السبت، 13 أغسطس 2011

As-Safir Newspaper - الفضل شلق : ثورة واحدة... ضد الاستبداد والإمبريالية

As-Safir Newspaper - الفضل شلق : ثورة واحدة... ضد الاستبداد والإمبريالية
ثورة واحدة... ضد الاستبداد والإمبريالية

نضحك على أنفسنا إذا اعتقدنا أننا نعيش في عزلة عن العالم، وإذا اعتقدنا أن أنظمتنا تخصنا وحدنا. وأنها تحكم بإرادة الحكام، وأن الحكام مستقلون، وأنهم لا يتلقون الضغوط (أو الأوامر) من الخارج. نضحك على أنفسنا حين نعتقد أن الخارج الرأسمالي الإمبريالي يهمه مصالح شعوبنا أو الديمقراطية وحقوق الإنسان عندنا.
خطاب الإمبريالية لم يتبدل منذ بداية القرن التاسع عشر؛ لم يختلف خطاب نابليون في مصر، عن خطاب القائد العسكري البريطاني الذي دخل العراق بعد الحرب العالمية الأولى، عن خطاب الملكة فيكتوريا حين اعتلاء العرش، عن خطاب تيودور روزفلت حول عبء الرجل الأبيض، عن خطاب رودس عن المصير المحتوم. كلهم تحدثوا عن حقوق الإنسان، وضرورة رعاية سكان بلادنا من أجل إدخال الحضارة إليها، كلهم كانوا غربيين، اعتقدوا أن بغزونا يضحون من أهلنا، وما منهم أحد أقر بأنه سعى للغزو من أجل النهب والسيطرة. حتى ونستون تشرشل، وكليمنصو، ولويد جورج كانوا أسخياء على بلادنا. لم يفعلوا أكثر من تقسيم بلادنا في مؤتمر فرساي 1948، بما يتناسب مع قيام دولة إسرائيل لاحقاً.
هو نظام عالمي له مؤسساته من الرئاسة الأميركية ووزارة الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع الأميركية، ووزارة الخزانة، والبنك المركزي الأميركي، والمنظمات العالمية من الأمم المتحدة (مجلس الأمن) إلى البنك الدولي، إلى صندوق النقد الدولي، إلى محكمة الجزاء الدولية، إلى منظمات المجتمع المدني الدولية التي تتعاطى شؤون حقوق الإنسان وما شابه ذلك (معظمها إن لم يكن كلها). وكل هذه المنظمات، ما عدا الرئاسة الأميركية، غير منتخبة ديمقراطياً.
الحكم الدولي له إدارته، من النظام المصرفي الأميركي إلى الدين العام الأميركي. التسليف الاستهلاكي (لشراء البيت والسيارة والبراد والغسالة، وآلة الشواء، وغيرها). تدفع البنوك زبائنها إلى الاستدانة، وهؤلاء يستدينون لشراء بضائع الاستهلاك.
والدين تسليف بمقتضى بطاقات ائتمان توزع على الناس؛ توزع الديون على الحكومات كما على الشركات كما على الأفراد. دين في كل مكان ولكل شيء. حتى ولو كان المدين غير قادر على الدفع؛ وهذا هو أحد أسباب الأزمة المالية الراهنة والتي ابتدأت في 2006 مع انفجار سوق الرهونات العقارية غير القابلة للسداد، التي أدت إلى الانفجار المالي عام 2008، وإلى الأزمة الراهنة، التي ربما كانت أخطر.
المصارف الأميركية دخلت كل بيت في أميركا، صارت المصارف الأوروبية وبقية مصارف العالم تقلدها. هناك فائض تسليف، يعبر عن فوائض تسليفية. التسليف يوزع على الأفراد والدول. التسليف في العالم له مركز، هو وول ستريت والبورصات الأميركية. ما يقرره الأميركيون يحدث في بلادهم وفي العالم. الدين الأميركي العام جزء من مجمل الديون الأميركية؛ هناك الديون الفردية الاستهلاكية، ودين الدولة، وهناك ديون الشركات. الدين الحكومي وحده أصبح يضاهي 15 تريلليون دولار. إذا أعلنت أميركا الإفلاس، فإن كثيراً من الدائنين في بقية أنحاء العالم يفلسون وإذا هبطت أسهم البورصات الأميركية تهبط بورصات العالم.
عسكرياً، للولايات المتحدة قيادات وجيوش في كل أنحاء العالم. لديها قواعد يفوق عددها على سبعماية. زيارات العسكريين الأميركيين للدول الأخرى أهم من زيارات مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية، على أهمية هؤلاء. الجيوش الأميركية أعادت الاستعمار القديم القائم على الاحتلال المباشر؛ أحياناً يقصفون بالطيران والصواريخ والطائرات من دون طيار من الخارج. كثيراً ما يضمون إلى جيوشهم جيوش حلفائهم.أصبح حلف الناتو أداة لتنفيذ خطط أميركية.
سياسياً، لا يحدث تطور كبير في أي بلد من العالم إلا ويتدخل فيه الأميركيون. لهم قول، أو أمر، في كل ما يحدث على سطح الكرة الأرضية. لديهم فائض دين، لأن لديهم فائض استهلاك. ولديهم فائض سياسة أمر لأن لهم فائض دين. ولا ينتجون قدر ما يستهلكون، إذن يستدينون لدعم استهلاكهم. حتى لبنان الصغير أصبح مضطراً لتقليدهم في النظام المصرفي، وفي نمط الاستدانة والاستهلاك، امتداداً حتى نمط العيش. لم يبق للبنان، وغيره، إلا الفولكلور، للتمتع والسرور بأن لنا فولكلوراً خاصاً بنا. لم يعد لنا ما يخصنا سوى الفولكلور، وما شابه.
في بلادنا العربية احتلالات وقواعد جوية وبرية، وتشن حروب عدة في وقت واحد ضد شعوبنا. قامت شعوبنا بثورات من أجل أن تتحرر من الاستبداد المحلي، فإذا بنا نجد تدخلاً في كل قطر من أجل اختطاف الثورة أو تغيير مسارها. يريدون مصادرة كل قرار محلي. لا يستطيع شعب من الشعوب تقرير مصيره من دون تدخل امبراطوري. امبراطورية تتداول دولاراتها كل الأيدي، ولا نعرف محتوى لكل دولار من الثروة أو القيمة الحقيقية. كما أننا لا نعرف محتوى كل خطاب درجة ما يعنيه من حقوق الإنسان وحداثة رؤية تقرير المصير. تشك الشعوب بمحتوى خطابات القادة الأميركيين بمقدار ما تشك بالمحتوى الفعلي لعملة الأميركيين.
يفوق إنفاق الولايات المتحدة العسكرية كل إنفاق بقية العالم. ديون أميركا تفوق كل ديون العالم. القوة العسكرية تستدعي تدخلاً خارجياً. والدين الأميركي (والمجموع عندما يحتوي الديون الخاصة وديون الشركات) يفوق كل ديون العالم. الديون معظمها خارجية وهي تحتاج أيضاً إلى تدخل خارجي لإجبار الآخرين على الدفع. من لم يمت بالدولار، مات بغيره؛ بالحديد والنار. قليلة هي بلدان العالم التي تستطيع أن تلج مسار تنمية مستقلة في إطار التدخلات الإمبراطورية. البلد الذي يفلت من تعليماتهم ويسلك طريقاً مستقلاً يفلت من سلطتهم، ويستطيع بناء دولة واقتصاد مستقلين. مع الاستقلال الكامل تصير الثقافة والوعي مستقلين أيضاً. لا استقلال لجيش ينال مساعدتهم، مهما كانت الوطنية متأججة؛ ناهيك بالمنظمات السياسية، الحكومية، وغير الحكومية، التي تتلقى المساعدات. الامبراطورية دائن ومدين في نفس الوقت. هي مركز شبكة يتشكل منها العالم. يبقى للحكومات المحلية شكل استقلال، بمقدار ما هي تتبع الأوامر والتعليمات.
ما استقلت بلداننا العربية استقلالاً حقيقياً حين تحررت من الاستعمار القديم. السلطة الأمبراطورية تقرر سياسات بلادنا من خلال حكوماتنا الاستبدادية المتحالفة معها. أحرجت الثورات العربية المركز الأمبراطوري. كان يقال لنا أن شعوبنا مستكينة بسبب ثقافتها الموروثة؛ وأنها لا تستطيع أن تكون ديمقراطية وتطبق مبادئ حقوق الإنسان والحداثة إلا برعاية ومساندة الأمبراطورية. قالوا أننا بحاجة إلى مساعدة تقنية في هذا الأمر، كالمساعدات التقنية التي نتلقاها لإعمار المشاريع أو تنفيذ برامج الإصلاح الإداري، ثم الإصلاح السياسي. الآن أحرجتهم الثورات العربية، فما زالوا يتدخلون بالتوجهات العامة وبالتفاصيل من اجل خلق استبدادات جديدة تحل مكان القديمة. وربما احتاج الأمر إلى تفكيك بعض دولنا عن طريق الاحتلال أو الاستفتاء أو غيرهما. وهذا ما يحدث لعدد من البلدان العربية. لا نستطيع أن نفهم التدخل الأمبريالي في مسار الثورات العربية، إلا بأنه تدخل لخلق استبداد جديد للتحالف معه. الأمبراطورية تدير الاستبداد في العالم وتحركه ولا تلغيه.
للإمبراطورية حلفاؤها الإقليميون. قبل أن يزور داوود أوغلو دمشق، تلقى النظام السوري رسالة، خطاباً من ملك السعودية، واجتمع أوغلو إلى المبعوث الأميركي قبل أن يزور دمشق. ربما اختلفت الأنظمة الاستبدادية، كما تتنافس الشركات العابرة للقارات. لكن النظام الأمبريالي هو نظام استبدادي، لا يعرف العمل في بلاد الأرض، إلا من خلال التحالف مع الأجهزة العسكرية والأمنية وأنظمة الاستبداد. المبادرة هي دائماً بيد الأقوى، أي بيد المركز الأمبراطوري. تأخذ شعوبنا المبادرة في الثورة وحسب. وهناك محاولات في كل قطر عربي لمصادرة الثورة. وهذا ما يسمى الثورة المضادة؛ عدا عن المؤامرات.
لا يستطيع فرد منا القبول بتدخل خارجي، حتى ولو ادعى مزاعم الثورة. كل تدخل خارجي هو أمبريالي بطبيعة الأمور. كل تدخل خارجي يؤدي بالضرورة إلى قتل وخراب ودمار أكثر بكثير من الثورة، أو من الصراع بين الناس ونظام الاستبداد المحلي. أمثلة العراق وليبيا واليمن ماثلة أمام أعيننا.
الصراع من أجل الحرية هو صراع ضد أنظمة الاستبداد. والاستبداد الأمبريالي أشد وأدهى من المحلي. لنتذكر فلسطين. لا تستطيع إسرائيل، ولا تجرؤ على مخالفة كل القوانين والأعراف الدولية حتى التي كانت ثوابت في السياسة الأميركية، لولا الدعم الأمبريالي.
لا تستطيع الشعوب العربية إكمال ثوراتها إلا بالصراع ضد الاستبداد المحلي وضد الاستبداد العالمي، في آن واحد، وذلك برفض كل تدخل خارجي، حتى ولو كان من جار إسلامي.

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |