منهج التربية الإسلامية يعامل التلاميذ كأنهم كفرة من أسر كافرة لا صلة لها بالإسلام! (3) | جريدة القبس
التربية الإسلامية في الكويت
في إطار الدراسات العلمية التي قدمتها القبس حول التعليم في الكويت: الخلل في المناهج (2002)، المناهج الكويتية أمام ساعة الحقيقة (2003)، التعليم في أزمة (2012)، المعلم في الكويت: واقعه.. إعداده.. دوره، (يناير2013)، تواصل حلقات دراستها العلمية الموسعة، لقناعتها بأن أي إصلاح حقيقي، وتنمية مستدامة، يبدآن من التعليم ويستندان إليه. وفي الحلقة الجديدة من الدراسة الموسعة، تتناول القبس مناهج التربية الإسلامية في الكويت. بعدما تناولت مناهج الاجتماعيات، واللغة العربية.
وسنحاول في هذه الحلقة الثالثة من تقويم مناهج التربية الاسلامية في الكويت اجراء تقويم معياري لدروس هذا المنهج، معتمدين في ذلك على قاعدة أساسية، يبدو ان واضعي منهج التربية الإسلامية في الكويت لم يولوها ما تستحق، الا وهي ان العبرة في التعليم لا تكمن في كثرة الدروس وكمية النصوص، بل تكمن في نوعية هذه الدروس والنصوص، كما في الأهداف المرجوة من تعليمها.
ج – التربية الإسلامية .. والنقص في التشويق
إلى جانب الصعوبة المباشرة الموجودة في نصوص التربية الاسلامية في الكويت، أو الصعوبة المضمونية، توجد صعوبة غير مباشرة مرتبطة بنقص التشويق وقلة الجاذبية في كثير من دروس التربية الاسلامية، مما يزيد من المعوقات التي تعترض سبيل التلميذ الكويتي والتلميذ العربي المقيم في الكويت ايضاًَ عند دراسته للمقررات الدينية الاسلامية.
فالتلميذ الابتدائي بخاصة يحتاج الى ما يدفعه للاقبال على تعلم الدروس ويشده اليها لان فيها عنصرا أو جانباً مشوقاً او مثيراً للدهشة، أو ممتعاً أو جميلاً، أو مفيداً أو غير ذلك مما له طابع وظيفي في حياة المتعلمين.
وهذا المبدأ التربوي في الطابع الوظيفي للدرس مطلوب في المواد الدراسية كافة، بما فيها دروس اللغة والاجتماعيات والعلوم وحتى الرياضيات المجردة، فكيف بالتربية الاسلامية والاسلام هو الحياة كما يردد الجميع؟ فلو راعى المؤلفون هنا مبدأ ملاءمة الدروس للتلميذ لوجدنا ان كتب التربية الاسلامية تضج بالنصوص الدينية الجاذبة للمتعلمين والتي توصل المضمون الاسلامي وترضي التلاميذ في آن واحد، وتلك هي الغاية الأصلية من تعليم الدين للناشئة.
ومع ان بعض نصوص التربية الاسلامية تراعي هذا التوازن بين المادة التعليمية والمتعلمين، فإن الجزء الباقي اما انه يقع في مستوى عادي او متوسط على صعيد القابلية لجذب التلميذ وتحبيبه بالمادة الدينية، وإما أنه يشكو من نقص في هذه القابلية كما يظهر ذلك في الحالات التالية:
• يتضمن كتاب التربية الاسلامية للصف الاول الابتدائي عناوين دروس مثل «الله يحفظنا» أو «التوكل على الله».. فلماذا لا يورد المؤلف تحت عناوين مثل هذه قصة صغيرة جميلة عن ولد حفظه الله تعالى من الأذى، أو عن محبة الله للصغار، أو قصة عن شاب توكل على الله واعتمد عليه فأعانه الله في حل مشكلته، والقصة نفسها يجب ان تكون مستمدة من حياة الولد، اما ان يقتصر الدرس على اقوال مأثورة تصلح للكبار، ولكل مكان وزمان، فإن ذلك لا يؤثر ايجاباً في شخصية الولد المتعلم (ك 57 – ص10).
• من دواعي الملل وقلة الاهتمام بالدروس من جانب التلاميذ انهم يجدون فيها تكراراً للموضوعات والمعلومات الدينية او تقارباً شديداً في ما بينها، فيضطر التلميذ لحفظ المعلومات الواحدة او المتقاربة مرتين أو اكثر وهو امر مرهق له ومدعاة للنفور من التربية الاسلامية. ومن دواعي الملل ايضاً ان الطالب لا يجد اشكالية او قضية دينية تحتاج الى الشرح الدقيق والتحليل المعمق كما هي الحال مع دروس موضوع توحيد الألوهية، وان الله تعالى واحد احد. فهذا الامر، الذي تم طرحه اكثر من مرة، هو امر بديهي لا يحتاج الى شرح طويل الا من باب الالحاح والاطالة لأن الطلاب في الكويت ينتمون إلى بيوت مسلمة تربي أبناءها على فكرة الإله الواحد الأحد منذ نعومة أظفارهم، كذلك لا نعرف لماذا يتم إغراق التلميذ بتفاصيل بديهية عن موضوع مثل «عدم مشابهة الله لشيء، وأنه متفرد بصفات الكمال»؟ إن هذه التفاصيل لا تنمي تفكير الولد ووعيه الديني بقدر ما تزيد من كمية المعلومات التي يختزنها في ذهنه عن الموضوع المطروح (راجع ك 68 – ص 13). إن الإطالة في عرض موضوعات مجردة جداً مثل «لماذا خلقنا الله؟» تثير الملل في نفوس التلاميذ وربما في نفس المعلم أيضا.
• يتحدث المؤلفون في أحد الدروس عن النار وطبقاتها السبع في أربع صفحات تسهب في شرح أهوال الجحيم شرحاً تقشعر له الأبدان، وتهتز له قلوب الاطفال وهم في عمر الورود. صحيح أن ما يورده النص هو وصف صحيح للنار وهذا ما لا ينكره أحد من المسلمين، ولكن هذا يقال مفصلاً للكبار الراشدين فقط، ويقال مختصراً جداً «أو لا يقال بالمرة» للصغار من التلاميذ، حتى لا يدبّ الرعب في قلوبهم أو يجنحوا إلى الاكتئاب أو اليأس من الحياة، وقد يصلون إلى حافة الانتحار في بعض الأحيان، وعند المراهقين بوجه خاص، خشية على أنفسهم أو على من يحبون من أهلهم وإخوانهم (راجع ك 72 – ص 38).
ــــ يتوسع المؤلفون في موضوع الجن والشياطين وما يأكلونه من العظام والبعر وكيف يتزوجون، وكيف يصبح الجن شيطاناً ثم مارداً ثم عفريتاً وسوى ذلك من تفصيلات غير جاذبة لأولاد المدارس وليس من ورائها حكمة تربوية واضحة. (راجع ك 72 – ص 19).
خلاصة
خلاصة القول في مدى ملاءمة دروس التربية الإسلامية في الكويت لمعيار التشويق التربوي، إن كثيراً من هذه الدروس لا يستجيب لمبدأ ضرورة اختيار النصوص الجاذبة للمتعلمين عندما نتحدث عن عذاب القبر وقتل الكفار وأهوال النار وسوى ذلك من أنواع الوعيد والعقاب في الدنيا والآخرة، مع أن عالم الأطفال هو عالم البراءة والبعد عن الجرائم والخطايا، فينبغي إذن تحبيب الإسلام إلى قلوبهم بصورة ملائمة لعالم الطفولة وذلك في المرحلة الابتدائية على الأقل، مع إبعاد ثقافة العقاب والموت عن هذه المرحلة، وتغليب الإسلام المنفتح على الحياة.
وفي هذا السياق، نورد ما ذكرته الأستاذة منيرة النصف (وهي موجهة اجتماعية سابقة في وزارة التربية في الكويت) من أنها زارت ذات يوم مدرسة للبنات، حيث تابعت محاضرة لإحدى معلمات التربية الإسلامية جاء فيها أن الموسيقى حرام والغناء حرام والرياضة حرام، ولما قامت إحدى التلميذات وسألت المعلمة ببراءة عمّا يمكن للبنات أن يفعلن في أوقات الفراغ، فما كان من المعلمة إلا أن زجرتها. وتعلّق السيدة الموجهة على ذلك قائلة: بسبب محاضرات كهذه أصبحت المدارس مصدراً لاكتئاب الطلبة (راجع جريدة القبس، عدد 6 أبريل 2010).
د – معيار الترابط
لا قيمة لنص لا ترابط بين عناصره وأجزائه. وإذا كان النص مدرسياً تعليمياً، فيجب أن يحظى بصفة التدرج أيضاً، وغياب التداخل والتكرار بين النصوص وبين الكتب الدراسية. فهل يوجد ترابط (Coherence) جيد بين دروس الكتاب الواحد، وبين كتاب وآخر من كتب التربية الإسلامية في الكويت، أم توجد حالة من التكرار والتداخل بين الموضوعات والدروس والكتب؟
لا يمكننا القول إن مبدأ الترابط غائب عن كتب التربية الإسلامية، ولكن درجة الالتزام به ومراعاته تختلف من كتاب إلى آخر أو من محور إلى آخر داخل الكتاب الواحد، فمسألة الخلل في درجة الترابط محصورة بمساحات معينة من الكتب، وإلا لكانت لغياب الترابط في المنهج آثار بالغة السوء على التلاميذ وعلى نموهم الفكري.
ولعل أكبر خلل على هذا الصعيد أنه توجد محاور دراسية خاصة بعلوم القرآن داخل معظم كتب التربية الإسلامية، مع أنه يوجد مقرر خاص بالقرآن الكريم يتابعه الولد على مدى سنوات التعليم العام. إن موضوعات تفسير القرآن وعلوم القرآن وتجويد القرآن ترتبط بمقرر مستقل هو القرآن الكريم، فلماذا نعود ونوردها في كتب التربية الإسلامية أيضا؟
ولعل مشكلة التكرار في المضامين هي أكبر آفة تضرب معيار الترابط والتدرج في المفاهيم والموضوعات الإسلامية المطروحة، بدءاً من كتاب التربية الإسلامية للصف الأول الابتدائي، حيث يتكرر الحديث نفسه تقريبا عن فضل تلاوة القرآن الكريم في درسين متواليين (ك 57 – ص 30 – 32).
ويتكرر حديث الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عن الحوار الذي دار بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبين الملاك جبريل عن معنى الإيمان، وحديث المشاركة في بناء الكعبة المكرمة، وأحاديث أخرى في كتاب الصف السابع (ك66 – ص66)، وفي كتب أخرى للتربية الإسلامية، ومنها كتاب الصف العاشر (ك71 – ص14)، كذلك يتكرر درس توحيد الربوبية ثم الألوهية أكثر من مرة مع العودة إلى ذكر الأدلة على وجود الله تعالى، وكأن التلميذ الكويتي لم يقتنع بعد بوجود الله تعالى، فيجتهد المؤلفون لإقناعه وشرح الأمر له (ك71 – ص20).
إن تكرار المحاور والموضوعات الدراسية نفسها من صف الى آخر يطرح مشكلة حقيقية على مناهج التربية الاسلامية في الكويت، حتى لو كانت المعلومات الدينية تتوسع وتزداد من صف دراسي الى اعلى منه، لان الافكار الاساسية تبقى على حالها. توجد اذن مشكلة حقيقية هي مشكلة التكرار والتداخل في المضمون الدراسي، وقد+ يكون الحل في البدء بتدريس مقررات التربية الاسلامية بدءا من الصف الثالث او الرابع الابتدائي على اساس ان الهدف من تعليم الدين في المدرسة العادية ليس تخريج رجال دين متخصصين في الشريعة او الدعوة، والهدف الاساسي للتعليم العام ما قبل الجامعي هو اعداد الطالب وتوجيهه نحو المعاهد الفنية والشرعية والجامعات المختصة بالعلوم والفنون والآداب.
عقل التلميذ ليس مخزناً
ان عقل التلميذ لا ينبغي ان يتحول الى مخزن للمعلومات المتكررة او المتداخلة، ولا ينبغي لمناهج التعليم ان تضع التلميذ امام خيارين لا ثالث لهما: اما ان يتقبل الوضع ويحفظ دون رغبة او حماس، او ان يرفض الوضع كله ويشيح بوجهه عن تعليم لا يحبه لانه لا يحترم عقله. (راجع ك64 ــ ص47).
لقد لاحظنا ان كثيراً من الموضوعات الدينية يتكرر من كتاب الى آخر مع اضافات تشكل توسعاً كمياً في المادة التعليمية ولا تنطوي على توسع نوعي من الناحية العلمية او التربوية. وعلى سبيل المثال فإن الدرس الاول من كتاب التربية الاسلامية للصف الثامن يعود فيتوسع في الحديث عن اسماء الله الحسنى وصفاته دون ان نعرف الحكمة او الفائدة من الالحاح المتواصل على هذه المسألة، فلماذا يلح المؤلفون الى هذا الحد على التلميذ الكويتي العربي المسلم ليغوص في موضوع الاسماء والصفات الالهية من خلال شرح مسهب يكاد لا ينتهي، وكأن هذا التلميذ كافر ومن اسرة كافرة لا صلة لها بالاسلام؟!.
والمدهش هو ان المؤلف يطرح مجدداً مسألة صفات الله في عدة دروس من الكتاب نفسه (ك 68) مكرراً الفكرة نفسها التي سبق له ان طرحها في الدرس الاول من الكتاب، وكأنه في شك من تأثير كلامه السابق في نفس التلميذ، ولا نغالي اذا قلنا ان الجزء الاكبر من كتاب الصف الثامن يدور حول فكرتين او ثلاث يتم توسيعها بأشكال واساليب متبدلة، يغلب عليها طابع الالزام اكثر من صفة الاقناع، ولذلك تكثر في دروس الكتاب كلمات مثل يجب، وينبغي، وعلينا، ومن واجبنا... ان نقول كذا او كذا او نعتقد به.. الخ (راجع ك 68 ــ ص13).
وعلى طريق التكرار المضر بمعيار الترابط، تسير ايضاً كل موضوعات التوحيد في كتاب التربية الاسلامية للصف التاسع، لان هذه الموضوعات سبقت معالجتها في كتاب الصف الثامن او السابع، فلماذا كل هذا الالحاح على هذا الموضوع، وكأن التلميذ الكويتي مشرك بالله تعالى لا سمح الله ؟!
وبعد عشرات الدروس الدينية على مدى ثماني سنوات يطرح المؤلفون في كتاب الصف التاسع موضوعاً عنوانه «الله تعالى موجود...» وكأن كل الدروس السابقة لم تقنع التلميذ الكويتي! وبعد ان عولج هذا الموضوع اكثر من مرة، في الصفوف الدراسية السابقة للصف التاسع، لم تعد توجد ضرورة تربوية لان تخصص درساً اضافياً لهذا الموضوع الذي هو امر بديهي عند التلاميذ في المجتمع الكويتي (ك70ــ ص11).
ومن الاشكال الاخرى للخروج عن منهجية الترابط بين مضامين كتب التربية الاسلامية، غياب العلاقة الرابطة بين عنوان الدرس ومضمونه، ففي درس مخصص للحديث عن عمل النبي (صلى الله عليه وسلم) في التجارة ورعي الغنم في الصف السادس الابتدائي (ك65 ــ ص61) نجد صفحتين عن حلف الفضول، وعن حادثة الحجر الاسود، وكل هذا لا علاقة له بالموضوع الاساسي للدرس الذي لن يتبقى منه الكثير عندما تخرج صفحتان منه عن موضوع الدرس.. ومهما يكن شكل الخروج على معيار الترابط في مناهج التربية الاسلامية، فإن عدم مراعاة هذا المعيار من خلال تشتت الموضوعات وخلطها بصورة تجميعية غير منسقة، يؤدي الى تشتت ذهني ايضاً عند التلميذ الذي يدرس هذه الموضوعات، وبالتالي فإن من واجب المؤلفين الانتباه الى قواعد تأليف الدرس وضرورة ارتباطه، بما قبله وبما يليه من دروس.
هــ ـــ معيار الدقة العلمية
خير ما نفتتح به هذا الجزء من الدراسة قول للفيلسوف العقلاني العربي الاكبر ابو الوليد ابن رشد جاء فيه: «اذا كان النص الديني متفقاً مع العقل فلا اشكال، واذا كان مختلفا مع العقل فنحن نؤوله حسب العقل لان الله لا يمكن ان يعطينا عقولاً ويعطينا شريعة مخالفة لها»، فهذا القول يختصر ما يهدف اليه بحثنا عن مدى مراعاة نصوص التربية الاسلامية لمعيار الدقة العلمية، وما يلحق به من تفكير موضوعي ومن موضوعية في عرض القضايا والمفاهيم وتحليلها.
واذا كانت الدقة العلمية تقوم على الصواب والخطأ في المعلومات والمعارف وعلى حداثة الفكرة او المعلومة وعدم تقادمها مع مرور الوقت ووضوح صياغتها، فإن الموضوعية تقوم على البعد عن الذاتية في العرض والتحليل، بحيث يحيط القارئ بجميع أبعاد المسألة، وجميع وجهات النظر الخاصة بها، دون مبالغة أو تمجيد أو تبخيس أو استبعاد. فإلى أي حد يلتزم منهج التربية الإسلامية بمبدأ الدقة والحداثة (UPDate) في عرض المعلومات والمعارف التي يقدمها، وبمبدأ الموضوعية في (Objectivism) في طرح القضايا والمسائل والمفاهيم التي تتضمنها نصوص هذا المنهج؟
قبل الشروع في الإجابة عن هذه الأسئلة نوضح أننا ننطلق في تقويمنا لمضامين التربية الإسلامية المدرسية من قاعدة أساسية وهي أنه باستثناء الإلهيات (من توحيد وعقيدة..) والعبادات (من فرائض عبادية على أنواعها) وباستثناء ما يدخل في النص القرآني أو في الحديث النبوي المتفق عليه، فإن كل كلام يقوله أو يكتبه الناس لا يجب اعتباره كلاماً مقدساً أو مسلماً به، ولا يجب الأخذ به إلا إذا توافق مع العقل والمنطق وقواعد التفكير العلمي الذي لا يتدخل في ما جاءت به الأديان السماوية من حقائق إلهية أو عبادية، ولكنه لا يقبل أيضا بوجود حقائق دنيوية عابرة للتاريخ والزمن صالحة لكل زمان ومكان، فإن كل النصوص التي يكتبها الناس من رجال دين أو باحثين في الإسلاميات أو مؤلفين للكتب الإسلامية المدرسية يجب ان تكون خاضعة للنظر فيها، وأن لا تتناقض مع التفسير العلمي والعقلاني للكون وللقضايا والأمور الحياتية، وهذا ما نحاول تطبيقه على نصوص التربية الاسلامية المدرسية.
مراعاة صحة المعلومات
إن الرؤية الاجمالية لمناهج التربية الإسلامية المدرسية في الكويت، من زاوية مدى احترامها لمعيار الدقة العلمية والموضوعية في العرض والتحليل، تفيد بأن هذه المناهج تراعي صحة المعلومة بوجه عام، ويسعى واضعوها بقدر استطاعتهم، لأن يتحلوا بروح الموضوعية العلمية في معالجة الموضوعات والقضايا الواردة في الدروس الإسلامية، ولكن على الرغم من الجهود المبذولة من المؤلفين لتقديم خطاب تربوي موضوعي، فقد وقعوا في سلسلة من الأخطاء العلمية والمشكلات المنهجية في كثير من الأحيان، وهو ما سوف نسلط الضوء عليه تدريجياً من سنة دراسية إلى اخرى للحث على معالجتها من جانب المسؤولين في وزارة التربية لاحقاً.
لا غبار على كتاب التربية الإسلامية للصف الأول الابتدائي من ناحية المضمون العلمي. وتبدأ الملاحظات على هذا الصعيد مع كتاب الصف الثاني الابتدائي (ك 58) حيث يورد المؤلف (ونعني به المؤلفين) الانجيل قبل التوراة في انشودة عن الكتب السماوية مع ان التوراة (كتاب اليهود) تأتي أولاً يليها الإنجيل كتاب المسيحيين (النصارى) فالقرآن الكريم (كتاب المسلمين) بالتسلسل.
وتقتضي الدقة في احترام التسلسل التاريخي للكتب السماوية أيضا عدم إقحام «الزبور» في هذه السلسلة لأنه يجعل الكتب السماوية أربعة، كما أن المصطلح نفسه لا يفيد ولداً في الصف الثالث الإبتدائي في فهم تاريخ الأديان السماوية. ألا يكفي ان نتحدث للولد عن التوراة فالإنجيل فالقرآن الكريم؟ (ك 58 – ص 20). وفي الانشودة الخاصة بمجال الحديث الشريف، داخل الكتاب نفسه، يقول الشاعر ما يلي:
المرء على دين خليله
فلتنظر من سوف تخالل
الله يحب من العمل
ما دام وإن كان قلائل
إن قول الشاعر هنا معقد ويخلو من الوضوح الذي هو من الصفات الأولى للشعر بصفته كلاماً فصيحاً موزوناً، فكلمة «تخالل» معقدة حتى بالنسبة للكبار فكيف حالها مع أولاد صغار لعويص لفظها وندرة استعمالها؟ وفي البيت الثاني يصعب فهم صلة كلمة «قلائل» ببقية بيت الشعر لأنها لو كانت صفة للعمل لوجب أن تكون «قليلاً» (راجع ك 58 – ص 32).
وعندما تقرأ في الأنشودة نفسها أن «رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القائل» فإن الكلام يكون حرفيا وهذا ما يستحيل في الأناشيد والشعر كما جاء في البيتين الثالث والرابع من قصيدة الحديث الشريف:
صلاة بر وجهاد
ما دون أولئك هو زائل
رتبها في الفضل الهادي
لانك عن سنته المائل
فهل هذا هو قول شريف من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يستحيل ذلك لأن الحديث لا يكون شعراً ولأن كلمة «أولئك» غير صحيحة لغوياً وقد جاء بها الشاعر لضرورة الوزن لا أكثر، والصحيح هو عبارة «ما دون ذلك..». وما معنى عبارة «رتبها في الفضل الهادي؟».
ماذا يرتب التلميذ؟ وما هو الفضل الهادي، وكيف تم الترتيب؟ إن الفكرة ملتبسة شكلاً ومضموناً وتفتقر إلى دقة المعنى وصحة الدلالة، ناهيك عن فصاحته إذ ليس فيها شيء من فصاحة العرب والمسلمين. فهل ان ولدا يستطيع فهم هذه الأقوال بالصورة التي جاءت فيها؟ فيا ليت مؤلفي المناهج التربوية يرحمون النصوص والنفوس الطرية للأولاد!! (راجع ك 59 – ص 34).
وفي الاتجاه الخطأ الذي يخالف مبدأ الدقة في المعلومات ووضوحها يمكن ادراج عبارة «بالصدر أضاؤوا البشرية» في (ك 59 – ص 44) لأن هذه العبارة غير دقيقة علميا وغير فصيحة لغويا مع انها شطر في بيت من الشعر نفترض ان يكون شديد الفصاحة والبلاغة والدقة، وهذا ما لا يتوفر للشطر الشعري المشار إليه، فالبشرية لا تضاء بل تضيء طريق الناس إلى الخير والرقي، ولا يجوز الخلط بين المفاهيم حتى لا يقال كل شيء في أي شيء ونتوهم أن ذلك صحيح وجدير بأن نقدمه لتلاميذ المدارس فوق ذلك. ان للغة منطقها القائم على الفصاحة أولاً والبلاغة ثانيا، وهي ليست مشاعاً مفتوحاً أمام كل أشكال الركاكة والالتباس.
لقد كان بمقدور المؤلف أن يستبدل العبارة الغامضة بعبارة أخرى مثل «ضحوا من أجل البشرية»، فهل هذا صعب على شاعر يكتب القصائد؟!
وفي الإطار نفسه والكتاب نفسه نقرأ في أنشودة في مجال الفقه (ك 59 – ص 56) البيت الآتي:
أكلٌ شربٌ قيءٌ عمداً
يُبطل صومك فيه ضياعه
فهل في بيت مثل هذا شيء من الفصاحة أو البلاغة؟! نحن لا نفهمه إلا بشق النفس وبعد تقديم وتأخير. فكيف تكون حال الولد الصغير مع هذا النمط مما يسمى شعراً؟! وما الحاجة أصلاً إلى الشعر في مجال الحديث النبوي الشريف الذي هو نثر ويجب أن يكون شرحه نثراً أيضاً؟
ومن سياق الأخطاء العلمية ننتقل إلى سياق مكمل يتمثل في موضوعية طرح الموضوعات والقضايا والمسائل الدينية والفكرية والتاريخية ومنها قضايا ما ورائية مثل قضية الحياة بعد الموت، أو البعث، الذي هو الركن الخامس من أركان الإيمان. ومن الطبيعي أن يشرح درس «البعث بعد الموت» معنى البعث لغة واصطلاحاً، وموقع البعث من الإيمان بالله تعالى وأهميته في حياة الإنسان المسلم من دون الحاجة إلى إيراد البراهين العلمية على هذا الموضوع الذي يتخطى نطاق العلم ولا يحتاج إليه أصلاً، فالبعث بعد الموت لا يحتاج إلى دلائل علمية، يجهد المؤلف نفسه في تدبيرها ويجهد التليمذ معه، لأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا بالبعث بعد الموت، في يوم القيامة، يوم يبعث الله من في القبور وذلك في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف وهذا يكفي للإنسان المؤمن فلا حاجة، بالتالي، للبحث عن أدلة المشاهدة الحسية ثم المشاهدة الفعلية لإثبات أمر مثبت في عقل المؤمن ووجدانه. فلا يوجد ما يدعو لبذل الجهد العقلي للبرهان على مسألة لا تحتاج إلى برهان علمي من نوع برهان المشاهدة الحسية لعودة البذرة إلى الحياة من فصل الربيع.
إن علم الزراعة يوضح لنا أن بذور النبات تسقط في الأرض صيفاً وتختلط بالتراب فتبدو الأرض بلا حياة في الظاهر مع أن فيها حياة كامنة (بالقوة) تنتظر رطوبة الماء شتاءً لتتفاعل الحبة مع الماء والتراب وضوء الشمس فتتحول تدريجياً إلى نبتة يانعة. إن الحبوب والبذور لا تكون منعدمة الحياة بين التراب في فصل الصيف، ما لم تكن تالفة أصلاً، ولذلك فهي لا تنبت من فراغ أو من العدم والموت، بل ان الحياة تتحول فيها من شكل بسيط وخفي إلى شكل كامل وظاهر بهي المنظر.
ظواهر علمية
أما دليل النائم فلا يستقيم علمياً لأن النائم ليس إنساناً ميتاً، بل هو إنسان حي في حالة النوم لا أكثر، ثم لا يلبث أن يستفيق ويصبح في حالة يقظة وتنبّه. وقد ينام المرء ساعة في النهار عند العصر ثم يقوم من النوم، فهل كان ميتاً خلال ساعة، ثم أصبح حياً بعد ساعة من الزمن؟! (راجع ك 62 – ص 15).
صحيح ان ديننا الحنيف يُشبِّه النوم بالموت. {والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون}. لكن ديننا يشجعنا على إعمال العقل والتبصر ومن هذا المنطلق نقول:
إن النوم ظاهرة علمية دماغية يعرفها كل من يدرس شيئاً عن عمل الدماغ البشري والموجات الكهربية الدماغية والإفرازات الكيميائية التي تحصل في الدماغ وتؤدي كلها إلى نوم عميق أو ضعيف أو مستقطع بحسب الحالة الدماغية والنفسية ودرجة التعب في الجسم، فما كان أغنانا عن إقحام العلم في أمور الدين وإقحام الدين في شؤون العلم فيلحق الضرر بالعلم وبالدين معاً من دون فائدة لأي منهما، ورحم الله فيلسوف المسلمين أبوالوليد ابن رشد (1126 – 1198) عندما قال، قبل أكثر من ثمانمائة عام، بالفصل بين الشريعة والحكمة «أو بين الدين والعلم» وبأنهما لا يلتقيان بالموضوع وطريقة العمل بل يلتقيان في المقصد والغاية التي هي سعادة الإنسان وهذا يكفي.
إن بعث الله لمن في القبور مسألة إيمانية لا تحتاج إلى أدلة وبراهين لأن الإيمان بالبعث يتم بالقلب وهو فرض واجب وركن من أركان الإيمان الديني مصداقاً لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه، وبلقائه، ورسله وتؤمن بالبعث» (معجم البخاري، كتاب الإيمان).
أخطاء وأخطاء
في كتاب الصف السادس (ك 64) نقع على أخطاء علمية ونصوص لا تتماشى مع المنهجية العلمية (الموضوعية) في طرح الموضوعات بدءاً بمسألة التوحيد القائمة على شهادة التوحيد (لا إله إلا الله) التي تتحول بحكم التقليد إلى «كلمة» التوحيد مع انها ليست كلمة واحدة بل هي جملة تتضمن شهادة ان لا إله إلا الله ومنها شهادة ان محمداً عبدالله ورسوله. فمفهوم التوحيد هو المقصود وليس كلمة التوحيد بحد ذاتها. وفي تفسير معنى السورة القرآنية يقول المؤلف إنها تعني المرتبة أو المنزلة، أي ان قارئ القرآن الكريم يرتقي من منزلة إلى أخرى عندما يقرأ هذه السور، والمشكلة هي ان المؤلف لا يوضح طبيعة هذا الارتقاء وكيف تكون منزلة القارئ بعد السورة الأولى، وكيف تصبح بعد قراءة السورة الثانية ثم الثالثة، خصوصاً ان الدلالة اللغوية لكلمة «سورة» لا تشير صراحة إلى فكرة الارتقاء والعلو في المكانة والمنزلة، وفي كل الأحوال يحتاج التلميذ إلى شروحات منطقية مبسَّطة عند الحديث عن المفاهيم الدينية الصعبة مثل مفهوم السورة أو الآية التي كانت مألوفة لدينا لكثرة التواتر والتكرار، إلا أن دلالتها ليست بديهية وليست بسيطة كما يتبادر إلى الذهن. وما لم يجد التلميذ أمامه شرحاً واضحاً للمفاهيم الصعبة مثل «الفرقان» أو «السورة» وغيرهما فإنه سوف يقع ضحية للحفظ الأعمى للنصوص أو لأجزاء منها من دون فهم أو وعي حقيقي بها مما يدفعه إلى نسيان هذه النصوص بسرعة والعزوف عنها وعن التربية الإسلامية بوجه عام (راجع ك 64 – ص 51).
وفي حالة اخرى من حالات النقص في المعلومات داخل كتاب التربية الاسلامية للصف السادس ينسى المؤلف اضافة مرحلة الشباب (من 18 الى 29 سنة) الى مراحل النمو التي يمر بها الفرد من الولادة الى الشيخوخة (ك 64 – ص 147) ويضيف المؤلف ان الشباب يمر في مرحلة المراهقة بخصائص اربع والصحيح هو انه يمر بتحولات اربعة وليس بخصائص، فالانسان لا يمر بالخصائص بل يتمتع بخصائص معينة، او انه لا يجوز عليها (ص 153)، وفي درس تكوين الارادة الايجابية لشخصية المسلم (ص 157) يبدأ المؤلف بتمهيد غير دقيق علميا وغير فصيح لغويا في وقت واحد اذ يقول «ان الشباب يمر بأدوار عديدة...» مع ان الادوار مستمرة ولا يمر الشباب بها مرور الكرام ولبعض الوقت لذلك كان من الافضل للمؤلف ان يقول: «يقوم الشباب بأدوار عديدة ومتنوعة في حياته، منها دوره نحو نفسه...».
بعد ذلك يقول المؤلف: «وكل هذه الادوار المتنوعة يحتاج الشباب الى صفة يتسلح بها وهي الارادة، فيها تتكون شخصية الشاب المسلم وتتميز هويته» لقد نسي المؤلف ان يضع كلمة «وفي» كل هذه الادوار حتى يستقيم معنى الجملة. بعد ذلك ما معنى ان الشخصية تتكون في الارادة؟ هذا كلام غير دقيق بالمرة لان الارادة تابعة للشخصية وهذه الشخصية تتكون في البيت والمدرسة والمجتمع وبحسب الوراثة العضوية والنفسية للفرد وتفاعله مع محيطه وكيف تتميز هوية الشاب المسلم بالارادة؟ هل الشاب غير المسلم ليست له ارادة؟! هذا هراء لان كل الناس لهم ارادتهم وتلحق قلة الدقة العلمية بمفهوم «الارادة الايجابية» على اساس انه توجد ارادة سلبية بنظر المؤلف، وهذا ايضا يفتقر الى الدقة والصدقية العلمية لان الارادة واحدة وهي تتبع شخصية الفرد التي تتحكم بعزيمته وارادته بحسب طموحات الفرد واهدافه.
والطريف هو ان المؤلف يموضع الارادة الايجابية داخل الذات (ك 64 – ص 160) ومعنى ذلك ان الارادة السلبية يجب ان تكون خارج الذات باعتبارها نقيضا للارادة الايجابية وهذا غير صحيح لان الارادة واحدة وتوجد في الذات الفردية لانها جزء اساسي من مكونات شخصية الانسان ولان الارادة الواعية هي التي تمد الشخصية بالطاقة النفسية وتحركها في المجالات الجسمية والحركية والعقلية والوجدانية والاجتماعية والاخلاقية والجنسية معا. وكذلك فان المؤلف يناقض نفسه لانه عندما يقدم تعريفا للارادة يقول انها {قوة كامنة في داخل ذاتنا مصدرها الرغبة في التغير للافضل..».
فكيف تكون الارادة سلبية وفق هذا التعريف؟!
ومن مظاهر الخلل المنهجي في كتاب التربية الاسلامية للصف السادس الجزء الثاني (ك 65) انه يتناول موضوع علم الله تعالى وقدرته (ص 18) فيتحدث عن خصائص العلم الالهي ومزاياه الا انه يخلط بينه وبين معرفة البشر لاسم الله جل وعلا مع ان الامرين مختلفان.
وهذا الخلط يشكل خطأ منهجياً كبيرا طالما ان المؤلف لا يوضح طبيعة الرابط بين علم الله تعالى وبين معرفة البشر لاسمه.
وفي مكان آخر من الكتاب نفسه يقحم المؤلف التلاميذ الناشئين بموضوع المفاضلة بين الاستخارة وبين اللجوء الى العلم ويدعوهم الى التخلي عن استعمال العلم الانساني ويصفه بالنقص والعجز (ص 24).
من الناحية التربوية وحتى الدينية لا نجد فائدة من هذه المفاضلة ومن تعجيز العلم وتقزيمه. لان، التلميذ يأتي الى المدرسة لتحصيل العلوم المتنوعة والا فلا حاجة للمدارس العامة من الاساس، وقد يظن المؤلف ان الاقلال من قيمة العلم يشكل خدمة للدين وهذا خطأ آخر لانه يختلق صراعا لا وجود له بين العلم والدين طالما ان لكل منهما عالمه ومواضيعه وطرقه وادواته ومساره الخاص، فلا ينبغي التضاد بينهما بل انهما يلتقيان في الغاية والهدف وهو سعادة الانسان المخلوق الذي كرمه الله تعالى ثم لماذا نعيد طلابنا الى اشكالية قديمة محسومة منذ حوالي الف سنة؟
ان التلميذ يذهب الى المدرسة طلبا للعلوم والفنون والاجتماعيات واللغات وغيرها فكيف نسفه العلم امام ناظريه من جهة، وندعوه للاستزادة من العلم ولو في الصين، من جهة اخرى؟! وما يضيرنا لو قلنا للتلميذ ان استخدم عقلك وعلمك لحل المشكلات التي تواجهك فإن لم تستطع الجأ الى الاستخارة واتكل على الله؟! ان المؤلف نفسه يعود فيذكر في مكان آخر من الكتاب ما يلي: «للعلم فضل كبير وشرف ومكانة ينالها المتعلم في الدنيا والآخرة» (ص 112).
نظرة المؤلفين تبسيطية
من المظاهر الكثيرة للخلل الذي يضر بروح الموضوعية في العرض والتحليل ان المؤلف يعزو سبب تخلف المسلمين الى انهم «اصيبوا بالترف والرفاهية وتنعموا وخلدوا الى الراحة والبطالة» (ك 65 – ص 50). ان هذا الطرح هو مجرد جزء من العوامل التي ادت الى تخلف المسلمين وتراجعهم. وقد يكون من اضعف عوامل التخلف الاسلامي الذي يعود الى اسباب كثيرة نذكر ابرزها في ما يلي:
ــ تفرق العرب والمسلمين وعدم اتحادهم.
ــ قلة اهتمام العرب والمسلمين بالعلم والتكنولوجيا والصناعة.
ــ جبروت بعض الحكام واستبدادهم.
ــ ضعف النخبة المثقفة في العالم الاسلامي.
ــ غياب حرية التفكير والتعبير والنقد والمحاسبة.
من جهة اخرى يكفي النظر الى المجتمع الاوروبي او الاميركي المرفه ومع ذلك فإن الغرب اقوى من العرب والمسلمين ان التفكير الموضوعي يجب ان يدفع مؤلفي الكتب المدرسية الى عدم زرع افكار ومقولات تبسيطية سطحية في عقول الناشئة.
وتقتضي الموضوعية من المؤلفين طبعاً ألا ينظروا نظرة تبسيطية الى المجتمع والحياة الاجتماعية المعاصرة، وقياسها على الحياة الاجتماعية في عهد الأنبياء، كأن يرى المؤلف أن الحكمة من رعي الأنبياء للغنم تكمن في أن الله تعالى «يدربهم على رعاية الأمم.. وهذا هو الراعي الذي يرعى الرعية..» (ك65 – ص61)، فهل البشر في أيامنا يشبهون قطيعاً من الغنم حتى يحتاجوا الى من يرعاهم؟ إن هذه الرؤية للناس والمجتمع لم تعد مقبولة في أيامنا، كما انها لا تلتقي مع نظرة الاسلام نفسه إلى بني آدم وكرامة الانسان، لقد كان يكفي المؤلف أن يقول إن رعي الغنم يكسب المرء صفات طيبة مثل سعة الصدر والحلم والتأمل في الحياة والكون.
الحلقة الرابعة: مناهج التربية الإسلامية تحتقر العقل وتحاربه
التربية الإسلامية في الكويت
منهج التربية الإسلامية يعامل التلاميذ كأنهم كفرة من أسر كافرة لا صلة لها بالإسلام! (3)
إعداد د. فوزي أيوب - (باحث تربوي أستاذ في الجامعة اللبنانية)
وسنحاول في هذه الحلقة الثالثة من تقويم مناهج التربية الاسلامية في الكويت اجراء تقويم معياري لدروس هذا المنهج، معتمدين في ذلك على قاعدة أساسية، يبدو ان واضعي منهج التربية الإسلامية في الكويت لم يولوها ما تستحق، الا وهي ان العبرة في التعليم لا تكمن في كثرة الدروس وكمية النصوص، بل تكمن في نوعية هذه الدروس والنصوص، كما في الأهداف المرجوة من تعليمها.
ج – التربية الإسلامية .. والنقص في التشويق
إلى جانب الصعوبة المباشرة الموجودة في نصوص التربية الاسلامية في الكويت، أو الصعوبة المضمونية، توجد صعوبة غير مباشرة مرتبطة بنقص التشويق وقلة الجاذبية في كثير من دروس التربية الاسلامية، مما يزيد من المعوقات التي تعترض سبيل التلميذ الكويتي والتلميذ العربي المقيم في الكويت ايضاًَ عند دراسته للمقررات الدينية الاسلامية.
فالتلميذ الابتدائي بخاصة يحتاج الى ما يدفعه للاقبال على تعلم الدروس ويشده اليها لان فيها عنصرا أو جانباً مشوقاً او مثيراً للدهشة، أو ممتعاً أو جميلاً، أو مفيداً أو غير ذلك مما له طابع وظيفي في حياة المتعلمين.
وهذا المبدأ التربوي في الطابع الوظيفي للدرس مطلوب في المواد الدراسية كافة، بما فيها دروس اللغة والاجتماعيات والعلوم وحتى الرياضيات المجردة، فكيف بالتربية الاسلامية والاسلام هو الحياة كما يردد الجميع؟ فلو راعى المؤلفون هنا مبدأ ملاءمة الدروس للتلميذ لوجدنا ان كتب التربية الاسلامية تضج بالنصوص الدينية الجاذبة للمتعلمين والتي توصل المضمون الاسلامي وترضي التلاميذ في آن واحد، وتلك هي الغاية الأصلية من تعليم الدين للناشئة.
ومع ان بعض نصوص التربية الاسلامية تراعي هذا التوازن بين المادة التعليمية والمتعلمين، فإن الجزء الباقي اما انه يقع في مستوى عادي او متوسط على صعيد القابلية لجذب التلميذ وتحبيبه بالمادة الدينية، وإما أنه يشكو من نقص في هذه القابلية كما يظهر ذلك في الحالات التالية:
• يتضمن كتاب التربية الاسلامية للصف الاول الابتدائي عناوين دروس مثل «الله يحفظنا» أو «التوكل على الله».. فلماذا لا يورد المؤلف تحت عناوين مثل هذه قصة صغيرة جميلة عن ولد حفظه الله تعالى من الأذى، أو عن محبة الله للصغار، أو قصة عن شاب توكل على الله واعتمد عليه فأعانه الله في حل مشكلته، والقصة نفسها يجب ان تكون مستمدة من حياة الولد، اما ان يقتصر الدرس على اقوال مأثورة تصلح للكبار، ولكل مكان وزمان، فإن ذلك لا يؤثر ايجاباً في شخصية الولد المتعلم (ك 57 – ص10).
• من دواعي الملل وقلة الاهتمام بالدروس من جانب التلاميذ انهم يجدون فيها تكراراً للموضوعات والمعلومات الدينية او تقارباً شديداً في ما بينها، فيضطر التلميذ لحفظ المعلومات الواحدة او المتقاربة مرتين أو اكثر وهو امر مرهق له ومدعاة للنفور من التربية الاسلامية. ومن دواعي الملل ايضاً ان الطالب لا يجد اشكالية او قضية دينية تحتاج الى الشرح الدقيق والتحليل المعمق كما هي الحال مع دروس موضوع توحيد الألوهية، وان الله تعالى واحد احد. فهذا الامر، الذي تم طرحه اكثر من مرة، هو امر بديهي لا يحتاج الى شرح طويل الا من باب الالحاح والاطالة لأن الطلاب في الكويت ينتمون إلى بيوت مسلمة تربي أبناءها على فكرة الإله الواحد الأحد منذ نعومة أظفارهم، كذلك لا نعرف لماذا يتم إغراق التلميذ بتفاصيل بديهية عن موضوع مثل «عدم مشابهة الله لشيء، وأنه متفرد بصفات الكمال»؟ إن هذه التفاصيل لا تنمي تفكير الولد ووعيه الديني بقدر ما تزيد من كمية المعلومات التي يختزنها في ذهنه عن الموضوع المطروح (راجع ك 68 – ص 13). إن الإطالة في عرض موضوعات مجردة جداً مثل «لماذا خلقنا الله؟» تثير الملل في نفوس التلاميذ وربما في نفس المعلم أيضا.
• يتحدث المؤلفون في أحد الدروس عن النار وطبقاتها السبع في أربع صفحات تسهب في شرح أهوال الجحيم شرحاً تقشعر له الأبدان، وتهتز له قلوب الاطفال وهم في عمر الورود. صحيح أن ما يورده النص هو وصف صحيح للنار وهذا ما لا ينكره أحد من المسلمين، ولكن هذا يقال مفصلاً للكبار الراشدين فقط، ويقال مختصراً جداً «أو لا يقال بالمرة» للصغار من التلاميذ، حتى لا يدبّ الرعب في قلوبهم أو يجنحوا إلى الاكتئاب أو اليأس من الحياة، وقد يصلون إلى حافة الانتحار في بعض الأحيان، وعند المراهقين بوجه خاص، خشية على أنفسهم أو على من يحبون من أهلهم وإخوانهم (راجع ك 72 – ص 38).
ــــ يتوسع المؤلفون في موضوع الجن والشياطين وما يأكلونه من العظام والبعر وكيف يتزوجون، وكيف يصبح الجن شيطاناً ثم مارداً ثم عفريتاً وسوى ذلك من تفصيلات غير جاذبة لأولاد المدارس وليس من ورائها حكمة تربوية واضحة. (راجع ك 72 – ص 19).
خلاصة
خلاصة القول في مدى ملاءمة دروس التربية الإسلامية في الكويت لمعيار التشويق التربوي، إن كثيراً من هذه الدروس لا يستجيب لمبدأ ضرورة اختيار النصوص الجاذبة للمتعلمين عندما نتحدث عن عذاب القبر وقتل الكفار وأهوال النار وسوى ذلك من أنواع الوعيد والعقاب في الدنيا والآخرة، مع أن عالم الأطفال هو عالم البراءة والبعد عن الجرائم والخطايا، فينبغي إذن تحبيب الإسلام إلى قلوبهم بصورة ملائمة لعالم الطفولة وذلك في المرحلة الابتدائية على الأقل، مع إبعاد ثقافة العقاب والموت عن هذه المرحلة، وتغليب الإسلام المنفتح على الحياة.
وفي هذا السياق، نورد ما ذكرته الأستاذة منيرة النصف (وهي موجهة اجتماعية سابقة في وزارة التربية في الكويت) من أنها زارت ذات يوم مدرسة للبنات، حيث تابعت محاضرة لإحدى معلمات التربية الإسلامية جاء فيها أن الموسيقى حرام والغناء حرام والرياضة حرام، ولما قامت إحدى التلميذات وسألت المعلمة ببراءة عمّا يمكن للبنات أن يفعلن في أوقات الفراغ، فما كان من المعلمة إلا أن زجرتها. وتعلّق السيدة الموجهة على ذلك قائلة: بسبب محاضرات كهذه أصبحت المدارس مصدراً لاكتئاب الطلبة (راجع جريدة القبس، عدد 6 أبريل 2010).
د – معيار الترابط
لا قيمة لنص لا ترابط بين عناصره وأجزائه. وإذا كان النص مدرسياً تعليمياً، فيجب أن يحظى بصفة التدرج أيضاً، وغياب التداخل والتكرار بين النصوص وبين الكتب الدراسية. فهل يوجد ترابط (Coherence) جيد بين دروس الكتاب الواحد، وبين كتاب وآخر من كتب التربية الإسلامية في الكويت، أم توجد حالة من التكرار والتداخل بين الموضوعات والدروس والكتب؟
لا يمكننا القول إن مبدأ الترابط غائب عن كتب التربية الإسلامية، ولكن درجة الالتزام به ومراعاته تختلف من كتاب إلى آخر أو من محور إلى آخر داخل الكتاب الواحد، فمسألة الخلل في درجة الترابط محصورة بمساحات معينة من الكتب، وإلا لكانت لغياب الترابط في المنهج آثار بالغة السوء على التلاميذ وعلى نموهم الفكري.
ولعل أكبر خلل على هذا الصعيد أنه توجد محاور دراسية خاصة بعلوم القرآن داخل معظم كتب التربية الإسلامية، مع أنه يوجد مقرر خاص بالقرآن الكريم يتابعه الولد على مدى سنوات التعليم العام. إن موضوعات تفسير القرآن وعلوم القرآن وتجويد القرآن ترتبط بمقرر مستقل هو القرآن الكريم، فلماذا نعود ونوردها في كتب التربية الإسلامية أيضا؟
ولعل مشكلة التكرار في المضامين هي أكبر آفة تضرب معيار الترابط والتدرج في المفاهيم والموضوعات الإسلامية المطروحة، بدءاً من كتاب التربية الإسلامية للصف الأول الابتدائي، حيث يتكرر الحديث نفسه تقريبا عن فضل تلاوة القرآن الكريم في درسين متواليين (ك 57 – ص 30 – 32).
ويتكرر حديث الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عن الحوار الذي دار بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبين الملاك جبريل عن معنى الإيمان، وحديث المشاركة في بناء الكعبة المكرمة، وأحاديث أخرى في كتاب الصف السابع (ك66 – ص66)، وفي كتب أخرى للتربية الإسلامية، ومنها كتاب الصف العاشر (ك71 – ص14)، كذلك يتكرر درس توحيد الربوبية ثم الألوهية أكثر من مرة مع العودة إلى ذكر الأدلة على وجود الله تعالى، وكأن التلميذ الكويتي لم يقتنع بعد بوجود الله تعالى، فيجتهد المؤلفون لإقناعه وشرح الأمر له (ك71 – ص20).
إن تكرار المحاور والموضوعات الدراسية نفسها من صف الى آخر يطرح مشكلة حقيقية على مناهج التربية الاسلامية في الكويت، حتى لو كانت المعلومات الدينية تتوسع وتزداد من صف دراسي الى اعلى منه، لان الافكار الاساسية تبقى على حالها. توجد اذن مشكلة حقيقية هي مشكلة التكرار والتداخل في المضمون الدراسي، وقد+ يكون الحل في البدء بتدريس مقررات التربية الاسلامية بدءا من الصف الثالث او الرابع الابتدائي على اساس ان الهدف من تعليم الدين في المدرسة العادية ليس تخريج رجال دين متخصصين في الشريعة او الدعوة، والهدف الاساسي للتعليم العام ما قبل الجامعي هو اعداد الطالب وتوجيهه نحو المعاهد الفنية والشرعية والجامعات المختصة بالعلوم والفنون والآداب.
عقل التلميذ ليس مخزناً
ان عقل التلميذ لا ينبغي ان يتحول الى مخزن للمعلومات المتكررة او المتداخلة، ولا ينبغي لمناهج التعليم ان تضع التلميذ امام خيارين لا ثالث لهما: اما ان يتقبل الوضع ويحفظ دون رغبة او حماس، او ان يرفض الوضع كله ويشيح بوجهه عن تعليم لا يحبه لانه لا يحترم عقله. (راجع ك64 ــ ص47).
لقد لاحظنا ان كثيراً من الموضوعات الدينية يتكرر من كتاب الى آخر مع اضافات تشكل توسعاً كمياً في المادة التعليمية ولا تنطوي على توسع نوعي من الناحية العلمية او التربوية. وعلى سبيل المثال فإن الدرس الاول من كتاب التربية الاسلامية للصف الثامن يعود فيتوسع في الحديث عن اسماء الله الحسنى وصفاته دون ان نعرف الحكمة او الفائدة من الالحاح المتواصل على هذه المسألة، فلماذا يلح المؤلفون الى هذا الحد على التلميذ الكويتي العربي المسلم ليغوص في موضوع الاسماء والصفات الالهية من خلال شرح مسهب يكاد لا ينتهي، وكأن هذا التلميذ كافر ومن اسرة كافرة لا صلة لها بالاسلام؟!.
والمدهش هو ان المؤلف يطرح مجدداً مسألة صفات الله في عدة دروس من الكتاب نفسه (ك 68) مكرراً الفكرة نفسها التي سبق له ان طرحها في الدرس الاول من الكتاب، وكأنه في شك من تأثير كلامه السابق في نفس التلميذ، ولا نغالي اذا قلنا ان الجزء الاكبر من كتاب الصف الثامن يدور حول فكرتين او ثلاث يتم توسيعها بأشكال واساليب متبدلة، يغلب عليها طابع الالزام اكثر من صفة الاقناع، ولذلك تكثر في دروس الكتاب كلمات مثل يجب، وينبغي، وعلينا، ومن واجبنا... ان نقول كذا او كذا او نعتقد به.. الخ (راجع ك 68 ــ ص13).
وعلى طريق التكرار المضر بمعيار الترابط، تسير ايضاً كل موضوعات التوحيد في كتاب التربية الاسلامية للصف التاسع، لان هذه الموضوعات سبقت معالجتها في كتاب الصف الثامن او السابع، فلماذا كل هذا الالحاح على هذا الموضوع، وكأن التلميذ الكويتي مشرك بالله تعالى لا سمح الله ؟!
وبعد عشرات الدروس الدينية على مدى ثماني سنوات يطرح المؤلفون في كتاب الصف التاسع موضوعاً عنوانه «الله تعالى موجود...» وكأن كل الدروس السابقة لم تقنع التلميذ الكويتي! وبعد ان عولج هذا الموضوع اكثر من مرة، في الصفوف الدراسية السابقة للصف التاسع، لم تعد توجد ضرورة تربوية لان تخصص درساً اضافياً لهذا الموضوع الذي هو امر بديهي عند التلاميذ في المجتمع الكويتي (ك70ــ ص11).
ومن الاشكال الاخرى للخروج عن منهجية الترابط بين مضامين كتب التربية الاسلامية، غياب العلاقة الرابطة بين عنوان الدرس ومضمونه، ففي درس مخصص للحديث عن عمل النبي (صلى الله عليه وسلم) في التجارة ورعي الغنم في الصف السادس الابتدائي (ك65 ــ ص61) نجد صفحتين عن حلف الفضول، وعن حادثة الحجر الاسود، وكل هذا لا علاقة له بالموضوع الاساسي للدرس الذي لن يتبقى منه الكثير عندما تخرج صفحتان منه عن موضوع الدرس.. ومهما يكن شكل الخروج على معيار الترابط في مناهج التربية الاسلامية، فإن عدم مراعاة هذا المعيار من خلال تشتت الموضوعات وخلطها بصورة تجميعية غير منسقة، يؤدي الى تشتت ذهني ايضاً عند التلميذ الذي يدرس هذه الموضوعات، وبالتالي فإن من واجب المؤلفين الانتباه الى قواعد تأليف الدرس وضرورة ارتباطه، بما قبله وبما يليه من دروس.
هــ ـــ معيار الدقة العلمية
خير ما نفتتح به هذا الجزء من الدراسة قول للفيلسوف العقلاني العربي الاكبر ابو الوليد ابن رشد جاء فيه: «اذا كان النص الديني متفقاً مع العقل فلا اشكال، واذا كان مختلفا مع العقل فنحن نؤوله حسب العقل لان الله لا يمكن ان يعطينا عقولاً ويعطينا شريعة مخالفة لها»، فهذا القول يختصر ما يهدف اليه بحثنا عن مدى مراعاة نصوص التربية الاسلامية لمعيار الدقة العلمية، وما يلحق به من تفكير موضوعي ومن موضوعية في عرض القضايا والمفاهيم وتحليلها.
واذا كانت الدقة العلمية تقوم على الصواب والخطأ في المعلومات والمعارف وعلى حداثة الفكرة او المعلومة وعدم تقادمها مع مرور الوقت ووضوح صياغتها، فإن الموضوعية تقوم على البعد عن الذاتية في العرض والتحليل، بحيث يحيط القارئ بجميع أبعاد المسألة، وجميع وجهات النظر الخاصة بها، دون مبالغة أو تمجيد أو تبخيس أو استبعاد. فإلى أي حد يلتزم منهج التربية الإسلامية بمبدأ الدقة والحداثة (UPDate) في عرض المعلومات والمعارف التي يقدمها، وبمبدأ الموضوعية في (Objectivism) في طرح القضايا والمسائل والمفاهيم التي تتضمنها نصوص هذا المنهج؟
قبل الشروع في الإجابة عن هذه الأسئلة نوضح أننا ننطلق في تقويمنا لمضامين التربية الإسلامية المدرسية من قاعدة أساسية وهي أنه باستثناء الإلهيات (من توحيد وعقيدة..) والعبادات (من فرائض عبادية على أنواعها) وباستثناء ما يدخل في النص القرآني أو في الحديث النبوي المتفق عليه، فإن كل كلام يقوله أو يكتبه الناس لا يجب اعتباره كلاماً مقدساً أو مسلماً به، ولا يجب الأخذ به إلا إذا توافق مع العقل والمنطق وقواعد التفكير العلمي الذي لا يتدخل في ما جاءت به الأديان السماوية من حقائق إلهية أو عبادية، ولكنه لا يقبل أيضا بوجود حقائق دنيوية عابرة للتاريخ والزمن صالحة لكل زمان ومكان، فإن كل النصوص التي يكتبها الناس من رجال دين أو باحثين في الإسلاميات أو مؤلفين للكتب الإسلامية المدرسية يجب ان تكون خاضعة للنظر فيها، وأن لا تتناقض مع التفسير العلمي والعقلاني للكون وللقضايا والأمور الحياتية، وهذا ما نحاول تطبيقه على نصوص التربية الاسلامية المدرسية.
مراعاة صحة المعلومات
إن الرؤية الاجمالية لمناهج التربية الإسلامية المدرسية في الكويت، من زاوية مدى احترامها لمعيار الدقة العلمية والموضوعية في العرض والتحليل، تفيد بأن هذه المناهج تراعي صحة المعلومة بوجه عام، ويسعى واضعوها بقدر استطاعتهم، لأن يتحلوا بروح الموضوعية العلمية في معالجة الموضوعات والقضايا الواردة في الدروس الإسلامية، ولكن على الرغم من الجهود المبذولة من المؤلفين لتقديم خطاب تربوي موضوعي، فقد وقعوا في سلسلة من الأخطاء العلمية والمشكلات المنهجية في كثير من الأحيان، وهو ما سوف نسلط الضوء عليه تدريجياً من سنة دراسية إلى اخرى للحث على معالجتها من جانب المسؤولين في وزارة التربية لاحقاً.
لا غبار على كتاب التربية الإسلامية للصف الأول الابتدائي من ناحية المضمون العلمي. وتبدأ الملاحظات على هذا الصعيد مع كتاب الصف الثاني الابتدائي (ك 58) حيث يورد المؤلف (ونعني به المؤلفين) الانجيل قبل التوراة في انشودة عن الكتب السماوية مع ان التوراة (كتاب اليهود) تأتي أولاً يليها الإنجيل كتاب المسيحيين (النصارى) فالقرآن الكريم (كتاب المسلمين) بالتسلسل.
وتقتضي الدقة في احترام التسلسل التاريخي للكتب السماوية أيضا عدم إقحام «الزبور» في هذه السلسلة لأنه يجعل الكتب السماوية أربعة، كما أن المصطلح نفسه لا يفيد ولداً في الصف الثالث الإبتدائي في فهم تاريخ الأديان السماوية. ألا يكفي ان نتحدث للولد عن التوراة فالإنجيل فالقرآن الكريم؟ (ك 58 – ص 20). وفي الانشودة الخاصة بمجال الحديث الشريف، داخل الكتاب نفسه، يقول الشاعر ما يلي:
المرء على دين خليله
فلتنظر من سوف تخالل
الله يحب من العمل
ما دام وإن كان قلائل
إن قول الشاعر هنا معقد ويخلو من الوضوح الذي هو من الصفات الأولى للشعر بصفته كلاماً فصيحاً موزوناً، فكلمة «تخالل» معقدة حتى بالنسبة للكبار فكيف حالها مع أولاد صغار لعويص لفظها وندرة استعمالها؟ وفي البيت الثاني يصعب فهم صلة كلمة «قلائل» ببقية بيت الشعر لأنها لو كانت صفة للعمل لوجب أن تكون «قليلاً» (راجع ك 58 – ص 32).
وعندما تقرأ في الأنشودة نفسها أن «رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القائل» فإن الكلام يكون حرفيا وهذا ما يستحيل في الأناشيد والشعر كما جاء في البيتين الثالث والرابع من قصيدة الحديث الشريف:
صلاة بر وجهاد
ما دون أولئك هو زائل
رتبها في الفضل الهادي
لانك عن سنته المائل
فهل هذا هو قول شريف من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يستحيل ذلك لأن الحديث لا يكون شعراً ولأن كلمة «أولئك» غير صحيحة لغوياً وقد جاء بها الشاعر لضرورة الوزن لا أكثر، والصحيح هو عبارة «ما دون ذلك..». وما معنى عبارة «رتبها في الفضل الهادي؟».
ماذا يرتب التلميذ؟ وما هو الفضل الهادي، وكيف تم الترتيب؟ إن الفكرة ملتبسة شكلاً ومضموناً وتفتقر إلى دقة المعنى وصحة الدلالة، ناهيك عن فصاحته إذ ليس فيها شيء من فصاحة العرب والمسلمين. فهل ان ولدا يستطيع فهم هذه الأقوال بالصورة التي جاءت فيها؟ فيا ليت مؤلفي المناهج التربوية يرحمون النصوص والنفوس الطرية للأولاد!! (راجع ك 59 – ص 34).
وفي الاتجاه الخطأ الذي يخالف مبدأ الدقة في المعلومات ووضوحها يمكن ادراج عبارة «بالصدر أضاؤوا البشرية» في (ك 59 – ص 44) لأن هذه العبارة غير دقيقة علميا وغير فصيحة لغويا مع انها شطر في بيت من الشعر نفترض ان يكون شديد الفصاحة والبلاغة والدقة، وهذا ما لا يتوفر للشطر الشعري المشار إليه، فالبشرية لا تضاء بل تضيء طريق الناس إلى الخير والرقي، ولا يجوز الخلط بين المفاهيم حتى لا يقال كل شيء في أي شيء ونتوهم أن ذلك صحيح وجدير بأن نقدمه لتلاميذ المدارس فوق ذلك. ان للغة منطقها القائم على الفصاحة أولاً والبلاغة ثانيا، وهي ليست مشاعاً مفتوحاً أمام كل أشكال الركاكة والالتباس.
لقد كان بمقدور المؤلف أن يستبدل العبارة الغامضة بعبارة أخرى مثل «ضحوا من أجل البشرية»، فهل هذا صعب على شاعر يكتب القصائد؟!
وفي الإطار نفسه والكتاب نفسه نقرأ في أنشودة في مجال الفقه (ك 59 – ص 56) البيت الآتي:
أكلٌ شربٌ قيءٌ عمداً
يُبطل صومك فيه ضياعه
فهل في بيت مثل هذا شيء من الفصاحة أو البلاغة؟! نحن لا نفهمه إلا بشق النفس وبعد تقديم وتأخير. فكيف تكون حال الولد الصغير مع هذا النمط مما يسمى شعراً؟! وما الحاجة أصلاً إلى الشعر في مجال الحديث النبوي الشريف الذي هو نثر ويجب أن يكون شرحه نثراً أيضاً؟
ومن سياق الأخطاء العلمية ننتقل إلى سياق مكمل يتمثل في موضوعية طرح الموضوعات والقضايا والمسائل الدينية والفكرية والتاريخية ومنها قضايا ما ورائية مثل قضية الحياة بعد الموت، أو البعث، الذي هو الركن الخامس من أركان الإيمان. ومن الطبيعي أن يشرح درس «البعث بعد الموت» معنى البعث لغة واصطلاحاً، وموقع البعث من الإيمان بالله تعالى وأهميته في حياة الإنسان المسلم من دون الحاجة إلى إيراد البراهين العلمية على هذا الموضوع الذي يتخطى نطاق العلم ولا يحتاج إليه أصلاً، فالبعث بعد الموت لا يحتاج إلى دلائل علمية، يجهد المؤلف نفسه في تدبيرها ويجهد التليمذ معه، لأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا بالبعث بعد الموت، في يوم القيامة، يوم يبعث الله من في القبور وذلك في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف وهذا يكفي للإنسان المؤمن فلا حاجة، بالتالي، للبحث عن أدلة المشاهدة الحسية ثم المشاهدة الفعلية لإثبات أمر مثبت في عقل المؤمن ووجدانه. فلا يوجد ما يدعو لبذل الجهد العقلي للبرهان على مسألة لا تحتاج إلى برهان علمي من نوع برهان المشاهدة الحسية لعودة البذرة إلى الحياة من فصل الربيع.
إن علم الزراعة يوضح لنا أن بذور النبات تسقط في الأرض صيفاً وتختلط بالتراب فتبدو الأرض بلا حياة في الظاهر مع أن فيها حياة كامنة (بالقوة) تنتظر رطوبة الماء شتاءً لتتفاعل الحبة مع الماء والتراب وضوء الشمس فتتحول تدريجياً إلى نبتة يانعة. إن الحبوب والبذور لا تكون منعدمة الحياة بين التراب في فصل الصيف، ما لم تكن تالفة أصلاً، ولذلك فهي لا تنبت من فراغ أو من العدم والموت، بل ان الحياة تتحول فيها من شكل بسيط وخفي إلى شكل كامل وظاهر بهي المنظر.
ظواهر علمية
أما دليل النائم فلا يستقيم علمياً لأن النائم ليس إنساناً ميتاً، بل هو إنسان حي في حالة النوم لا أكثر، ثم لا يلبث أن يستفيق ويصبح في حالة يقظة وتنبّه. وقد ينام المرء ساعة في النهار عند العصر ثم يقوم من النوم، فهل كان ميتاً خلال ساعة، ثم أصبح حياً بعد ساعة من الزمن؟! (راجع ك 62 – ص 15).
صحيح ان ديننا الحنيف يُشبِّه النوم بالموت. {والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون}. لكن ديننا يشجعنا على إعمال العقل والتبصر ومن هذا المنطلق نقول:
إن النوم ظاهرة علمية دماغية يعرفها كل من يدرس شيئاً عن عمل الدماغ البشري والموجات الكهربية الدماغية والإفرازات الكيميائية التي تحصل في الدماغ وتؤدي كلها إلى نوم عميق أو ضعيف أو مستقطع بحسب الحالة الدماغية والنفسية ودرجة التعب في الجسم، فما كان أغنانا عن إقحام العلم في أمور الدين وإقحام الدين في شؤون العلم فيلحق الضرر بالعلم وبالدين معاً من دون فائدة لأي منهما، ورحم الله فيلسوف المسلمين أبوالوليد ابن رشد (1126 – 1198) عندما قال، قبل أكثر من ثمانمائة عام، بالفصل بين الشريعة والحكمة «أو بين الدين والعلم» وبأنهما لا يلتقيان بالموضوع وطريقة العمل بل يلتقيان في المقصد والغاية التي هي سعادة الإنسان وهذا يكفي.
إن بعث الله لمن في القبور مسألة إيمانية لا تحتاج إلى أدلة وبراهين لأن الإيمان بالبعث يتم بالقلب وهو فرض واجب وركن من أركان الإيمان الديني مصداقاً لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه، وبلقائه، ورسله وتؤمن بالبعث» (معجم البخاري، كتاب الإيمان).
أخطاء وأخطاء
في كتاب الصف السادس (ك 64) نقع على أخطاء علمية ونصوص لا تتماشى مع المنهجية العلمية (الموضوعية) في طرح الموضوعات بدءاً بمسألة التوحيد القائمة على شهادة التوحيد (لا إله إلا الله) التي تتحول بحكم التقليد إلى «كلمة» التوحيد مع انها ليست كلمة واحدة بل هي جملة تتضمن شهادة ان لا إله إلا الله ومنها شهادة ان محمداً عبدالله ورسوله. فمفهوم التوحيد هو المقصود وليس كلمة التوحيد بحد ذاتها. وفي تفسير معنى السورة القرآنية يقول المؤلف إنها تعني المرتبة أو المنزلة، أي ان قارئ القرآن الكريم يرتقي من منزلة إلى أخرى عندما يقرأ هذه السور، والمشكلة هي ان المؤلف لا يوضح طبيعة هذا الارتقاء وكيف تكون منزلة القارئ بعد السورة الأولى، وكيف تصبح بعد قراءة السورة الثانية ثم الثالثة، خصوصاً ان الدلالة اللغوية لكلمة «سورة» لا تشير صراحة إلى فكرة الارتقاء والعلو في المكانة والمنزلة، وفي كل الأحوال يحتاج التلميذ إلى شروحات منطقية مبسَّطة عند الحديث عن المفاهيم الدينية الصعبة مثل مفهوم السورة أو الآية التي كانت مألوفة لدينا لكثرة التواتر والتكرار، إلا أن دلالتها ليست بديهية وليست بسيطة كما يتبادر إلى الذهن. وما لم يجد التلميذ أمامه شرحاً واضحاً للمفاهيم الصعبة مثل «الفرقان» أو «السورة» وغيرهما فإنه سوف يقع ضحية للحفظ الأعمى للنصوص أو لأجزاء منها من دون فهم أو وعي حقيقي بها مما يدفعه إلى نسيان هذه النصوص بسرعة والعزوف عنها وعن التربية الإسلامية بوجه عام (راجع ك 64 – ص 51).
وفي حالة اخرى من حالات النقص في المعلومات داخل كتاب التربية الاسلامية للصف السادس ينسى المؤلف اضافة مرحلة الشباب (من 18 الى 29 سنة) الى مراحل النمو التي يمر بها الفرد من الولادة الى الشيخوخة (ك 64 – ص 147) ويضيف المؤلف ان الشباب يمر في مرحلة المراهقة بخصائص اربع والصحيح هو انه يمر بتحولات اربعة وليس بخصائص، فالانسان لا يمر بالخصائص بل يتمتع بخصائص معينة، او انه لا يجوز عليها (ص 153)، وفي درس تكوين الارادة الايجابية لشخصية المسلم (ص 157) يبدأ المؤلف بتمهيد غير دقيق علميا وغير فصيح لغويا في وقت واحد اذ يقول «ان الشباب يمر بأدوار عديدة...» مع ان الادوار مستمرة ولا يمر الشباب بها مرور الكرام ولبعض الوقت لذلك كان من الافضل للمؤلف ان يقول: «يقوم الشباب بأدوار عديدة ومتنوعة في حياته، منها دوره نحو نفسه...».
بعد ذلك يقول المؤلف: «وكل هذه الادوار المتنوعة يحتاج الشباب الى صفة يتسلح بها وهي الارادة، فيها تتكون شخصية الشاب المسلم وتتميز هويته» لقد نسي المؤلف ان يضع كلمة «وفي» كل هذه الادوار حتى يستقيم معنى الجملة. بعد ذلك ما معنى ان الشخصية تتكون في الارادة؟ هذا كلام غير دقيق بالمرة لان الارادة تابعة للشخصية وهذه الشخصية تتكون في البيت والمدرسة والمجتمع وبحسب الوراثة العضوية والنفسية للفرد وتفاعله مع محيطه وكيف تتميز هوية الشاب المسلم بالارادة؟ هل الشاب غير المسلم ليست له ارادة؟! هذا هراء لان كل الناس لهم ارادتهم وتلحق قلة الدقة العلمية بمفهوم «الارادة الايجابية» على اساس انه توجد ارادة سلبية بنظر المؤلف، وهذا ايضا يفتقر الى الدقة والصدقية العلمية لان الارادة واحدة وهي تتبع شخصية الفرد التي تتحكم بعزيمته وارادته بحسب طموحات الفرد واهدافه.
والطريف هو ان المؤلف يموضع الارادة الايجابية داخل الذات (ك 64 – ص 160) ومعنى ذلك ان الارادة السلبية يجب ان تكون خارج الذات باعتبارها نقيضا للارادة الايجابية وهذا غير صحيح لان الارادة واحدة وتوجد في الذات الفردية لانها جزء اساسي من مكونات شخصية الانسان ولان الارادة الواعية هي التي تمد الشخصية بالطاقة النفسية وتحركها في المجالات الجسمية والحركية والعقلية والوجدانية والاجتماعية والاخلاقية والجنسية معا. وكذلك فان المؤلف يناقض نفسه لانه عندما يقدم تعريفا للارادة يقول انها {قوة كامنة في داخل ذاتنا مصدرها الرغبة في التغير للافضل..».
فكيف تكون الارادة سلبية وفق هذا التعريف؟!
ومن مظاهر الخلل المنهجي في كتاب التربية الاسلامية للصف السادس الجزء الثاني (ك 65) انه يتناول موضوع علم الله تعالى وقدرته (ص 18) فيتحدث عن خصائص العلم الالهي ومزاياه الا انه يخلط بينه وبين معرفة البشر لاسم الله جل وعلا مع ان الامرين مختلفان.
وهذا الخلط يشكل خطأ منهجياً كبيرا طالما ان المؤلف لا يوضح طبيعة الرابط بين علم الله تعالى وبين معرفة البشر لاسمه.
وفي مكان آخر من الكتاب نفسه يقحم المؤلف التلاميذ الناشئين بموضوع المفاضلة بين الاستخارة وبين اللجوء الى العلم ويدعوهم الى التخلي عن استعمال العلم الانساني ويصفه بالنقص والعجز (ص 24).
من الناحية التربوية وحتى الدينية لا نجد فائدة من هذه المفاضلة ومن تعجيز العلم وتقزيمه. لان، التلميذ يأتي الى المدرسة لتحصيل العلوم المتنوعة والا فلا حاجة للمدارس العامة من الاساس، وقد يظن المؤلف ان الاقلال من قيمة العلم يشكل خدمة للدين وهذا خطأ آخر لانه يختلق صراعا لا وجود له بين العلم والدين طالما ان لكل منهما عالمه ومواضيعه وطرقه وادواته ومساره الخاص، فلا ينبغي التضاد بينهما بل انهما يلتقيان في الغاية والهدف وهو سعادة الانسان المخلوق الذي كرمه الله تعالى ثم لماذا نعيد طلابنا الى اشكالية قديمة محسومة منذ حوالي الف سنة؟
ان التلميذ يذهب الى المدرسة طلبا للعلوم والفنون والاجتماعيات واللغات وغيرها فكيف نسفه العلم امام ناظريه من جهة، وندعوه للاستزادة من العلم ولو في الصين، من جهة اخرى؟! وما يضيرنا لو قلنا للتلميذ ان استخدم عقلك وعلمك لحل المشكلات التي تواجهك فإن لم تستطع الجأ الى الاستخارة واتكل على الله؟! ان المؤلف نفسه يعود فيذكر في مكان آخر من الكتاب ما يلي: «للعلم فضل كبير وشرف ومكانة ينالها المتعلم في الدنيا والآخرة» (ص 112).
نظرة المؤلفين تبسيطية
من المظاهر الكثيرة للخلل الذي يضر بروح الموضوعية في العرض والتحليل ان المؤلف يعزو سبب تخلف المسلمين الى انهم «اصيبوا بالترف والرفاهية وتنعموا وخلدوا الى الراحة والبطالة» (ك 65 – ص 50). ان هذا الطرح هو مجرد جزء من العوامل التي ادت الى تخلف المسلمين وتراجعهم. وقد يكون من اضعف عوامل التخلف الاسلامي الذي يعود الى اسباب كثيرة نذكر ابرزها في ما يلي:
ــ تفرق العرب والمسلمين وعدم اتحادهم.
ــ قلة اهتمام العرب والمسلمين بالعلم والتكنولوجيا والصناعة.
ــ جبروت بعض الحكام واستبدادهم.
ــ ضعف النخبة المثقفة في العالم الاسلامي.
ــ غياب حرية التفكير والتعبير والنقد والمحاسبة.
من جهة اخرى يكفي النظر الى المجتمع الاوروبي او الاميركي المرفه ومع ذلك فإن الغرب اقوى من العرب والمسلمين ان التفكير الموضوعي يجب ان يدفع مؤلفي الكتب المدرسية الى عدم زرع افكار ومقولات تبسيطية سطحية في عقول الناشئة.
وتقتضي الموضوعية من المؤلفين طبعاً ألا ينظروا نظرة تبسيطية الى المجتمع والحياة الاجتماعية المعاصرة، وقياسها على الحياة الاجتماعية في عهد الأنبياء، كأن يرى المؤلف أن الحكمة من رعي الأنبياء للغنم تكمن في أن الله تعالى «يدربهم على رعاية الأمم.. وهذا هو الراعي الذي يرعى الرعية..» (ك65 – ص61)، فهل البشر في أيامنا يشبهون قطيعاً من الغنم حتى يحتاجوا الى من يرعاهم؟ إن هذه الرؤية للناس والمجتمع لم تعد مقبولة في أيامنا، كما انها لا تلتقي مع نظرة الاسلام نفسه إلى بني آدم وكرامة الانسان، لقد كان يكفي المؤلف أن يقول إن رعي الغنم يكسب المرء صفات طيبة مثل سعة الصدر والحلم والتأمل في الحياة والكون.
الحلقة الرابعة: مناهج التربية الإسلامية تحتقر العقل وتحاربه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق