الأربعاء، 29 مايو 2013

مناهج التربية الإسلامية تحتقر العقل وتحاربه ! - (4) | جريدة القبس

مناهج التربية الإسلامية تحتقر العقل وتحاربه! - (4) | جريدة القبس
 التربية الإسلامية في الكويت

مناهج التربية الإسلامية تحتقر العقل وتحاربه! - (4)

إعداد د. فوزي أيوب - (باحث تربوي أستاذ في الجامعة اللبنانية)
في إطار الدراسات العلمية التي قدمتها القبس حول التعليم في الكويت: الخلل في المناهج (2002)، المناهج الكويتية أمام ساعة الحقيقة (2003)، التعليم في أزمة (2012)،  المعلم في الكويت: واقعه.. إعداده.. دوره، (يناير2013)، تواصل حلقات دراستها العلمية الموسعة، لقناعتها بأن أي إصلاح حقيقي، وتنمية مستدامة، يبدآن من التعليم ويستندان إليه.
وفي الحلقة الجديدة من الدراسة الموسعة، تتناول القبس مناهج التربية الإسلامية في الكويت. بعدما تناولت مناهج الاجتماعيات، واللغة العربية.
وسنتطرق في هذه الحلقة الرابعة - من تقويم مناهج التربية الاسلامية في الكويت - الى بعض ما تناولته من المفاهيم والمعلومات المهمة، بطريقة سطحية،‍ وأحياناً بصورة مشوّهة غير صحيحة، تنمّ عن نزعة ذاتية لدى واضعيها.
بالانتقال الى نصوص التربية الاسلامية في الصف السابع (ك66) نقع ايضاً ع‍لى مجموعة من حالات التنافر مع صحة المعلومات أو الموضوعية في طرح القضايا، بدءاً بمعلومة مفادها أن مكونات الهواء والموجات الصوتية لا ندركها بحواسنا وانها جزء من عالم الغيب أو العالم المغيب أو عالم ما وراء المادة (ك66 ص 15). وهذه المعلومة بدائية وتتعارض مع ابسط قواعد الفيزياء الحديثة التي تنظر الى مكونات الهواء والى الموجات الصوتية باعتبارها شكلاً خاصاً من اشكال المادة، كما انها قابلة للقياس الدقيق بواسطة أجهزة خاصة بالحواس وحدها، مع أن المعرفة العقلية الحديثة لا تقتصر على الادراك الحسي الذي يشكل أدنى مستوى من مستويات المعرفة التي تتعداه الى الادراك المجرد بواسطة اللغة من جهة، وبواسطة الرموز الرياضية (Symbols) أو لغة الرياضيات من جهة اخرى، او ما يسمح للانسان بأن يصل الى المعرفة عبر البصيرة (العقل، الوعي، التفكير) ايضاً، وليس عبر البصر والحواس الاخرى فقط.
مفهوم العقل والعاقل
إن المعرفة الرياضية والاحصائية كلها قائمة على الرموز والمجردات المنطقية ولا دخل للحواس في عملها، ثم ان الادراك الحسي (Perception) يتم في الدماغ بصورة آلية (كما في عمليات السمع والابصار والشم والذوق واللمس)، بينما المعرفة العلمية تبدأ بتجاوز المستوى الحسي منذ عمر السنتين عند الاطفال.
ولكل هذه الاعتبارات لا ينبغي افهام التلميذ بأن المعرفة الحسية هي من اختصاص العقل، بينما المعرفة المجردة هي من اختصاص الدين.
ومن باب الدقة العلمية والموضوعية معاً، فإنه يجب عدم النظر بخفة الى مفهوم العقل والعاقل الذي يعرفه المؤلف بأنه «من عرف الخير فطلبه، ومن عرف الشر فتركه..» (راجع ص66 – ص44) فهل ان قادة الغرب الكافر وقادة اسرائيل انفسهم هم بلا عقل لانهم لا يسيرون على طريق الخير للعرب والمسلمين على الاقل؟!
إن العقل هو التفكير المنطقي وكل من يفكر سواء بالخير أو بالشر هو صاحب عقل، لأن ما نراه خيراً قد يراه غيرنا شراً والعكس صحيح  (1)، وقد أوضح علم النفس كيف أ‍ن تفكير الطفل ينمو يوماً بعد يوم ويتدرج من مرحلة حسية إلى مرحلة اجرائية مجردة وصولاً الى المرحلة المجردة عند المراهقين والكبار، اما ماذا يفعل الفرد بتفكيره وذكائه فهذا يرجع الى اخلاقه الشخصية وتربيته وظروف حياته.
من جهة اخرى يقول المؤلف ان «محل العقل هو القلب» (ك 66 ص44)، ثم يضيف بعد سطر واحد ان «للعقل علاقة وثيقة بالرأس الذي به قوى التفكير»، وذلك يناقض المؤلف نفسه في الفقرة الواحدة لان العقل لا يمكن ان يكون في موضعين معاً. إن القول بوجود العقل في القلب يفتقر الى الحد الادنى من المعرفة الطبية والنفسية التي تنظر الى القلب باعتباره مجرد آلة تضخ الدم نحو اعضاء الجسم.
وبفضل تقدم العلوم الطبية والنفسية, أصبحنا نعرف منذ زمن, ان مركز التفكير موجود في الدماغ وتحديداً في القشرة الدماغية التي لا يزيد سمكها عن بضع ملليمترات، وتتم فيها عمليات التفكير والتحليل والفهم، بينما توجد قدرات القراءة والكتابة والذاكرة بأنواعها والادراك الحسي في نقاط اخرى من الدماغ.
تحقير العقل!
وانطلاقاً من النظرة غير العلمية عند المؤلفين الى العقل, فلن يكون من المستغرب ان يتعامل هؤلاء مع العقل البشري باعتباره قاصراً او ضالاً فيتحدثون عن توجيه العقل نحو كذا او كذا، او عن ارشاد العقل، الى كذا, او عن تخبط العقول وقصورها ومحدوديتها, وغير ذلك من مظاهر تبخيس العقل واستصغار شأنه، وهذا كلام غير موضوعي. وغير علمي ايضاً.
التعليم كله يقوم على مخاطبة عقول التلاميذ، ومحاولة تنميتها، إلى ابعد الحدود الممكنة (راجع ك66 – ص46 – 47). {فلماذا يصر المؤلف على محاربة العقل واظهار عجزه امام الناشئة من خلال عناوين مثل «مظاهر عجز العقل»؟ وإن من طبيعة العقل البشري (والعلم أيضاً) انه كان ولا يزال، وسوف يظل يعرف اشياء ويجهل أخرى، لا يلبث ان يدركها كلياً أو جزئياً وما دام الانسان على وجه الأرض فإن معرفته ستبقى نسبية مرتبطة بمكان وزمان وظروف معينة جعلت للعلم تاريخاً يتطور وينمو جيلاً بعد جيل، كذلك يعيب المؤلف على عقل البشر، أن اذواقهم في المأكل والملبس والألوان مختلفة، مع انه ليس للعقل دخل في ميول الناس ورغباتهم (ص46).
من جهة اخرى، يعيب المؤلفون على العقل ألا يدرك الغيبيات مثل معرفة الملائكة والجن والشياطين وغيرها، وهذا العيب صحيح، لأن العلم لا يتخذ من هذه الامور موضوعاً للبحث والنظر، لأنها، وببساطة، غير قابلة للدرس بطرق علمية، وتدخل في عالم الإيمان والدين، وهذا لا يُعاب على العقل، بل هو من دواعي احترامه، احترام العقل والعلم الذي يعرف حدوده ولا يحاول تجاوزها ولا ينسب لنفسه ما لا يستطيع فعله. (ص48).
وفي سياق الملاحظات النقدية على موضوعات الجزء الثاني من نصوص التربية الاسلامية للصف السابع، يمكن ملاحظة مشكلة غنائم الحرب المأخوذة من المقاتلين والكفار من أموال وأسلحة، والتي أصبحت حلالاً على الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأمة المسلمين بعد أن كانت محرمة على من سبقه من الانبياء وأممهم، يقول المؤلف: «كانوا يجمعون (الغنائم) بعد الحرب وينزل الله (تعالى) عليها ناراً من السماء فتحرقها» (ك67 – ص53)، فإذا كان حرق الغنائم مثبتاً دينياً، فإن علينا قبوله كما هو، أما إذا كانت قضية حرق الغنائم تفعيلاً أو شرحاً جاء به المؤلف في معرض الكلام عن حديث جابر بن عبدالله (رضي الله عنه) فإن الموقف يصبح مختلفاً، فهذا الحديث (في ص50) لا يتضمن اشارة إلى عملية احراق الغنائم وبالتالي فإن على المؤلف ان يفسر للتلاميذ هذه المسألة المحيّرة للصغار والكبار معاً.
بانتظار ذلك، وبالعودة إلى صفحات التاريخ، فإننا لا نجد في اي منها ذكراً لحوادث احراق الغنائم بواسطة نار آتية من السماء، بينما نجد أن صفحات التاريخ مليئة في المقابل بعمليات أحداث الاستيلاء على ممتلكات المهزومين ورجالهم ونسائهم واولادهم أيضاً عند نهاية المعركة. إن موضوع غنائم الحرب هذا يحتاج إلى توضيح اكبر وتفسير اكثر دقة على كل حال.
وحرصاً على انسجام الافكار والمفاهيم التي يتم تقديمها للتلاميذ، ودون ان نعطي انفسنا حق التدخل في اي موضوع ديني، فإننا نكتفي بالقول انه من الخطأ تربوياً أن يقال للتلميذ الصغير إن النبي «ما هو إلا بشر مثلكم» (في ص18) ثم يقال له في الصفحة السابقة إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء (في ص17) وفقا للحديث الشريف, يجب تجنيب المتعلمين، الصغار، تناقضات من هذا النوع احتراماً لشخصية التلميذ من جهة ولمنهجية التفكير العلمي من جهة اخرى، وهذه من المسائل التي يمكن ان تترك, وتعّلم لتلاميذ في مراحل تعليمية متقدمة. وقبل هذا وذاك، لان هذه المسألة اكبر من ان يخوض غمارها ولد ناشئ والشيء نفسه يمكن ان يقال عن موضوع مثل توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، فهل يستطيع هذا الولد ان يحيط بالفرق بين الألوهية والربوبية، او بين الإله والرب، أو بين الرب المعبود والإله المعبود، حتى نطرح عليه مثل هذه القضايا؟ (راجع ك 68 ص20، 21، 22).
ضعف في الدقة العلمية
وفي الجزء الثاني من كتاب الصف الثامن يستمر ظهور حالات مشابهة من حالات الضعف في الدقة العلمية والخلط بين الدوائر، كالخلط بين دائرة «المجال» الواسعة ودائرة «المفهوم» الأقل اتساعاً، حتى يكاد الامران ان يتساويا، مع ان المفهوم تابع للمجال وجزء منه، وفي العادة يتضمن المجال الدراسي (او المحور الدراسي) الواحد مفاهيم كثيرة، وليس من المنطقي ان يتضمن ثلاثة مفاهيم فقط على مدى كتاب بأكمله.
إن درساً عادياً يتضمن ما لا يقل عن خمسة مفاهيم في الصف الاول الابتدائي، فكيف اذا كان الامر يتعلق بثلاثة وثلاثين درساً؟! (راجع ك69، ص5).
والخلط المنافي للدقة العلمية مستمر ايضاً على صعيد عناوين الدروس التي تشبه الشعارات او المتقطفات المأخوذة من النص على طريقة «من أوجه الخير المفروضة الزكاة، وهي تطهر النفس والمال»، فإذا اعتمدنا قاعدة إدخال موضوعات عنوانها «من أوجه الخير.. كذا وكذا» كما هو موجود في كتاب الصف الثامن، فإن قائمة الموضوعات التي يمكن ان تدخل ضمن عناوين الدروس وفي الفهرس تصبح طويلة جداً، ويصبح كتاب التربية الاسلامية بلا وظيفة تعليمية حقيقية.
الهزيمة.. والانتصار
وفي الكتاب نفسه، يكرر المؤلف مقولة سطحية غير موضوعية، سبق له ان تحدث عنها، ومفادها ان السبب في ضعف المسلمين وهزائمهم يعود إلى الرفاهية «فلما ركن الناس إلى الدعة وحب الحياة كرهوا ان يقاتلوا في سبيل الله» (ك69 ص101).
إن هذا التعليل يفتقر إلى الدقة في النظر، لأن أكثر من نصف المسلمين في العالم هم من الفقراء، بل ويعيشون تحت مستوى خط الفقر العالمي, ومع ذلك فإنهم لا يحققون أي انتصار بل لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، بينما الأميركيون مثلاً أقوى أمة في العالم ولا يشكون من الفقر بل معظمهم يحب الحياة ويتمتع بالرفاهية.
وانسجاماً مع قواعد التفكير العلمي الأساسية، فإن بعض الأفكار الخاصة بمظاهر التكريم الديني الإنساني ربما تحتاج إلى مراجعة وإعادة تقييم, أو حتى إلى الكف عن التداول بها, إما بسبب انتفاء فاعلية الفكرة, أو بسبب تضاربها مع المعرفة العلمية الراهنة، وذلك حتى لا يحصل تناقض في رأس الطالب بين العلم والدين.
إن الشرع الإسلامي يسمح بمراجعة كثير من المواقف الخاصة بأمور الحياة المستجدة وبتعديلها، لذلك فإنه يمكن إعادة النظر بطريقة طرح الفكرة الخاصة بتكريم الإنسان من خلال استخدام القمر كوسيلة لحساب عدد السنين مثلاً. فالوسائل التكنولوجية والجغرافية الحديثة كالأقمار الصناعية وأجهزة الحاسوب المتطورة تقدم اليوم إجابات متناهية الدقة عن بدايات الشهور ونهاياتها وعن كل أشكال المواقيت باليوم والساعة والدقيقة والثانية.
والأمر نفسه يمكن أن يقال عما ذكره المؤلف في شأن «الجبال الرواسي الثوابت التي تثقل الأرض وتثبتها حتى لا تتحرك وتضطرب بسكانها...» (ك 70 – ص 46) فالأولاد الصغار في أيامنا أصبحوا يعرفون أن الأرض كرة تسبح في الفضاء منذ خلق الله الكون، وأنها دائمة الحركة حول نفسها وحول الشمس ببحارها وسهولها وجبالها أيضاً، ولم يقرر علم الفيزياء والفضاء حتى اليوم أن للجبال العالية دوراً في تثبيت الأرض أو منع حركتها حتى لا تميد بما عليها من كائنات، والله أعلم.
هنا بأتي دور الابداع في صياغة مناهج التربية. فالحق سبحانه يقول: {والجبال أرساها}.. فعلى المعلم هنا ان يشرح كيف ان {الرسو} لا يمنع من الدوران, واذا لم يشرح ذلك, وكأننا نقول للتلميذ في دروس العلوم شيئاً، ونقول له في دروس التربية الدينية شيئا آخر عن الموضوع الواحد؟ ألا يدفع به ذلك من غير قصد إلى حالة من ازدواجية التفكير التي تشطر عقل الناشئة إلى شطرين أحدهما علمي منطقي والآخر غيبي وجداني؟
وحتى نتجنب الوقوع في هذا التناقض يجب الكف عن إدخال أفكار غير علمية إلى مناهج التعليم الكويتية، كأن يقال فيها إن الجن يتلبسون جسم الإنسان «فيصاب الإنسان عن طريقهم بمرض من الأمراض كالصرع والجنون والتشنجات، وقد يسرق لصوصهم أموال الناس، وقد يكسر المشاغبون منهم الأواني وغير ذلك...». (ك 72 – ص 22). وعلى حد علمنا فإن هذا الكلام لم يرد في نص قرآني أو في حديث نبوي بل هو كلام جاء به المؤلف، كما أن علم الطب النفسي (Psychiatry) وعلم الأعصاب (Neurology) يحددان اليوم بدقة اسباب الصرع مثلاً, وأصبح من الممكن علاج الصرع من خلال عملية جراحية في الدماغ ولا لزوم، بالتالي، لاقحام الجن والشياطين في مرض الصرع.
هل نحن في القرون الوسطى؟
من جهة أخرى، مكن الكلام عن أدوار الجن والشياطين بهذه الطريقة أن يشكل غطاء لتجويز عمليات اخراج الجن من جسم الرجل والمرأة بالضرب المبرح الذي يوصل أحياناً إلى الموت، كما لو أننا مازلنا نعيش في حقبة القرون الوسطى عندما كانت محاكم التفتيش المسيحية الكاثوليكية تستخدم حقنة كبيرة للكشف عن إيمان الاشخاص المشكوك بصحة إيمانهم الديني، وغالباً ما كان هؤلاء الأشخاص يلقون مصرعهم عند نهاية الاختبار، ألم يسمع المؤلفون بعد بأن مرض الصرع مثلاً (Epilepsy) هو عبارة عن خلل في الدماغ البشري يؤدي أحياناً إلى نوبات حادة وله أدوية خاصة به كما يمكن علاجه بالتدخل الجراحي في الدماغ منذ حوالي عقدين من الزمن؟ فلماذا يصر المؤلفون على تقديم الإسلام بصورة متعارضة مع العلم والتفكير المنطقي فيصبح التلاميذ خارج الزمن العلمي والحضارة العلمية العالمية؟
إن الإيمان بالجن أمر ديني واجب لأنه جزء من العقيدة الإسلامية لا يحتمل جدالاً. ولكن ذلك لا ينبغي أن يقودنا، عندما نتحدث إلى الناشئة، إلى اقحام الجن في تفصيلات يومية روتينية وتحميلهم مسؤولية سرقة أموالنا أو تكسير آنيتنا، إذ ما الفائدة عند ذلك من المحققين والشرطة في هذه الحالة؟! وفي الاتجاه نفسه لماذا لا يشرح المؤلفون للتلميذ كيف ان مسألة تكليف الملاك ميكائيل عليه السلام بأمور الأرزاق والمطر والنبات لا يتنافى مع علم المناخ ومع علم النبات وباقي فروع الهندسة الزراعية؟! (راجع ك 72 – ص13). أليس ديننا ألا يعلمنا ان لكل شيء سبباً.
ومما لا يتماشى مع الروح العلمية أيضاً مسألة تناول الطعام باليد اليسرى واعتبار ذلك أمراً مخالفاً للدين، ومتعارضاً مع القيم والأصول الإسلامية اذا كان من المستحسن استخدام اليمنى, فإن الشخص الأعسر (يستعمل اليد السيرى بدل اليمنى في الكتابة وغيرها من أعمال اليوم) لا يختار أن يكون أعسر لأن هذا الأمر مرتبط ببيولوجية الدماغ وفيزيولوجيته، ويأتي مع الولادة وبالتالي فلا سبيل لتغييره بصورة حقيقية ولا مبرر للقول انه يناقض أي قيمة أو عقيدة. إن كثيرا من ألمع الرسامين في العالم استخدموا اليد اليسرى في الرسم، وكذلك الأمر مع كثير من مشاهير الأدب والثقافة (راجع ك 72 0 ص 88).
وفي سياق النماذج عن النقص في الدقة العلمية للأفكار المطروحة قول المؤلف «إن العقل هو الفارق بين الإنسان والحيوان...». (ك 73 – ص 13). وهذا الكلام غير دقيق علمياً لأن علم نفس الحيوان (الذي هو جزء من علم النفس العام) يتحدث عن عقل حسي عند الحيوانات العليا (كلب، حصان، قرد. قطة.. إلخ) فهل كلب الحراسة الذي ينقذ الغرقى من الناس هو بلا عقل؟ ان لديه حدا ادنى من التفكير القائم على الحواس يوازي تفكير ولد عمره عامان تقريبا، ولكن بينما ينمو تفكير الولد باطراد بعد ذلك، من خلال اللغة والرموز والتفاعل الاجتماعي معا، فإن عقل الحيوان لا يتطور اكثر من المستوى الحسي. فالفارق الحقيقي إذاً بين الانسان والحيوان يوجد في التفكير المجرد او العقل التجريدي وليس في العقل بالمطلق.
.. أين التعصب الديني؟!
ومن مشكلة الخلل في مستوى الدقة العلمية للمفاهيم والمعلومات, ننتقل الى مشكلة الخلل في درجة الالتزام بالروح الموضوعية في طرح الموضوعات والقضايا الفكرية والتاريخية والاجتماعية. فتحت عنوان «الآثار المترتبة على التعصب» (ك 71 – ص 230) يتحدث المؤلف عن التعصب القومي والمذهبي والقبلي من دون ان يشير، لا من قريب ولا من بعيد، الى ظاهرة التعصب الديني الذي يضرب المجتمعات الاسلامية منذ اكثر من ربع قرن, ويعرضها للارهاب والعنف والتخلف بسبب الابتعاد عن وسطية الاسلام وتسامحه.
ومع تركيز المؤلف على التعصب الجاهلي وعلى التعصب اليهودي فقط، فإنه يعزز بذلك صورة نمطية معروفة عن هذا الموضوع، ويتجاهل الواقع الحالي الذي يعاني منه المسلمون في الداخل ومع الخارج، ويتطلب من المدرسة ان تساعد على نوعية الشباب الصاعد من مخاطر التعصب والتطرف وكراهية الآخرين.
ولعل مما يتعارض مع الموضوعية في التفكير الزام التلميذ بمجموعة من دروس التربية الاسلامية (راجع ك 67 – ص 56 على سبيل المثال) لأجل ان يتعرف الى مواعيد الصلاة، ففي هذا التوسع في الشرح مبالغة، ولزوم لما لا يلزم، في قسم كبير من الدروس، كما ان تكرار الموضوع نفسه من سنة دراسية الى اخرى يشير إلى إلحاح في غير محله، لان التلميذ الكويتي يحتاج في الواقع الى كل حصة دراسية ممكنة ليرفع بها من مستوى تحصيله الدراسي والعلمي.
ثم هل ينسى التلميذ ما قد تعلمه في الصف الثالث الابتدائي عن الصلاة حتى يعود المؤلفون فيذكرونه بها في صفوف لاحقة؟
لماذا الزيادة؟
ان تلميذ الصف السابع يكون قد اتم الحادية عشرة من العمر، وبالتالي فمن المرجح انه يؤدي فريضة الصلاة فعلا, ويعرف مواقيتها بدقة ولا يحتاج الى كل هذه الدروس ليعرف ما هو معروف لديه! اما اجتهادات العلماء بشأن توقيت الصلاة فإن تلميذ المدرسة العادية لا يحتاج اليها، بل هي ربما تشوش افكاره. اما طالب العلوم الشرعية فإنه قد يستفيد من التعمق في الشروحات والتفسيرات الخاصة بمواعيد الصلاة، لان عليه ان يحيط بفلسفة الصلاة وتأديتها في وقتها، بينما يستطيع اي تلميذ او فرد عادي ان يعرف توقيت الصلاة من خلال روزنامة او جدول مواقيت معلق في البيت او في المدرسة، او حتى من خلال ساعة يد او منبه او هاتف نقال يحتوي على برمجة لمواعيد الصلاة، او من خلال البرامج التلفزيونية لأي محطة بث اسلامية، او حتى من خلال حركة الشمس من انبلاج خيوط الضوء فجرا حتى أفولها عند المغرب، كما كان يفعل اجدادنا.
ان قليلا من التفكير الفطري السليم يكفي لتقديم موضوعات التربية الاسلامية للطالب بروح تربوية موضوعية تحترم عقله وتفكيره، وتقدم له المعارف والمهارات التعليمية المطلوبة بصورة واضحة وبأسرع وقت ممكن.
ضد الثقافة
ومن مظاهر عدم الالتزام بروحية التفكير الموضوعي في كتاب التربية الاسلامية للصف السابع - الجزء الثاني (ك 73 – ص 65) تبخيس المؤلفين لقيمة الثقافة العربية في المجتمع الجاهلي، مع ان جاهلية العرب القدماء كانت قائمة على الجهل بالدين الاسلامي، وليس على نقص المعرفة او على دونية الثقافة. فليس من باب الصدفة ان يكون نبينا وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من فرع هاشم من قريش أهل الفصاحة واسياد التجارة ووجهاء المجتمع الجاهلي. لذلك، فمن المستغرب قول المؤلفين ان حياة قريش في مكة المكرمة قبل الاسلام كانت «فوضى لا تحكمها شريعة ولا يضبطها ضابط من خلق او دين» (ص 62).
ان هذا الكلام يفتقر الى الدقة العلمية التاريخية والى الموضوعية في التفكير، وينطلق من تصور تبسيطي، مفاده انه كلما كانت صورة ما قبل الاسلام سيئة، كانت مكانة الاسلام اعلى واعظم. ان دعوة الاسلام إلهية وهي عظيمة بذاتها ولا تحتاج الى تبخيس قيمة المجتمع العربي القديم لرفع شأنها وزيادة قيمتها. لذلك لا حاجة للقول ان حياة قريش قبل الاسلام فوضى لا تحكمها شريعة.
فمجتمع مكة المكرمة كان دقيق التنظيم من ناحية القبائل والاسر ودورها ومكانتها، وكان للتجارة قواعدها ونظامها، وللحياة الثقافية قواعدها واصولها، ومنها مهرجانات الشعر في سوق عكاظ. صحيح أنه لم تحكم المجتمع القرشي شريعة إلهية، ولكن من الصحيح أيضاً القول إن أهل مكة كانت لهم ديانة وثنية (عبادة الأصنام) وشريعة قبائلية.
ومن الناحية الأخلاقية، لم يكن المكيون والقرشيون عديمي الأخلاق، بل كانت تسود بينهم أخلاق قائمة على مزيج من الأعراف والتقاليد والقواعد القبلية البدوية والحضرية بخيرها وشرها. لم تكن أخلاقهم كلها شرًّا ولم تكن كلها خيراً، بل كانت خليطاً من هذا وذاك، ولو كانت كلها أخلاقاً رديئة لما كانت نشأة النبي العربي (صلى الله عليه وسلم) في البيئة القرشية المكِّيَّة التي من الطبيعي أن يكون رسول الله  (صلى الله عليه وسلم) قد تأثر ببعض صفاتها الحميدة، كالفصاحة والبلاغة والمروءة وإكرام الضيف والأشهر الحرم من جهة، ونبذ صفاتها السيئة المعروفة من جهة أخرى. إن علينا توخي الدقة والصدق في ما نقوله ونكتبه للتلاميذ خاصة، وذلك لتعويدهم على النظر بموضوعية إلى الأمور، بعيداً عن النزعة الذاتية الانفعالية.
ومما يؤشر إلى وجود نقص في النظرة الموضوعية إلى الموضوعات والقضايا الخاصة بالتربية الإسلامية حديث المؤلفين في كتاب الصف الثاني عشر عن أن التوسع الإسلامي والفتوحات «وبسط السلطان على كثير من بلدان ودول العالم، إنما كان هدفه رفع الظلم والقهر والإهانة والاستعباد التي كانت الشعوب تعاني منها.. ولا يقول قائل: كيف نوفق بين الموقف المقاوم للإسلام من العدوان، وبين توسعته وسيطرته، إبان قوته وازدهاره، على كثير من بلدان العالم؟» (ك 73 – ص 89). إن النظر إلى عمليات التوسع والفتح قاطبة في العهود الإسلامية باعتبارها تحريراً للشعوب والدول من الظلم والاستعباد هو أمر مجافٍ للروح الموضوعية في كتابة التاريخ.
لقد كانت الفتوحات الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة (وخاصة الفتوحات العمريَّة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه) جهاداً عادلاً للعرب والمسلمين ضد الاحتلال الرومي (في سوريا وفلسطين ولبنان ومصر) وضد الهيمنة الفارسية على العراق. ولكن عندما تحولت الخلافة الراشدة إلى خلافة وراثية ومُلك خاص، في عهود الأمويين والعباسيين والعثمانيين وغيرهم، تحولت الفتوحات الجهادية ضد الاحتلال والعدوان والظلم إلى عمليات توسع وسيطرة لمصلحة الدولة والحكام بالدرجة الأولى، وليس  من أجل نشر الإسلام ومبادئه بين الناس (كالتوسع المغربي – العربي في أسبانيا، والتوسع العثماني في أوروبا).
في الحالتين المذكورتين من حالات التوسع العربي – الإسلامي في أوروبا لم تدخل الشعوب الأوروبية (أسبان وصرب وبلغار ومجريون وغيرهم) في الإسلام إلا بأعداد محدودة، قياساً على العدد الإجمالي للسكان في شبه الجزيرة الإيبيرية وفي شرق ووسط أوروبا. وفي المقابل، فقد انتشر الإسلام في وسط أفريقيا (جنوب الصحراء الكبرى) وفي أندونيسيا وبعض أجزاء الهند وفي باكستان وجوارها سلماً،ً ومن دون حروب كبيرة في الغالب، وذلك على يد التجار المسلمين من أصحاب الأخلاق الحميدة، وعلى يد الدعاة المسلمين والزهاد والصالحين.
بين الجهاد والغزو
لذلك، ومراعاة للحقيقة التاريخية يجب أن يميِّز المؤلفون بين عمليات الجهاد في سبيل الله وبين عمليات الغزو والتوسع وفق الوقائع الخاصة بكل حالة أو عملية حربية، لأن معظم عمليات التوسع والاحتلال والحروب عبر التاريخ كان المنتصر يبررها تحت عنوان «تحرير الشعوب من الظلم» أو تحت راية «جلب الحضارة إلى الشعوب الهمجية» أو بذريعة «نشر الديانة المسيحية في بلاد البرابرة» أو بذريعة تحرير القدس من المسلمين، كما حصل في الحروب الصليبية.
وبعد النظرة  غير الموضوعية إلى التاريخ الإسلامي في مناهج التربية الإسلامية، يخطو المؤلفون خطوة أعلى مجافية للروح العلمية، تتمثل في التشكيك في العقل الإنساني من أساسه والدعوة إلى الحذر منه وكأنه عدو خطير. ومما يزيد الاستغراب من هذه الدعوة أنه توجد إشادات كثيرة بالعقل وحريته وأهميته حيناً، مقابل التشكيك فيه، في أحيان أخرى، وهو ما يؤدي إلى أن ينظر التلميذ نظرة ملتبسة للعقل وللتفكير العلمي بوجه عام. إن التشكيك في العقل البشري يفسد كل عملية التعليم القائمة أساساً على تنمية القدرات العقلية والمهارات الفنية عند المتعلم. وعلى هذا الأساس لا يحق للمؤلفين، تحت أي ذريعة كانت، أن يتهموا العقل بأنه يخضع للأهواء وأن نظرته ضيقة ومتقلبة «حتى إنه يستحسن اليوم ما يستقبحه غداً» (راجع ك 73 – ص 134).
وإذا  كان الأمر هو فعلاً كما يصفه المؤلفون فلماذا يذهب التلاميذ إلى المدرسة لتلقي العلوم العقلية؟ إن العقل البشري ليس بالخفة التي يصفه بها المؤلفون، ونحن لم نسمع في تاريخ العلم أن أحد العلماء يقول شيئاً في هذا اليوم ثم يقول عكسه في اليوم التالي، لأنه لو حصل ذلك فعلاً لتحول العلم إلى مهزلة. فهل يجيز العقل العارف لذاته ان يقبل بقانون الجاذبية مثلاً ثم يرفضه في اليوم التالي؟ هل يستطيع أي عالم أو مفكر اليوم أن يقول إن الأرض ليست كروية، بل هي مسطحة؟ أم أن واحداً زائداً واحداً يساوي خمسة؟
إن هذه الاتهامات للعقل بالمزاجية والتقلب وعدم الثبات وقلة الصدقية, تنطوي على مغالطة كبرى وعلى ظلم كبير للعقل البشري ولتاريخ العلم معاً. وما يزعمه المؤلفون بشأن العقل قد يصحّ بالنسبة لتفكير الأولاد الصغار ولا يصح مع التفكير العلمي الذي هو خلاصة حركة العقل البشري عبر التاريخ، وأول شرط من شروط العلم هو الابتعاد عن الذاتية (Subjectivism) والركون إلى الموضوعية (Objectivism). لذلك، فإن حالة التناقض في الموقف لا مكان لها في العلم وفي التفكير العقلي المنطقي، بل نحن نجدها عند كثير من رجال الدين الذين يفتي أحدهم بشيء فيظهر رجل دين آخر ويفتي بشيء معاكس في الموضوع نفسه، وكل واحد يقول إن الحق معه والناس يدفعون الثمن، وتكفي الإشارة في هذا المجال إلى أنه نادراً ما يتفق رجال الدين المسلمون على تحديد بداية شهر رمضان مثلاً، وتحديد يوم عيد الفطر وحتى عيد الأضحى أحياناً، مع أن القمر واحد والإسلام واحد، ومع أن علم الفلك يحدد تلك المواعيد بدقة متناهية.
التعميم والأحكام المطلقة
وفي الكتاب نفسه، والسياق نفسه من الخروج عن مبدأ الموضوعية في التفكير والتأليف، يقع مؤلفو النصوص التعليمية الإسلامية في فخ التعميم والأحكام المطلقة دون اكتراث بحقائق التاريخ وعلم الاجتماع فيقولون «إن الغربي إذا صار عالماً ترك دينه بخلاف المسلم الذي لا يترك دينه إلا إذا صار جاهلاً» (ك 73 – ص183). فالتاريخ يحدثنا بأن كثيراً من كبار العلماء في أوروبا كانوا مؤمنين بالمسيحية بمن في ذلك عالم الأحياء الإنكليزي شارل دارون المتهم، عن جهل، بأنه كان ملحداً بينما الحقيقة هي أنه كان متديناً ومحافظاً في حياته الشخصية والعائلية، ولم يمنعه إيمانه المسيحي من القول بفكرة نشوء الكائنات الحية وتطورها وصولاً إلى الإنسان نفسه، وذلك عن طريق التفاعل الدائم بين الإنسان وبيئته، ثم إن كثيراً من أهم علماء أميركا اليوم هم مسيحيون محافظون وليسوا من أعداء الدين.
أما القول إن العالم المسلم لا يترك دينه إلا إذا صار جاهلاً، فإنه قول يفتقر إلى الدقة العلمية لأنه، ومن الأساس، لا يوجد علم مسلم وعلم مسيحي وعلم يهودي وعلم بوذي وعلم ملحد.. إلخ بل يوجد علم أو لا يوجد علم، ويوجد إنسان عالم أو أن الإنسان لا يكون عالماً بغض النظر عن لونه أو دينه أو عرقه أو جنسه. ثم كيف يكون الإنسان المسلم عالماً ثم يصبح جاهلاً فجأة؟! الجاهل يصبح مع التعليم المستمر عالماً، والعكس غير صحيح، أي لا يمكن لمن هو عالم أن يصبح جاهلاً بين ليلة وضحاها.
وإنه لمن المؤسف حقاً أن يشجع المؤلفون تلاميذ المدرسة، ولو بصورة غير مباشرة، على النظر بخفة إلى العقل والعلم والعلماء، مسلمين كانوا أم لا، لأن ذلك يثبط همة التلاميذ في طلب علم مشكوك فيه أو أنه في وضعية دونية تجاه الدين. وهذا التضاد المفتعل من المؤلفين بين العقل والنقل، أو بين العلم والدين، يسيء إلى العلم كما يسيء إلى الدين. وقد سبق للعالم والفيلسوف والفقيه المسلم ابن رشد (1126م – 1198م) أن أوضح قبل مئات السنين أن منهج الحكمة (العلم) مختلف بطبيعته عن منهج الدين والشريعة، وأن العلم والدين إنما يلتقيان فقط في المقاصد والغايات وليس في الموضوع ولا في طريقة عمل كل منهما.
كذلك سبق لأبي الوليد (ابن رشد) أن رد على القائلين بتعارض الحكمة والشريعة (العلم والدين) بأن الله سبحانه لم يخلق لنا عقولاً فنفكر بها ثم يعطينا شريعة مخالفة للعقل لأن هذا أمر غير منطقي: «إذا كان النص الديني متفقاً مع العقل فلا إشكال، وإذا كان مختلفاً مع العقل، فنحن نؤوله حسب العقل، لأن الله لا يمكن أن يخلق لنا عقولاً ويعطينا شريعة مخالفة لها» (مجلة الكشكول، عدد 45، ديسمبر 2004م، بيروت).
وللمفارقة التاريخية فقد قاد تخلف المسلمين إلى اتهام عالم عظيم مثل ابن رشد، قاضي قرطبة، بالكفر وأحرق الرعاع كتبه في شوارع قرطبة في بلاد الأندلس وفي مراكش وكادوا يفتكوا به بتحريض من بعض رجال الدين الجهلة في بلاد المغرب العربي والأندلس، بينما تلقفت أوروبا والنخبة الأوروبية، في بداية عصر النهضة، فكر ابن رشد واستفادت منه إلى أبعد الحدود في بناء النهضة الأوروبية.
ولعل مما له دلالته أن الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا قد حاربت الفكر الرشدي وحكمت مرتين بتحريم التداول بكتب ابن رشد، الأولى في سنة 1240م والثانية في سنة 1513م في عهد البابا ليون العاشر. فيالها من مفارقة التقى فيها التخلف الإسلامي في الشرق مع التخلف المسيحي في الغرب لمحاربة العقلانية والتنوير الفكري. وإذا كانت النخبة الفكرية الأوروبية قد واصلت كفاحها ضد تخلف الكنيسة حتى أبعدتها عن القرار السياسي والحكم إلى موقع التوجيه الديني والخلقي والاجتماعي، فإن النخبة المثقفة العربية – الإسلامية ذهبت في اتجاه معاكس ومازالت حتى يومنا ضعيفة وخانعة إلى بعد بعيد.
أخيراً، وفي السياق نفسه، يتبنى المؤلفون نظرة غير موضوعية عندما يخاطبون التلاميذ عن أسباب ضعف العالم الإسلامي اليوم قائلين إن السبب الأول في ذلك إنما يرجع إلى «الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، إذ صار العالم الإسلامي يتحاكم إلى مناهج بشرية وقوانين وضعية، معرضاً نفسه إلى غضب الله وسخطه» (ك73 – ص187). فهل أن قوة الغرب العلماني الكافر في أوروبا وأميركا، أو قوة الصين واليابان وروسيا ترجع إلى تمسك هذه الدول بالديانة المسيحية أو بالديانة البوذية؟!
وهل تطبق الدول القوية غير الإسلامية شرع الله في تنظيم حياتها، أم أنها تطبق مبادئ وقوانين وضعية إنسانية ارتضتها الشعوب لنفهسا في مرحلة معينة من تاريخها؟ ثم إن الدول التي ذكرناها كلها علمانية، ومع ذلك فهي تسمح بحرية الأديان والمعتقدات الإيمانية الإنسانية جميعها، طالما أنها لا تتوسل العنف أو الإكراه في عملها، وهذه الدول نفسها هي أقوى الدول في العالم وهي أبعد ما تكون عن حالة الضعف التي تعاني منها الدول والشعوب الإسلامية.
وفي المقابل فإن الدول الإسلامية تقول إنها تطبق شرع الله وتحكم بما أمر الله به، ودين الدولة الرسمي فيها هو الإسلام، ومع ذلك فهي دول ضعيفة لا تقدر على محاربة دولة صغيرة، مثل الدولة اليهودية في فلسطين، وتضيق ذرعاً بأي نقد أو رأي مختلف يقوله مواطن من أبنائها. وهذه الحال تشير إلى أن السبب الأول في ضعف المسلمين ليس دينياً، بل السبب هو التخلف والاستبداد والفساد والجمود الفكري ومصادرة حرية التفكير والتعبير والنقد والمساءلة.
خلاصة
خلاصة القول هي إن مؤلفي كتب التربية الإسلامية في الكويت يلتزمون في الجانب الأكبر من النصوص بمعيار الدقة العلمية للمعلومات المطروحة على التلاميذ، وبما يكمله من معيار الموضوعية في معالجة الموضوعات والقضايا. غير أن هؤلاء المؤلفين يقعون - في جانب من النصوص - في فخ النزعة الذاتية في تناول موضوعات الدروس أو أجزاء منها تخص هذا المفهوم أو ذاك. وقد لاحظنا أن النزعة الذاتية المخالفة للروح العلمية الموضوعية تؤدي غالباً إلى نظرة سطحية لأمور مهمة لا يمكن تقديم إجابات بسيطة أو مجتزأة بشأنها.
الهوامش
(1) إن النقص في المعلومات له طابع كمي، وهو لا يكون مقصوداً من المؤلفين، اما نقص الروح الموضوعية في تناول الموضوعات فإن له طابعاً نوعياً ومقصوداً في الغالب لانه يعبّر عن تفكير المؤلفين وعند درجة معينة من التكرار يمكن للنقص في المعلومات ان يتحول الى خلل يطال موضوعية عملية التأليف في جانب أو اكثر من جوانب تأليف النصوص الدستورية.
غدا الحلقة الخامسة : تقويم أسئلة التربية الإسلامية

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |