الأربعاء، 25 أبريل 2012

المعرفة - وجهات نظر -"الرويبضات" في زمن الإعلام المفتوح - ياسر الزعاترة

المعرفة - وجهات نظر -"الرويبضات" في زمن الإعلام المفتوح
"الرويبضات" في زمن الإعلام المفتوح

في الحديث الشريف توصيف للرويبضة بأنه "الرجل التافه يتحدث في أمر العامة"، وينسحب ذلك بالضرورة على المرأة التافهة. وفي زمن الإعلام المفتوح تتبدى هذه المعادلة أكثر من أي وقت مضى، لأن بوسع الرجل التافه أو المرأة التافهة الحصول على مساحة في الإعلام تساوي في بعض الأحيان ذات المساحة التي يحصل عليها زعيم حزب أو قائد يؤيده الملايين. بعد ذلك يأتي من يحدثك عن المهنية والموضوعية، ويقرأ عليك دروسا في تحيز هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك حين تعطي مساحة كبيرة لهذا الحدث أو ذاك، أو لهذا الرمز أو ذاك.
في البرامج الحوارية قد يحصل رجل لا يمثل حفنة من الناس على ذات المساحة التي يحصل عليها مناضل أو كاتب تؤيد وجهة نظره الملايين، بدعوى المهنية والموضوعية
في البرامج الحوارية مثلا، يحدث (ودائما بدعوى المهنية والموضوعية والرأي والرأي الآخر)، أن يحصل رجل لا يمثل حفنة من الناس على ذات المساحة التي يحصل عليها مناضل أو كاتب تؤيد وجهة نظره الملايين، وإذا ما تحيز مقدم البرنامج بعض الشيء لصالح الثاني يقال إن المحطة الفلانية أو العلانية منحازة لتيار ضد آخر.
يكتب شخص مغمور بضع كلمات في حق النبي عليه الصلاة والسلام، فتقوم الدنيا ولا تقعد لأن الإعلام المفتوح قد منح كلمات المذكور فرصة الانتشار على نحو لم يكن ليحدث في أزمنة سابقة، ولا سيما أن أعدادا كبيرة من البشر ما لبثت أن نقلتها من موقع إلى موقع فمواقع أخرى كثيرة. ولنتخيل لو أن الزنادقة في الزمن القديم قد حصلوا على "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" لنقل كلامهم.
يُعرب فنان (أو فنانة بالطبع) لا قيمة له في الوعي الجمعي للناس خارج سياق التسلية، حتى بين متابعيه ومحبيه، يُعرب عن مخاوفه من تيار سياسي عريض حصل في الانتخابات على ملايين الأصوات، فيحصل في وسائل الإعلام على ذات المساحة التي يحصل عليها قائد الحزب أو المتحدث باسمه عندما يأتي أوان الرد والتوضيح، وقد يحصل على ذات المساحة في برنامج حواري على عدد من المحطات، بل ربما حصل على فرصة التوضيح وحده معطوفا على فرصة للتنظير في سائر قضايا الأمة.
يتحدث خطيب جمعة بفكرة من رأسه لا تعبر عن تيار سياسي ولا ديني، فتطير بها وسائل الإعلام لتغدو تهديدا للأقليات أو للفن أو أو إلى آخره. هل تذكرون كيف أصبحت كلمة خطيب هامشي في الجزائر قال فيها إن الإسلاميين سيلغون الديمقراطية ما إن يمسكوا بالحكم؟ كيف أصبحت مصدر إدانة لتيار سياسي حصل على ملايين الأصوات وحاز الأغلبية بينما أكد قادته أنهم ملتزمون بسائر شروط اللعبة الديمقراطية؟
في ذات السياق، يُصدر تيار سياسي لا يملأ أعضاؤه بضع حافلات بيانا سياسيا، فيطالب بذات المساحة التي يحصل عليها بيان مماثل لتيار آخر له مئات الآلاف وربما الملايين من المؤيدين، وقد يحصل بالفعل، ثم يقال إن تلك هي الحرية والمهنية في وسائل الإعلام.
في أي تقرير إخباري قد يحصل ممثلا موقفين سياسيين متعارضين على ذات المساحة، بصرف النظر عن ضخامة أو هامشية القطاع الذي يعبر عنه كل طرف
في أي تقرير إخباري -وهذه تتكرر يوميا في سائر وسائل الإعلام- يحدث أن يحصل ممثلا موقفين سياسيين متعارضين على ذات المساحة، بصرف النظر عن ضخامة أو هامشية القطاع الذي يعبر عنه كل طرف، وغالبا ما يكون أحدهما هامشي الحضور والتأثير مقابل آخر أكثر حضورا وتأثيرا.
هل يعني ذلك أننا نطالب بقمع الآراء، أو منحها مساحة تعبر عن حجم وجودها في الشارع؟ سنرد ببساطة قائلين إنه مطلب محق لو كانت هناك عدالة في الدنيا، لكن الدنيا لا تعرف العدالة المطلقة، ولا بد تبعا لذلك من تحمل تبعات الإعلام المفتوح أيا تكن التداعيات.
يحدث ذات الشيء فيما يخص التعليقات التي تنشر على المقالات والأخبار، إذ يحدث أن يجيّش نظام عددا من أتباعه (لا يتطلب الأمر سوى بعض عشرات من الموظفين المتفرغين) للرد على المقالات والأخبار التي تخصه، الأمر الذي قد يفضي إلى منح القارئ انطباعا خاطئا بجماهيرية الرأي الذي يمثله، بينما يكون واقع الحال أن أكثر القراء ينتمون إلى تيار الأغلبية الصامتة الذين قد يعجبهم المقال أو الخبر، لكنهم لا يردون ولا يعلقون، وهنا تتبدى معضلة أخرى تتمثل في عزوف قطاعات من الناس، وربما تقاعسها عن نصرة الرأي الذي تراه، حتى وهي تتابع حشدا من التعليقات والردود في الاتجاه الآخر، بخاصة في وسائل الإعلام الجماهيرية التي يتابعها الناس من شتى التيارات.
نتحدث إذاً عن ظاهرة، وربما معضلة لا حل لها، ولا سيما أن وسائل الإعلام لا تبحث عن الأخبار التقليدية، بل تبحث عن الإثارة، والإثارة تكمن في تصريح غريب أو مثير، وليس في الأخبار العادية للتيارات السياسية أو الدينية.
يحدث في ذات السياق أن يملك تيار سياسي هامشي في الوعي الجمعي للأمة عددا كبيرا من الفضائيات، وبعضها واسع التأثير، وتمعن في الناس توصيفا وتصنيفا، مع أن المالكين لها ومن يديرونها لا يعبرون عن شيء مذكور في الواقع، ولو خاض أحسنهم الانتخابات في مواجهة رجل عادي لخسرها بامتياز، فضلا عن أن يخوضها ضد ممثل تيار سياسي معتبر.
سيقول بعضهم إن على التيارات المعبرة عن ضمير الأمة أن تمتلك وسائل إعلام مؤثرة؟ ربما كان ذلك حلا، لكنه حل بالغ الصعوبة في واقع الحال تبعا لما يحتاجه من أموال، وربما مكانا للبث والعمل أيضا.
لو كانت وسائل الإعلام هي ما يحدد توجهات الناس، لكانت الأنظمة قبل عصر الفضائيات معبودة الجماهير، ولكنها لم تكن كذلك في يوم من الأيام
ما يمنح المخلصين بعض الارتياح في مواجهة هذه الظاهرة هو المخزون الثقافي لهذه الأمة، ففي حين يمكن لوسائل الإعلام في الغرب أن تجعل من مغنية أو ممثلة شيئا مذكورا تبكيها الملايين لو أصابها مكروه، فإن جماهير أمتنا ليست كذلك، إذ إنها لا تنحاز إلا للصادقين المعبرين عن دينها وضميرها، حتى لو تابعت تلك الممثلة أو المغنية لأغراض التسلية كما أسلفنا.
ولو كانت وسائل الإعلام هي ما يحدد توجهات الناس، لكانت الأنظمة قبل عصر الفضائيات معبودة الجماهير، ولكنها لم تكن كذلك في يوم من الأيام رغم الضخ اليومي عن الزعيم الملهم والقائد الرمز.
يضاف إلى ذلك أيضا أن الكلمة الطيبة قد باتت واسعة الانتشار أيضا، وتجد لها صدىً في قلوب الناس وعقولهم، ومثلها كما قال القرآن الكريم "كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء"، بينما مثل الكلمة الخبيثة "كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار".
المصدر:الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |