تيارا رئيسا في تنظيمات الشريعة والشرعية هذه ما دخل مباشرة في العنف آنذاك، وإنما تابع عمليات الأسلمة المتشددة في المجتمعات، وأغرى فئات واسعة من الطبقات الوسطى بسلميته فانخرطت فيه أو عبّرت شرائحها المثقفة عن خيبتها من الأنظمة باعتناق مقولاته، وصلاحيته لأن يكون بديلا طهوريا عقائديا وسياسيا.. وهاتان المسألتان: اليأس من الأوضاع القائمة، والاقتناع بأن الإسلام الفصامي هذا هو الحلّ الأمثل لمسألة الشرعية، هما اللتان أبرزتا الإسلام السياسي على السطح بعد سقوط القمع خلال الثورات. والأمر السادس والأخير أن الخطير على الدين والدولة في المجالين العربي والإسلامي ليس وصول هذا الحزب الإسلامي أو ذاك للسلطة، فقد وصلت أحزاب ذات عنوان ديني للسلطة في أوروبا بعد الحرب الثانية. بل الخطير هو تلك العملية الهائلة خلال عقود لتحويل المفاهيم: الإسلام دين ودولة. وقد ذهبت «الشرعية» لأن الدين خرج من الدولة بقيام الدول الوطنية القائمة على المواطنة وليس على مقتضيات الهوية. ولا بد لكي تستعاد الشرعية من قيام دولة إسلامية، أو لا تكون الدولة إسلامية من جديد إلا بالاستيلاء على النظام السياسي وفرض تطبيق الشريعة. وبالطبع فإن هذه المقولات العقائدية جميعا فاسدة. فديننا كامل وكذلك شرعية مجتمعاتنا وشريعتها. أما الأنظمة السياسية فهي عرضة للتغيير استنادا إلى إرادة الجمهور ومصالحه. ولذا عندما ثار الشبان العرب ما كانت شكواهم من قلة دين حكامهم العسكريين، بل من قمعهم وفسادهم، وهدرهم للمصالح العامة. وهوية الدول والمجتمعات لا يحددها النظام السياسي القائم بل ثوابت الدين والثقافة والقومية والأرض والتاريخ. ولذا يكون خطيرا بالفعل هذا الدمج بين الشرعية والتنظيم الحزبي باسم الدين، وتسليم الدين إلى نظام سياسي حزبي يدخله في بطن الدولة، ويحول الصراع السياسي إلى مجادلة بين أحزاب متنافسة على السلطة، فتصبح هذه الفئة مسلمة لأنها أيّدت «الإخوان»، وتلك منحرفة لأنها لم تؤيدهم!
يوم الحكم على جمعية الإخوان بالحظر حدثت وقائع أخرى مفزعة كلها باسم الإسلام: أغارت حركة «شباب المجاهدين» الصومالية على مجمع تجاري في كينيا فقتلت ستين إنسانا أو يزيد. واقتحم «إسلاميون» كنيسة بباكستان وقتلوا عشرات المسيحيين المصلين. وأُعلن أن إيران استوردت إلى سوريا شيعة أفغانا للقتال مع نظام الأسد إلى جانب الحرس الثوري الإيراني وشيعة من لبنان والعراق واليمن والبحرين. كما أُعلن أن أفغان «القاعدة» بسوريا وشيشانها ما اصطدموا فقط بأفغان إيران؛ بل أيضا بجبهة النصرة التي تنتمي إلى فرع آخر من «القاعدة». وأعلن الجيش المصري أخيرا عن عمليات قبض على «جهاديين» في سيناء وبالداخل المصري يناضلون من أجل عودة الرئيس المصري المعزول!
إيران الدولة القومية تستخدم المذهب الشيعي لخدمة مصالحها، فتضرب البلدان وتشرذم المجتمعات العربية والإسلامية. و«الإخوان المسلمون» المصريون يستخدمون «الجهاديين» السنة للدفاع عن شرعيتهم. و«القاعدة» وأنصارها يمارسون الإرهاب باسم الإسلام في سائر أنحاء العالم، وإنما بخاصة ضد العرب والمسلمين! وأنا أرى أن طبيعة ديننا سنة وشيعة لم تتغير، وهؤلاء جميعا انشقاقات تضر بديننا وأخلاقنا وأعراف مجتمعاتنا وعيشها التاريخي والحاضر. ولا فرق في ذلك بين الجهادي والتنظيمي وتابع ولاية الفقيه. ولست أدري كيف تبلغ عمليات التحويل والتزوير للنص القرآني (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) بحيث تستباح الدماء إلى حدود الإبادة!
إن المهمة الضرورية والمصيرية والحاضرة لأهل الدين والأخلاق في مجتمعاتنا اليوم وغدا تتمثل في الخروج من هذا الإسلام السياسي بشتى أنواعه وأشكاله والذي يضرب الشريعة والشرعية باسم الدين!

بوابة فيتو: "الإيسيسكو" تصدر دليلًا للأئمة لتطوير الخطاب الإسلامى

بوابة فيتو: "الإيسيسكو" تصدر دليلًا للأئمة لتطوير الخطاب الإسلامى

"الإيسيسكو" تصدر دليلًا للأئمة لتطوير الخطاب الإسلامى

الأربعاء 11/سبتمبر/2013 - 02:19 م
اجتماع المنظمة الإسلامية اجتماع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة –إيسيسكو القاهرة أ ش أ
 
أصدرت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة –إيسيسكو- دليل الأئمة والمرشدين الدينيين خارج العالم الإسلامي للمساعدة في تطوير الخطاب الإسلامى وفق قيم الحوار والوسطية والاعتدال.

وأوضحت "الإيسيسكو"، في بيان صحفى اليوم الأربعاء، أن الإصدار الجديد في 182 صفحة ويتضمن خمسة فصول تتناول أهمية تكوين الأئمة، ومنهجية إعداد الخطبة والموعظة، ومنهجية إلقائهما، ومهمة الدعوة والحوار والتواصل، وأساسيات في الثقافة الإدارية والقانونية. 

وقد استعانت الإيسيسكو في إعداد هذا الدليل بالأستاذ عبد السلام الأحمر، عضو الرابطة المحمدية للعلماء في المملكة المغربية الذي شارك في تأطير مجموعة من دورات تأهيل الأئمة.

وجاء نشر هذا الدليل في إطار برنامج العمل الخاص بتكوين الأئمة الذي اعتمده الاجتماع التاسع للمجلس الأعلى للتربية والعلوم والثقافة للمسلمين خارج العالم الإسلامي المنعقد في موسكو خلال شهر يونيو 2008، وحرصت الإيسيسكو على تقديمه في اجتماعات رؤساء المراكز الثقافية والجمعيات الإسلامية في أمريكا اللاتينية والكاريبي، وجنوب شرق آسيا والمحيط الهادي. 

يذكر أن الإيسيسكو كانت قد عقدت بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت مجموعة من الدورات التدريبية لتكوين وتأهيل الأئمة في مجالات الحوار والوسطية والاعتدال في كل من سنغافورة (أكتوبر 2008)، وآخر بألمانيا، وتيرانا بألبانيا (2009)، وبروكسيل ببلجيكا (2010)، ولشبونة بالبرتغال (2011)، وفوزدو إيغواسو بالبرازيل، وبادوفا بإيطاليا (2012)، وباليرمو بجزيرة صقلية (2013)، إضافة إلى مجموعة أخرى من الدورات لفائدة الأئمة والدعاة في أفريقيا.

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

الأهرام :: توقعات مستقبل الإسلام السياسى بعد ثورة‏30‏ يونيو هل يقدم التيار الإسلامي مرشحا رئاسيا في الانتخابات القادمة؟

محمد أبو العينين
بعد الثورة الشعبية التي شهدتها مصر في‏30‏ يونيو والتي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين‏,‏ وأثبتت الأغلبية الصامتة حزب الكنبة بعد نزولها للشارع أنها القوي المؤثرة الآن في المجتمع المصري‏,‏ والتي تستطيع تغيير المسار‏,‏ وتصحيح الأوضاع‏,‏ مع تراجع تيار الاسلام السياسي‏,‏ بعد سقوط الاخوان المسلمين‏.  وفشل تجربتهم في الحكم, إلا أن العنف الإخواني والملاحقات الأمنية قد تتسبب في القضاء علي ما تبقي من أمل في مستقبل التيار الاسلام السياسي في مصر, بجانب أن هناك رفض شعبي لاستمرار الأحزاب الدينية, خاصة التي شارك المنتمون لها في أعمال عنف وتهديد للمواطنين, ولكن في حالة اخفاق الحكومة الحالية في تنفيذ خريطة الطريق, وتحسين الظروف المعيشية وتوفير الخدمات, قد يؤدي ذلك لاحتمالات عودة تيارات الإسلام السياسي بقوة, ونظرا للسيولة السياسية التي يشهدها الشارع السياسي المصري, تتباين الآراء حول مستقبل الإسلام السياسي في مصر وملامح الخريطة السياسية في الفترة المقبلة, فهناك من يري ضرورة حظر هذه التيارات بعد أن ثبت استغلالها للدين بهدف الوصول إلي سلطة الحكم والاحتفاظ بها, وهناك من يتوقع استمرار تيار الإسلام السياسي في الحياة السياسية ومشاركة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية بصفة مستقلين, وآخر يري عزوف جماعة الإخوان المسلمين عن العمل السياسي واللجوء للعنف والاغتيالات, بينما يطالب آخرين بعدم الاقصاء و تعاون كل القوي السياسية في بناء الوطن, مع مراجعة التيارات الاسلامية لخطابها, وأسلوب عملها, وأدواتها, والفصل بين عملها الدعوي والسياسي. في هذا الملف نستعرض آراء مفكرين وسياسيين وأساتذة علوم سياسية واجتماع سياسي, لمحاولة معرفة مستقبل التيار الاسلامي في العملية السياسية, وتحديد ملامح للخريطة السياسية في الفترة المقبلة.
a يؤكد د. ناجح ابراهيم المفكر الاسلامي علي أن الحركة الإسلامية أساءت للمشروع الاسلامي من خلال أمرين الأول الخطاب الاسلامي الذي قدمته في الفترة الماضية, كان خطابا استعدائيا واستعلائيا ويدعو للانتقام وليس العكس, وفيه خطاب تكفيري للآخرين, وهذا الخطاب أساء اساءة بالغة للمشروع الاسلامي, وينبغي مراجعة هذا الخطاب من جديد, الأمرالثاني تبني شعار الشرعية أو الدماء, وهذا الشعار الذي أدي الي الحرب والعنف واراقة الدماء في الشوارع, واستلهم هذا الشعار من التجربة الجزائرية الفاشلة, والتي أدت لمقتل أكثر من100 ألف قتيل, وجرح أكثر من70 ألف جريح, ومع ذلك لم تعد الشرعية ولم تحقن الدماء, ولم تطبق الشريعة الاسلامية, وهذا ما حدث أيضا في مصر لم ندرك الشرعية ولم نحقن الدماء.
مشيرا الي أن المشروع الاسلامي لم يسقط في مصر بسقوط مرسي, حيث لم يسقط المشروع الاسلامي من قبل بوفاة النبي صلي الله عليه وسلم, أوبسقوط الدولة الأموية أو العباسية, حيث أن المشروع الاسلامي دعوة واصلاح في المقام الأول, مشروع هداية الخلق الي الحق سبحانه وتعالي, وليس مشروع سلطة, والسلطة فيه وسيلة وليست غاية, فاذا تعارضت الوسيلة مع الغاية, فلتذهب الوسيلة للجحيم, وماحدث في الفترة الماضية بعد25 يناير هو خسارة جولة سياسية.
وعن مستقبل تيار الاسلام السياسي في العملية السياسية أكد الدكتور ناجح ابراهيم أن نجاح التيار الاسلامي في المستقبل يتوقف علي الالتزام بعدة قواعد من بينها الفصل بين العقائدي الثابت والسياسي أو الحزبي المتغير, وعدم استخدام المساجد في العمل الحزبي وقصرها علي القضايا السياسية العامة التي تهم الوطن كله بالاضافة الي قضايا الدعوة وثوابت الاسلام, وعدم تكفير أو تخوين أو تفسيق المخالف لها في الرأي السياسي أو الاختيارات السياسية, والفصل بين عمل الجماعات الدعوي وعمل الأحزاب السياسي, فاذا وصلت للحكم فينبغي عدم التداخل بين مؤسسات الدولة وبين الجماعة والحزب( السبب الذي أدي لسقوط الدكتور مرسي وهو التداخل المعيب بين مؤسسات الدولة والجماعة والحزب حتي صار الثلاثة كالأواني المستطرقة يتحرك بها الماء من هنا الي هنا دون ضابط أو رابط).
مشددا علي ضرورة عودة جماعة الاخوان المسلمين للعمل السياسي, وعدم اقصائها أو اقصاء أي طرف لما فيه من ضرر كبير, وحتي لاتتحول للعمل السري الذي كله آفات وأضرار.
تيار يدعي التدين
تشير الدكتورة هدي زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسي بأداب الزقازيق الي أن التيارات الإسلامية ظهرت في المجتمع كقوة هدامة سيطرت علي مقاليد القوة لضرب البناء الاجتماعي. مشيرة الي أن تلك التيارات سوف تسعي للبقاء في العملية السياسية, لكن دون وجود مستقبل سياسي لهذه التيارات, لأنهم لم يدركوا حتي الآن طبيعة المجتمع المصري الدينية, ومستوي تدينه, فالمجتمع المصري سبق اليهودية, والمسيحية, والإسلام, في التوحيد بعد أن نادي فرعون مصر اخناتون منذ عام1369 قبل الميلاد بالوحدانية, وعبقرية المصريين الدينية لا تسمح لأحد أن يهبط بهم لوثنية التيار الديني.
وتري الدكتورة هدي زكريا أننا أمام تيار يدعي التدين, وينتمي فكريا لحالة من الوثنية التي ترتدي رداءا إسلاميا من الخارج, فرغم أن الأديان السماوية بناءة, حيث حول الإسلام القبائل من الوضع البدوي لدولة عظمي, إلا أن التيار الاسلامي الآن يتكلم عن الأهل والعشيرة, ورغم أن الإسلام كان حافزا للتقدم وصانع للنهضة, فإذا بهم يحولونه لمعول للهدم والتخلف. مؤكدة علي أن مصير التيار الاسلامي في العمل السياسي يزداد ظلمة, بغض النظر عن العنف ولجوئهم له, لأن أفكارهم تزداد قتامة وظلاما يوما بعد يوم.
السلفيين أكثر تشددا
توضح الدكتورة عالية المهدي العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن العمل السياسي قبل25 يناير كان يقرره تيارين أساسيين الحزب الوطني في الحكم, وجماعة الاخوان المسلمين في المعارضة, الي جانب بعض الأحزاب السياسية التي لها تاريخ كأحزاب الوفد والتجمع, حيث المشهد من25 يناير الي30 يونيو كانت جماعة الاخوان مهيمنة علي الموقف, وظهر التيار السلفي الذي كان عمله في الأساس دعوي وديني, وأنشأ عدة أحزاب كلها تحت مظلته, وبدأت تظهر كيانات صغيرة تحت شعارات الثورة.
موضحة أن بعض الأحزاب الصغيرة سوف تختفي من الوجود في الفترة القادمة, وأن الأحزاب السلفية سوف تظهر علي الساحة لفترة محدودة, لأنها بالرغم من أنها تقدم الطرح الديني المختلف عن جماعة الاخوان, الا انها أكثر تشددا من الناحية الدينية عن الاخوان التي كانت أكثر انتهازية, ورغم محاولتهم التعامل مع الأحزاب الأخري, إلا أن طريقهم السياسي غير واضح, وهم مترددين, وتنقصهم الخبرة والحنكة السياسية, وتفكيرهم في الأمور الدينية أكثر من تناولهم للقضايا الدنيوية, فموقفهم من الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية غير واضح, وكل ما يطالبوا به تطبيق الشريعة الاسلامية. مؤكدة علي انهم بمثابة حزب ديني يبحث عن مرجعية سياسية, ليس له مستقبل واضح في العملية السياسية, وأن الفترة المقبلة سوف تشهد توجيه انتقادات حادة لهم.
وتعتقد د.عالية المهدي في إمكان ظهور أحزاب جديدة, وانتهاء دور حركة تمرد بعد نزول الجماهير في30 يونيو لأنها حركة لحظية, انتهي دورها بسقوط مرسي, وأن الإخوان بالرغم من سقوطهم سوف يحاولون العودة في صورة نواب مستقلين ويحصلوا علي ما بين15 الي20% من مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة, سيكون لهم مرشح في الانتخابات الرئاسية, وأن يحصل السلفيون علي من18 الي20% من مقاعد البرلمان, وحصول بعض الأحزاب الاسلامية الأخري علي عدد من المقاعد, علي أن يكون مجمل ما يحصل عليه التيار الاسلامي40% من مقاعد البرلمان القادم, أما بالنسبة للأحزاب التقليدية فهي ضعيفة, باستثناء حزب الوفد الذي يستمر في الارتفاع, وهو من أقوي الأحزاب نسبيا, ومن الأحزاب الجديدة المنتظر أن يكون لها وجود قوي حزب المصريين الأحرار, وحزب التيار الشعبي, وفي حالة ما اذا استطاع أعضاء الحزب الوطني استعادة أوصاله, وعودة الحزب الوطني, من الممكن حصوله علي ما بين25 الي30% من مقاعد البرلمان, حيث مازال علي الأرض هناك اتصالات قوية بين أعضائه, لكن لم تظهر بوادر لعودته حتي الآن.
وتشير الدكتورة عالية المهدي الي أن الأغلبية الصامتة بعد30 يونيو, عرفت أن لها دور وأن دورهم أتي بنتيجة وغير المسار تماما, وهي اذا وجدت من يمثلها التمثيل الجيد, فسوف تشارك بقوة في الحياة السياسية من خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية, ومن المؤكد أن هذه الأغلبية ليست مع تيار الاسلام السياسي, وتمثل قوي كبري, وعنصرا مرجحا ومؤثرا في الفترة القادمة.
ابتزاز في العمل السياسي
يقول حسين عبد الرازق نائب رئيس حزب التجمع وعضو لجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري إن المدة التي حكم فيها الرئيس المعزول, وجهت ضربة قاضية لتيار الإسلام السياسي, لا سيما لحزب الحرية والعدالة, ولجماعة الإخوان المسلمين, التي هي أساس هذا التيار في مصر, مما أضعف هذا التيار بشكل عام, وإن كانت هناك محاولات من جانب حزب النور لشغل هذا الفراغ الآن, وإعادة الحياة لتيار الإسلام السياسي لكنها تتعثر لأن فكرة إدخال الدين في السياسة ثبت فشلها, فهي جذر الأزمة التي نمر بها, وهي نوع من الابتزاز في العمل السياسي, وبالتالي أظن أن مستقبل العمل السياسي بالنسبة لتيار الإسلام السياسي سلبي للغاية.
وتوقع حسين عبد الرازق أن تواصل جماعة الإخوان المسلمين تحديدا من بين قوي التيار الإسلامي القيام بعمليات عنف متفرقة, وربما تلجأ للاغتيالات السياسية, وأن يحاول حزب النور الحصول علي عدد كبير من المقاعد في الانتخابات البرلمانية المقبلة, لكن يبدو أن منهجه في التعامل يجعله ضعيفا, حيث يعتقد الحزب أن حرص الدولة علي وجود الأحزاب والأطياف السياسية علي الساحة يعطيه الحق في فرض شروطه. كما توقع حسين عبد الرازق أن تظل الأذرع السياسية لباقي الجماعات الدينية موجودة لكن مهمشة, خاصة أن الدستور الجديد ربما يقرر عدم السماح بإنشاء أحزاب سياسية علي أساس ديني أو ذات مرجعية دينية.
ويشير حسين عبد الرازق الي أن دور الأحزاب في الفترة القادمة يتوقف علي أدائها وهي لديها فرصة بأن تنمو وتكون أكثر تأثيرا.
الاستفادة من التجربة
يري الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن التيار الاسلامي حقيقة موجودة في الواقع السياسي المصري, وله فصائله المتعددة فيوجد بخلاف جماعة الاخوان المسلمين, السلفيون ولهم أحزابهم, والجماعة الاسلامية ولها حزبها, وهناك فصائل أخري. فالتيار الاسلامي يستمد وجوده من كون الأغلبية الساحقة من المصريين ينتمون للاسلام, وأن الخطاب الاسلامي له وقع حسن في نفوسهم, وبعض قيادات هذا التيار بارعون في العمل الاجتماعي ولهم فيه خبرة واسعة, وامتدت به الي جميع ربوع الوطن.
وأوضح د. مصطفي أن فصيل الإخوان تحديدا قد مر بفترات صعبة عندما قام مجلس قيادة ثورة23 يوليو جماعة الاخوان المسلمين, واستمر هذا الحظر قائما لمدة تربو علي الستين عاما, واستطاعت الجماعة أن تبقي وتستمر, ورغم وجود قطاع واسع من المصريين ضاق بحكم الرئيس المعزول مرسي, الا أن هناك قطاع آخر يري أن الرئيس المعزول كان ينبغي أن يبقي لفترة4 سنوات كما حددها الدستور. مبينا أنه لهذه الأسباب يبدو أن التيار الاسلامي سوف يظل يعمل في الحياة السياسية في السر والعلن, فضلا عن أن قيادات التيار الاسلامي مصممة علي مواصلة نشاطها, وقد يلجأ عدد منهم للعنف والي العمل المسلح لمقاومة السلطات. مضيفا أن التيار الاسلامي في كل الأحوال سوف يواصل نشاطه الدعوي, ويحاول ايجاد طريقا لتمثيلهم في الانتخابات البرلمانية.
وطالب الدكتور مصطفي كامل السيد بادماج تيار الاسلام السياسي في الحياة السياسية المصرية بطريقة شرعية, والاستفادة من التجربة الماضية, وذلك من خلال تكوينهم لجمعيات أهلية تخضع للقانون, وألا تشارك في العمل السياسي, ولأنصار هذا التيار تأسيس أحزاب سياسية مع الالتزام باحترام مباديء حقوق الانسان الواردة في وثائق دولية وصدقت عليها الحكومة المصرية, مع حظر الدعوة لأي حزب سياسي في دور العبادة. مطالبا بالتعامل مع هذا التيار في اطار القانون, وليس اللجوء لأساليب استثنائية.
تجديد القيادات
تري الدكتورة سوسن فايد أستاذ علم الاجتماع فشل قيادات تيار الاسلام السياسي في الفترة السابقة علي مستوي التنظيم, وبالتحديد جماعة الاخوان المسلمين التي تقلدت السلطة في مصر, لكن من المؤكد أنه سيكون هناك تجديد لتلك القيادات, ففكرة الجماعات الدينية أو الحركات لم تنته, و سوف تجدد نفسها من خلال قيادات جديدة تحاول أن تصحح الأخطاء والأسباب التي أدت لفشلهم بأساليب وأدوات جديدة, وما حدث بعد30 يونيو نهاية للقيادات فقط وتبقي الفكرة مستمرة, وسيكون هناك عقد جديد مع قيادات جديدة.
وتعول الدكتورة سوسن فايد علي ما سوف يتضمنه الدستور من مواد تقضي بالفصل في العمل السياسي بين الدين والسياسة, حينها ستتحدد رؤية تيار الاسلام السياسي, وتتحرر القيادات عن فكرها اذا ما أرادت أن تشارك في الحياة السياسية, وأن تفصل الدين عن السياسة اذا قرر الدستور ذلك, خاصة أن التجربة أثبتت فشل خلط الدين بالسياسة. مبينة أن الدستور هو المحك والبوصلة الموجهة للتيار الاسلامي في المستقبل بناء علي ما يتضمنه من قواعد تلزم التيار الاسلامي.
وتؤكد أهمية استرداد كل القوي الشعبية والشبابية والثورية لثقتها في نفسها بعد30 يونيو, لأن الفترة القادمة ستشهد من تلك القوي مشاركة أعلي بعد نجاحهم وتحقيق ذاتهم, أما الأحزاب التقليدية فهي تحتاج لبعض الوقت حتي تتبلور صورتها الجديدة المتفقة مع الواقع, فلابد من تنميتها ذاتيا والتأهيل للعمل طبقا للمعطيات الجديدة.
رابط دائم: 

السبت، 15 يونيو 2013

وزير الثقافة الجديد يتحسس مسدسه - جلال أمين - بوابة الشروق

وزير الثقافة الجديد يتحسس مسدسه - جلال أمين - بوابة الشروق


وزير الثقافة الجديد يتحسس مسدسه


قرأت مرة تعريفا للمثقف لا يخلو من طرافة، وأظن أن القائل به لم يكن جادا تماما، ومع ذلك فالتعريف لا يبعد كثيرا عن الحقيقة. المثقف طبقا لهذا التعريف هو «الشخص المشغول بالأمور المبهمة»!.

المثقف فيما يبدو، لا يكف عن البحث عن الحقيقة (وان كانت هذه الحقيقة دائما مبهمة)، سواء كانت طريقته فى البحث عنها كتابة قصة أو رواية أو مسرحية، أو رسم صورة أو كاريكاتير، أو نحت تمثال، أو  تأليف مقطوعة موسيقية، أو كتابة بحث تاريخى أو اجتماعى...إلخ. هناك دائما شىء مبهم، أو على الأقل ليس واضحا تماما، عصى عن الاحاطة التامة به، والنتيجة لا تكون أبدا قاطعة (بل ان النتيجة القاطعة كثيرا ما تفسد العمل الأدبى وتضعف البحث التاريخى أو الاجتماعى).

ولكن هذا العجز المستمر عن الوصول إلى نتيجة قاطعة (مع المحاولة المستمرة للاقتراب منها) هو نفسه الذى يكسب العمل الأدبى أو الفنى جماله، ويكسب البحث التاريخى أو الاجتماعى قدرته على إثارة المزيد من التفكير. هذا العجز عن الوصول إلى نتيجة قاطعة هو أيضا الذى يجعل الأديب أو الفنان أو الباحث لا يتوقف أبدا عن المحاولة من جديد، ومن ثم يضفى على حياتنا بهجة مستمرة وحيوية متجددة، ويجعلنا نفهم وصف شخص بأنه «مثقف»، لا على أنه شخص بلغ درجة معينة من المعرفة، بل على أنه شخص منهمك فى «عملية» لا تنتهى من البحث عن حل «لأمور مبهمة».

تذكرت هذا التعريف للمثقف عندما شاهدت فى الآونة الأخيرة احتدام الصدام بين عدد كبير من صفوة المثقفين المصريين وبين وزير جديد للثقافة، عينه نظام يحكمه الإخوان المسلمون، وخطر لى أن السبب الحقيقى لهذا الصدام الحاد قد يكمن فى الفرق بين طبيعة المثقف (التى وصفتها فيما سبق) وبين طريقة تفكير المنتمين لمذهب من مذاهب الفكر السلفى (بالمعنى العام للسلفية الذى يشمل أيضا جماعة الإخوان المسلمين).

لقد قرأت فى الصحف، فى غمار هذا الصدام، اتهاما وجهه بعض المثقفين لجماعة الإخوان يتضمن خلوها من «المبدعين»، وان الاسم الوحيد منهم، وهو سيد قطب، الذى يمكن اعتباره استثناء، كان نشاطه الثقافى أو «الإبداعى» سابقا على انتمائه للجماعة، ثم توقف بعد انتمائه إليها. هذا الاتهام فى رأيى صحيح (حتى لو عثرنا على استثناء أو استثناءين غير مثال سيد قطب الذى يدعم الاتهام ولا يدحضه)، مما يثير التساؤل عما إذا كان هناك تعارض مهم بين طبيعة (أو نفسية) المثقف، وطبيعة المنتمى إلى جماعة تعتنق مذهبا من المذاهب السلفية.

  
أرجو ألا يستغرب القارئ (الذى سار معى حتى هذه النقطة)، إذا تحولت فجأة إلى الكلام عن نوع اخر من الناشطين السياسيين وهم الماركسيون. فعلى الرغم مما نعرفه من تعارض صارخ بين أفكار الماركسيين وأفكار المتدينين المسيسين، فإن بين الفريقين شبها صارخا أيضا، كثيرا ما أشار إليه دارسو الفكر السياسى، مما يسمح لى بالكلام عن الفريقين وكأنهما يتخذان موقفا واحدا من الثقافة والمثقفين.

قد يبدو هذا الكلام متعارضا مع ما نعرفه عن كثير من الماركسيين من اتساع فى الثقافة، واهتمامهم بمختلف أنواع الفنون والعلوم. ولكننى أصر على أن هناك وجه شبه مهما بين الفريقين فيما نحن بصدده.

فإذا قبلنا تعريف «المثقف» بأنه يشير إلى عملية مستمرة من القلق والبحث، وليس بأنه الشخص واسع المعرفة، وجدنا أن الماركسى المتعصب والمتدين المتعصب يجمعهما شىء هو العكس بالضبط، وهو الاطمئنان التام إلى أن ما وصل إليه تفكيره هو الحقيقة المطلقة التى لا تقبل نقاشا ولا تحتمل المزيد من الكلام، وأن هناك نصوصا قاطعة، لا تحتوى فقط على هذه الحقيقة المطلقة، بل ولا تحتمل أكثر من تفسير واحد، وأن التفسير الذى يتبناه صاحبنا هو التفسير الوحيد الصحيح والباقى هراء.

هذه الحقيقة الواحدة المطلقة، الكامنة وراء نصوص مقدسة أو شبه مقدسة، ولا تحتمل أكثر من تفسير واحد، تتعلق بالحياة الدنيا والحياة الآخرة (ويخطئ من يظن أن الماركسيين ليس لديهم أفكار قاطعة عن الحياة الأخرى أيضا)، وهى تتعلق بشكل النظام السياسى كما تتعلق بالعلاقات الاجتماعية والأخلاق.

كل شىء معروف ومنته، والتدليل على ذلك سهل جدا، إذ يكفى فى ذلك اقتطاف نص أو قول مأثور، دون بذلك أى جهد لفحص التفسيرات المختلفة التى يمكن ان تعطى له، أو للبحث عن المعانى المختلفة التى يمكن أن تعطى للكلمات والمصطلحات. الأمر دائما مقطوع به ولا يحتمل أى نقاش، أو حتى إرهاق الذهن بإعادة التفكير فيه.

إذا كان الأمر كذلك، فهل نستغرب أن يخلو أصحاب الفكر السلفى من «المبدعين»، أيا كان تعريفنا للإبداع؟ أن يكون هذا موقفهم من المثقفين المشغولين «بالبحث فى الأمور المبهمة»؟ بل هل نستغرب أن يقدموا بتغطية التماثيل أو تكسيرها، وبإحراق الكتب وإغلاق الأوبرا وتحقير فن الباليه.. الخ؟ إذًا ما الذى يمكن أن يكون هدف ناحتى التماثيل ومؤلفى الكتب، وراقصى الباليه إلا إثارة الشكوك فى أشياء تم حسمها منذ زمن طويل وانتهى حولها الخلاف؟.

إن هذا ما يفعله المتدينون المتعصبون اليوم، وهو نفسه ما فعله الماركسيون فى روسيا السوفييتية فقتلوا روح الشعب الروسى لعشرات من السنين، وهو ما فعله النازيون فى ألمانيا والفاشيون فى إيطاليا، لفترة أقصر لحسن الحظ، فأجبروا أصحاب أفضل العقول وأشد الناس حساسية على الهجرة هاربين إلى خارج بلادهم، أو على الهجرة مكتئبين إلى داخل النفس، مع التزام الصمت التام.


•••

من الأقوال المأثورة عن زعيم من زعماء النازية، وكان أيضا الساعد الأيمن لهتلر «إننى إذا رأيت مثقفا أتحسس مسدسى». وقد صدرت عن ستالين وموسولينى وهتلر نفسه أقوال مماثلة عن المثقفين. وقرأنا كيف كان حكم التاريخ على الرجال الثلاثة، سواء من تم شنقه منهم فى ميدان عام، أو قتل نفسه، أو مات موتا طبيعيا ثم تولى خلفاؤه كشف جرائمه بعد وفاته بثلاثة أعوام.

وها نحن الآن قدر رزقنا بوزير جديد للثقافة يقول كلاما مشابها عن المثقفين المصريين، ويتوعدهم بالتنكيل وسوء المصير، لأنهم يسيئون الأدب وينفقون أموال الدولة على مالا نفع منه. ها هو إذن وزيرنا الجديد للثقافة يتحسس مسدسه. وليس من الصعب، والحال كذلك، التنبؤ بما سوف يحدث للمصريين.

رد الاعتبار.. لنظرية المؤامرة - جلال أمين - بوابة الشروق

رد الاعتبار.. لنظرية المؤامرة - جلال أمين - بوابة الشروق

رد الاعتبار.. لنظرية المؤامرة

جلال أمين


نشر فى : السبت 15 يونيو 2013 - 8:00 ص
آخر تحديث : السبت 15 يونيو 2013 - 11:57 ص
لابد أن القارئ الكريم قد لاحظ أنه مع مرور الوقت، تزداد غرابة الأحداث التى تمر بها مصر، فإذا بكل حدث يثير الدهشة، يعقبه حدث آخر يثير دهشة أكبر، فمن قانون يسمى الصكوك الإسلامية لا علاقة له بالإسلام، إلى مشروع قانون لعزل الأراضى المحيطة بقناة السويس عن بقية الأراضى المصرية، إلى تجرؤ دولة أفريقية على إعلان مشروع يتضمن تحويل مجرى النيل دون استشارة مصر، إلى قطع الكهرباء عن الناس أثناء موسم الامتحانات دون تفسير مقبول، إلى تدهور الأمن فى الشارع وكأن استعادة الأمن مهمة مستحيلة إلى تعيين وزير غريب للثقافة يقوم فور تعيينه بأعمال أكثر غرابة، إلى صدور حكم ملئ بالمتناقضات من المحكمة الدستورية العليا، إذ ينص على أن مجلس الشورى باطل، ولكنه يمنحه الحق فى الاستمرار فى إصدار القوانين.. إلخ.

قد يلاحظ القارئ الكريم أيضا، أنه كلما زادت الأحداث المثيرة للدهشة والمستعصية على التصديق، كلما زاد ميل المفسرين والمعلقين إلى استخدام نوع من التفسيرات ينتمى إلى ما يسمى بنظرية المؤامرة. وليس هذا فى حد ذاته أمرا غريبا، إذ كلما عجز المرء عن تفسير الظواهر الطبيعية بعوامل طبيعية مثلها لجأ إلى «الميتافيزيقا»، أى إلى عوامل تنتمى إلى «ما وراء الطبيعة»، أى إلى تفسير الأحداث المرئية بأسباب غير مرئية، ومن هذا القبيل اللجوء إلى نظرية المؤامرة.

لا عجب إذن أن قرأت منذ فترة قصيرة، بضع مقالات لأستاذ مصرى مرموق فى العلوم السياسية يشرح فيها مشروعا قديما لتقسيم المنطقة العربية إلى قطع من الفسيفساء لصالح إسرائيل. كما نشرت مؤخرا صحيفة مصرية ملخصا لكتاب فرنسى حديث يشرح فيه دور قطر فيما يجرى فى المنطقة، ومقالات أخرى عن العلاقة بين الإدارة الأمريكية والإخوان المسلمين...الخ.

وأنا لا أجد أى غضاضة فى ذلك، إذ لا عيب فى الحقيقة فيما يسمى بنظرية المؤامرة إلا اسمها. «فنظرية المؤامرة» اسم قبيح لعملية عقلية مشروعة تماما، وهى البحث عن تفسير لظاهرة لايساعد فى فهمها ما نراه أو نسمعه مما يقال فى تفسيرها. لقد سمعت مرة الأستاذ الأمريكى (ناعوم تشومسكى)، الذى وصفته جريدة النيويورك تايمز مرة بأنه «قد يكون أهم مثقف على قيد الحياة فى العالم اليوم»، إذ يقول له محاوره «أليس ما تقوله الآن من قبيل نظرية المؤامرة؟» فيرد عليه تشومسكى بأن ما تسمونه نظرية المؤامرة.

قد يكون الاسم الأنسب له هو «التحليل المؤسسى»، أى البحث عن تفسير لما يحدث فى عالم السياسة والمجتمع بالرجوع إلى الدوافع الحقيقية التى تحكم تصرفات المؤسسات السياسية والاجتماعية، كالجيش مثلا، أو البنوك والشركات العملاقة، أى ما حذر منه الرئيس الأمريكى الأسبق أيزنهاور وسماه «تكتل المؤسسات العسكرية والصناعية».

•••

ليس من الصعب أن نكتشف نوع الأشخاص المعادين «لنظرية المؤامرة»، والكارهين لها، فهناك أولا، وبالطبع، «المتآمرون» أنفسهم، الذين يجدون مصلحتهم المباشرة فى إنكار وجود أى مؤامرة أو ترتيب خفى، وفى الاستهزاء بكل من يحاول لفت النظر إلى هذه الترتيبات. لابد أن هؤلاء هم الذين ابتدعوا أو على الأقل روجوا تسميتها بهذا الاسم.

وهذا يذكرنى بالذين ابتدعوا وروجوا لتهمة «العداء للسامية»، وإطلاق هذا الاسم على كل من يتجرأ على اتهام إسرائيل أو الصهيونية بأى اتهام. وقد انتشر هذا الوصف الغريب لهذه التهمة الغريبة «العداء للسامية»، انتشارا مذهلا، حتى اعتاد الناس عليه وضمنت بعض الدول قوانينها عقابا عليها، لأسباب مماثلة، وبنفس الدرجة المدهشة، انتشر استخدام اسم «نظرية المؤامرة» لوصف أى محاولة لاستخدام العقل لاكتشاف أسباب خفية وراء الأسباب المعلنة، إذا تعارضت هذه المحاولة مع مصالح من يخفى الأسباب الحقيقية ويعلن عكسها.

ولكن هناك أعداء آخرين «لنظرية المؤامرة» غير مدبريها والمستفيدين الأصليين من «المؤامرة» أو «الاتفاق الخفى». لقد صادفت كثيرين من المشتغلين بالعلوم السياسية والاجتماعية ممن يبدون حساسية مفرطة ضد «نظرية المؤامرة»، ويدأبون على الاستهانة بها وتحقيرها. ولكن هذا الموقف العدائى من جانب هؤلاء الأساتذة ليس من الصعب تفسيره.

إن كثيرين من هؤلاء حصلوا حقا على شهادات الدكتوراه من جامعات محترمة فى علم من العلوم السياسية أو الاجتماعية، وتعبوا بلا شك خلال سنوات دراستهم فى تحصيل المعلومات اللازمة فى موضوعات تخصهم، وربما اكتشفوا خلال ذلك بعض المعلومات التى لم تكن معروفة من قبل، ولكنهم مع ذلك يفتقدون صفة أو أخرى من الصفات اللازمة لإلقاء أى ضوء مهم على الموضوعات التى تشغل الناس فى الحقيقة. إن معظمهم أثبتوا قدرتهم على تقديم إجابات صحيحة على أسئلة غير مهمة، تاركين الأسئلة المهمة لمن يحبون أن يتهموهم بأنهم «أصحاب نظرية المؤامرة».

قرأت مرة لأستاذ بريطانى تعليقا على رسائل الدكتوراه التى تقدم فى هذه العلوم، فذكر فى تعليقه أن الجامعات البريطانية، (ولا شك أن قوله هذا ينطبق على غيرها أيضا)، ربما لم تكن لتمنح اليوم مفكرا كأرسطو شهادة الدكتوراه على ما ألف من كتب، لسبب أو آخر، ولكنها يمكن أن تمنح هذه الشهادة لشخص أثبت على نحو قاطع أن أرسطو كان يسكن فى البيت رقم (10) مثلا، فى شارع معين فى أثينا، بعكس الرأى الشائع بأن رقم بيته كان (8) أو (6)!

هناك نوع آخر من أعداء نظرية المؤامرة، أفضل بكثير من النوعين السابقين. هؤلاء لا يرفضون احتمال وجود مؤامرة (أو مخطط) لا يرغب أصحابه فى الكشف عنه وقد يعرفون جيدا الفرق بين الأسئلة المهمة والأسئلة الأقل أهمية، ولكنهم بطبعهم أشخاص «عمليون لا يحبون الاستغراق فى التفكير أو الجدل إذا لم يؤد هذا التفكير أو الجدل إلى النصح بالقيام بعمل معين.

إنهم إذن يفضلون عمل أى شىء طيب، مهما كان قليل الأثر، على التفكير فى أشياء أهم بكثير ولكنها لا تؤدى مباشرة إلى نتيجة عملية. من ذلك مثلا محاولة تحديد الحد الأدنى الأمثل، أو الحد الأقصى للأجور، فى وقت يزداد فيه فى كل ساعة عدد من لا يحصلون على أى أجر على الإطلاق، ويفضلون ذلك على محاولة تحديد المسئول عن استمرار مشكلة البطالة فى مصر، أملا فى الحصول على حل لها مهما كانت صعوبة هذا الحل.

يذكرنى موقف هذين النوعين الأخيرين من الناس بالقصة الطريفة المنسوبة لجحا، إذ وقع من جحا دينار ذهبى وهو سائر فى طريق مظلم، ولكنه رؤى وهو يبحث عنه فى مكان آخر بعيد عن المكان الذى وقع فيه الدينار. فلما سئل عن سبب ذلك، قال إن الضوء هنا أقوى! إننى بصراحة أفضل البحث فى الظلام الدامس، ما دام هذا هو مكان وقوع الدينار، ومهما كان الأمل ضئيلا فى العثور عليه، على أن أحاول البحث عنه (أو أن أتظاهر بذلك) فى مكان لا يمكن العثور عليه فيه.

الجمعة، 7 يونيو 2013

أحمد الطاهري يكشف " ما وراء الستار" في ملف "... - النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية

أحمد الطاهري يكشف " ما وراء الستار" في ملف "... - النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية
أحمد الطاهري يكشف " ما وراء الستار" في ملف " النيل"
ان الظرف السياسي يستدعي البوح بما في جعبتي المهنية الصغيرة لأن الامر يتعلق بأمن مصر القومي ويهدد وجودها لانه يهددها في نيلها .. لذا سيكون هذا المقال سردا لمعلومات دون تأويل او تحليل وعرض لحقائق مجردة .
بداية بحكم عملي محررا دبلوماسيا تولدت علاقة عملية وانسانية مع وزير الخارجية الاسبق " المتميز " احمد ابو الغيط وذلك في الفترة من اغسطس 2005 وحتى مارس 2011 عندما ترك ابوالغيط المنصب ليخلفه فيه الدكتور نبيل العربي .. خلال تلك السنوات اتيحت لي الفرصة لمعرفة تفاصيل دقيقة في ادارة العديد من الملفات من بينها ملف مياه النيل والتحرك في افريقيا بصفة عامة واستراتيجية مصر في هذا التحرك .
هذه الاستراتيجية ملخصها ان افارقة الالفية ليسوا افارقة ستينات عبد الناصر .. ففي الحقبة الناصرية كان كل ما تحتاجة الدول الافريقيه دعم سياسي ودعم مسلح وكانت مصر تستطيع ان تقدمه , اما افارقة الالفية فيسعون الي التنمية بمعني ادق يسعون لمن يملك امكانات مادية تساعدهم على التنمية .
من هنا كانت مصر تتحرك على محورين الاول هو الدفع باستثمارات مصرية في هذه الدول وتقديم خدمات على الارض من خلال خبراء الصندوق المصري لدعم التعاون الفني مع افريقيا وحتى 25 يناير 2011 التى شاء القدر ان اتابع احداثها من اثيوبيا وشاهدت شماتة الاثيوبين في مصر علنا وفي مبارك على وجه الخصوص لدرجة دفعتني الي البكاء ونهرني ابوالغيط بحزم قائد عسكري قائلا يجب ان نكون شامخين ... المهم كان لمصر حينها 390 خبيرا في افريقيا معظمهم فى دول حوض النيل فضلا عن قيام الصندوق بتأهيل كوادر هذه الدول في كل المجالات الشرطية والعسكرية والدبلوماسية والقضائية , اما مسألة الاستثمارت فتم الاعتماد على ثلاثة شركات رئيسية وهي اوراسكوم والسويدي والمقاولون العرب .. وحتى 25 يناير 2011 تمكنت الاستثمارات المصرية في اثيوبيا من تخطي حجم الاستثمارات الاسرائيلية وتجاوزت نحو المليار ونصف دولار .

اما المحور الثاني فكانت ان مصر لاتدخل في صدام مع دول حوض النيل حول اتفاقية عنتيبي وتتمسك بحقها في حصتها من المياة والتمسك بكل المعاهدات القانونية التي كانت دول حوض النيل وخاصة اثيوبيا تتنصل منها .. وكانت تتعامل عن ثقة في قدرتها على التأثير على الدول والجهات المانحة وكانت قادرة على ذلك لربط هذه المسألة بمصالح الدول المانحة ليس في مصر فقط ولكن في المنطقة .. وحتى يناير 2011 كانت مصر ناجحة في سياستها .

وفي مايو 2009 بدأت دول المنبع تصرخ من احكام مصر قبضتها على مسألة التمويل وكانت بداية حرب اعلامية شرسه على مصر وتصعيد هذا الملف لتحكيم دولي وتزامن مع ذلك الكثير من التقارير الصحفية في مصر التي تتحدث عن ضياع الدور المصري في افريقيا وتضخيم في الوجود الاسرائيلي مقابل الوجود المصري .

الي ان جاء مساء يوم 20 مايو 2009 وتم استدعائي في وزارة الخارجية المصرية والتقيت هناك مسئول رفيع اتحفظ عن ذكر اسمه لانه مازال يباشر سلكه الوظيفي .. ودار التحدث عن هذه المسألة وابلغني ان تقارير المخابرات العامة تؤكد ان تواجدنا يتجاوز بكثير تواجد اسرائيل في حوض النيل سواء من ناحية الاستثمارات او الدعم اللوجستي او تدريب الكوادر .
وفي مساء اليوم نفسه حصلت على تقرير المخابرات العامة من مصدر سيادي وكان عباره عن ملف من الاوراق في شكل جدول خانه تحمل اسم مصر والاخرى تحمل اسم اسرائيل .
وتفحص كل دولة من دول حوض النيل وتقارن بين وجودنا ووجود اسرائيل وعدد المسئولين الذين توجهوا لتل ابيب والعكس وعدد المسئولين في هذه الدول الذين توجهوا لهذه الدول والعكس بما يثبت احكام قبضة الدولة المصرية وقمت بنشر التقرير ماعدا الاجزاء التي تضم معلومات لايصح نشرها حفاظا على امننا القومي.

وفي يونيو 2009 التقيت السفير المخضرم محمد عاصم ابراهيم سفير مصر الاسبق في كل الدول التي تقع في دائرة الامن القومي وكشف لي الحاح القذافي على مصر لتوصيل قناة من مياه النيل والحاح ياسر عرفات لنفس السبب وكان رد مبارك عليهم انه ليس بامكانه تحويل مجرى النهر ولهذا اوقف مبارك العمل في ترعة السلام لان اسرائيل كانت تريد المياه ايضا.

في فبراير 2011 وبعد سقوط مبارك مباشرة اعلنت احدى الدول في حوض النيل انضمامها لاتفاق عنتيبي بعدما كانت في صف مصر والتقيت مسئول رفيع في الخارجية المصرية للاستفسار عن الامر فأجاب بوضوح قاموا بالتوقيع لأن " الشيك " اتأخر عليهم .

واثناء حكم المجلس العسكري قام رئيس وزراء اثيوبيا السابق ميليس زيناوي بتعليق التصديق على اتفاقية عنتيبي لحين انتخاب رئيس في مصر , هلل البعض وقتها واعتبره انتصارا للثورة المصرية بينما كان الواقع ان اثيوبيا تنتظر القادم في مصر لكي تحدد تكتيك المواجهة وقد كان .

وبعد انتخاب الدكتور مرسي وفي صباح 30 يونيو 2012 ذهبت لاجراء حوار مع الدبلوماسي المرموق السفير رفاعة الطهطاوي الذي اصبح فيما بعد رئيسا لديوان رئاسة الجمهورية وكان الغرض منه التعرف على فكر احد الاشخاص شديدة القرب من الرئيس الجديد لمعرفة ماهو قادم .. وعندما تحدثنا في ملف المياة انتقد اسلوب ادارة مبارك واعلن صراحة بلهجة ناصرية ان مصر يجب ان تعرف الاشقاء في افريقيا انها قادرة على نفع اصدقائها كما انها قادرة على الحاق بالغ الضرر بمن يتخذ موقف عدائي منها .
وفي يوليو 2012 توجهت الي اثيوبيا لتغطية قمة الاتحاد الافريقي التي كانت اول ظهور لرئيس مصر الجديد في محفل دولي وكان ملفتا ان الزيارة خلت من تصريحات واضحه بخصوص ملف المياة او سد النهضة تحديدا وتم اختزال المكسب الدبلوماسي لمصر في اعادة الزميلة شيماء عادل الصحفية بجريدة الوطن من الخرطوم بعد احتجازها من قبل السلطات السودانية اثناء تأدية مهام عملها بتغطية المظاهرات في الخرطوم على نفس الطائرة مع الرئيس وتم احضارها من الخرطوم الي اديس ابابا وعادت معه وهلل الاعلام وقتها لهذا الامر وخاصة الاخواني في حين كانت مصر قد تلقت هزيمة دبلوماسية عنيفة في هذه القمة عندما خالفت جنوب افريقيا العرف الافريقي الخاص برئاسة الاتحاد الافريقي وتقدمت للمنصب وحصلت علية لتقترب من حسم معركتها مع مصر بالضربة القاضية لتكون هي ممثل افريقيا في مجلس الامن حال توسعته وهو الملف الذي تحارب من اجله الخارجية المصرية على مدار السبعة سنوات الماضية .

وفي مارس 2013 ومن خلال متابعة تقارير الصحف الدولية كان هناك جرس انذار بأن ازمة مقبلة في ملف المياه وقمت خلالها بعمل سلسلة حوارات تحت اسم الامن القومي المصري نشرتها جريدة الوطن في الشهر نفسه مع كل من وزير الخارجية الاسبق احمد ابو الغيط ووزير الخارجية السابق محمد العرابي واللواء محمود خلف مستشار اكاديمية ناصر العسكرية واللواء فؤاد علام الخبير الامني المرموق واللواء سامح سيف اليزل وكيل جهاز المخابرات العامة الاسبق وجميعهم اجمعوا ان مصر مقبلة على كارثة في ملف المياة خلال اسابيع .. وقمت بإرسال هذه الحوارات الي الصديق الاكاديمي المرموق احمد عبد ربة استاذ العلوم السياسية لصهرها في تحليل مضمون سياسي وهو ماقام به بشكل علمي واضعا خطا احمر على مسألة المياة .

وفي 24 ابريل 2013 حذر نائب وزير دفاع المملكة العربية السعودية " الشقيقة " الامير خالد بن سلطان من مؤامرة خطيرة تجهزها اثيوبيا لمصر والسودان تستهدف حقوقهم في مياة النيل .. وفي هذا اليوم اتصلت بعدد من الاصدقاء داخل وزارة الخارجية لسؤالهم عن تطورات ملف المياه فكان ردهم ان الوضع سكون يسبق العاصفة وطلبوا عدم اثارة الامر اعلاميا في حينها .
وبعدها بيومين جمعني عشاء مع عدد من الدبلوماسيين في احد فنادق القاهرة وابلغوني بالامر نفسه وان ادارة الامر ليست على المستوى المطلوب سواء داخليا في الوزارة وكذلك على مستوى القيادة السياسية وان كانوا قد قالوا ان هناك بعض التطور في المام الرئاسة بالملف وتفاصيله .

وفي نهاية مايو 2013 اعلنت اثيوبيا بتحد بالغ تحويل مجرى النيل .. وقبل ايام تابعنا حوار الرئيس مع شخصيات القوى السياسية وفضح امننا القومي على الهواء مباشرة .. وبين التاريخين دشنت العديد من المقالات الهوائيه فكان حق على ان اقدم المعلومة التي امتلكها .
وهذه المعلومات اهديها للقارىء لأنها حق له ليس لأنصاف شخص وتقليل من اخر ولكن لمعرفة الحقيقة .. فالامر اكبر من اشخاص الامر يتعلق بوجود مصر .

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

الإسلام النسوي....لا لتسييس القرآن - QANTARA.DE

 كتب محرر دار الغربة: ينشر موقع قنطرة مواضيع ذات تاريخ سابق لكن "راهنية" موضوع النص تبدو الأساس في اختيارها وهو ما يهمني لإعادة نشرها هنا مع الشكر لموقع قنطرة

 

الإسلام النسوي....لا لتسييس القرآن - QANTARA.DE

07.05.2012 

النسوية الإسلامية وتحديث الإسلام

الإسلام النسوي....لا لتسييس القرآن

تستخدم نسويات مسلمات مثل المفكِّرة والكاتبة الإصلاحية والأستاذة الجامعية الأمريكية أمينة ودود القرآن كأداة فاعلة من أجل الدفاع عن حقوق المرأة ومواجهة هيمنة النظام الذكوري الأبوي. ولكن بعضهن يقعن للأسف في فخ الفقه الدفاعي التبريري ويتعرضن لخطر استغلال الإسلام لأسباب سياسية، كما ترى الباحثة نيمت شكر في هذا التعليق.

نسوية إسلامية، هل يمكن وجود شيء من هذا القبيل؟ يبدو للوهلة الأولى أنَّ الإسلام والنسوية منهجان متضادان. ولكن على الرغم من ذلك تكوَّنت داخل الإسلام حركة نسوية تعمل على المستوى العالمي.
بدءًا بالولايات المتحدة مرورًا بأوروبا وصولاً إلى اندونيسيا تـُعقد سنويًا مؤتمرات عالمية، كما تنشط منظمات غير حكومية من أجل حقوق المرأة على أساس الشريعة الإسلامية. وقد نشأت نسوية إسلامية حتى في دول مثل إيران أو المملكة العربية السعودية.
ناشطات الحركة النسوية وفقيهات الدين مطلوبات لتقديم المحاضرات. وتعتبر أمينة ودود من بين الأكثر شهرة بينهن. وهي تتحدث عن جهاد النوع الاجتماعي (Gender Jihad) وعن النضال من أجل المساواة بين الجنسين. وتقول إنَّ الإسلام يريد في الواقع تجاوز النظام الأبوي بدلاً من ترسيخه. والقرآن يمدَّها بحججٍ قويةٍ تدعم بها أطروحاتها.
تناغم مع للحداثة
أمينة ودود
أمينة ودود، أحد أشهر المدافعات عن حقوق المرأة في الإسلام، تتحدث في كتابها عن جهاد النوع الاجتماعي (Gender Jihad) ، وعن النضال من أجل المساواة بين الجنسين
النسوية الإسلامية هي محاولة للتوفيق بين مبادئ الشريعة الإسلامية والقيم الحديثة مثل حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. ويبدو أنه لا توجد طريقة لمواجهة الأصولية والتعصب الديني أفضل وأكثر فعالية، إذ يتم بذلك ضرب العدو بأسلحته في نهاية الأمر. وفي الوقت نفسه يجري احباط جهود المدافعين عن صراع الحضارات، حيث يتم إظهار منح القرآن للمرأة حقوقٍ في وقتٍ لم تكن فيه أوروبا ولا للحداثة موجودين! لقد عامل النبي النساء باحترام ويجب اعتباره قدوةً للعلاقات بين الجنسين. هذا النهج يجعل الحركة النسوية الإسلامية محببة. ولكن حذاري من أنْ نخدع أنفسنا عبر تجميل بعض الأمور؟
ماذا عن السياق التاريخي الأبوي الذي جرى فيه تنزيل القرآن على النبي محمد؟ إجابة النسويات على هذا: إنَّ المبدأ الأخلاقي للمساواة في القرآن يزيل قواعد أبوية معينة، مثل حق الرجل في أن يكون له أربع زوجات. من يحدِّد معايير هذه المبادئ الأخلاقية الكونية للقرآن و من يحدِّد مكان وكيفية استخدامها؟ هذه المسألة مسألة تفسير النص. أرى أنَّ الرؤية السياسية الاجتماعية للحركة النسوية الإسلامية أكثر إشكالية، ذلك لأنها نشأت أيضًا باعتبارها ردًا على الإسلام السياسي وتؤدِّي بالتالي إلى حدوث توترٍ بين النشاط السياسي وفقه الدين. وفي الحالات القصوى ومن جراء ذلك تتكوّن في علوم الفقه مواقف تبريرية مدافعة.
شكل من أشكال الإصلاح الإسلامي الحديث
داود أمينة
أمينة ودود كانت أول امرأة تؤم صلاة الجمعة في عام 2005 في نيويورك، فلاقت أحيانا احتجاجات المسلمين المحافظين الغاضبة.
يعتبر الإسلام النسوي شكلاً من أشكال الإصلاح الإسلامي الحديث، الذي يتخذ الإسلام السياسي نقطة انطلاقٍ له ويمنحه مكانة إسلام الأغلبية. يتعلق الأمر في نهاية المطاف بامتلاك حق التأويل الذي يقبل بالإسلام السياسي أكثر من انكاره له. لذلك يتم منح الإسلام السياسي في حياة المؤمنين اليومية قوةً أكبر من القوة التي يملكها بالأصل. وبالتالي تتم تقوية ادعاء الإسلام السياسي بامتلاك الحقيقة. وهذا تطورٌ خطيرٌ لأنه يؤدي إلى تسييس علوم فقه الدين. بالتأكيد لا بد من الاهتمام بمواقف الإسلام السياسي الحديث، ومن منظورٍ فقهيٍ بالذات، لكي تمكن مواجهته بشيء ما. بيد أنه لا يجوز في هذا السياق تجاهل العلـّامة القدماء ومعهم تقاليد الفقه الإسلامي التي دامت أكثر من ألف عام.

التأصيل الإسلامي الدنيوي
أكبر خطأ يرتكبه المفكرون الإصلاحيون هو فهم الإسلام السياسي على أنه راسخٌ في التقاليد، لأنه بالذات يقطع مع المعارف والتقاليد القديمة، إذ يرى أنَّ الحداثة تتطلب مناهج جذرية جديدة. وقد كانت السلفية أيضًا حركةً إصلاحيةً في الأصل، قطعت بشكلٍ جذريٍ مع التقاليد الإسلامية، وقد تطورت كما نرى في اتجاهٍ من شأننا أن نصفه بأنه عقائديٌ ومعادٍ للحداثة.
إنَّ اعتبار الحركة النسوية الإسلامية طريقةً لمحاربة المشاكل الاجتماعية بوسائل دينية، هو أيضًا في نهاية الأمر محاولة للتأصيل الإسلامي لما هو دنيوي. ولا بد أيضًا للمفكرين التقدميين مثل المفكرة النسوية أمينة ودود الإقرار بذلك. علمًا بأنه لا يمكن حل المشاكل الاجتماعية والسياسية من خلال الدين وحده.

نيمت شكر
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012

السبت، 1 يونيو 2013

مجلة التسامح :: نظرية الغزالي السلوكية أساساً للإصلاح الاجتماعي

مجلة التسامح - نحو خطاب إسلامي متوازن
نظرية الغزالي السلوكية أساساً للإصلاح الاجتماعي
عز الدين جلولي*
كانت وراء اختياري لهذا الموضوع بواعث ذاتية وأخرى موضوعية؛ تمثلت الأولى في قناعتي الشخصية بغنى تراثنا الإسلامي غنى لا يضاهيه إلاّ جهل به أو تجاهله في الصروح العالية للبحث العلمي، الأمر الذي جرّ إلى نتائج أحسبها وخيمة، كان من أهمها قصور الدراسات النفسية والاجتماعية عن تلمّس الحقائق الكونية في هذه الميادين من جهة، واقتصارها، نتيجة لذلك، على ماله سمة الذيوع والانتشار من الأفكار ولو جانبت الصواب من جهة أخرى.
أما فيما يخصّ الدوافع الموضوعية لهذه الدراسة فشديدة الصلة بمضمونها، الذي كشف لي بأن الإمام أبا حامد الغزالي(1) هو صاحب النظرية المسمّاة بنظرية الإشراط، المنسوبة خطأ إلى "بافلوف"(2) بل إن الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ذكر، في عنوان المقالة التي أشار فيها إلى هذا الخطأ، أن النظرية سرقت من الغزالي، فعنوان المقال بقول: "ما هي حقيقة الخير والشر؟ أو النظرية التي سرقت من الغزالي"(3).
قد لا أميل إلى القول بسرقتها، وإن كان ذلك غير مستبعد، فـ"بافلوف" لم يكن السباق إلى لفت الانتباه إلى فكرة الارتباط بين المثيرات والاستجابات حتى في الفكر التربوي الغربي، وأساس عدم استبعادي للسرقة أن الغرب دأب على أن ينسب إليه نظريات ويدّعي حيازة قصب السبق فيها فتأتي الوقائع الحقه لتخالف ذلك، وتثبت أنّها من نتاج غيره، ومن بنات أفكار آخرين.
لن أقارب في هذه الدارسة كل نظريات الارتباط بما ورد عند الإمام الغزالي، فذلك أمر يطول ويتّسع،(4) لكني سأكتفي بمقارنة نظرية الاشتراط ين الغزالي و"بافلوف"، تاركا بقية النظريات الاقترانبة خارج حدود البحث، لأتوجه إلى الحديث عن آثار هذه النظرية السلوكية في الاصلاح الاجتماعي، وبيان الحاجة إلى استبهامها في فقه الواقع مقدمة للدعوة والتربية والتبليغ.
كثيرة هي المحاولات التي جدّت في تقسير سيكولوجية السلوك الانساني، والملاحظ أن أكثر هذه المحاولاتت من تجارب كانت تجرى على الحيوانات، فلم ترق بنتائجها إلى مستوى الحقائق العلمية الموثوق بها، بل بقيت فرضيات تعطي بعض الضوء ولا تهدي الإنسان إلى حقائق السلوك عند الإنسان، ذلك الكائن المجهول.
إن النظرية العلمية هي "جملة من القوانين الواضحة التفاعل في ما بينها، تعطي تفسيراً شاملاً لظاهرة رئيسية(نظرة داروين، أنشتاين...)، أما نظريات التعلم(وهو جزء من السلوك) فلا تعطينا تفسيراً شاملاً ومتفقاً عليه لما يحدث أثناء التعلم؛ ولذلك فمن الأسلم اعتبارها مجرد نظريات افتراضية"(5). يؤخذ على هذا التعريف، الذي أورده الدكتور فوزي أيوب، إدراجه نظرية دارروين ضمن النظريات العلمية، رغم أنها انتقدت وتجاوزها الباحثون في علم النفس وفي مقدمتهم تلامذة داروين أنفسهم، ولعلّ هذا ما جعل الدكتور نشواتي يكون أكثر حذراً في إعطاء تعريف للنظرية، فقال بأنها مجموعة من المبادئ الموجّهة التي تزودنا بإطار يمكننا من فهم طبيعة سيكولوجية الأنماط السلوكية المتنوعة(6).
إن أهم النماذج أو النظريات التي حاولت تفسير السلوك الإنساني انطلقت من ميدان التعلم، لكون التعلّم نشاطاً تميّز به الإنسان عن سائر المخلوقات الحيوانية، فتوجه علماء النفس إلى دراسته وتحديد ماهيته وآليته. وكان من أهم العلماء المحدثين الذين اشتغلوا بهذا الأمر "تورانديك" و"غثري"؛ فالأول منهما قال بنظرية التعلم أو الربطية (Connectionism)، ومعناها حدوث ارتباطات بين المثيرات والاستجابات (Learning by Selecting and Connecting)، وأهم تلك المثيرات الثواب، الذي يدفع إلى حدوث سلوكات يراد تعلمها. ويعد هذا العالم سبّاقاً في ميدان التعلم الإشراطي ونظريات التعزيز(7). أما "غثري" (Guthrie)، فقال بأن "الحركة المرافقة لمجموعة من المثيرات تنزع إلى الحدوث ثانية لدى ظهور هذه المثيرات"،(8) ومن هنا نفهم الفرق بين السلوك المعقد والبسيط، المتعلقان بعدد الارتباطات قلة او كثرة. وكلا الرجلين لا يعتمدان في تصورهما على الدافعية الفطرية التي يعتبرها البعض ذات أهمية لا تنكر في حدوث المتغيرات السلوكية(9).
الملاحظ فيما سبق قوله، وفيما سيأتي من حديث عن "بافلوف"، أن البحث في السلوك الإنساني لدى الغربيين سار على هدى من الفلسفة؛ نتيجة لانفصال العلوم عنها أو انفصالها عن تلك العلوم، وميدان البحث النفسي واحد من هذه الحقول المعرفية، التي اتسعت في ضوء المنهج التجريبي، المركّز على الحالة المدروسة من دون الاستعانة بالبعد الديني أو الفلسفي للظاهرة. وهي مشكلة في المنهج عانى منها البحث في العلوم الإنسانية لدى الغرب ولا يزال.
أتصور أنه من الأهمية بمكان استصحاب السياق أو الجوّ العام الذي نشأت فيه آية: فكرة أو نظرية؛ لأن ذلك يعطينا القدرة على تصور الجذور الحقيقة لما نريد ان نعالجه، ويساعدنا على تفهمه، ومن ثم نقده وتقويمه.
لقد كان سياق الإشراط عند الإمام أبي حامد الغزالي، أو "سبق الوهم إلى العكس" كما سمّاه- هو البحث في حقيقة الخير والشر، تلك المسألة القديمة قدم الإنسانية، والتي تباينت الآراء فيها تبايناً إلى حد التناقض؛ فمثلاً يرجع البعض مفهوم الخير والشر إلى الأعراف، بحيث كان حنق طفل صغير في دنّ من الخمر خيراً عند قدامى الرومان، وكان وأد البنات كذلك خيراً وشهامة عند بعض العرب في الجاهلية. وقتل الولد لوالده في مناطق المتجمد الشمالي برّاً ما بعده برّ إراحة للكبير من قساوة الطبيعة وبرودتها.ً
وفسّر آخرون حقيقة الخير والشر بقيمة السعادة الشخصية، التي حقيقة ذاتية لكل من الشر والخير؛ قال بذلك قديماً "أبيقور" (230ق.م) وحديثاً "هوبز". وقد كان الرجلان مدفوعين بنزعة الأنانية التي "هي ذروة ما تقوم عليه حقيقة كل من الشّر والخير عندهؤلاء". وقدرها "استيوارت ميل" و"بنتام" بالمنفعة العامة، ولكن هذه الأخيرة لا يمكنها أن تكون إلاّ في صالح البعض من دون آخرين(10).
أما علماء الإسلام فقد عالجوا هذه القضية في الفلسفة وفي علم أصول الفقه الإسلامي، وكان أبرز هؤلاء أبو حامد الغزالي. وقبل عرض ما قاله الغزالي في هذا الموضوع، أشير إلى أن سبب الاختلاف في مفهوم الخير والشّر نابع من توهّم البعض أن لهما مضموناً ذاتياً، في الوقت الذي لا مضمون لهما، بل هما انعكاس لما نتصوره نحن من منطلق طباعنا وفطرتنا، التي بتبدّلها تتغير قيمة الخير والشّر وبثباتها تثبت؛ إذا فحقيقة الخير والشّر في المنظور الإسلامي اعتباري، رسخ مفهومها بطول الاقتران مع ما "يميل إليه الطبع أو بما يتناسق مع وضع التركيب الاجتماعي؛ فقد أورثها طول هذا الاقتران معنى الحسن أو القبح فيما تتوهمه النفس؛ حتى وإن انفكّت العلاقة بينهما بعد ذلك. إذا إنها قد رسخت في النفس فهي ماثلة فيه"(11).
إنّ الدافع الذي حدا بعلماء الإسلام إلى البحث عن حقيقة الخير والشّر – هو تأمل الأساس الذي قامت عليه الشريعة الإسلامية، التي ما جاءت إلاّ لحماية مصالح الإنسان التي لا تتبدّل عبر الزمان والمكان، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل. واجتمعوا مع غيرهم من الفلاسفة في هذا المضمار وشقّوا لأنفسهم طريقا أوصلهم إلى أن حقيقة الخير والشّر اعتبارية. ويمثل الدكتور البوطي لنظرتهم بـ"القطع المتناثرة لآلة محركة أو طابعة، لا توصف الواحدة منها بأي فائدة أو نفع ما دامت أنكاثاً مجتزأة عن أخواتها، فإذا ما تضامّت إلى بعضها، وشملتها جميعاً الهيئة التركيبية المطلوبة، تجلّى فيها عندئذ معنى الحسن أو الخير، منبثقاً من العلاقة القائمة بين تلك القطع المتآلفة"(12).
أما الطبيب الروسي "بافلوف" فلم أجد لديه سياقاً مقصوداً عندما بحث في الإشراط سوى أنه كان يدرس الجهاز الهضمي، ثم انتقل إلى دراسة فيزيولوجيا الجهاز العصبي، لأهميته في التعلم، وحينها اكتشف كيفية تكوين المنعكسات الشرطية عند الكائنات الحيّة، ففسّر بها ظاهرة التعلم، وعلى آثاره اقتفى مؤسس المدرسة السلوكية "واطسون" (Watson) عام 1915م ليجعل نظرية "بافلوف" أساساً لتفسير السلوك الإنساني(13).
أورد الإمام أبو حامد الغزالي نظريته المسماة "سبق الوهم إلى العكس ": ومضمونها ذاته تقريبا في نظرية "بافلوف" – في معرض رده على المعتزلة في الحسن والقبح، والذي يتلخص في ثلاث نقاط:
1-    الإصطلاح العامي المشهور، بأن الأفعال تنقسم بحسب ما يوافق غرض الفاعل وما يخالفه إلى حسن وقبيح وعبث.
2-    الحسَنَ هو ما حسنَّه الشرع بالثناء على فاعله، وافق غرضه أم لا.
3-    الحسَنََ هو كل ما لفاعله أن يفعله، "فيكون المباح حسناً مع المأمورات وفعل الله يكون حسناً بكل حال"(14).
وبعد أن يعرض الغزالي رأي المعتزلة هذا، يردّ عليه من وجود ثلاثة، لا يعنينا في سياق هذا البحث إلاّ الوجه الثالث:
1-    إنّ مردّ القبح إلى طبع الإنسان الخاص، فالاستقباح شخصي وليس موضوعياً.
2-    طول النشوء على استقباح أشياء واستحسانها يورث الاعتقاد بأنها دوماً كذلك.
3-  أما الوجه الثالث في توهم الحسن والقبح، فسببها "سبق الوهم إلا العكس، فإنّ ما يرى مقروناً بالشئ يظن أن الشئ أيضاً لا محالة مقرون به مطلقاً(...) ومثالة نفرة نفس السليم، وهو الذي نهشته الحية، عن الحبل المبرقش(...) لكن خلقت قوى النفس مطيعة للأوهام وإن كانت كاذبة"(15). ثم يورد الغزالي مثالاً آخر عن حالة المشرف عن الغرق وموقف المنقذ، "وسببه أن الإنسان يقدّر نفسه في تلك البلية ويقدر غيره معرضا عنه وعن إنقاذه فسيتقبحه منه بمخالفة غرضه، فيعود ويقدر ذلك الاستقباح من المشرف على الهلاك في حق نفسه، فيدفع عن نفسه ذلك القبح المتوهم. فإن فرض في بهيمة أو في شخص لا رقّة فيه فهو بعيد تصوّره". وحتى لو تصور فطلب الثناء على إحسانه فهو الدافع؛ لأن المنقذ إذا كان وحده ولا أحد يعلم به فيتوقع أن يعلم فهذا يؤثر، لأنه رأى صورة الذي يقدم على إنقاذه غريق مقرونة بالثناء دوماً مقرون يها(16).
كما بحث الإمام الغزالي هذه النظرية مبكراً في كتابه "تهافت الفلاسفة" في سياق بحثه عن المعجزة، فقد ذكر أن الفلاسفة لم يثبتوا من المعجزات الخارقة للعادات إلاّ بثلاثة أمور:
1-    بالخيال: وفيه يكشف للإنسان عن عوالم أخرى، ويتأتى ذلك يقظة للأنبياء ونوماً لبقية الناس.
2-    بقوة الحدس: وهي سرعة الانتقال من معلوم لآخر، وقد اجتمعت في النبوة في كل الأوقات ولجميع المعقولات(17).
3-  بالقوة النفسية العملية، وهذا ما يهمنا بالنسبة لنظرية سبق الوهم إلى العكس، "ومثاله أن النفس منّا، متى توهمت شيئاً خدمتها الأعضاء والقوى التى فيها، فتحركت إلى الجهة المطلوبة؛ حتى إذا توهمت شيئاً طيب المذاق تحلبت أشداقه، وانتهضت القوة الملعبة، فياضة باللعاب من معادنه، وإذا تصوّرت الوقاع(الجماع) انتهضت القوة، فنشرت الآلة، بل إذا مشى على جذع ممدود على فضاء، طرفاه على حائطين، اشتد توهمه للسقوط فانفعل الجسم بتوهمه وسقط، ولو كان ذلك على الأرض لمشى عليه ولم يسقط؛ وذلك لأن الأجسام والقوى الجسمانية خلقت خادمة مسخرة للنفوس، ويختلف ذلك باختلاف صفاء النفوس وقوتها، فلا يبعد أن تبلغ قوة النفس إلى حدّ تخدمها القوة الطبيعية في غير بدنه، لأن نفسه ليست منطبعة في بدنه، إلاّ أن لها نوع نزوع وشوق إلى تدبيره، خلق ذلك في جبلته، فإذا جاز أن تطيعها أجسام بدنها لم يمتنع أن يطيعها غيرها"(18). ومن ثم فإن ما نلاحظه في الكون من تلازم الأسباب والمسببات ليس ضرورياً أبداً؛ لأن السبب إذا حلّ محله شيء مقترن به أدّى إلى النتيجة نفسها والمعجزة هي ظاهرة تفسّر بخروج المسببات عن أسبابها(19).
وللتذكيرفإن ابن رشد في "تهافت التهافت"، الذي استدرك فيه على الغزالي بعض الأمور،لم يعلق على ما قاله الغزالي مما نقلناه لبيان ريادة الإمام في هذه النظرية السلوكية؛ مما يعني الفيلسوفين متفقان.
من هذا المنطلق الفلسفي أبدع الغزالي نظريته،مما يوحي بأن العلوم في الإسلام لا تنفصل عن النظرة الشاملة للكون الإنسان والحياة، بخلاف البحث في المنظور الغربي الحديث، الذي أثر على منهجنا في البحث فتبعناه حذواً بحذو وذراعاً بذراع؛ فـ"بافلوف"، الذي تنسب إليه هذه النظرية خطأ، أجرى اختباره على كلب، وضعه في صندوق عازل للصوت بعد تعرّضه لعملية جراحية يتم بها تحويل فتوحات القنوات اللعابية إلى خارج الفم والجلد، لتسهيل ملاحظة إفراز اللعاب وقياس كميته. ويتناول الكلب أثناء وجوده داخل الصندوق مسحوق اللحم بعد قرع جرس معين، ففي كل مرة يقرع فيها الجرس، يقدم مسحوق اللحم للكلب مباشرة لدى سماعه لصوت الجرس، وبعد تكرار عدد من المحولات على هذا النحو، أي قرع الجرس فتقديم المسحوق، يتعلم الكلب إفراز اللعاب نتيجة لسماع صوت الجرس فقط"(20).
إن الإشراط الكلاسيكي هو في جوهره تشكيل ارتباط بين مثير شرطي ما واستجابة ما ناتج عن ارتباط بين مثير شرطي وغير شرطي، أي بين صوت الجرس ومسحوق اللحم، والجرس في حدّ ذاته لا يملك صفة الإثارة وحده، وإنما اكتسب ذلك بعد طول الاقتران مع مسحوق اللحم، لذلك فهو يفقد صفة إثارة اللعاب إذا تكرر قرع الجرس من دون تقديم مسحوق اللحم.
وتتدخل في هذه التجربة عدّة عوامل مؤثرة منها:
1 ـ كمية التدريب: والمقصود عدد مرات اقتران المثير الشرطي بغير الشرطي، بحيث إذا تكرر الاقتران يعطي الاستجابة المرغوب فيها، وتبلغ مداها بعد ثلاثين اقتراناً تقريباً خلال أسبوعين.
2 ـ الأفضل أن يكون الفاصل الزمني بين تقديم المثير الشرطي وغير الشرطي هو نصف ثانية وزيادة والنقصان يضعفان.
3 ـ أثبتت الدراسات وجود علاقة بين شدّة المثير غير الشرطي وقوة الإشراط(21).
إن هذه العوامل المساعدة على فهم شدة الإرتباط بين المثي الشرطي وغير الشرطي - تمكّن الدارس لسلوك المجتمع من قراءة الواقع الذي يتحرك فيه بعمق، فكيف إذا كان ذلك الدارس مصلحاً اجتماعياً له رسالة في الحياة؟ حاول السائرون على طريق "بافلوف" الارتقاء بالنظرية من المجال الحيواني إلى تعميم يطول الإنسان، فقالو بأن "مستوى أداء الأفراد الذين يتلقون تعليمات لفظية قبل عملية الإشراط بعدم طرف جفن العين بالصدمة الهوائية، كان أقل من مستوى أداء الأفراد الذين يتلقون مثل هذه التعليمات"(22). فاعتماد اللغة والتجريد نقل مستوى الإشراط من البسيط الذي يشترك فيها الحيوان والإنسان إلى الراقي الذي يحدث عند الإنسان وحده(23).
إن الموازنة بين هذه النظرية لدى كل من "بافلوف" والإمام الغزالي من حيث التسمية، تجعلنا نقول بأن في التسمية النظرية بالإشتراط عموم، وفي ذلك تركيز على العلاقة بين المثير والاستجابة، أما تسمية الغزالي لها بسبق الوهم إلى العكس فتنطلق من الماهية التي هي أدق في إعطاء التعريف من التركيز على العلاقات.
هذا فيما يخصّ التسمية، أمّا فيما يتعلق بالمضمون فهو متقارب إلى حدّ كبير بين الرجلين، والفوارق تكمن في أن الغزالي وصل على اكتشافها من باب الفلسفة، حين بحث في حقيقة الخير والشّر وظاهرة المعجزة، أما "بافلوف" فكان يدرس الجهازين الهضمي والعصبي من خلال تجارب على الكلاب! وهذا الأمر يثير قضية منهجية في علم النفس، تكمن في مصداقية الأبحاث التجريبية على الحيوان بهدف الوصول على معرفة النفس البشرية.
كما يعتبر الطبع والاعتبارية من عوامل هذا الاقتران، وبعبارة أخرى أن سبب الاقتران شخصي وليس موضوعياً، فيمكن تغيير المثيرات وتنويعها، ما يجعل حقيقة الخير والشّر اعتبارية وليست ذات قيمة ذاتية، الأمر الذي يفسر ظاهرة السلوك عند الإنسان، ومنها ظاهرة التعلم، التي ركز عليها أصحاب الإشراط.
يضاف إلي هذه المقارنة للنظرية عند الغزالي و"بافلوف" أمر يتعلق بالمثير الشرطي، فقد يكون واضحاً في بعض الأحيان وقد يكون غير واضح لدقته(24). ولذلك آثار على السلوك الإنساني كما سيأتي بيانه.
نشير ههنا إلى ملحوظة مهمّة تتعلق بتطوير هذه النظرية في بُعديها الإسلامي والغربي؛ فقد عني الدارسون بالحديث عن نظرية الإشراط لدى "بافلوف" تجريباً وتطبيقياً، فتعرضوا للعوامل المؤثرة فيها، كالفاصل الزمني بين تقديم المثير الشرطي وغير الشرطي، وشدّة المثير، ودرجة الاستجابة، وكمية التدريب؛ أمّا الدراسات التي اشتغلت انطلاقاً من نظرة الغزالي فلم يكتب لها الانتشار، وبقيت حبيسة الرفوف في المكتبات.
إن لنظرية الإشراط بمفهومها الغزالي لا البافلوفي تشكل أساساً ثقافياً مهمّاً للداعية والمصلح الاجتماعي في تحرّكه بدعوته وإسلامه؛ فالسلوك عند أغلب الناس يتغير بلا وعي غالباً مع مرور الزمن، وهذا التغير في الواقع الذي نعيشه لا يخرج عن وجود مؤثر أنتج استجابة سلوكية، وبعامل الوقت وتكرار المؤثر تجد الفرد من سلوكاته وبدّل، من دون الالتفات إلى فطرته وقناعاته السابقة، بل إن كثيراً ما يحدث من ذلك للفرد والمجتمع يكون بغير رضاً منهم وإرادة، ما جعل الكائدين ممن لا يبغون للأمة الخير، وعلى رأسهم علماء النفس والاجتماع العاملون لصالح المؤسسات الاستعمارية – يفيدون من نظرية الإشراط، التي أبدعها علماؤنا وطوّرها غيرنا ليوجهوا سلوكنا في غير ما نشتهي ونؤمن، وفي المقابل غفونا عنها نحن وولينا أدبارنا لها ويممّنا وجوهنا شطر العفوية واللاوعي فيما نعمل ونسلك، فكنا كما صيّرتنا الأقدار، عدلاً وإنصافاً، أمّة تابعة لا متبوعة، ومتأثرة لا مؤثرة.
لو أن المصلح الاجتماعي استصحب معه هذه النظرية كما سماها الإمام الغزالي "سبق الوهم إلى العكس" لاستطاع أن يتحرر هو بنفسه عمّا استقر في تربيته من أوهام قادته إلى بعض السلوكات الشاذَّة، كالنرجسية وحبّ الذات، وبطر الحق وغمط الناس، وغير ذلك مما ارتبط في الذهن بمرور الوقت حسنه بين الناس، أو قل عظمته والإشادة به، حتى غدا حامل الدعوة والتبليغ ضحية هذا التأثير من تحيث يدري ولا يدري. لك أن ترى ذلك في تعاطي المشايخ مع الناس، فهو تعاطي لا يخلو دائماً من الاستعلاء والمباهاة بالمال والسلطان، وهما مثيران يقدرهما كثير من البش وليسا في حقيقة الأمر بشيء.
لقد تكوّنت في المجتمع عادات وترسخت أعرافاً باتت تحكم خصائص المجتمع وتوجه سلوكه، فالبيت أصبح جزءاً من الشخصية في حسّ مجتمعات عربية كثيرة، وبات الطموح في بلوغ مراتب عالية بين الناس طريقة اكتناز المال وامتلاك القوة المادية، التي تتيح للفرد، كما وقر في خلد المجتمع، الوصول إلى تلبية الحاجات المادية، من سكنى فارهة، ومراكب متعدّدة مريحة، ووسائل اتصال حديثة، وقدرة على الاستشفاء في أغلى المشافي، والدراسة في أشهر الجامعات... وكل هذا وغيره كثير وهم سيطر على الأفراد فتنافسوا في لبلوغه رجاء الشعور بالذات، والتسلّط على الناس، والتكبر على عباد الله، بما يمتلك من قدره ومال، بل غدت تلك الوسائل المادية السبيل الأوحد في حسّ الناس لبلوغ أعلى المناصب والوظائف. وما يقال بخلاف ذلك دروشة وقلة وعي وافتقاد للشطارة، فما بقي للآداب والأخلاق ساح في الأفئدة والقلوب، بل إن الدنيا غابة يأكل القويّ فيها الضعيف، ومن أعيته الحيلة فمصيره الهلاك والمسكنة. تلك هي المعادلة الاجتماعية التي تحكم سلوك الناس، وذلك هو الوهم الذي يسبق الإنسان إلى العكس فيتصرف وفقه من دون تأمل وتدبر. ولو تدبر لعلم أن الله –سبحانه وتعالى– أراد ما هو خير له وأبقى، وأي خير أحسن حالا مما وصف الخالق وقدر، وهو وإن كان لايخرج في معظمه عن ارتباط واشراط،فنعم العلاقة هي!
إن الإسلام في أساسه ميثاق أخذه الله –تعالى– من بني آدم أول الخلق ﴿وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورهِمِِْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾،(25) ولطول الزمان نسي بنو آدم هذا الميثاق وران على فطرتهم ما اقترفوه من فساد وضلال، فابتعث الله –تعالى- لهم الأنبياء ليذكروهم،﴿وَذَكِّرْ فإنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾،(26) وما الذكرى؟ أليست كلمات تثير في النفس أموراً، فتدفعها إلى فعل شيء أو ترك آخر، وذلك هو عين الإشراط. إن الكلمة هي رأس مال الأنبياء والحكماء، وهي المثير التجريدي الذي يليق بالإنسان العاقل، والعقل هو مناط التكليف، والاستجابة بالعبودية والاستسلام لله –تعالى- هي السلوك أو النتاج التعلّمي المرجوّ.
لا يحسن بالمربي أو المصلح الاجتماعي أن يعمل في حقله بين الناس وهو بمنأى عن هذه الثقافة النفسية التي تبصّره بواقع الحال، ولو فعل ذلك فبدأ بجرد ما في نفسه وما في نفوس الآخرين من سلوكات مبناها أوهام لا تمت للدين والآداب والفضائل بصلة – لأدرك كيف يؤكل لحم الكتف، ولأبصر العلاقات الخفية التي تحكم أفعال الناس، فسعى بحكمة ووعي إلى تفكيكها ثم إعادة بنائها على أسس دينية متينة، فينبّه الناس قولاً وعملاً يؤثر في سلوكهم سلباً فيقضي عليه، وإلى ما يؤثر في نفوسهم إيجاباً فيحضّهم عليه. إنّه إن فعل ذلك فقه واجبه وأدّى ما عليه، وإلى ما يؤثر في نفوسهم إيجاباً فيحضّهم عليه. إنّه إن فعل ذلك فقه واجبه وأدّى ما عليه وزيادة، ﴿فَذَكِّرْ إنَّمَا أنْتَ مُذَكِّر، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بمُصَيْطِرٍ﴾،(27) ومن تولى وكفر فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه وإن شاء غفر.
*******************
الهوامش:
*) باحث وكاتب من الجزائر.
1) - هو أبو حامد محمد الغزالي، خرساني المولد والوفاة، فيلسوف ومتصوف وأصولي، له نحو مئتي مصنف، يقال له الغزالي (نسبة إلى غَزَالة من قرى طوس) أو الغزَّالي (نسبة إلى صناعة الغزال). من كتبه: إحياء علوم الدين، المستصفى، تهافت الفلاسفة... ولد في (450-505هـ/1058- 1111م). (يراجع: الزركلي: الأعلام (10 أجزاء)، ج 7ص 247 و248،ط 2، مطبعة كوستا توماس وشركاه، القاهرة 1376هـ/1956م).
2) - هو "إفان باتروفيتش بافلوف" (1849- 1963م)، روسي، نال سنة 1904 جائزة نوبل في الطب، اشتغل في عدة مخابر عالمية، وإليه تنسب نظرية الإشراط إلى اليوم.
(Jacques Bersami et d'autres: Encyclp dia Universalis, corpus 17, p 652- 654, Editeur Paris 1996.
3) - محمد سعيد رمضان البوطي، من الفكر والقلب: فصول في النقد في العلوم والاجتماع والآداب، ص24، دار الفارابي، دمشق 1414هـ/ 1994م.
4) - يكفي أن أشير هنا إلى أن الدكتور فايز الحاج تقدم بأطروحة دكتوراه في هذا الموضوع سنة 1971م، حملت عنوان "نظرية سبق الوهم إلى العكس عند الغزالي مع مقارنة علمية بآراء الفلاسفة المتقدمين والنظريات الإشراطية الاقترانية الحديثة"، ولقد بحثت عن هذه الأطروحة في المكتبات والأسواق فلم أر لها أثراً، ما يعني أنها لم تطبع كما أشار الدكتور البوطي مع الأسف الشديد. (يراجع: د. البوطي: من الفكر والقلب، ص28).
5) - فوزي أيوب: نظريات التعلم، محاضرات مصوّرة لدبلوم الدراسات العليا بكلية التربية بالجامعة اللبنانية (1998/1999م)، ص2.
6) - عبدالمجيد نشواتي علم النفس التربوي، ص317، ط6، دار الفرقان ومؤسسة الرسالة، عمان وبيروت 1413هـ/1993م.
7) - عبدالمجيد نشواتي: علم النفس التربوي، ص82 و93.
8) - المرجع السابق، ص329.
9) - المرجع نفسه.
10) البوطي: من الفكر والقلب، ص24 و25.
11) - البوطي: من الفكر والقلب، ص28.
12) - المرجع السابق، ص26.
13) - يراجع: نشواتي، علم النفس التربوي، ص336- فوزي أيوب: نظريات التعلم، ص2 و3.
14) - أبو حامد الغزالي (505هـ): المستشفى من علم الأصول (جزءان)، ج 1 ص56، دار صادر، بيروت.
15) - المصدر السابق، ج 1 ص59.
16) - المصدر نفسه، ج 1 ص60.
17) - ابو حامد الغزالي (505هـ): تهافت الفلاسفة، ص236 و237، تحقيق الدكتور سليمان دنيا، ط5، دار المعارف، القاهرة 1972م.
18) - المصدر السابق، ص237 و238.
19) - المصدر نفسه، ص235 و236.
20) - نشواتي: علم النفس التربوي، ص337
21) - المرجع السابق، ص340-342.
22) - المرجع نفسهن ص342
23) - فوزي أيوب: نظريات التعلم، ص3.
24) - يراجع: البوطي، من الفكر والقلب، ص28.
25) - سورة الأعراف، آية: 7-172.
26) - سورة الذريات، آية: 51-55.
27) - سورة الغاشية، آية: 88/21-22.

شارك

Share |