الخميس، 16 يونيو 2011

الوفد :: التكفير وأمل الوحدة بين المسلمين

التكفير وأمل الوحدة بين المسلمين


الأحد, 12 يونيو 2011 11:26

بقلم ـ د. محمد الدمرداش العقالي

شهد تاريخنا الإسلامي الطويل الكثير من المعارك الطاحنة التي ظن أصحابها أنهم قد ملكوا ناصية الحقيقة وأنهم هم الفرقة الناجية وخلاهم من المسلمين حصب جهنم واهمين أنهم بذلك ينصرون الإسلام مع أنهم يطعنونه طعنة نجلاء.
والمطالع لهذه الصراعات وما واكبته من حملات التكفير والتكفير المضاد علي مر العصور بين أصحاب المذاهب الفقهية والمدارس الكلامية يجد أنها لم تقف عند الاحتراب بين السنة والشيعة، بل شهدت ميادين أخري اصطرع فيها المسلمون وتقاتل فيها من يتلون صباح مساء (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، وألفيت الصادح منهم يرفع عقيرته بقول (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت). وإذا نهاهم أصحاب العقول عن الإفساد نجدهم يصعرون وجوههم لأصحاب العلم والفهم بدعوي أنهم مصلحون في الأرض، وحقيقة حالهم أنهم ممن حق عليهم قول رب العزة: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
وقد خيمت علي بلاد المسلمين لحقب طويلة ثقافة التكفير والإقصاء التي أنهكت جسد الإسلام وغاب عمن سعروا نيرانها أن الحبيب المصطفي جاء برسالة الإسلام التي قوامها وعمادها أنها رحمة للعالمين، فمن يا تري سيصدقنا حين نقول إننا نحمل رسالة حب ورحمة للعالمين، وهذا فعل أيدينا الملطخة بدماء من يدينون بديننا.
وحقيقة، استفاق العقل المسلم في ساعة رشد في منتصف القرن الميلادي الماضي وهب عدد من علماء المسلمين لإبراز حقيقة أن الخلاف المذهبي أو الاختلاف الفقهي لا يعني أبداً التكفير أو التفسيق، وبدأ نفر كرام أجلاء من علماء أمتنا الحفاظ لأمانة العلم التي في أعناقهم يحملون علي عاتقهم عناء البحث عن الوشائج المشتركة بين فرق وطوائف المسلمين بعد أن أثخن جسد وروح أمتنا التناحر والتباغض، وتواصوا علي البعد عن النقاط الموهمة للخلاف، رائدهم في ذلك أن نتعاون بيننا فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، وتجاوز المسلمون لعقود من الزمن بشتي فرقهم ومختلف مذاهبهم حمي الخلاف المذهبي.
إلا أن هذا الأمر لم يدم طويلاً خلال العقد الأخير خاصة في ظل تسلط عدوين علي الأمة الإسلامية، أولهما حكام الجور الذين تسلطوا علي رقاب أمتنا لعقود وشغلوا الأمة بخلافات جانبية استخدموا في تأجيجها نفراً من الكتاب ووعاظ السلاطين ليروجوا لهم أمجاداً زائفة عن دفاعهم عن هذا المذهب أو ذلك الرأي، وجنوا علي الأمة لتحقيق أحلامهم الرخيصة بتمزيق وحدتها، واستعرت نيرانها لتأكل بعضها بعضاً وليلهوا شعوبهم في صراعات مريرة شهدت إلصاق التهم الزائفة بل اجتازوا هذه الحدود ليعودوا يضرب بعضهم بعضاً بسلاح التكفير من طرف خفي، ويصنفوا المسلمين بين سني وشيعي وسلفي وصوفي ووهابي وغير ذلك من التصانيف التي تهدف للإقصاء من عداد المسلمين.
وكان ذلك كله بعين السعادة والرضا من العدو الثاني والشيطان الأكبر وهو الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أجادوا في تحريك زعماء الزيف العرب وحكامهم كالعرائس بتوجيههم عن بعد للانشغال بتوافه الأمور كمباراة للكرة مثلاً تخوض فيها الأقلام وتسود الصحف لشهور عدة والعدو يمضي قدماً في مشروعه الاستيطاني لا يجد من ينهض لمقاومته اللهم سوي النفر الكرام من أبطال المقاومة في فلسطين ولبنان.
وتعود الأمور بفعل العدوين اللدودين إلي سابق العهد من التشرذم والتكفير، فبعد أن كنا نتحدث في منتصف القرن الميلادي الماضي عن حلم الوحدة الإسلامية انتقلنا إلي أمل تحقيق التضامن الإسلامي ثم صار منتهي أملنا تحقيق التفاهم الإسلامي وصولاً للمطالبة بالتغاذر بين المسلمين ومؤخراً للأمل في تحقيق التعايش بين أبناء هذه الأمة الثكلي. ولست أدري هل يمتد بنا العمر حتي نصل إلي أن نذكر المسلمين أن الله عز وجل قد كتب الإحسان في كل شيء لنوصي المسلم إذا انتوي قتل أخيه المسلم أن يحسن القتل وإذا ذبحه أن يحسن الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته!
واليوم وعالمنا العربي وهو قلب العالم الإسلامي ينتفض علي معذبيه ويثور علي جلاديه فأولي بهم وهم يكنسون هذه الأنظمة إلي مزبلة التاريخ أن يكنسوا معها الأفكار التي زرعتها في عقول المسلمين ذراعا إبليس: حكامنا الظالمون والكيان الصهيوني البغيض، وهي الأفكار التي أفضت إلي سيل فتاوي التكفير والتكفير المضاد، وأن يقيموا بينهم كتاب الله عز وجل الذي ينادي بهم (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، وأن تستفيق عقول شعوبنا العربية بعد أن استعادت حريتها وحطمت أغلالها لوقف سيل الفتاوي الظلامية وإغماد سيف الاتهام بالتكفير، وأن يجتهد أصحاب العقول في هذه الفترة الحرجة من تاريخنا لمواجهة سلاح التكفير الذي أصبح - ولله الأمر - منهجاً تلجأ إليه بعض الحركات الدينية لإشهاره في وجه بعض التيارات السياسية التي تنادي بمدينة الدولة وتمام الفصل بينها وبين الدين، والتي مهما اختلفنا معهم في شكل الدولة القادمة التي نرجوها لمصرنا الغالية ومدي ارتباطها بالدين وقدر هذا الارتباط، فلا يساغ دينا أو عقلا أن ينتهي الأمر بتكفير لشخص أو تيار لاختلافنا في شكل الدولة أو مرجعيتها، وهو بالقطع من الأمور الخلافية وليس فيه من المسلمات الكثير، وبعد أن خاضت جميع التيارات بشتي توجهاتها غمار ثورة سطرت بأحرف من نور، تراصت فيها الأكتاف بنياناً واحداً وتوحدت فيها الجهود لتشق في ظلام مصرنا فجراً جديداً.

*المستشار بمجلس الدولة

el3okaly@yahoo.com

اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية التكفير وأمل الوحدة بين المسلمين

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |