الأحد، 12 مايو 2013

هسبريس :: لم أقل إن نبيكم إرهابي .. لكن رسائله إرهابية

لم أقل إن نبيكم إرهابي .. لكن رسائله إرهابية

لم أقل إن نبيكم إرهابي .. لكن رسائله إرهابية

لم أقل إن نبيكم إرهابي .. لكن رسائله إرهابية
بعد إلحاح شديد من كثير من الأصدقاء وجدتني مضطرا لتسجيل بعض الملاحظات العابرة، حول الإسهال الكلامي الذي تابعناه جميعا خلال الشهور القليلة الماضية، والذي طال العديد من ركائز الهوية المغربية.
وكنت قد ألزمت نفسي منذ البداية عدم الخوض في هذا "الضجيج" المفتعل الذي لا هدف للواقفين وراءه سوى البحث عن الأضواء، والسعي وراء شهرة سريعة زائفة، بدليل أنهم لا يأتون بجديد، بل إن ما يرددونه اليوم سبقهم إليه كثيرون منذ زمن الوليد ابن المغيرة -أحد الثلاثة المقصودين بقوله تعالى :"إنا كفيناك المستهزئين"-، وعبد الله بن أبي بن سلول -بطل قصة الإفك الذي استهدف بيت النبوة بترديد الإشاعات الكاذبة-، وعبد الله بن سبإ - رائد دس الإسرائيليات-..وصولا إلى المستشرقين وتلاميذهم المستغربين، وقد تم الرد على تلك الادعاءات في حينه، وبالتالي فأية فائدة علمية أو فكرية ترجى من التكرار والاجترار؟
ولهذا أعتذر مسبقا عما قد يجده القارئ الكريم من معطيات سبقت الإشارة إليها في مقالات كثير من حملة الأقلام الذين انخرطوا في هذا النقاش.
وسعيا وراء الاختصار، أسجل الملاحظات التالية:
- لقد وصل البعض إلى "قعر الخابية" ولم يعد لديه ما يصنع به الحدث، أو يلفت به الانتباه سوى العزف على وتر النعرة القبلية، أو استهداف الشعور الديني لدى المغاربة الذين وصفهم بعض "المطلعين على ما تخفي الصدور" بـ"المنافقين".
فبعد دسترة الأمازيغية، سقط في أيدي الذين كانوا يتاجرون بقميصها، فلم تعد توفر لهم ذاك "الأصل التجاري" لـ"المظلومية"، والذي كان يضمن لهم بعض الأضواء، كما فقدوا صفة الضحية التي ظلوا يتاجرون بها على مدى سنوات... ولا أحد يدري لماذا يصر هؤلاء على أن التمكين للأمازيغية لا يمكن أن يتم إلا بإقصاء اللغة العربية؟ مع العلم أن الدسترة قد تعني فقط الدخول في غيبوبة طويلة بعد غياب زخم وحيوية ونضال ما قبل الدسترة، واللغات - كما هو معلوم- تحيى فعلا عبر الاستعمال اليومي والإنتاج العلمي والفكري والإبداع الفني والأدبي، وليس اعتمادا على التعليب القانوني .. ومحاولة إقصاء اللغات الأخرى، حتى لو كانت لسان الأغلبية..
- مشكلة هذا الصنف من طلاب الشهرة السريعة، أنهم يقتاتون على جهد غيرهم، فما يردده هؤلاء هو في الواقع نتاج جهد عرب المشرق في عصور النهضة الأخيرة (أواخر القرن 19 وبداية القرن 20) سواء تأليفا أو ترجمة، ومن يقرأ ما كتبه المصريون والسوريون واللبنانيون والعراقيون تحت عنوان "العلمانية" سرعان ما سيكتشف غياب الحد الأدنى من الأمانة العلمية لدى "النقالين" المغاربة وممارسي "النسخ والسلخ والمسخ"، خاصة وأن التقوقع داخل قوقعة اللغة الفرنسية وحدها، جعلهم مجبرين على الارتهان لجهود عرب المشرق في الترجمة عن اللغة الأنجليزية، وهي لغة العلم في الزمن الحاضر كما لا يخفى.
- من الغريب أن الذين يحاربون كل ما هو عربي وإسلامي لهم أسماء عربية ولسانهم عربي رغم أنه لا أحد وضع السيف على رقاب آبائهم أو أمهاتهم لإجبارهم على اختيار أسماء الأنبياء وما عُبِّد وحُمد وعرب، -وهذا طبعا قبل أن تتدخل داخلية البصري في ما لا يعنيها- بل إنهم لا يكتبون أصلا بلغاتهم التي يعتبرونها أصلية، وغيرها دخيلة ووافدة، ليقينهم بأنه لن يقرأ لهم أحد، وفوق ذلك يحملون "الوافدين" مسؤولية تغييب ثقافتهم "الأصلية"، مع أن مؤسس أول دولة عربية مستقلة بالمغرب دخل المغرب طريدا ثاني اثنين أعزلين فقيرين، ولم يكن مسنودا حينها لا بفضائيات أو صحف خليجية، ولا بأموال البترودولار، ولا بفتاوى الشيخ القرضاوي، ولا بصواريخ الجزيرة القطرية، بل كيف نفسر أنه -خاصة خلال المراحل التي حكمت فيها المغرب أسر أمازيغية (المرابطون، الموحدون، المرينيون)- عرفت الثقافة العربية /الإسلامية أوج ازدهارها؟
- في المحصلة اللغة والثقافة مثل العملة، الجيدة منها تطرد الرديئة، ولهذا هناك تركيز كبير للنيل من الرافد العربي في الثقافة المغربية، رغم أن التاريخ المعاصر أثبت أن أكثر من 130 سنة من "التغريب" الفرنسي لم تنجح في تجفيف هذا الرافد في الجارة الجزائر التي كانت قبل ذلك ولقرون تحت "التتريك" العثماني.. وذلك رغم الإمكانيات الضخمة المسخرة لتحقيق هذا الهدف.. بدليل أنها في أول انتخابات حرة ونزيهة منحت الأغلبية الساحقة للجبهة الإسلامية للإنقاذ..
- الجري وراء الاستفزاز المجاني سعيا إلى استدراج ردود فعل قد توفر وقودا إضافية للحروب الكلامية، يكشف حجم الإفلاس الذي وصل إليه هؤلاء، حيث إنه كلما انحرفت عنهم الأضواء قليلا إلا وأطلقوا قنبلة صوتية من أجل لفت الانتباه، فسمعنا ما سمعناه من طعن مجاني في نسب مئات الآلاف من المواطنين المغاربة، كل ذنبهم أن ثقافتهم قائمة على ضبط الأنساب وحفظها، في الوقت الذي قد يعجز غير واحد من غيرهم عن تسمية جد واحد من أجداده... وربما حتى أباه المباشر.. وكل ذلك حسدا من عند أنفسهم..
- الاجتزاء والخلط، عنصران لا يتماشيان مع معايير البحث العلمي، والدليل على ذلك جملة "أسلم تسلم" التي لم تعجب البعض، فالذين طالبوا بضرورة قراءتها في سياقها التاريخي، غاب عنهم أن الرسائل - وعددها تسعة- التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى حكام الدول القوية المحيطة بجزيرة العرب في ذلك الوقت، كتبت سنة 6 هجرية مباشرة بعد صلح الحديبية، ولم يكن المسلمون يومها يملكون من العدة والعتاد ما يؤهلهم لممارسة "الإرهاب" في حق القوى العظمى، كما أن صياغتها لا توحي بشيء مما فهمه "المفكرون المستنيرون".
ففي رسالة كسرى مثلا وهو المجوسي عابد النار التي نصها :"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك."
نجد الرسول عليه السلام يخاطب المرسل إليه بأنه كسرى وعظيم فارس، ويختمها بتحميله مسؤولية عدم استجابة المجوس لدعوة الإسلام، وكلمة "إثم" تعني العقوبة في الآخرة، ولا تفيد لا تهديدا ولا إرهابا، ومن فهم ذلك فلحاجة في نفسه ما دام لا سياق الكلام، ولا الظروف التاريخية تؤيد هذا الادعاء.. بل إن المعنى متبادر ولا يحتاج إلى "فذلكة"..
وكم أشفق على السادة العلماء والباحثين الذين جشموا أنفسهم عناء الرد، سواء في موضوع "أسلم تسلم" أو "حد الردة"، فهذا الجهد كان ليطلب لو تعلق الأمر بأشخاص يعتمدون على مناهج أكاديمية في تحليلاتهم، أو يبنون طروحاتهم على أرضية علمية، أما ونحن أمام أشخاص يبحثون عن الشهرة عبر أقصر الطرق، فكل رد عليهم هو تشريف لا يستحقونه.
- الدليل على "التهافت" هو الطريقة المعتمدة في محاولة "التوضيح"، أو "تفسير الماء بعد الجهد بالماء"، فقد كنا أمام "تعمق" من النوع الذي عاتب عليه عمر بن الخطاب أبا هريرة رضي الله عنهما عندما شهد بين يديه في قضية شارب خمر، بأنه يشهد بأنه قاءها ولا يشهد بأنه شربها.. فعلق الفاروق رضي الله عنه :"ما كل هذا التعمق ..كيف قاءها إن لم يكن شربها؟"..وهي واقعة يمكن أن نقيس عليها مقولة :" لم أقل إن نبيكم إرهابي.. لكن رسائله إرهابية"..
- على الذين يتعاطون لهذا النوع من الهوايات، أن يستحضروا أن إشعال الحرائق أمر سهل، لكن إطفاءها قد يكون مستحيلا، وإذا كان البعض لا يمانع في أن يكون "أغنى من في المقبرة"، فعلى العقلاء قرع أجراس الإنذار قبل فوات الأوان، لأن تصوير الأمر على أنه اصطفاف أمازيغي "أوتوماتيكي" ضد كل ما هو عربي وإسلامي، قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، خاصة في ظل "التضامن" التلقائي مع بعض الأشخاص بغض النظر عن مواقفهم وافكارهم، وإلا فلماذا لم تتحرك الشبكات والتنسيقيات والجمعيات للتضامن مع المغاربة الذين اتهمت جدتهم الأمازيغية بالزنى، بينما سارع الجميع للتضامن مع مقترف هذه الكبيرة، بمجرد ما تخيل أن هناك أشباحا تطارده؟
والخلاصة، إن الوطن الذي لا يتسع لجميع أبنائه، غالبا ما يتحول إلى أرضية مناسبة لتفشي الأفكار الشوفينية والفاشية، وأخطر ما في الأمر، أن الذين يسكنهم الشعور بأنهم أقلية لا يهمهم إن غرقت السفينة بمن فيها، ومن واجب العقلاء الأخذ على أيديهم قبل فوات الأوان.. ومرة أخرى .."أسلم..تسلم"..

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |