الجمعة، 3 فبراير 2012

تونس في ميزان المفاضلة بين الديمقراطية والعقيدة : AL Quds

تونس في ميزان المفاضلة بين الديمقراطية والعقيدة :

تونس في ميزان المفاضلة بين الديمقراطية والعقيدة

القدس : 31 كانون الثاني 2012

تونس – – نشرت صحيفة "ذي نيويورك تايمز" الاميركية مقالا لمراسلها انطوني شديد عن مشاهد الاحتجاجات التي أثارها متشددون في العاصمة التونسية امام احدى المحاكم التي كانت تنظر في قضية ضد مدير احد محطات التلفزيون المتهم بالتجديف. وفيما يلي نص المقال:

تناثرت الصيحات بين "كافر" و"مرتد" لدى وصول اثنين من الرجال الى المحكمة لتقديم الشهادة في صالح مخرج فيلم "برسيبوليس" المدبلج باللهجة التونسية ولم يلبث المشهد ان تحول الى العنف.

وعندما انتهى العراك بعد دقائق، فان تونس التي ينظر اليها القطاع الاكبر من العالم العربي كمثال للثورة، شاهدت موقفا حاسما في ما وصفه البعض على انه منافسة للبحث عن الذات.

وقال حمادي الرديسي، احد الرجلين الذي تحمله جبهته اثار العراك الاسبوع الفائت "اننا نتخلى عن حقنا في التفكير والمخاطبة الحرة".

وهناك امام الثورة التونسية التي مضى عليها عام الكثير من التحديات – تصحيح الاقتصاد الهزيل، وضع دستور جديد، والتعافي من عقود من الدكتاتورية التي اكتوت بها الحياة المدنية. الا ان معظم مشاعر العراك خلال الاشهر الاولى من الائتلاف الحكومي برئاسة حزب النهضة، الذي ينظر اليه على انه يتسم بالواقعية، اكثر من الحركات الاسلامية في المنطقة، انتقلت الى الخط الامامي: صراع حول هوية مجتمع عربي واسلامي احتسبه قادته الطغاة على انه علماني بلا منازع.

وقد اجبرت الثورات الشعبية التي بدأت تكتسح الشرق الاوسط قبل عام مجتمعات مثل المجتمع التونسي، وقد تخلص من قبضة الزعماء المستبدين واخذ يحتفل بوحدة يرنو اليها، على مواجهة التشابكات الذاتية في داخله. وفي اعقاب تلك الثورة اجريت انتخابات في مصر وتونس وفتحت الطريق امام نفوذ اسلامي اكثر حدة في المغرب وليبيا وربما سوريا. وقد منحت الانتفاضة الحركات الاسلامية المتنافسة الفرصة لبذل النفوذ وتوضيح اوضاعهم محليا وعلى المسرح الدولي. وقد اثارت مخاوف حيث أن اناسا في اماكن مثل تونس المدينة الساحلية التي تعتز بحداثتها، يخشون مما يمكن ان تكشف عنه الثورة التي اعتنقوها.

وحذرت احدى صحف المعارضة من الاسلاميين المتزمتين الذين يريدون حصة خاصة بهم في مدينة منعزلة. وشملت الاحتجاجات احدى جامعات تونس لرفضها السماح للطالبات بالاشتراك في الامتحانات وهن يرتدين الحجاب الذي يخفي الوجه. ثم كانت هناك المحاكمة التي حضرها الرديسي في اواخر الشهر الفائت لمدير محطة تلفزيونية يواجه حكما قد يصل الى خمس سنوات في السجن بسبب بث فيلم "برسيبولييس" الفرنسي للصور المتحركة، ويشمل مشهدا قصيرا يظهر الله كما تصوره مخرج الفيلم، وهو ما يعتبر هناك بانه من اعمال التجديف.

وقد تأجل النظر في القضية حتى نيسان (ابريل). غير ان رمزيتها وأسبقيتها ومضاعفاتها اثارت تظاهرة طائفية اشترك فيها الالاف في قلب مدينة تونس كانت الاكبر منذ شهور.

وكتب على احدى اليافطات "لنقف جبهة مشتركة ضد التعصب".

وقد حققت تونس ومصر خطوات تحررية مذهلة على مدى عام منذ ثورتهما. وقد تصبحان اكثر محافظة ايضا مع ما تقوم به الاحزب الاسلامية من ايحاء وتنظيم للتوجهات الشعبية، بعد ان ظلوا تقليديين اكثر من النخبة المدنية. ويأمل البعض في تونس ان تؤسس المنافسة لتوازن بين الحساسية الدينية وحرية التعبير، ويخشى آخرون ان تؤدي المناقشات التي يدعمها الاكثر حماسا بشأن الحجاب وحمام الشمس على الشواطئ الى استقطاب مجتمعات والى اغراق حكومات وليدة في نقاشات تفضل تحاشيها.

وقال سعيد فرجاني، عضو المكتب السياسي لحزب الهضة، انها "مثل حرب الاستنزاف". وكان يشتكي من ان حزبه يقع بين طرفين متضادين: الاكثر علمانية والديني. "انهم يحاولون الا نركز على القضايا الحقيقية".

ويكاد يجمع الكثيرون هنا على ان فيلم "برسيبوليس" عرض في 7 تشرين الاول (اكتوبر) على تلفزيون "نسمة" كنوع من انواع الاستفزاز. وقال عبد الحليم مسعودي، الصحفي في "نسمة" انه توخى ان يكون الفيلم الذي يدور حول طفولة فتاة في الثورة الايرانية "كانطلاقة لبدء النقاش". غير ان كثيرين في تونس، الملتزمون دينيا منهم ومن هم اقل التزاما، ذهلوا امام المشهد القصير الذي ظهر فيه الله بصورة انسان يتحدث باللهجة التونسية. وبعد مرور اسبوع قامت جماعة من السلفيين بالهجوم على مسكن نبيل كروم، مدير المحطة، وبعد ذلك وجهت اليه تهمة التشهير الديني وبث معلومات يمكن ان "تلحق الضرر بالنظام العام او الاخلاق الحميدة".

ووكان من المقرر بدء جلسات المحاكمة التي وصفتها منظمة "هيومان رايتس ووتش" بانها "نقلة مزعجة لديمقراطية تونسية حديثة" في 16 تشرين الثاني (نوفمبر)، غير انها تأجلت الى كانون الثاني (يناير). وفي الثالث والعشرين من ذلك الشهر تجمعت الجماهير في مبنى المحكمة ذي الاعمدة في شارع القصبة في تونس القديمة. واشتد أوار المشاعر وحاول الرديسي زيد كريشان، محرر صحيفة المغرب، مغادرة المكان.

وقال كريشان (54) "كل ما كنت افكر فيه هو الا انظر الى الخلف، والسير الى الامام، والا افتح فمي بكلمة". وقد هاجمه رجل من الخلف. وعندما حاول الرديسي (59) الدفاع عن زميله، تلقى ضربة في رأسه. لكن الشرطة لم تحرك ساكنا في بادئ الامر، وما لبثت ان قامت بمصاحبة الرجلين الى مركز للشرطة.

وبعد يومين صرح سمير ضلو، الناطق بلسان الحكومة عضو حزب النهضة، مشددا على وجهة نظر الحزب من ان الفلم "اخل بالمقدسات" لكنه ندد باعمال العنف وتعهد باتخاذ اجراءات، وقد القي القبض على احد المهاجمين الذي جرى التعرف عليه من شريط الفيديو.

قال الرديسي، وهو صحافي واستاذ جامعي، ان العلمانية التونسية اخذت تنكفئ على نفسها. "لقد اصبحنا أهل الذمة. والوضع يشبه العصور الوسطى".

اما عبد القادر الهاشمي(28) من النشطاء السلفيين فقال ان "هناك خطوطا حمراء لا يصح تجاوزها. وفيلم برسيبوليس كان عملا استفزازيا يهدف الى حملنا على انتهاج العنف".

وفي مكاتب النهضة هز سعيد الفرجاني، من قادة حزب النهضة، رأسه وهو يعرب عن تذمره من الوضع "الذي تجاوز حدوده"، قائلا ان وسائل الاعلام تغذي المناقشة بحماقة، وان فلول الحكومة السابقة تثير السلفيين لمناهضة حزب النهضة. الا انه قال ان الخط الفاصل بين حرب الرأي والحساسية الدينية لن يرسم في وقت قريب.

وقال انه "كفاح فلسفي. وسيستمر مرة بعد اخرى".

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |