الخميس، 25 أغسطس 2011

الوفد - حجر أساس الإصلاح

الوفد - الوفد

حجر أساس الإصلاح

لعب الإسلام دوراً كبيراً في صياغة ثقافة شعوب المجتمعات العربية. وكما عرف «العقل المسلم» فترات ازدهار حتى القرن الثاني عشر الميلادي، فقد عرف منذ هذا الوقت رحلة انحدار لا تخفى معالمها على أحد.

ومنذ تفاعلت شعوب هذه المجتمعات مع الغرب (منذ سنة 8971) فقد أصبحت الإشكالية الكبرى متجسدة في خيارين أو منهجين: الأول يزعم أن سبب تأخر مجتمعاتنا هو عدم تمسكنا بالمنظومة الإسلامية كمنهج حياة للأفراد والمجتمعات. أما المنهج الثاني فيرى أصحابه حتمية الأخذ بآليات الحضارة الغربية كشرط أساس لتقدم مجتمعاتهم. ويمكن القول إن المناخ السياسي والثقافي والفكري والتعليمي في المجتمعات الناطقة بالعربية لا يزال يشهد صراعاً بين هذين المنهجين.

وفي اعتقادي أن دعاة العودة للجذور والأصول ليس لديهم ما يقدمونه إلا الوعود الكبيرة للعامة. أما المثقفون العصريون فيعرفون أن التاريخ الإسلامي كان تاريخاً بشرياً محضاَ شهد فترة ازدهار ثم أخذ في الانحسار والانهيار عندما أفرزت مجتمعاتنا ذهنية نقلية مضادة للعقل ووضعت سقوفاً منخفضة لعمل العقل الإنساني.

والمعضلة الكبرى في هذا الجدل هو خطيئة اعتبار كل فعاليات الحضارة الغربية «غربية». فقد أثبتت في العديد من كتبي أن التقدم الذي شهدته أوروبا الغربية قد حدث بفعل عوامل إنسانية أكثر من كونها أوروبية أو غربية. وأول هذه العوامل هو الحد الكبير من سلطان ونفوذ رجال الدين ثم رفع سقف حرية التفكير وإعمال العقل النقدي وهما العاملان اللذان طورا قيم التقدم والتي هي جلها «إنسانية صرف» وليست غربية أو مسيحية أو أوروبية.

ومن أوضح الأدلة على إنسانية وعالمية قيم التقدم هو ما حدث على نطاق واسع في القارة الآسيوية عندما وظفت مجتمعات غير أوروبية قيم التقدم ، فتحققت النهضة المرجوة. وهذا ما حدث في اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان ثم بعد ذلك في مجتمعات أخرى مثل المجتمع الماليزي.

وبالعودة للمجتمعات العربية فإن تحليل ظواهرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والإعلامية المعاصرة يؤكد خلو بيئاتها من قيم التقدم التي هي كما ذكرت انسانية وعالمية.

وسيكون دائماً التحدي الأكبر لهذا الطرح آتياً من الجماعات الدينية المسيسة، ليس بدافع ديني حقيقي وإنما بدافع الدفاع عن سلطان ونفوذ لا حد لهما في إدارة وتوجيه المجتمع.

وبنفس الجزم فإن المنطقة التي يجب التعامل معها كحجر أساس مشروع النهضة هي مؤسسة التعليم بما في ذلك التعليم الديني. فأي عمل خارج هذا المضمار سيبقى هامشي الأثر والجدوى. فالجدوى مرهونة بما سيحدث داخل المؤسسات التعليمية.

فإصلاح التعليم العام وإصلاح التعليم الديني هو حجر الأساس. إذ لن يكون بوسع أحد في مجتمعات منطقتنا إنجاز مشروع التقدم والنهضة إذا ما لم تتم قبل ذلك عملية إصلاح في التعليم (وفي التعليم الديني) تغرز في العقول والضمائر قيم التقدم بصفتها قيماً إنسانية وعالمية في المقام الأول.

إن نظرة للمجتمعات المتقدمة مع معرفة موازية لتاريخها ومسيرتها تنبئ بأن التقدم في المجتمعات التي بلغت شأناً بعيداً في مسيرة النمو والتقدم كان نتيجة لمجموعة من القيم تم تأصيلها في المجتمع من خلال تأصيلها في العملية التعليمية، وهي القيم التي تحتاج مجتمعاتنا الناطقة بالعربية لإعادة بناء مؤسساتها التعليمية ومنها مؤسسات التعليم الديني على أساسها.

وأهم هذه القيم هي : العقل النقدي والتعددية وقبول الآخر وعالمية العلم والمعرفة والسماحة الثقافية والدينية وقيمة المواطنة العصرية ومفهوم سيادة القانون وحقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق المرأة كشريك للرجل في إدارة الحياة.

خلال القرنين الماضيين تقدم أنصار العلم والعقل في مجتمعاتنا قليلاً ثم حدثت انتكاسة فأصبحوا في المرتبة الثانية وبمسافة بعيدة وراء مدرسة الرجوع للجذور والأصول. وفي اعتقادي أن أسباب حدوث ذلك عديدة ولكن يبقى في مقدمتها تواصل الجدل على المستوى الفوقي وعدم التركيز على التغيير الجذري في العقلية من خلال التعليم. فالحوار على المستوى الفوقي يبقى في غالبه قائماً على الشعارات وهي الأكثر جذباً للجماهير. وجل أنصار منهج العودة للأصول أصحاب شعارات جذابة للعامة. وحتى عندما سمحت الفرص بوجود قيادات قادرة على إنجاز رحلة العبور من ظلام الواقع لنور التقدم (كما حدث في تركيا من 3291 إلى 8391 وكما حدث في تونس من 6591 إلى 7991)، فإن العمل في مؤسسات التعليم لم يكن كاملاً ولم يكن شاملاً بل وصل حجم التعليم الديني (منبت الصلة بعقلية التقدم) في بلدان حاكمة مثل تركيا ومصر ما بين 51% و02% من أبناء وبنات المجتمع المنخرطين في العملية التعليمية.

وفى اعتقادي انه رغم صعود موجة الرجوع للأصول والجذور ، فإن الوضع العالمي وحركة التاريخ هي في صالح النخب المؤمنين بالتقدم. وسيكون بوسع هؤلاء في ظل هذه الظروف العامة أن يبذروا بذرة الإصلاح في أرض التعليم بوجه عام والتعليم الديني بوجه خاص.

إن متابعتي لأحوال المجتمعات الناطقة بالعربية الثقافية لقرابة أربعين سنة تجعلني أقرب إلى اليقين بأن تجاهل الدين (ناهيك عن تجريحه بأقلام وألسنة أشخاص يحركهم الغضب وليس العلم) هو موقف لن تكون له أية ثمار إيجابية. فالدين جزء أساس من الهواء الذي تتنفسه شعوب منطقتنا الناطقة بالعربية. ومن الأجدى العمل على إصلاح المؤسسات الدينية والثقافة الدينية والتعليم الديني والتعليم بوجه عام عن الدخول في مبارزة دون - كيشوطية لن تكون لها آثار إلا فقدان الجماهير وتباعدهم. وهنا تكمن خطورة مجموعات من المثقفين العرب جعلوا مهمتهم الأولى الهجوم العاتي على الدين وليس العمل على إصلاح فهم الناس له.


اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - الوفد

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |