د. جاسر عودة في ندوة: إذا أردنا إعادة ترتيب العقل المسلم علينا إعادة تعريف المفاهيم
د. جاسر عودة في ندوة: إذا أردنا إعادة ترتيب العقل المسلم علينا إعادة تعريف المفاهيم
د.جاسر عودة
علامات أونلاين - ماجدة أبو المجد - 2012-12-25 13:25:33
- أزمة العقل العربي والمسلم تكمن في اتساع مساحة الأبيض والأسود على المساحة الرمادية.
- النبي محمد أحدث ثورة في المفاهيم، وعلى المسلمين استكمال المسيرة.
- الثورات العربية تفرض على المسلمين القيام بدورهم في إنتاج المعرفة كمطلب حتمي.
يعاني العقل العربي والمسلم منذ عصور وعقود من أزمة في الهوية وطرق التفكير، وتبعها دون شك تخلفه عن ركب الحضارة وعن إنتاج المعرفة في كافة فروعها، وبات من أكثر المستوردين لثقافات الأخر ومعارفه، وتوقف إنتاجه واجتهاده، لعدة أسباب منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي .
تنقية العقل المسلم
ومنذ حركة التنوير التي حمل لوائها عدد من العلماء والمفكرين والمثقفين والفقهاء والمجددين في نهاية القرن 19 ، والذين كان لهم دور كبير في محاولة إحياء نهضة الحضارة العربية والإسلامية مرة ثانية من كبوتها، وتراكمت جهودهم وجهود من تبعهم حتى وصلنا الآن إلى فريق من الباحثين والعلماء يفكرون في كيفية تنقية العقل العربي والمسلم مما لحق به من تشويهات ومحاولة إحداث ثورة في العقل المسلم من شأنها إعادة ترتيبه مرة أخرى بما يتفق ومعايير الحضارة الإسلامية لا الحضارات الغربية وبما يتفق والسنن الكونية التي يجب على المسلم أن يعيش معها في تناغم وانسجام لا تنافر أو ثنائية .
ومن بين هؤلاء العلماء د. جاسر عودة المتخصص في مقاصد الشريعة ونائب مدير مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، حيث حمل على عاتقة مهمة "إعادة تعريف المفهوم" كشرط لإعادة ترتيب العقل المسلم، وإعادة ترتيب طريقة التفكير في الظواهر والأفكار والأحكام الشرعية المتعلقة بشؤون المجتمع .
ليؤكد في دورة معرفية نظمتها مؤسسة يقظة فكر بالتعاون مع اتحاد الأطباء العرب على مدار اليومين الماضيين، بعنوان "إعادة ترتيب العقل"، أن طريقة التفكير السائدة في المجتمعات العربية هي مكمن الخطورة وهي التي تؤدي إلى مشكلات كبيرة وخطيرة، لأننا لا ننظر إلى الأمور إلا بنظارة الأبيض والأسود فقط ، ولا ننظر إلى مساحات الألوان المختلفة والكثيرة ، كذلك لا ننظر إلى المساحة الرمادية بين الأبيض والأسود ، وهو سبب المشكلة.
وأوضح أن ما يسبب مشكلة للعقل العربي في ترتيبه هو اعتماده على الجزئيات دون النظر إلى الكليات ، وإهمال البعد المقاصدي للأمور والتركيز على الإجراءات والشكليات على حساب الأهداف والغايات الشرعية والأخلاقية لممارساتنا واهم قضايانا سواء الداخلية أو الخارجية .
وطرح مجموعة من التساؤلات من قبيل إعادة التفكير وأهمها : كيف نفكر؟ وما هي معايير التفكير؟ وما هي طريقة التفكير الصحيحة؟ وما هو عضو التفكير هل القلب أم العقل؟ وما هي أسس الخلاف والاختلاف المسموح بها فيما بيننا؟
ليشير إلى أن العقل في المفهوم الأسلامي ما هو إلا القلب ، وإذا امتنع العقل عن التفكير فإن الإنسان يصاب بالعمى عمى البصر والبصيرة ، كما إنه الفهم والتعقل والعقل هو الملكة الروحية للإنسان وبها يستطيع الوصول إلى أفكار ونتائج .
وأكد أن التفكير في الرؤية الإسلامية مقابل للعبادة وأنه أساس الخلق ، واشترط له عدم الخروج عن إطار الفطرة البشرية التي خلق الله الناس عليها ، وأن يكون متسقا مع السنن الإلهية في الخلق، وأن تحكمه ضوابط التواصل والتنوع والتكامل والحركة حول محور في دورات والتوازن وأن الإسلام لله .
وعاب على من يدعون ضرورة وجود توافق وتشابه في حياة البشر بدرجة كبيرة جدا، معتبرة وهما لأن الله خلق الناس مختلفين في كل شئ ، مشيرا إلى أن العقل المسلم إذا اقتنع بهذه المقولة وتلك الفرضية فإن العالم سيصير أكثر سلما وأكثر عدلا.
وعاب كذلك على من يحاولون تحدي الطبيعة متوهمين أننا نعيش في عالم "موحش"، مؤكدا أن المسلم يجب أن يعيش مع الطبيعة في "أنس"، مدللا على ذلك بمقوله "سيد قطب" الذي قال في أحد كتبه: إننا نعيش مع الطبيعة في أُنس، لأن الكون ليس كائن موحش بل هو عبارة عن كائنات مسبحة لله سبحانه وتعالى"، فما من جماد أو نبات أو إنسان أو أي كائن على وجه الأرض والسماء إلا وله مكان ودور في الكون " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً " .
وأشار جاسر إلى أن الله خلق الكون وفق نظام إلهي محكم يدور وفق نظام "الثوابت والمتغيرات"، ولا يمكن تخيل العالم بكل جوانبه بدون هذه النظرية بداية من الظواهر الطبيعية الأرض والشمس والقمر والنجوم والكواكب ، والظواهر العلمية ، فالمتغيرات لابد أن تدور حول الثوابت ، وكل ثابت متغير لغيره وهكذا ، وحتى عالم السياسة لا يمكن أن يشذ عن هذه القاعدة فمن تخيل أن عالم السياسة كله ثوابت أو كله متغيرات فقد ضل ضلالا بعيدا، وهذا ما قد يسمح بانحراف بعض الساسة ثم عودتهم إلى رشدهم مرة أخرى .
السمات الــ 10
واشترط عودة 10 سمات لمنهج التفكير في ضوء السنن الكونية، لأنها من شأنها إعادة ترتيب العقل لو فهمها المسلم وعمل بها في كل أمور حياته الشخصية، والعملية، والحياتية، والاجتماعية، والسياسية، والفقيهة، والشرعية .... إلخ، وهي:
فهم طبائع الأشياء والظواهر .
تجنب الثنائيات الكاذبة .
الخروج من الجزئي إلى الكلي .
الموازنة بين السبب والغاية .
الموازنة بين الوسيلة والهدف .
الموازنة بين الثوابت والمتغيرات .
مراعاة الأولويات.
مراعاة الدورات الطبيعية .
الانفتاح والتجدد.
إسلام الأمور لله .
ثورة معرفية
وخصص عودة للسمة الأولى من السمات الـ 10 مساحة كبيرة من وقت الدورة المعرفية ، إذ اعتبرها أحد الأُسس المهمة لإعادة ترتيب عقل المسلم ، مركزاً على دور رسول الله عليه الصلاة والسلام في تعريف المفاهيم ، مشيراً إلى أنه قسمها إلى قسمين: طبيعي ثابت ، وثقافي متغير ، وانطلق من تعريف المفاهيم إلى إصلاح المجتمع القرشي بالوحي ، فأحدث ثورة وانقلاب على الأعراف الجاهلية التي كانت سائدة بالدين الإسلامي الجديد وهو نقطة التميز .
وساق عدداً من الأمثلة دلل من خلالها على دور الرسول في تغيير المفاهيم ومنها : المفلس الغني والفقر ، والعمى ، الزواج ، المرأة ، الدولة ، العدالة.... إلخ.
ومن هنا اشترط د.جاسر عودة لإعادة ترتيب العقل إعادة تعريف المفاهيم ، معتبراً أن ما حدث في العالم العربي بعد الثورات يجب ألا يمر مرور الكرام ، بل ينبغي التوقف عنده طويلا بالبحث لتحديد المفاهيم والمصطلحات من باب التجديد والتطوير والإصلاح ، خاصة بعد حالة الجدل السياسي التي عمت دول الربيع العربي ، بشرط تطبيق مقاصد الشريعة الخمسة من حفظ للدين والنفس والعقل والعرض والمال ، والاعتماد على 4 أنواع من المرجعيات كأساس لإعادة تعريف المفاهيم في عالمنا الآن وهي : المرجعية التاريخية ، ومرجعية الفقهاء ، ومرجعية النصوص الشرعية (قرآن وسنة) ، ومرجعية المبادئ والمقاصد والغايات ، مشيرا الى أن الاخيرة الأهم – من وجهة نظره – دون إلغاء للمرجعيات الأخرى ، بشرط فهم كتاب الله على نمط المعاني والمقاصد وليس على نمط الدلالات.
وطالب عودة العلماء والباحثين تحديد معنى ومفهوم الدولة في القرن الحادي والعشرين، خاصة بعد الأحداث المؤسفة التي حدثت في مصر مؤخراً خلال ما يقرب من عامين ، تالية على ثورة 25 يناير ، مؤكدا أن مفهوم الدولة الذي حددته اتفاقية "سايكس بيكو " لم يعد مناسبا الآن ، وعلينا أن ندرك أن المفهوم لابد أن يتغير لأنه مفهوم مصطنع كان مناسبا للقرن العشرين، وما واكبه من حملات احتلال وعسكره للعالم العربي والإسلامي، أما اليوم فالدولة ليست بهذه الحدود ، لذا علينا أن نعيد تعريف مفهوم الدولة مرة ثانية بما يناسب القرن الحادي والعشرين وبما يناسب ما بعد ثورات الربيع العربي ، ووجود إسلاميين على سدة الحكم .
واستطرد : كما إننا في أشد الاحتياج الى تعريف معنى الدولة ومعنى الخلافة ومعنى البيعة ومعنى الحاكم وولي الأمر والطاعة، لأنه إذا تم تحديد مفهوم لهذه المصطلحات ستؤدي إلى استقرار البلاد.
ورأى أن مفهوم العدالة من المفاهيم التي يجب إعادة تعريفها أيضا ، خاصة بعد الثورات التي نادت في معظمها بالعدالة الاجتماعية كوقود لانطلاق شرارة الثورات في العالم العربي ، بعد ما مارسه الحكام من ظلم وجور على الشعوب والرعية ، مشيراً إلى أن عدالة القرن 18 لم تعد مناسبة لزمن الثورات، الذي يبغي عدالة إصلاحية حتى يمكن للمجتمع أن يتوازن، معتبرا أن القصاص في المفهوم الإسلامي أحد وسائل حفظ النفس التي في أساسها تحقيق للعدالة.
وطالب كذلك تحديد معنى ما هو ديني وما هو علماني؟! ، رافضاً تقسيم المجتمع المصري إلى هذه الثنائية ، مشبها إياها بتقسيم المجتمع البريطاني إلى معتزلة وأشاعرة ، رافضاً كذلك التقسيم على أساس السنة والشيعة ، مشيراً الى أن مثل هذه التقسيمات هلكت المجتمعات العربية والإسلامية ، وأدت إلى حالة من الصراع والاقتتال والعنف والدموية الدائمة فيما بينها ، مؤكداً ضرورة فهم الإسلام والجهاد والحرب والاستعمار والديني والعلماني ، وكل الثنائيات في إطارها الصحيح من النسخ والتجريح ، والقطعي والظني ، والحجية والبطلان .
إنتاج الثقافة
وطالب العلماء في العالم العربي والإسلامي بضرورة القيام بدورهم في إنتاج ثقافة إسلامية تنطلق من تعريف المصطلحات السياسية أولاً، كبديل عن تلك الغربية التي عفى عليها الزمن ، وأسقطتها الثورات بداية من تونس ومروراً بمصر ثم ليبيا واليمن ..إلخ ، وبات بما لا يدع مجالاً للشك عدم صلاحيتها .
وأكد جاسر أن العالم الإسلامي اليوم بات يئن من الحالة السياسية المفروضة على الشعوب ، رغم أن الغاية من السياسة في الرؤية الإسلامية هي الإصلاح ، الذي لا يمكن أن يحدث بالسياسة وحدها بل لابد من تكامل دوره مع دور التربية والإعلام والفن ، وهو نفس الدور الذي كان يقوم به رسول الله عليه السلام في المجتمع المكي ومجتمع المدينة .
وفي النهاية طالب جاسر بضرورة إعادة ترتيب القيم ، وأن يكون للإنسان غاية، وأن تكون أكبر غاياته إرضاء الله سبحانه وتعالى وهي حكمة الاتساق في الكون ، معتبراً أن الإنسان الذي يتوكل على الله يتمتع بأكبر قدر ممكن من الاتزان التوازن النفسي والعقلي لأن العقل بمفرده يهلك الإنسان ، مدللا بحديث الرسول عليه السلام "لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا" رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم, وقال الترمذي: حسن صحيح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق