الحرية الدينية حجج تحت سيف الحقيقة
نعرض هنا لطائفة من حجج ودعاوى أصحاب الهوى فى محاولاتهم لتلبيس الحق بالباطل فى شأن حرية الاعتقاد وابتغائهم تعطيل حد الردة.. فقد ساقت الأهواء المضلة بعض المعاصرين إلى اعتناق الفهم الغربى الفوضوى للحرية عامة والحرية الدينية خاصة، فانبروا يحاولون المروق من شرع الله سبحانه، خاصة فى مجال الحدود والعقوبات، فتماروا وتباروا فى توجيه سهام حقد مسمومة إلى هذا الباب من أبواب الشريعة، فهم ما بين مستنكر لقطع يد السارق، بدعوى حقوق الإنسان، وما بين مروّج للكفر والإلحاد بدعوى حرية الرأى والفكر والاعتقاد، ويتذرع بعضهم ويتشدق بأن الإسلام قد قرر حرية الرأى والتعبير والتفكير لكل أحد وبكل وسيلة وطريقة للتعبير، وراحوا يهوّنون من شأن الشرع الحنيف.
وقد أمعن بعضهم فى الجدل العقيم واخترع موقفًا يراه هو وسطًا أو يحاول به أن يكون وسطًا؛ فذهب إلى الزعم بأن قتل المرتد حدًّا لا يكون لمجرد الردة عن الإسلام، فهذه يكفلها الإسلام نفسه وفقًا لهذا الفهم الأعوج للحرية الدينية، وإنما يقتل المرتد فى حالة ما لو صار حرباً على المسلمين ووقف فى صف أعدائهم. وفى لدد جدالهم لتسويغ هذا الزعم الأبتر فقد لاكت ألسنتهم حججًا أوهى من خيوط العنكبوت؛ فقالوا إن قتل المرتد ليس عقوبة فى الإسلام على الكفر فى ذاته ولا على المخالفة فى الدين بذاتها، وكذلك ليس على الخروج من الإسلام فى ذاته، سواء كان إلى دين آخر أو إلى غير دين، بدليل ((هكذا يتقولون)) أن غير المسلم من اليهود أو النصارى قد كفل له الإسلام حرية اعتقاده بل وحماها وفقًا لشروط وضوابط، من غير إكراه على الإسلام أو تضييق عليه فى ممارسة شعائر دينه، وعندئذ يتعين النظر إلى هذا القتل كعقوبة على ما يسمى فى المصطلح القانونى الحديث جريمة الخيانة العظمى، وهى فى الشأن الدينى تسمى بالمكيدة الدينية، حيث ادعى المرتد الدخول فى الإسلام زورًا وإفكًا، ثم خرج منه بقصد الإساءة إليه والطعن فيه، ثم انضم إلى صفوف أعداء الدين الذين يحاربونه بكل الوسائل، ومنها الدعاية المغرضة، فكأن هذا المرتد فى هذه الحرب الدعائية يقول بلسان الحال: لقد خلعت ربقة هذا الدين لأنى لم أجد فيه ما يقنعنى به دينًا ومنهج حياة. وعلى ذلك، فإن هذا المرتد يجب قتله لأن أحدًا لم يكرهه ابتداءً على الدخول فى الإسلام، ولأنه صار بعد خروجه من الإسلام حربًا وعونًا لأعدائه عليه.
وعلى وجاهة و(دبلوماسية) هذا الرأي؛ إلا أننا نراه قاصرًا فى فقه الشريعة وابتسار النصوص قطعية الدلالة والثبوت، إذ إنه يقيد تطبيق حد ثابت بشرط لم يقل به الشرع ولم تتطرق إليه نصوصه، وهو شرط الحرب على الإسلام. وحتى هذا الشرط فإن الواقع يهدره، لأن فعل الردة فى ذاته هو حرب على الإسلام ولو بمعنى الحرب الدعائية، وهى لا تقل خطرًا عن أساليب الحرب الأخرى. ثم إن المرتد لا يخرج عن أحد حالين: فإما أن يكون قد دخل فى الإسلام متخذًا إياه ستارًا لعمل الدسائس والكيد للإسلام من ورائه، وإما أن يخرج عن الدين كفرًا منه وضلالاً، وحينئذ فهو لن يقف من الدين موقفًا ساكنًا محايدًا، بل سيجتهد – ولو لتنقية صورته هو نفسه – فى أن يكيل الطعن للدين وأن يثير الفتنة وبلبلة الخواطر والعقول والقلوب بين الناس، حتى ليقال: إنه لو لم يجد فى هذا الدين ما يدعوه إلى تركه لما تركه ولتمسك به، أو لو أنه وجد فى هذا الدين خيرًا لما أفلته. فالحق إذن هو أن المرتد وبمجرد ردته يكون حربًا على الدين وواقفًا فى صفوف أعدائه، فالحقيقة أنه لا بقاء للإنسان بدون دين، حتى الملحد؛ فإنه قد اتخذ من الإلحاد دينًا.
وخلاصة ما نرى فى هذا المبحث الشائك، ونرى موافقته لصحيح فقه شريعة الإسلام يمكن إيجازه فيما يلي:
1- إن الموقف الصحيح من الحرية الدينية فى الفهم الإسلامى لها يجب أن يتقيد بما قيدته به الشريعة الإسلامية نفسها، فكون الشريعة أطلقت حرية الاعتقاد، فهذا هو الوجه الأول من الحقيقة، أما وجهها الثانى فإن ذلك يخص ويعنى من لم يدخل فى الإسلام وكان كافرًا به من حيث الأصل، وسواء فى ذلك ظل على كفره أم خرج منه إلى كفر آخر ودخل فى دين غير الإسلام أو العكس. أما المسلم أصلاً أو من دخل فى الإسلام مختارًا طائعًا عالمًا بحقيقته وبما يترتب عليه من أحكام ومنها حكم المرتد الذى بينته الأدلة، فليس هو المَعْنِى بهذه الحرية وليس له ظل من حماها أو حمايتها؛ لأنه دخل فى الإسلام مختارًا عن علم وقناعة ويقين أنه لا يجوز له الخروج منه، وأنه يترتب على خروجه منه قتله حدًّا إن لم يرجع إليه بعد استتابته.
2- القاعدة المقررة فى الإسلام أنه لا ضرر ولا ضرار، لذا أوجب الشارع الحكيم النار جزاءً وفاقًا لقاتل نفسه، لأن نفسه ليست ملكه يتصرف فيها كما يشاء فيوردها موارد التهلكة. وبالمثل فإن خروج المسلم من ربقة الإسلام هو أفدح ما يمكن للإنسان أن يضر به نفسه ((من منظور إسلامي)) لأن ذلك محبط لعمله وموجب لخلوده فى النار، لهذا – ولغيره – فقد اعتبر الإسلام المرتد ميتًا أو كالميت، فأوجب قتله حدًّا لردته.
3- لقد قرر الإسلام مبدأ عدم الإكراه فى الدين، بل إنه أجاز – فى كثير من أقوال الفقهاء – لمن ثبت أنه دخل الإسلام مكرهًا الخروج منه، واتبع الإسلام مبدأ الحوار العقلى والدعوة المبنية على اقتناع العقل وانشراح الصدر، وعمد القرآن الكريم إلى اتباع أضبط قواعد المنطق العقلى فى أساليبه وبراهينه فى مواجهة أقوال المخالفين له. وبعد كل هذه الوسائل التى كفلها الإسلام والتى تمثل مصفاة للعقل والقلب حتى إذا ما وقر الإسلام فى نفس الشخص وقر بلا شائبة، فإن المرتد عن الإسلام لا مبرر له ولا حجة لأن يعاود الخروج منه.
الحرية الدينية حجج تحت سيف الحقيقة
20
ديسمبر
2012
05:58 PM
نعرض هنا لطائفة من حجج ودعاوى أصحاب الهوى فى محاولاتهم لتلبيس الحق بالباطل فى شأن حرية الاعتقاد وابتغائهم تعطيل حد الردة.. فقد ساقت الأهواء المضلة بعض المعاصرين إلى اعتناق الفهم الغربى الفوضوى للحرية عامة والحرية الدينية خاصة، فانبروا يحاولون المروق من شرع الله سبحانه، خاصة فى مجال الحدود والعقوبات، فتماروا وتباروا فى توجيه سهام حقد مسمومة إلى هذا الباب من أبواب الشريعة، فهم ما بين مستنكر لقطع يد السارق، بدعوى حقوق الإنسان، وما بين مروّج للكفر والإلحاد بدعوى حرية الرأى والفكر والاعتقاد، ويتذرع بعضهم ويتشدق بأن الإسلام قد قرر حرية الرأى والتعبير والتفكير لكل أحد وبكل وسيلة وطريقة للتعبير، وراحوا يهوّنون من شأن الشرع الحنيف.
وقد أمعن بعضهم فى الجدل العقيم واخترع موقفًا يراه هو وسطًا أو يحاول به أن يكون وسطًا؛ فذهب إلى الزعم بأن قتل المرتد حدًّا لا يكون لمجرد الردة عن الإسلام، فهذه يكفلها الإسلام نفسه وفقًا لهذا الفهم الأعوج للحرية الدينية، وإنما يقتل المرتد فى حالة ما لو صار حرباً على المسلمين ووقف فى صف أعدائهم. وفى لدد جدالهم لتسويغ هذا الزعم الأبتر فقد لاكت ألسنتهم حججًا أوهى من خيوط العنكبوت؛ فقالوا إن قتل المرتد ليس عقوبة فى الإسلام على الكفر فى ذاته ولا على المخالفة فى الدين بذاتها، وكذلك ليس على الخروج من الإسلام فى ذاته، سواء كان إلى دين آخر أو إلى غير دين، بدليل ((هكذا يتقولون)) أن غير المسلم من اليهود أو النصارى قد كفل له الإسلام حرية اعتقاده بل وحماها وفقًا لشروط وضوابط، من غير إكراه على الإسلام أو تضييق عليه فى ممارسة شعائر دينه، وعندئذ يتعين النظر إلى هذا القتل كعقوبة على ما يسمى فى المصطلح القانونى الحديث جريمة الخيانة العظمى، وهى فى الشأن الدينى تسمى بالمكيدة الدينية، حيث ادعى المرتد الدخول فى الإسلام زورًا وإفكًا، ثم خرج منه بقصد الإساءة إليه والطعن فيه، ثم انضم إلى صفوف أعداء الدين الذين يحاربونه بكل الوسائل، ومنها الدعاية المغرضة، فكأن هذا المرتد فى هذه الحرب الدعائية يقول بلسان الحال: لقد خلعت ربقة هذا الدين لأنى لم أجد فيه ما يقنعنى به دينًا ومنهج حياة. وعلى ذلك، فإن هذا المرتد يجب قتله لأن أحدًا لم يكرهه ابتداءً على الدخول فى الإسلام، ولأنه صار بعد خروجه من الإسلام حربًا وعونًا لأعدائه عليه.
وعلى وجاهة و(دبلوماسية) هذا الرأي؛ إلا أننا نراه قاصرًا فى فقه الشريعة وابتسار النصوص قطعية الدلالة والثبوت، إذ إنه يقيد تطبيق حد ثابت بشرط لم يقل به الشرع ولم تتطرق إليه نصوصه، وهو شرط الحرب على الإسلام. وحتى هذا الشرط فإن الواقع يهدره، لأن فعل الردة فى ذاته هو حرب على الإسلام ولو بمعنى الحرب الدعائية، وهى لا تقل خطرًا عن أساليب الحرب الأخرى. ثم إن المرتد لا يخرج عن أحد حالين: فإما أن يكون قد دخل فى الإسلام متخذًا إياه ستارًا لعمل الدسائس والكيد للإسلام من ورائه، وإما أن يخرج عن الدين كفرًا منه وضلالاً، وحينئذ فهو لن يقف من الدين موقفًا ساكنًا محايدًا، بل سيجتهد – ولو لتنقية صورته هو نفسه – فى أن يكيل الطعن للدين وأن يثير الفتنة وبلبلة الخواطر والعقول والقلوب بين الناس، حتى ليقال: إنه لو لم يجد فى هذا الدين ما يدعوه إلى تركه لما تركه ولتمسك به، أو لو أنه وجد فى هذا الدين خيرًا لما أفلته. فالحق إذن هو أن المرتد وبمجرد ردته يكون حربًا على الدين وواقفًا فى صفوف أعدائه، فالحقيقة أنه لا بقاء للإنسان بدون دين، حتى الملحد؛ فإنه قد اتخذ من الإلحاد دينًا.
وخلاصة ما نرى فى هذا المبحث الشائك، ونرى موافقته لصحيح فقه شريعة الإسلام يمكن إيجازه فيما يلي:
1- إن الموقف الصحيح من الحرية الدينية فى الفهم الإسلامى لها يجب أن يتقيد بما قيدته به الشريعة الإسلامية نفسها، فكون الشريعة أطلقت حرية الاعتقاد، فهذا هو الوجه الأول من الحقيقة، أما وجهها الثانى فإن ذلك يخص ويعنى من لم يدخل فى الإسلام وكان كافرًا به من حيث الأصل، وسواء فى ذلك ظل على كفره أم خرج منه إلى كفر آخر ودخل فى دين غير الإسلام أو العكس. أما المسلم أصلاً أو من دخل فى الإسلام مختارًا طائعًا عالمًا بحقيقته وبما يترتب عليه من أحكام ومنها حكم المرتد الذى بينته الأدلة، فليس هو المَعْنِى بهذه الحرية وليس له ظل من حماها أو حمايتها؛ لأنه دخل فى الإسلام مختارًا عن علم وقناعة ويقين أنه لا يجوز له الخروج منه، وأنه يترتب على خروجه منه قتله حدًّا إن لم يرجع إليه بعد استتابته.
2- القاعدة المقررة فى الإسلام أنه لا ضرر ولا ضرار، لذا أوجب الشارع الحكيم النار جزاءً وفاقًا لقاتل نفسه، لأن نفسه ليست ملكه يتصرف فيها كما يشاء فيوردها موارد التهلكة. وبالمثل فإن خروج المسلم من ربقة الإسلام هو أفدح ما يمكن للإنسان أن يضر به نفسه ((من منظور إسلامي)) لأن ذلك محبط لعمله وموجب لخلوده فى النار، لهذا – ولغيره – فقد اعتبر الإسلام المرتد ميتًا أو كالميت، فأوجب قتله حدًّا لردته.
3- لقد قرر الإسلام مبدأ عدم الإكراه فى الدين، بل إنه أجاز – فى كثير من أقوال الفقهاء – لمن ثبت أنه دخل الإسلام مكرهًا الخروج منه، واتبع الإسلام مبدأ الحوار العقلى والدعوة المبنية على اقتناع العقل وانشراح الصدر، وعمد القرآن الكريم إلى اتباع أضبط قواعد المنطق العقلى فى أساليبه وبراهينه فى مواجهة أقوال المخالفين له. وبعد كل هذه الوسائل التى كفلها الإسلام والتى تمثل مصفاة للعقل والقلب حتى إذا ما وقر الإسلام فى نفس الشخص وقر بلا شائبة، فإن المرتد عن الإسلام لا مبرر له ولا حجة لأن يعاود الخروج منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق