بعد
الثورة الشعبية التي شهدتها مصر في30 يونيو والتي أطاحت بحكم جماعة
الإخوان المسلمين, وأثبتت الأغلبية الصامتة حزب الكنبة بعد نزولها للشارع
أنها القوي المؤثرة الآن في المجتمع المصري, والتي تستطيع تغيير
المسار, وتصحيح الأوضاع, مع تراجع تيار الاسلام السياسي, بعد سقوط
الاخوان المسلمين.
وفشل تجربتهم في الحكم, إلا أن العنف الإخواني والملاحقات الأمنية قد
تتسبب في القضاء علي ما تبقي من أمل في مستقبل التيار الاسلام السياسي في
مصر, بجانب أن هناك رفض شعبي لاستمرار الأحزاب الدينية, خاصة التي شارك
المنتمون لها في أعمال عنف وتهديد للمواطنين, ولكن في حالة اخفاق الحكومة
الحالية في تنفيذ خريطة الطريق, وتحسين الظروف المعيشية وتوفير الخدمات, قد
يؤدي ذلك لاحتمالات عودة تيارات الإسلام السياسي بقوة, ونظرا للسيولة
السياسية التي يشهدها الشارع السياسي المصري, تتباين الآراء حول مستقبل
الإسلام السياسي في مصر وملامح الخريطة السياسية في الفترة المقبلة, فهناك
من يري ضرورة حظر هذه التيارات بعد أن ثبت استغلالها للدين بهدف الوصول إلي
سلطة الحكم والاحتفاظ بها, وهناك من يتوقع استمرار تيار الإسلام السياسي
في الحياة السياسية ومشاركة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات
البرلمانية بصفة مستقلين, وآخر يري عزوف جماعة الإخوان المسلمين عن العمل
السياسي واللجوء للعنف والاغتيالات, بينما يطالب آخرين بعدم الاقصاء و
تعاون كل القوي السياسية في بناء الوطن, مع مراجعة التيارات الاسلامية
لخطابها, وأسلوب عملها, وأدواتها, والفصل بين عملها الدعوي والسياسي. في
هذا الملف نستعرض آراء مفكرين وسياسيين وأساتذة علوم سياسية واجتماع سياسي,
لمحاولة معرفة مستقبل التيار الاسلامي في العملية السياسية, وتحديد ملامح
للخريطة السياسية في الفترة المقبلة.
a يؤكد د. ناجح ابراهيم المفكر الاسلامي علي أن الحركة الإسلامية أساءت للمشروع الاسلامي من خلال أمرين الأول الخطاب الاسلامي الذي قدمته في الفترة الماضية, كان خطابا استعدائيا واستعلائيا ويدعو للانتقام وليس العكس, وفيه خطاب تكفيري للآخرين, وهذا الخطاب أساء اساءة بالغة للمشروع الاسلامي, وينبغي مراجعة هذا الخطاب من جديد, الأمرالثاني تبني شعار الشرعية أو الدماء, وهذا الشعار الذي أدي الي الحرب والعنف واراقة الدماء في الشوارع, واستلهم هذا الشعار من التجربة الجزائرية الفاشلة, والتي أدت لمقتل أكثر من100 ألف قتيل, وجرح أكثر من70 ألف جريح, ومع ذلك لم تعد الشرعية ولم تحقن الدماء, ولم تطبق الشريعة الاسلامية, وهذا ما حدث أيضا في مصر لم ندرك الشرعية ولم نحقن الدماء.
مشيرا الي أن المشروع الاسلامي لم يسقط في مصر بسقوط مرسي, حيث لم يسقط المشروع الاسلامي من قبل بوفاة النبي صلي الله عليه وسلم, أوبسقوط الدولة الأموية أو العباسية, حيث أن المشروع الاسلامي دعوة واصلاح في المقام الأول, مشروع هداية الخلق الي الحق سبحانه وتعالي, وليس مشروع سلطة, والسلطة فيه وسيلة وليست غاية, فاذا تعارضت الوسيلة مع الغاية, فلتذهب الوسيلة للجحيم, وماحدث في الفترة الماضية بعد25 يناير هو خسارة جولة سياسية.
وعن مستقبل تيار الاسلام السياسي في العملية السياسية أكد الدكتور ناجح ابراهيم أن نجاح التيار الاسلامي في المستقبل يتوقف علي الالتزام بعدة قواعد من بينها الفصل بين العقائدي الثابت والسياسي أو الحزبي المتغير, وعدم استخدام المساجد في العمل الحزبي وقصرها علي القضايا السياسية العامة التي تهم الوطن كله بالاضافة الي قضايا الدعوة وثوابت الاسلام, وعدم تكفير أو تخوين أو تفسيق المخالف لها في الرأي السياسي أو الاختيارات السياسية, والفصل بين عمل الجماعات الدعوي وعمل الأحزاب السياسي, فاذا وصلت للحكم فينبغي عدم التداخل بين مؤسسات الدولة وبين الجماعة والحزب( السبب الذي أدي لسقوط الدكتور مرسي وهو التداخل المعيب بين مؤسسات الدولة والجماعة والحزب حتي صار الثلاثة كالأواني المستطرقة يتحرك بها الماء من هنا الي هنا دون ضابط أو رابط).
مشددا علي ضرورة عودة جماعة الاخوان المسلمين للعمل السياسي, وعدم اقصائها أو اقصاء أي طرف لما فيه من ضرر كبير, وحتي لاتتحول للعمل السري الذي كله آفات وأضرار.
تيار يدعي التدين
تشير الدكتورة هدي زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسي بأداب الزقازيق الي أن التيارات الإسلامية ظهرت في المجتمع كقوة هدامة سيطرت علي مقاليد القوة لضرب البناء الاجتماعي. مشيرة الي أن تلك التيارات سوف تسعي للبقاء في العملية السياسية, لكن دون وجود مستقبل سياسي لهذه التيارات, لأنهم لم يدركوا حتي الآن طبيعة المجتمع المصري الدينية, ومستوي تدينه, فالمجتمع المصري سبق اليهودية, والمسيحية, والإسلام, في التوحيد بعد أن نادي فرعون مصر اخناتون منذ عام1369 قبل الميلاد بالوحدانية, وعبقرية المصريين الدينية لا تسمح لأحد أن يهبط بهم لوثنية التيار الديني.
وتري الدكتورة هدي زكريا أننا أمام تيار يدعي التدين, وينتمي فكريا لحالة من الوثنية التي ترتدي رداءا إسلاميا من الخارج, فرغم أن الأديان السماوية بناءة, حيث حول الإسلام القبائل من الوضع البدوي لدولة عظمي, إلا أن التيار الاسلامي الآن يتكلم عن الأهل والعشيرة, ورغم أن الإسلام كان حافزا للتقدم وصانع للنهضة, فإذا بهم يحولونه لمعول للهدم والتخلف. مؤكدة علي أن مصير التيار الاسلامي في العمل السياسي يزداد ظلمة, بغض النظر عن العنف ولجوئهم له, لأن أفكارهم تزداد قتامة وظلاما يوما بعد يوم.
السلفيين أكثر تشددا
توضح الدكتورة عالية المهدي العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن العمل السياسي قبل25 يناير كان يقرره تيارين أساسيين الحزب الوطني في الحكم, وجماعة الاخوان المسلمين في المعارضة, الي جانب بعض الأحزاب السياسية التي لها تاريخ كأحزاب الوفد والتجمع, حيث المشهد من25 يناير الي30 يونيو كانت جماعة الاخوان مهيمنة علي الموقف, وظهر التيار السلفي الذي كان عمله في الأساس دعوي وديني, وأنشأ عدة أحزاب كلها تحت مظلته, وبدأت تظهر كيانات صغيرة تحت شعارات الثورة.
موضحة أن بعض الأحزاب الصغيرة سوف تختفي من الوجود في الفترة القادمة, وأن الأحزاب السلفية سوف تظهر علي الساحة لفترة محدودة, لأنها بالرغم من أنها تقدم الطرح الديني المختلف عن جماعة الاخوان, الا انها أكثر تشددا من الناحية الدينية عن الاخوان التي كانت أكثر انتهازية, ورغم محاولتهم التعامل مع الأحزاب الأخري, إلا أن طريقهم السياسي غير واضح, وهم مترددين, وتنقصهم الخبرة والحنكة السياسية, وتفكيرهم في الأمور الدينية أكثر من تناولهم للقضايا الدنيوية, فموقفهم من الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية غير واضح, وكل ما يطالبوا به تطبيق الشريعة الاسلامية. مؤكدة علي انهم بمثابة حزب ديني يبحث عن مرجعية سياسية, ليس له مستقبل واضح في العملية السياسية, وأن الفترة المقبلة سوف تشهد توجيه انتقادات حادة لهم.
وتعتقد د.عالية المهدي في إمكان ظهور أحزاب جديدة, وانتهاء دور حركة تمرد بعد نزول الجماهير في30 يونيو لأنها حركة لحظية, انتهي دورها بسقوط مرسي, وأن الإخوان بالرغم من سقوطهم سوف يحاولون العودة في صورة نواب مستقلين ويحصلوا علي ما بين15 الي20% من مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة, سيكون لهم مرشح في الانتخابات الرئاسية, وأن يحصل السلفيون علي من18 الي20% من مقاعد البرلمان, وحصول بعض الأحزاب الاسلامية الأخري علي عدد من المقاعد, علي أن يكون مجمل ما يحصل عليه التيار الاسلامي40% من مقاعد البرلمان القادم, أما بالنسبة للأحزاب التقليدية فهي ضعيفة, باستثناء حزب الوفد الذي يستمر في الارتفاع, وهو من أقوي الأحزاب نسبيا, ومن الأحزاب الجديدة المنتظر أن يكون لها وجود قوي حزب المصريين الأحرار, وحزب التيار الشعبي, وفي حالة ما اذا استطاع أعضاء الحزب الوطني استعادة أوصاله, وعودة الحزب الوطني, من الممكن حصوله علي ما بين25 الي30% من مقاعد البرلمان, حيث مازال علي الأرض هناك اتصالات قوية بين أعضائه, لكن لم تظهر بوادر لعودته حتي الآن.
وتشير الدكتورة عالية المهدي الي أن الأغلبية الصامتة بعد30 يونيو, عرفت أن لها دور وأن دورهم أتي بنتيجة وغير المسار تماما, وهي اذا وجدت من يمثلها التمثيل الجيد, فسوف تشارك بقوة في الحياة السياسية من خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية, ومن المؤكد أن هذه الأغلبية ليست مع تيار الاسلام السياسي, وتمثل قوي كبري, وعنصرا مرجحا ومؤثرا في الفترة القادمة.
ابتزاز في العمل السياسي
يقول حسين عبد الرازق نائب رئيس حزب التجمع وعضو لجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري إن المدة التي حكم فيها الرئيس المعزول, وجهت ضربة قاضية لتيار الإسلام السياسي, لا سيما لحزب الحرية والعدالة, ولجماعة الإخوان المسلمين, التي هي أساس هذا التيار في مصر, مما أضعف هذا التيار بشكل عام, وإن كانت هناك محاولات من جانب حزب النور لشغل هذا الفراغ الآن, وإعادة الحياة لتيار الإسلام السياسي لكنها تتعثر لأن فكرة إدخال الدين في السياسة ثبت فشلها, فهي جذر الأزمة التي نمر بها, وهي نوع من الابتزاز في العمل السياسي, وبالتالي أظن أن مستقبل العمل السياسي بالنسبة لتيار الإسلام السياسي سلبي للغاية.
وتوقع حسين عبد الرازق أن تواصل جماعة الإخوان المسلمين تحديدا من بين قوي التيار الإسلامي القيام بعمليات عنف متفرقة, وربما تلجأ للاغتيالات السياسية, وأن يحاول حزب النور الحصول علي عدد كبير من المقاعد في الانتخابات البرلمانية المقبلة, لكن يبدو أن منهجه في التعامل يجعله ضعيفا, حيث يعتقد الحزب أن حرص الدولة علي وجود الأحزاب والأطياف السياسية علي الساحة يعطيه الحق في فرض شروطه. كما توقع حسين عبد الرازق أن تظل الأذرع السياسية لباقي الجماعات الدينية موجودة لكن مهمشة, خاصة أن الدستور الجديد ربما يقرر عدم السماح بإنشاء أحزاب سياسية علي أساس ديني أو ذات مرجعية دينية.
ويشير حسين عبد الرازق الي أن دور الأحزاب في الفترة القادمة يتوقف علي أدائها وهي لديها فرصة بأن تنمو وتكون أكثر تأثيرا.
الاستفادة من التجربة
يري الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن التيار الاسلامي حقيقة موجودة في الواقع السياسي المصري, وله فصائله المتعددة فيوجد بخلاف جماعة الاخوان المسلمين, السلفيون ولهم أحزابهم, والجماعة الاسلامية ولها حزبها, وهناك فصائل أخري. فالتيار الاسلامي يستمد وجوده من كون الأغلبية الساحقة من المصريين ينتمون للاسلام, وأن الخطاب الاسلامي له وقع حسن في نفوسهم, وبعض قيادات هذا التيار بارعون في العمل الاجتماعي ولهم فيه خبرة واسعة, وامتدت به الي جميع ربوع الوطن.
وأوضح د. مصطفي أن فصيل الإخوان تحديدا قد مر بفترات صعبة عندما قام مجلس قيادة ثورة23 يوليو جماعة الاخوان المسلمين, واستمر هذا الحظر قائما لمدة تربو علي الستين عاما, واستطاعت الجماعة أن تبقي وتستمر, ورغم وجود قطاع واسع من المصريين ضاق بحكم الرئيس المعزول مرسي, الا أن هناك قطاع آخر يري أن الرئيس المعزول كان ينبغي أن يبقي لفترة4 سنوات كما حددها الدستور. مبينا أنه لهذه الأسباب يبدو أن التيار الاسلامي سوف يظل يعمل في الحياة السياسية في السر والعلن, فضلا عن أن قيادات التيار الاسلامي مصممة علي مواصلة نشاطها, وقد يلجأ عدد منهم للعنف والي العمل المسلح لمقاومة السلطات. مضيفا أن التيار الاسلامي في كل الأحوال سوف يواصل نشاطه الدعوي, ويحاول ايجاد طريقا لتمثيلهم في الانتخابات البرلمانية.
وطالب الدكتور مصطفي كامل السيد بادماج تيار الاسلام السياسي في الحياة السياسية المصرية بطريقة شرعية, والاستفادة من التجربة الماضية, وذلك من خلال تكوينهم لجمعيات أهلية تخضع للقانون, وألا تشارك في العمل السياسي, ولأنصار هذا التيار تأسيس أحزاب سياسية مع الالتزام باحترام مباديء حقوق الانسان الواردة في وثائق دولية وصدقت عليها الحكومة المصرية, مع حظر الدعوة لأي حزب سياسي في دور العبادة. مطالبا بالتعامل مع هذا التيار في اطار القانون, وليس اللجوء لأساليب استثنائية.
تجديد القيادات
تري الدكتورة سوسن فايد أستاذ علم الاجتماع فشل قيادات تيار الاسلام السياسي في الفترة السابقة علي مستوي التنظيم, وبالتحديد جماعة الاخوان المسلمين التي تقلدت السلطة في مصر, لكن من المؤكد أنه سيكون هناك تجديد لتلك القيادات, ففكرة الجماعات الدينية أو الحركات لم تنته, و سوف تجدد نفسها من خلال قيادات جديدة تحاول أن تصحح الأخطاء والأسباب التي أدت لفشلهم بأساليب وأدوات جديدة, وما حدث بعد30 يونيو نهاية للقيادات فقط وتبقي الفكرة مستمرة, وسيكون هناك عقد جديد مع قيادات جديدة.
وتعول الدكتورة سوسن فايد علي ما سوف يتضمنه الدستور من مواد تقضي بالفصل في العمل السياسي بين الدين والسياسة, حينها ستتحدد رؤية تيار الاسلام السياسي, وتتحرر القيادات عن فكرها اذا ما أرادت أن تشارك في الحياة السياسية, وأن تفصل الدين عن السياسة اذا قرر الدستور ذلك, خاصة أن التجربة أثبتت فشل خلط الدين بالسياسة. مبينة أن الدستور هو المحك والبوصلة الموجهة للتيار الاسلامي في المستقبل بناء علي ما يتضمنه من قواعد تلزم التيار الاسلامي.
وتؤكد أهمية استرداد كل القوي الشعبية والشبابية والثورية لثقتها في نفسها بعد30 يونيو, لأن الفترة القادمة ستشهد من تلك القوي مشاركة أعلي بعد نجاحهم وتحقيق ذاتهم, أما الأحزاب التقليدية فهي تحتاج لبعض الوقت حتي تتبلور صورتها الجديدة المتفقة مع الواقع, فلابد من تنميتها ذاتيا والتأهيل للعمل طبقا للمعطيات الجديدة.
a يؤكد د. ناجح ابراهيم المفكر الاسلامي علي أن الحركة الإسلامية أساءت للمشروع الاسلامي من خلال أمرين الأول الخطاب الاسلامي الذي قدمته في الفترة الماضية, كان خطابا استعدائيا واستعلائيا ويدعو للانتقام وليس العكس, وفيه خطاب تكفيري للآخرين, وهذا الخطاب أساء اساءة بالغة للمشروع الاسلامي, وينبغي مراجعة هذا الخطاب من جديد, الأمرالثاني تبني شعار الشرعية أو الدماء, وهذا الشعار الذي أدي الي الحرب والعنف واراقة الدماء في الشوارع, واستلهم هذا الشعار من التجربة الجزائرية الفاشلة, والتي أدت لمقتل أكثر من100 ألف قتيل, وجرح أكثر من70 ألف جريح, ومع ذلك لم تعد الشرعية ولم تحقن الدماء, ولم تطبق الشريعة الاسلامية, وهذا ما حدث أيضا في مصر لم ندرك الشرعية ولم نحقن الدماء.
مشيرا الي أن المشروع الاسلامي لم يسقط في مصر بسقوط مرسي, حيث لم يسقط المشروع الاسلامي من قبل بوفاة النبي صلي الله عليه وسلم, أوبسقوط الدولة الأموية أو العباسية, حيث أن المشروع الاسلامي دعوة واصلاح في المقام الأول, مشروع هداية الخلق الي الحق سبحانه وتعالي, وليس مشروع سلطة, والسلطة فيه وسيلة وليست غاية, فاذا تعارضت الوسيلة مع الغاية, فلتذهب الوسيلة للجحيم, وماحدث في الفترة الماضية بعد25 يناير هو خسارة جولة سياسية.
وعن مستقبل تيار الاسلام السياسي في العملية السياسية أكد الدكتور ناجح ابراهيم أن نجاح التيار الاسلامي في المستقبل يتوقف علي الالتزام بعدة قواعد من بينها الفصل بين العقائدي الثابت والسياسي أو الحزبي المتغير, وعدم استخدام المساجد في العمل الحزبي وقصرها علي القضايا السياسية العامة التي تهم الوطن كله بالاضافة الي قضايا الدعوة وثوابت الاسلام, وعدم تكفير أو تخوين أو تفسيق المخالف لها في الرأي السياسي أو الاختيارات السياسية, والفصل بين عمل الجماعات الدعوي وعمل الأحزاب السياسي, فاذا وصلت للحكم فينبغي عدم التداخل بين مؤسسات الدولة وبين الجماعة والحزب( السبب الذي أدي لسقوط الدكتور مرسي وهو التداخل المعيب بين مؤسسات الدولة والجماعة والحزب حتي صار الثلاثة كالأواني المستطرقة يتحرك بها الماء من هنا الي هنا دون ضابط أو رابط).
مشددا علي ضرورة عودة جماعة الاخوان المسلمين للعمل السياسي, وعدم اقصائها أو اقصاء أي طرف لما فيه من ضرر كبير, وحتي لاتتحول للعمل السري الذي كله آفات وأضرار.
تيار يدعي التدين
تشير الدكتورة هدي زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسي بأداب الزقازيق الي أن التيارات الإسلامية ظهرت في المجتمع كقوة هدامة سيطرت علي مقاليد القوة لضرب البناء الاجتماعي. مشيرة الي أن تلك التيارات سوف تسعي للبقاء في العملية السياسية, لكن دون وجود مستقبل سياسي لهذه التيارات, لأنهم لم يدركوا حتي الآن طبيعة المجتمع المصري الدينية, ومستوي تدينه, فالمجتمع المصري سبق اليهودية, والمسيحية, والإسلام, في التوحيد بعد أن نادي فرعون مصر اخناتون منذ عام1369 قبل الميلاد بالوحدانية, وعبقرية المصريين الدينية لا تسمح لأحد أن يهبط بهم لوثنية التيار الديني.
وتري الدكتورة هدي زكريا أننا أمام تيار يدعي التدين, وينتمي فكريا لحالة من الوثنية التي ترتدي رداءا إسلاميا من الخارج, فرغم أن الأديان السماوية بناءة, حيث حول الإسلام القبائل من الوضع البدوي لدولة عظمي, إلا أن التيار الاسلامي الآن يتكلم عن الأهل والعشيرة, ورغم أن الإسلام كان حافزا للتقدم وصانع للنهضة, فإذا بهم يحولونه لمعول للهدم والتخلف. مؤكدة علي أن مصير التيار الاسلامي في العمل السياسي يزداد ظلمة, بغض النظر عن العنف ولجوئهم له, لأن أفكارهم تزداد قتامة وظلاما يوما بعد يوم.
السلفيين أكثر تشددا
توضح الدكتورة عالية المهدي العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن العمل السياسي قبل25 يناير كان يقرره تيارين أساسيين الحزب الوطني في الحكم, وجماعة الاخوان المسلمين في المعارضة, الي جانب بعض الأحزاب السياسية التي لها تاريخ كأحزاب الوفد والتجمع, حيث المشهد من25 يناير الي30 يونيو كانت جماعة الاخوان مهيمنة علي الموقف, وظهر التيار السلفي الذي كان عمله في الأساس دعوي وديني, وأنشأ عدة أحزاب كلها تحت مظلته, وبدأت تظهر كيانات صغيرة تحت شعارات الثورة.
موضحة أن بعض الأحزاب الصغيرة سوف تختفي من الوجود في الفترة القادمة, وأن الأحزاب السلفية سوف تظهر علي الساحة لفترة محدودة, لأنها بالرغم من أنها تقدم الطرح الديني المختلف عن جماعة الاخوان, الا انها أكثر تشددا من الناحية الدينية عن الاخوان التي كانت أكثر انتهازية, ورغم محاولتهم التعامل مع الأحزاب الأخري, إلا أن طريقهم السياسي غير واضح, وهم مترددين, وتنقصهم الخبرة والحنكة السياسية, وتفكيرهم في الأمور الدينية أكثر من تناولهم للقضايا الدنيوية, فموقفهم من الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية غير واضح, وكل ما يطالبوا به تطبيق الشريعة الاسلامية. مؤكدة علي انهم بمثابة حزب ديني يبحث عن مرجعية سياسية, ليس له مستقبل واضح في العملية السياسية, وأن الفترة المقبلة سوف تشهد توجيه انتقادات حادة لهم.
وتعتقد د.عالية المهدي في إمكان ظهور أحزاب جديدة, وانتهاء دور حركة تمرد بعد نزول الجماهير في30 يونيو لأنها حركة لحظية, انتهي دورها بسقوط مرسي, وأن الإخوان بالرغم من سقوطهم سوف يحاولون العودة في صورة نواب مستقلين ويحصلوا علي ما بين15 الي20% من مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة, سيكون لهم مرشح في الانتخابات الرئاسية, وأن يحصل السلفيون علي من18 الي20% من مقاعد البرلمان, وحصول بعض الأحزاب الاسلامية الأخري علي عدد من المقاعد, علي أن يكون مجمل ما يحصل عليه التيار الاسلامي40% من مقاعد البرلمان القادم, أما بالنسبة للأحزاب التقليدية فهي ضعيفة, باستثناء حزب الوفد الذي يستمر في الارتفاع, وهو من أقوي الأحزاب نسبيا, ومن الأحزاب الجديدة المنتظر أن يكون لها وجود قوي حزب المصريين الأحرار, وحزب التيار الشعبي, وفي حالة ما اذا استطاع أعضاء الحزب الوطني استعادة أوصاله, وعودة الحزب الوطني, من الممكن حصوله علي ما بين25 الي30% من مقاعد البرلمان, حيث مازال علي الأرض هناك اتصالات قوية بين أعضائه, لكن لم تظهر بوادر لعودته حتي الآن.
وتشير الدكتورة عالية المهدي الي أن الأغلبية الصامتة بعد30 يونيو, عرفت أن لها دور وأن دورهم أتي بنتيجة وغير المسار تماما, وهي اذا وجدت من يمثلها التمثيل الجيد, فسوف تشارك بقوة في الحياة السياسية من خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية, ومن المؤكد أن هذه الأغلبية ليست مع تيار الاسلام السياسي, وتمثل قوي كبري, وعنصرا مرجحا ومؤثرا في الفترة القادمة.
ابتزاز في العمل السياسي
يقول حسين عبد الرازق نائب رئيس حزب التجمع وعضو لجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري إن المدة التي حكم فيها الرئيس المعزول, وجهت ضربة قاضية لتيار الإسلام السياسي, لا سيما لحزب الحرية والعدالة, ولجماعة الإخوان المسلمين, التي هي أساس هذا التيار في مصر, مما أضعف هذا التيار بشكل عام, وإن كانت هناك محاولات من جانب حزب النور لشغل هذا الفراغ الآن, وإعادة الحياة لتيار الإسلام السياسي لكنها تتعثر لأن فكرة إدخال الدين في السياسة ثبت فشلها, فهي جذر الأزمة التي نمر بها, وهي نوع من الابتزاز في العمل السياسي, وبالتالي أظن أن مستقبل العمل السياسي بالنسبة لتيار الإسلام السياسي سلبي للغاية.
وتوقع حسين عبد الرازق أن تواصل جماعة الإخوان المسلمين تحديدا من بين قوي التيار الإسلامي القيام بعمليات عنف متفرقة, وربما تلجأ للاغتيالات السياسية, وأن يحاول حزب النور الحصول علي عدد كبير من المقاعد في الانتخابات البرلمانية المقبلة, لكن يبدو أن منهجه في التعامل يجعله ضعيفا, حيث يعتقد الحزب أن حرص الدولة علي وجود الأحزاب والأطياف السياسية علي الساحة يعطيه الحق في فرض شروطه. كما توقع حسين عبد الرازق أن تظل الأذرع السياسية لباقي الجماعات الدينية موجودة لكن مهمشة, خاصة أن الدستور الجديد ربما يقرر عدم السماح بإنشاء أحزاب سياسية علي أساس ديني أو ذات مرجعية دينية.
ويشير حسين عبد الرازق الي أن دور الأحزاب في الفترة القادمة يتوقف علي أدائها وهي لديها فرصة بأن تنمو وتكون أكثر تأثيرا.
الاستفادة من التجربة
يري الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن التيار الاسلامي حقيقة موجودة في الواقع السياسي المصري, وله فصائله المتعددة فيوجد بخلاف جماعة الاخوان المسلمين, السلفيون ولهم أحزابهم, والجماعة الاسلامية ولها حزبها, وهناك فصائل أخري. فالتيار الاسلامي يستمد وجوده من كون الأغلبية الساحقة من المصريين ينتمون للاسلام, وأن الخطاب الاسلامي له وقع حسن في نفوسهم, وبعض قيادات هذا التيار بارعون في العمل الاجتماعي ولهم فيه خبرة واسعة, وامتدت به الي جميع ربوع الوطن.
وأوضح د. مصطفي أن فصيل الإخوان تحديدا قد مر بفترات صعبة عندما قام مجلس قيادة ثورة23 يوليو جماعة الاخوان المسلمين, واستمر هذا الحظر قائما لمدة تربو علي الستين عاما, واستطاعت الجماعة أن تبقي وتستمر, ورغم وجود قطاع واسع من المصريين ضاق بحكم الرئيس المعزول مرسي, الا أن هناك قطاع آخر يري أن الرئيس المعزول كان ينبغي أن يبقي لفترة4 سنوات كما حددها الدستور. مبينا أنه لهذه الأسباب يبدو أن التيار الاسلامي سوف يظل يعمل في الحياة السياسية في السر والعلن, فضلا عن أن قيادات التيار الاسلامي مصممة علي مواصلة نشاطها, وقد يلجأ عدد منهم للعنف والي العمل المسلح لمقاومة السلطات. مضيفا أن التيار الاسلامي في كل الأحوال سوف يواصل نشاطه الدعوي, ويحاول ايجاد طريقا لتمثيلهم في الانتخابات البرلمانية.
وطالب الدكتور مصطفي كامل السيد بادماج تيار الاسلام السياسي في الحياة السياسية المصرية بطريقة شرعية, والاستفادة من التجربة الماضية, وذلك من خلال تكوينهم لجمعيات أهلية تخضع للقانون, وألا تشارك في العمل السياسي, ولأنصار هذا التيار تأسيس أحزاب سياسية مع الالتزام باحترام مباديء حقوق الانسان الواردة في وثائق دولية وصدقت عليها الحكومة المصرية, مع حظر الدعوة لأي حزب سياسي في دور العبادة. مطالبا بالتعامل مع هذا التيار في اطار القانون, وليس اللجوء لأساليب استثنائية.
تجديد القيادات
تري الدكتورة سوسن فايد أستاذ علم الاجتماع فشل قيادات تيار الاسلام السياسي في الفترة السابقة علي مستوي التنظيم, وبالتحديد جماعة الاخوان المسلمين التي تقلدت السلطة في مصر, لكن من المؤكد أنه سيكون هناك تجديد لتلك القيادات, ففكرة الجماعات الدينية أو الحركات لم تنته, و سوف تجدد نفسها من خلال قيادات جديدة تحاول أن تصحح الأخطاء والأسباب التي أدت لفشلهم بأساليب وأدوات جديدة, وما حدث بعد30 يونيو نهاية للقيادات فقط وتبقي الفكرة مستمرة, وسيكون هناك عقد جديد مع قيادات جديدة.
وتعول الدكتورة سوسن فايد علي ما سوف يتضمنه الدستور من مواد تقضي بالفصل في العمل السياسي بين الدين والسياسة, حينها ستتحدد رؤية تيار الاسلام السياسي, وتتحرر القيادات عن فكرها اذا ما أرادت أن تشارك في الحياة السياسية, وأن تفصل الدين عن السياسة اذا قرر الدستور ذلك, خاصة أن التجربة أثبتت فشل خلط الدين بالسياسة. مبينة أن الدستور هو المحك والبوصلة الموجهة للتيار الاسلامي في المستقبل بناء علي ما يتضمنه من قواعد تلزم التيار الاسلامي.
وتؤكد أهمية استرداد كل القوي الشعبية والشبابية والثورية لثقتها في نفسها بعد30 يونيو, لأن الفترة القادمة ستشهد من تلك القوي مشاركة أعلي بعد نجاحهم وتحقيق ذاتهم, أما الأحزاب التقليدية فهي تحتاج لبعض الوقت حتي تتبلور صورتها الجديدة المتفقة مع الواقع, فلابد من تنميتها ذاتيا والتأهيل للعمل طبقا للمعطيات الجديدة.
رابط دائم:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق