وفاة عبد السلام ياسين شيخ ومؤسس العدل والاحسان المحظورة بالمغرب وزوج ابنته ابرز المرشحين لخلافته وتعيين محمد العبادي مرشدا عاما مؤقتا
الرباط ـ 'القدس العربي': توفي صباح امس الخميس بالرباط الشيخ عبد السلام ياسين، مرشد جماعة العدل والاحسان ذات المرجعية الاسلامية شبه المحظورة، عن عمر يناهز الـ84 عاما بعد وعكة صحية المت به.
وقال فتح الله ارسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة ان الشيخ ياسين توفي صباح اليوم (امس الخميس) في احدى العيادات الخاصة في حدود الساعة السابعة والنصف صباحا بسبب 'مضاعفات نزلة برد عابرة'.
وأعلن مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، 'بقلوب يعصرها الحزن والأسى ويملؤها السكون إلى قضاء الله والرضا بقدره، تنعي جماعة العدل والإحسان إلى كافة الأعضاء والمتعاطفين وإلى الشعب المغربي وإلى أمة رسول الله صلى الله وسلم رجلا من رجالها العظام وعالما من علمائها الأفذاذ'، ومن المقرر ان يشيع جثمانه إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء اليوم الجمعة من مسجد السنة بالرباط بعد صلاة الجمعة.
ورغم عدم حصولها على الترخيص الرسمي للنشاط السياسي، الا ان المراقبين يقدرون ان جماعة العدل والاحسان اقوى الجماعات والتيارات السياسية بالمغرب، وشكلت منذ تأسيسها بداية ثمانينات القرن الماضي، معارضة شرسة للنظام السياسي المغربي ورفضت الاقرار بالملك اميرا للمؤمنين، كما ينص الدستور المغربي على ذلك، وهو ما عرض الشيخ ياسين للاعتقال والاقامة الاجبارية عدة سنوات وملاحقة ناشطي الجماعة.
وقال عبد السلام ياسين في اخر تصريح اعلامي له يوم 10 تموز/يوليو 2011، أي بعد ايام من اقرار المغرب لدستور جديد، قال المرشد ان جماعته لا تعارض الملك وإنما تعارض المُلك العاض. وشبه ياسين أثناء استقباله أعضاء مجلس إرشاد الجماعة 2011، المُلك العاض وجبرية التوريث بالتخلف. وقال 'الملك العاض تخلف بميزان الدنيا وبميزان الديمقراطية'.
واضاف 'أقول للناس ولكل الذين سيسمعون هذا المسجل ما ينفعك أخي واختي جميعا ما ينفعكم هو ما قدمتموه في الآخرة، والذي ينفع عند الله، من عمل صالح ما كان على سنة رسول الله تربية وزحفا.. زحفا على من؟ على من قبحه رسول الله وسماه مُلكا عاضا وجبرية التوريث تخلف الملك العاض تخلف بميزان الدنيا وبميزان الديمقراطية وتخلف عما يريده الله تعالى لهذه الأمة من فضل على سائر الامم...'.
ووجه ياسين 'الشكر للاخوان الذين صمدوا في الميدان رغم أسباب الهزيمة المحيطة بالكثير من الناس. صبروا، وصابروا.. الله تعالى يثبتهم، اخوان وأخوات العدل والاحسان حمروا الوجه الحمد لله، نحن لا نعارض الملك، نعارض المُلك العاض أصلا وهذا التراث البشع وهو أن يأتي ويقال فيه هذا الذي يحكمكم جبار...'.
ولد الشيخ عبد السلام بن محمد بن سلام بن عبد الله بن ابراهيم سنة 1928 من أسرة شهيرة في الجنوب تدعى آيت بهي، وكان لها صيت وذكر في تاريخ المغرب، وتتلمذ وهو في مراحله التعليمية الاولى على العالم المغربي محمد المختار السوسي بمدرسة بمراكش حيث تعلم القرآن ومبادئ اللغة العربية، ثم التحق بمعهد بن يوسف وكان يومئذ معهدا دينيا تابعا لجامعة القرويين، واكمل تعليمه بالمعهد ثم تخرج من مدرسة المعلمين، فعمل أستاذاً للغة العربية والترجمة، فمفتشاً بالتعليم الابتدائي بعد ثلاث سنوات من التدريس ثم مفتشا ايضا بالتعليم الثانوي.
والتحق الشيخ ياسين بالزاوية البودشيشية القادرية مدة ست سنوات لتبرز بوادر الاختلاف بين ياسين والزاوية، بسبب مواقفه المنتقدة لممارسات اعتبرها غريبة في الزاوية، واكتمل هذا الاختلاف واحتد مع إصدار الشيخ كتابيه 'الإسلام بين الدعوة والدولة' 1971 و'الإسلام غدا'1972.
واصبح الشيخ عبد السلام ياسين شخصية بارزة بالمشهد السياسي المغربي بعد رسالته الشهيرة 'الإسلام أو الطوفان' التي بعثها عام 1974 إلى الملك الراحل الحسن الثاني وكان من تداعيات تلك الرسالة اعتقال ياسين ثلاث سنوات وستة أشهر من دون محاكمة، ادخل في فترة منها بالاكراه الى مستشفى الامراض العقلية والأمراض الصدرية، وفي فترة الاعتقال أعاد الكرة عبر كتابة رسالة ثانية (باللغة الفرنسية) إلى الملك على سبيل الإلحاح في الدعوة والنصيحة.
وتقول الجماعة ان 'الاسلام او الطوفان' رسالة قوية المعنى والمبنى بالنظر إلى الشروط السياسية المميزة للمرحلة وإلى المضامين التي جاءت بها؛ فأما الظروف العامة التي اكتنفت الحدث فقد صارت معروفة اليوم بسنوات الجمر والرصاص، حيث كان الصراع السياسي على أشده بين أقطاب الحقل السياسي: المؤسسة الملكية والجيش والمعارضة الاشتراكية، وكانت اللغة السياسية المهيمنة موسومة بالعنف والاتهام والتخوين. ولعل أبرز مظاهر تلك المرحلة كان هو تكرار المحاولات الانقلابية التي ظلت تستهدف حياة الملك مباشرة.
فقد نصح ياسين الملك الخائف من ضياع ملكه نصيحة واضحة، نصيحة كشفت الوجه الجهادي للرجل الخارج توا من 'زاوية صوفية' محملا بروحانية الذاكرين المتبتلين. كانت النصيحة تدعو الملك إلى التوبة والرجوع إلى الإسلام وشريعته، مقترحة نموذجاً تاريخياً فذّاً هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، الذي أعز الله به الإسلام وأهله، وموضحة مجموع الخطوات العملية التي يتعين على الحاكم أن يبرهن بها لله تعالى ولشعبه على صدق الذمة والقول.
في سنة 1981 أعلن ياسين عن تأسيس 'أسرة الجماعة'، مع الاستمرار في تفعيل واجهة الإعلام التي انطلقت منذ إصدار مجلة 'الجماعة' ثم صحيفتي 'الصبح' و'الخطاب' تعرضت كلها للتضييق والمنع والمصادرة ودخول ياسين السجن مرة أخرى (سنتين) بسبب مقال 'قول وفعل'، الذي انتقد فيه الملك الحسن الثاني حول ادعاء دعم ومساندة الدعوة والدعاة، لكن المحنة لم تتوقف مع خروجه من السجن في كانون الاول/ ديسمبر 1985، بل تواصل حضور أجهزة الأمن ومحاصرتها لبيته إلى حين فرض الإقامة الإجبارية يوم 30 ديسمبر 1989. واستمرت مدة الإقامة الإجبارية أزيد من عشر سنوات، لم تكن خالية من متابعة التأليف والتواصل والدعوة بالسبل المتاحة.
وقبل رفع الاقامة الجبارية عنه بشهور قليلة وجه الى العاهل المغربي الملك محمد السادس في 28 كانون الثاني/ يناير 2000 رسالة 'مذكرة إلى من يهمه الأمر' شبيهة بتك التي وجهها إلى والده الحسن الثاني، لكن بلهجة اخف وتحمل ودا وهداية يحثه فيها على 'رد المظالم والحقوق التي انتهكت في فترة حكم والده'، ويجدد له 'النصيحة' التي سبق أن وجهها لوالده في رسالة 'الإسلام أو الطوفان'، وهي الاقتداء بالنموذج 'العادل الخالد' للخليفة عمر بن عبد العزيز، أو ما يسمى في أدبيات الجماعة بالخلافة الراشدة التي تلي الحكم العاض والجبري.
رفعت الإقامة الإجبارية عن عبد السلام ياسين أواسط شهر ايار/ مايو 2000، وكان أول خروج من بيته يوم 19 مايو 2000، حيث توجه لأداء صلاة الجمعة، ثم عقد في اليوم الموالي ندوة صحافية، ثم قام بزيارات شملت مختلف مدن المغرب شمالا وجنوبا شرقا وغربا استمرت أسابيع استطاع أثناءها أن يلتقي بأعضاء جماعة العدل والإحسان.
وللشيخ عبد السلام ياسين عشرات الكتب والمؤلفات بعضها بالفرنسية، ومن اشهر كتبه التي تتضمن فلسفة الجماعة وتصوراته الدينية والسياسية 'المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا' 1982، وكتاب 'مقدمات في المنهاج '1989، ثم كتاب 'الإسلام والقومية والعلمانية ' 1989 وكتاب 'محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى' 1994، و'الإحسان' الجزء الاول و'الإحسان' الجزءالثاني. وكتاب بالفرنسية ' الثورة ساعة الإسلام'، و'اسلمة الحداثة' 1998.
وشكلت جماعة العدل والاحسان منذ عدة سنوات فعلا سياسيا بالمشهد السياسي المغربي، وهي التي امتنعت عن المشاركة بالمسلسل الانتخابي 'لعدم ثقتها بنزاهة وديمقراطية' هذه الانتخابات من جهة وتحفظها على الدستور والقوانين المنظمة للانتخابات.
وتظهر الجماعة قوتها بالنشاطات الجماهيرية، خاصة التظاهرات والمسيرات التي تتعلق بالقضايا الاسلامية كالقضية الفلسطينية والاحتلال الامريكي للعراق، حيث باتت منذ بداية الالفية الثالثة القوة الرئيسية في هذه التظاهرات. وكانت احد المكونات الرئيسية لحركة 20 فبراير الاحتجاجية التي طالبت بإصلاحات جذرية في السياسة والاقتصاد في سياق حراك الربيع العربي، وأدى خروج الجماعة من الحركة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 إلى تراجع زخم التظاهرات في الشارع، وبدلا من مشاركة مئات الالوف في مدن مثل طنجة، باتت المشاركة تقتصر على مئات الاشخاص من الناشطين في التيارت والاحزاب اليسارية، الا انه لم تمر سوى دقائق على وفاة الشيخ ياسين، حتى خرج ناشطون من حركة عشرين فبراير على صفحات 'الفيسبوك' ينعون الراحل، رغم توجههم الإيديولوجي والفكري المعارض لأفكار الجماعة.
ووصف نجيب شوقي الشيخ ياسين بـ'إنسان قاوم المخزن إلى يوم مماته... انتصر للفقراء والضعفاء ورفض الريع السلطاني'، وأضاف أنه رغم الاختلاف 'يبقى شخصية كبيرة طبعت المغرب المعاصر بمواقف جريئة'، فيما وصفته وداد ملحاف بـ'الرجل الذي ظل صامدا في وجه جبروت المخزن وظلمه'، موضحة أنه 'رغم الاختلاف إلا أن الرجل تحسب له مواقفه الجريئة'. ووصف اخر الشيخ ياسين بالرجل العظيم. وقال الصحافي محمد البقالي 'اتفقنا او اختلفنا مع فكره، فقد كان رجلا في زمن قل فيه الرجال، صدح بقولة الحق ولم يخش بطشا'.
وتوافد المئات من الشخصيات السياسية والحقوقية على منزل الشيخ عبد السلام ياسين لتقديم واجب العزاء لعائلته وجماعته، من بينهم رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران، زعيم حزب العدالة والتنمية ذات المرجعية الاسلامية والحزب الرئيسي بالحكومة الحاكم رفقة وزير الدولة عبد الله باها ووزير العدل والحريات مصطفى الرميد.
وقال بنكيران الذي اكد مشاركته بتشييع ياسين، إنه تأثر كثيرا بوفاة الزعيم عبد السلام ياسين ووصفه بـ'الصديق' و'من الناس الذين أثروا في المسار السلمي' الذي اتبعه،
واضاف لم نتفاهم سياسيا لكن هذا لا يمنعني من التعبير عن التأثر بوفاته وأقدم لعائلته الصغيرة والكبيرة تعازي الحارة'.
وقال حزب العدالة والتنمية على موقعه الالكتروني 'انتقل إلى عفو الله ورحمته الأستاذ الشيخ عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان، وبهذه المناسبة الأليمة يتقدم حزب العدالة والتنمية بأحر التعازي والمواساة لجماعة العدل والإحسان ولكافة أفراد أسرته، سائلين المولى تعالى أن يتغمد الشيخ برحمته الواسعة وأن يسكنه فسيح جناته، إنه سميع مجيب.'
كما نعت حركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي للحزب، وفاة عبد السلام ياسين، وتقدمت بالتعازي والمواساة لجماعة العدل والإحسان ولكافة أفراد أسرته، فيما اوردت وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية خبر وفاة ياسين في قصاصة 'وفاة عبد السلام ياسين زعيم جماعة العدل والإحسان غير المرخص لها'، قالت فيها 'توفي صبيحة اليوم الخميس عبد السلام ياسين زعيم جماعة العدل والإحسان غير المرخص لها، عن سن يناهز 87 سنة وذلك حسب ما أعلنته الجماعة على موقعها الإلكتروني'.
واكتفت القناة المغربية الأولى بنشرتها ظهر امس بنقل خبر مقتضب عن وفاة ياسين، فيما تجاهلته القناة الثانية ونقل موقع 'هسبرس' عن حسن بن ناجح القيادي في جماعة العدل والإحسان، أن تعتيم الإعلام الرسمي على خبر وفاة الشيخ ياسين 'غير مستغرب'، لأن الجماعة عانت من الحصار منذ سنوات، وأن تدبير الإعلام المغربي مرتبط بنقل الصوت الواحد والصورة الواحدة، 'في مقابل التعتيم على الصوت الحر'.
وقبل وفاة الشيخ عبد السلام ياسين بشهور، وفي ظل تسريب اشاعات عن وفاته، شغلت الاوساط السياسية بخليفته على رأس الجماعة، وذهب البعض الى ترشيح كريمته نادية، الناشطة لزعامة الجماعة لشخصيتها القوية ونشاطاتها المكثفة وقوة حجتها وايضا لقربها من والدها، بالاضافة الى قدرتها على التواصل باللغات الاجنبية، وتعرضت نادية ياسين للمتابعة القضائية لتصريحها انها تفضل النظام الجمهوري بدلا من النظام الملكي لبلادها، كما نشرت لها صور مع رفيق لها في اليونان وهما يشاركان في منتدى فكري، لكن التعليقات عليها كانت مسيئة.
ويبدو ان حظوظ نادية ياسين بالخلافة قد تبددت بعدم اختيارها عضوا بالدائرة السياسية للجماعة، ليبرز اسم زوجها عبد الله الشيباني، الذي اثار مقالاه الأخيران جدالا واسعا داخل قيادات الجماعة، قدم من خلالهما ما يشبه خارطة طريق تمهد لمرحلة ثانية بعد وفاة مرشد الجماعة عبد السلام ياسين، وهو المقال الذي نشره الموقع الرسمي للجماعة قبل يومين من وفاة الشيخ، يطرح فيه مسألة خلافة المرشد وطرق تصريفها داخل الجماعة بالشورى، ويوضح من خلالها تصوره للخط السياسي والتربوي الذي يجب أن تسير فيه جماعة العدل والإحسان وكأنه يتحدث بلسان الخليفة المرتقب.
كما يرشح عبد الواحد المتوكل الأمين العام لدائرة السياسية وعضو مجلس إرشاد الجماعة، ومولاي عبد الكريم العالمي عضو مجلس الإرشاد والعقل السري المدبر لتكوين الأطر الدعوية داخل الجماعة والمشرف المباشر على تنظيماتها.
واصبح الشيخ محمد العبادي رسميا المرشد العام المؤقت لجماعة العدل والإحسان، وفق قانون الجماعة الذي ينص 'بعد وفاة المرشد يحل محله مباشرة أكبر مجلس الإرشاد سنا لفترة شهرين يجتمع فيها مجلس شورى الجماعة ليختار المرشد العام الجديد من بين أعضاء مجلس الإرشاد الخمسة عشر'.
ويعتبر محمد العبادي أكبر أعضاء مجلس الإرشاد سنا في الوقت الراهن بعد وفاة محمد العلوي السليماني في ديسمبر 2008، وبالتالي أصبح مؤقتا المرشد العام للجماعة في أفق اجتماع مجلس الشورى والتصويت على استمراره في المنصب أو اختيار مرشد عام جديد.
وقالت مصادر تابعة لجماعة العدل والإحسان، ان مجلس الإرشاد يحترم القوانين التي جرى وضعها والاتفاق عليها والواردة في المنهاج النبوي للشيخ، وسيكون العبادي هو المرشد العام المؤقت.
وفاة عبد السلام ياسين شيخ ومؤسس 'العدل والاحسان' المحظورة بالمغرب وزوج ابنته ابرز المرشحين لخلافته وتعيين محمد العبادي مرشدا عاما مؤقتا
محمود معروف
محمود معروف
2012-12-13
وقال فتح الله ارسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة ان الشيخ ياسين توفي صباح اليوم (امس الخميس) في احدى العيادات الخاصة في حدود الساعة السابعة والنصف صباحا بسبب 'مضاعفات نزلة برد عابرة'.
وأعلن مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، 'بقلوب يعصرها الحزن والأسى ويملؤها السكون إلى قضاء الله والرضا بقدره، تنعي جماعة العدل والإحسان إلى كافة الأعضاء والمتعاطفين وإلى الشعب المغربي وإلى أمة رسول الله صلى الله وسلم رجلا من رجالها العظام وعالما من علمائها الأفذاذ'، ومن المقرر ان يشيع جثمانه إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء اليوم الجمعة من مسجد السنة بالرباط بعد صلاة الجمعة.
ورغم عدم حصولها على الترخيص الرسمي للنشاط السياسي، الا ان المراقبين يقدرون ان جماعة العدل والاحسان اقوى الجماعات والتيارات السياسية بالمغرب، وشكلت منذ تأسيسها بداية ثمانينات القرن الماضي، معارضة شرسة للنظام السياسي المغربي ورفضت الاقرار بالملك اميرا للمؤمنين، كما ينص الدستور المغربي على ذلك، وهو ما عرض الشيخ ياسين للاعتقال والاقامة الاجبارية عدة سنوات وملاحقة ناشطي الجماعة.
وقال عبد السلام ياسين في اخر تصريح اعلامي له يوم 10 تموز/يوليو 2011، أي بعد ايام من اقرار المغرب لدستور جديد، قال المرشد ان جماعته لا تعارض الملك وإنما تعارض المُلك العاض. وشبه ياسين أثناء استقباله أعضاء مجلس إرشاد الجماعة 2011، المُلك العاض وجبرية التوريث بالتخلف. وقال 'الملك العاض تخلف بميزان الدنيا وبميزان الديمقراطية'.
واضاف 'أقول للناس ولكل الذين سيسمعون هذا المسجل ما ينفعك أخي واختي جميعا ما ينفعكم هو ما قدمتموه في الآخرة، والذي ينفع عند الله، من عمل صالح ما كان على سنة رسول الله تربية وزحفا.. زحفا على من؟ على من قبحه رسول الله وسماه مُلكا عاضا وجبرية التوريث تخلف الملك العاض تخلف بميزان الدنيا وبميزان الديمقراطية وتخلف عما يريده الله تعالى لهذه الأمة من فضل على سائر الامم...'.
ووجه ياسين 'الشكر للاخوان الذين صمدوا في الميدان رغم أسباب الهزيمة المحيطة بالكثير من الناس. صبروا، وصابروا.. الله تعالى يثبتهم، اخوان وأخوات العدل والاحسان حمروا الوجه الحمد لله، نحن لا نعارض الملك، نعارض المُلك العاض أصلا وهذا التراث البشع وهو أن يأتي ويقال فيه هذا الذي يحكمكم جبار...'.
ولد الشيخ عبد السلام بن محمد بن سلام بن عبد الله بن ابراهيم سنة 1928 من أسرة شهيرة في الجنوب تدعى آيت بهي، وكان لها صيت وذكر في تاريخ المغرب، وتتلمذ وهو في مراحله التعليمية الاولى على العالم المغربي محمد المختار السوسي بمدرسة بمراكش حيث تعلم القرآن ومبادئ اللغة العربية، ثم التحق بمعهد بن يوسف وكان يومئذ معهدا دينيا تابعا لجامعة القرويين، واكمل تعليمه بالمعهد ثم تخرج من مدرسة المعلمين، فعمل أستاذاً للغة العربية والترجمة، فمفتشاً بالتعليم الابتدائي بعد ثلاث سنوات من التدريس ثم مفتشا ايضا بالتعليم الثانوي.
والتحق الشيخ ياسين بالزاوية البودشيشية القادرية مدة ست سنوات لتبرز بوادر الاختلاف بين ياسين والزاوية، بسبب مواقفه المنتقدة لممارسات اعتبرها غريبة في الزاوية، واكتمل هذا الاختلاف واحتد مع إصدار الشيخ كتابيه 'الإسلام بين الدعوة والدولة' 1971 و'الإسلام غدا'1972.
واصبح الشيخ عبد السلام ياسين شخصية بارزة بالمشهد السياسي المغربي بعد رسالته الشهيرة 'الإسلام أو الطوفان' التي بعثها عام 1974 إلى الملك الراحل الحسن الثاني وكان من تداعيات تلك الرسالة اعتقال ياسين ثلاث سنوات وستة أشهر من دون محاكمة، ادخل في فترة منها بالاكراه الى مستشفى الامراض العقلية والأمراض الصدرية، وفي فترة الاعتقال أعاد الكرة عبر كتابة رسالة ثانية (باللغة الفرنسية) إلى الملك على سبيل الإلحاح في الدعوة والنصيحة.
وتقول الجماعة ان 'الاسلام او الطوفان' رسالة قوية المعنى والمبنى بالنظر إلى الشروط السياسية المميزة للمرحلة وإلى المضامين التي جاءت بها؛ فأما الظروف العامة التي اكتنفت الحدث فقد صارت معروفة اليوم بسنوات الجمر والرصاص، حيث كان الصراع السياسي على أشده بين أقطاب الحقل السياسي: المؤسسة الملكية والجيش والمعارضة الاشتراكية، وكانت اللغة السياسية المهيمنة موسومة بالعنف والاتهام والتخوين. ولعل أبرز مظاهر تلك المرحلة كان هو تكرار المحاولات الانقلابية التي ظلت تستهدف حياة الملك مباشرة.
فقد نصح ياسين الملك الخائف من ضياع ملكه نصيحة واضحة، نصيحة كشفت الوجه الجهادي للرجل الخارج توا من 'زاوية صوفية' محملا بروحانية الذاكرين المتبتلين. كانت النصيحة تدعو الملك إلى التوبة والرجوع إلى الإسلام وشريعته، مقترحة نموذجاً تاريخياً فذّاً هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، الذي أعز الله به الإسلام وأهله، وموضحة مجموع الخطوات العملية التي يتعين على الحاكم أن يبرهن بها لله تعالى ولشعبه على صدق الذمة والقول.
في سنة 1981 أعلن ياسين عن تأسيس 'أسرة الجماعة'، مع الاستمرار في تفعيل واجهة الإعلام التي انطلقت منذ إصدار مجلة 'الجماعة' ثم صحيفتي 'الصبح' و'الخطاب' تعرضت كلها للتضييق والمنع والمصادرة ودخول ياسين السجن مرة أخرى (سنتين) بسبب مقال 'قول وفعل'، الذي انتقد فيه الملك الحسن الثاني حول ادعاء دعم ومساندة الدعوة والدعاة، لكن المحنة لم تتوقف مع خروجه من السجن في كانون الاول/ ديسمبر 1985، بل تواصل حضور أجهزة الأمن ومحاصرتها لبيته إلى حين فرض الإقامة الإجبارية يوم 30 ديسمبر 1989. واستمرت مدة الإقامة الإجبارية أزيد من عشر سنوات، لم تكن خالية من متابعة التأليف والتواصل والدعوة بالسبل المتاحة.
وقبل رفع الاقامة الجبارية عنه بشهور قليلة وجه الى العاهل المغربي الملك محمد السادس في 28 كانون الثاني/ يناير 2000 رسالة 'مذكرة إلى من يهمه الأمر' شبيهة بتك التي وجهها إلى والده الحسن الثاني، لكن بلهجة اخف وتحمل ودا وهداية يحثه فيها على 'رد المظالم والحقوق التي انتهكت في فترة حكم والده'، ويجدد له 'النصيحة' التي سبق أن وجهها لوالده في رسالة 'الإسلام أو الطوفان'، وهي الاقتداء بالنموذج 'العادل الخالد' للخليفة عمر بن عبد العزيز، أو ما يسمى في أدبيات الجماعة بالخلافة الراشدة التي تلي الحكم العاض والجبري.
رفعت الإقامة الإجبارية عن عبد السلام ياسين أواسط شهر ايار/ مايو 2000، وكان أول خروج من بيته يوم 19 مايو 2000، حيث توجه لأداء صلاة الجمعة، ثم عقد في اليوم الموالي ندوة صحافية، ثم قام بزيارات شملت مختلف مدن المغرب شمالا وجنوبا شرقا وغربا استمرت أسابيع استطاع أثناءها أن يلتقي بأعضاء جماعة العدل والإحسان.
وللشيخ عبد السلام ياسين عشرات الكتب والمؤلفات بعضها بالفرنسية، ومن اشهر كتبه التي تتضمن فلسفة الجماعة وتصوراته الدينية والسياسية 'المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا' 1982، وكتاب 'مقدمات في المنهاج '1989، ثم كتاب 'الإسلام والقومية والعلمانية ' 1989 وكتاب 'محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى' 1994، و'الإحسان' الجزء الاول و'الإحسان' الجزءالثاني. وكتاب بالفرنسية ' الثورة ساعة الإسلام'، و'اسلمة الحداثة' 1998.
وشكلت جماعة العدل والاحسان منذ عدة سنوات فعلا سياسيا بالمشهد السياسي المغربي، وهي التي امتنعت عن المشاركة بالمسلسل الانتخابي 'لعدم ثقتها بنزاهة وديمقراطية' هذه الانتخابات من جهة وتحفظها على الدستور والقوانين المنظمة للانتخابات.
وتظهر الجماعة قوتها بالنشاطات الجماهيرية، خاصة التظاهرات والمسيرات التي تتعلق بالقضايا الاسلامية كالقضية الفلسطينية والاحتلال الامريكي للعراق، حيث باتت منذ بداية الالفية الثالثة القوة الرئيسية في هذه التظاهرات. وكانت احد المكونات الرئيسية لحركة 20 فبراير الاحتجاجية التي طالبت بإصلاحات جذرية في السياسة والاقتصاد في سياق حراك الربيع العربي، وأدى خروج الجماعة من الحركة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 إلى تراجع زخم التظاهرات في الشارع، وبدلا من مشاركة مئات الالوف في مدن مثل طنجة، باتت المشاركة تقتصر على مئات الاشخاص من الناشطين في التيارت والاحزاب اليسارية، الا انه لم تمر سوى دقائق على وفاة الشيخ ياسين، حتى خرج ناشطون من حركة عشرين فبراير على صفحات 'الفيسبوك' ينعون الراحل، رغم توجههم الإيديولوجي والفكري المعارض لأفكار الجماعة.
ووصف نجيب شوقي الشيخ ياسين بـ'إنسان قاوم المخزن إلى يوم مماته... انتصر للفقراء والضعفاء ورفض الريع السلطاني'، وأضاف أنه رغم الاختلاف 'يبقى شخصية كبيرة طبعت المغرب المعاصر بمواقف جريئة'، فيما وصفته وداد ملحاف بـ'الرجل الذي ظل صامدا في وجه جبروت المخزن وظلمه'، موضحة أنه 'رغم الاختلاف إلا أن الرجل تحسب له مواقفه الجريئة'. ووصف اخر الشيخ ياسين بالرجل العظيم. وقال الصحافي محمد البقالي 'اتفقنا او اختلفنا مع فكره، فقد كان رجلا في زمن قل فيه الرجال، صدح بقولة الحق ولم يخش بطشا'.
وتوافد المئات من الشخصيات السياسية والحقوقية على منزل الشيخ عبد السلام ياسين لتقديم واجب العزاء لعائلته وجماعته، من بينهم رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران، زعيم حزب العدالة والتنمية ذات المرجعية الاسلامية والحزب الرئيسي بالحكومة الحاكم رفقة وزير الدولة عبد الله باها ووزير العدل والحريات مصطفى الرميد.
وقال بنكيران الذي اكد مشاركته بتشييع ياسين، إنه تأثر كثيرا بوفاة الزعيم عبد السلام ياسين ووصفه بـ'الصديق' و'من الناس الذين أثروا في المسار السلمي' الذي اتبعه،
واضاف لم نتفاهم سياسيا لكن هذا لا يمنعني من التعبير عن التأثر بوفاته وأقدم لعائلته الصغيرة والكبيرة تعازي الحارة'.
وقال حزب العدالة والتنمية على موقعه الالكتروني 'انتقل إلى عفو الله ورحمته الأستاذ الشيخ عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان، وبهذه المناسبة الأليمة يتقدم حزب العدالة والتنمية بأحر التعازي والمواساة لجماعة العدل والإحسان ولكافة أفراد أسرته، سائلين المولى تعالى أن يتغمد الشيخ برحمته الواسعة وأن يسكنه فسيح جناته، إنه سميع مجيب.'
كما نعت حركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي للحزب، وفاة عبد السلام ياسين، وتقدمت بالتعازي والمواساة لجماعة العدل والإحسان ولكافة أفراد أسرته، فيما اوردت وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية خبر وفاة ياسين في قصاصة 'وفاة عبد السلام ياسين زعيم جماعة العدل والإحسان غير المرخص لها'، قالت فيها 'توفي صبيحة اليوم الخميس عبد السلام ياسين زعيم جماعة العدل والإحسان غير المرخص لها، عن سن يناهز 87 سنة وذلك حسب ما أعلنته الجماعة على موقعها الإلكتروني'.
واكتفت القناة المغربية الأولى بنشرتها ظهر امس بنقل خبر مقتضب عن وفاة ياسين، فيما تجاهلته القناة الثانية ونقل موقع 'هسبرس' عن حسن بن ناجح القيادي في جماعة العدل والإحسان، أن تعتيم الإعلام الرسمي على خبر وفاة الشيخ ياسين 'غير مستغرب'، لأن الجماعة عانت من الحصار منذ سنوات، وأن تدبير الإعلام المغربي مرتبط بنقل الصوت الواحد والصورة الواحدة، 'في مقابل التعتيم على الصوت الحر'.
وقبل وفاة الشيخ عبد السلام ياسين بشهور، وفي ظل تسريب اشاعات عن وفاته، شغلت الاوساط السياسية بخليفته على رأس الجماعة، وذهب البعض الى ترشيح كريمته نادية، الناشطة لزعامة الجماعة لشخصيتها القوية ونشاطاتها المكثفة وقوة حجتها وايضا لقربها من والدها، بالاضافة الى قدرتها على التواصل باللغات الاجنبية، وتعرضت نادية ياسين للمتابعة القضائية لتصريحها انها تفضل النظام الجمهوري بدلا من النظام الملكي لبلادها، كما نشرت لها صور مع رفيق لها في اليونان وهما يشاركان في منتدى فكري، لكن التعليقات عليها كانت مسيئة.
ويبدو ان حظوظ نادية ياسين بالخلافة قد تبددت بعدم اختيارها عضوا بالدائرة السياسية للجماعة، ليبرز اسم زوجها عبد الله الشيباني، الذي اثار مقالاه الأخيران جدالا واسعا داخل قيادات الجماعة، قدم من خلالهما ما يشبه خارطة طريق تمهد لمرحلة ثانية بعد وفاة مرشد الجماعة عبد السلام ياسين، وهو المقال الذي نشره الموقع الرسمي للجماعة قبل يومين من وفاة الشيخ، يطرح فيه مسألة خلافة المرشد وطرق تصريفها داخل الجماعة بالشورى، ويوضح من خلالها تصوره للخط السياسي والتربوي الذي يجب أن تسير فيه جماعة العدل والإحسان وكأنه يتحدث بلسان الخليفة المرتقب.
كما يرشح عبد الواحد المتوكل الأمين العام لدائرة السياسية وعضو مجلس إرشاد الجماعة، ومولاي عبد الكريم العالمي عضو مجلس الإرشاد والعقل السري المدبر لتكوين الأطر الدعوية داخل الجماعة والمشرف المباشر على تنظيماتها.
واصبح الشيخ محمد العبادي رسميا المرشد العام المؤقت لجماعة العدل والإحسان، وفق قانون الجماعة الذي ينص 'بعد وفاة المرشد يحل محله مباشرة أكبر مجلس الإرشاد سنا لفترة شهرين يجتمع فيها مجلس شورى الجماعة ليختار المرشد العام الجديد من بين أعضاء مجلس الإرشاد الخمسة عشر'.
ويعتبر محمد العبادي أكبر أعضاء مجلس الإرشاد سنا في الوقت الراهن بعد وفاة محمد العلوي السليماني في ديسمبر 2008، وبالتالي أصبح مؤقتا المرشد العام للجماعة في أفق اجتماع مجلس الشورى والتصويت على استمراره في المنصب أو اختيار مرشد عام جديد.
وقالت مصادر تابعة لجماعة العدل والإحسان، ان مجلس الإرشاد يحترم القوانين التي جرى وضعها والاتفاق عليها والواردة في المنهاج النبوي للشيخ، وسيكون العبادي هو المرشد العام المؤقت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق