الخميس، 18 أغسطس 2011

As-Safir Newspaper - «الفطنة» الإيرانية المرعبة

As-Safir Newspaper - «الفطنة» الإيرانية المرعبة
«الفطنة» الإيرانية المرعبة

افترضنا لسنوات عدة أن العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية قد تنتج شريكاً إيرانيا طيّعاً على حلبة المفاوضات. لكن الأداء الإيراني قوّض هذه الفكرة الشعبية، في حين سادت حالة من الارتباك والذعر في أوساط المجتمع الدولي... كان التعويل في كثير من الأحيان على ان محاربة «التكنولوجيا الإيرانية التخريبية» يمكن أن تبطئ برنامج الجمهورية الإسلامية النووي حتى ظهور استراتيجية بديلة، أو اتفاق جديد. ولكن، خلافا لافتراضات من هذا القبيل، نمت البنية التحتية العلمية في إيران وقدرتها الكبيرة على التطور في العقدين الماضيين.
إيران استثناء في تاريخ الانتشار النووي: كل قوة عالمية متوسطة لم تحصل على القنبلة الذرية سوى بمساعدة كبيرة من «راعٍ خارجي». اكتسبت الصين من الاتحاد السوفياتي ليس فقط المشورة الفنية، بل أيضا كيفية بناء مفاعل نووي متكامل، فضلا عن تصاميم أسلحة وامدادات من الصواريخ الباليستية. الصين بدورها قدمت لباكستان ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإعداد قنبلتين، وساعدتها على بناء منشأة لتخصيب اليورانيوم ومفاعلات البلوتونيوم وتصميم خاص بالقنبلة. حصلت اسرائيل من فرنسا على مفاعل نووي، ومصنع لمعالجة البلوتونيوم تحت الارض وتصاميم أسلحة. الهند، التي صرحت طويلا بأن برنامجها النووي انجاز قام به سكانها الاصليون، اتضح أنها حصلت على مفاعل نووي من كندا، و 20 طنا من الماء الثقيل من الولايات المتحدة. اما جنوب افريقيا، المعزولة والمنبوذة آنذاك والأقرب في ذلك الحين إلى المأزق الإيراني الحالي، فاضطرت الى الاعتماد بدرجة كبيرة على الموارد الداخلية لبناء القنبلة، ولكنها حصلت من إسرائيل على «التريتيوم» الضروري لتفجير الأسلحة النووية الحرارية.
بالرغم من انها تلقت المساعدة الروسية لإكمال مفاعل الماء الخفيف وأجهزة الطرد المركزي البدائية من «شبكة أ.ك. خان»، لم تتمتع طهران بـ«رعاية خارجية»، في وقت لم تواجه أي دولة أخرى مثل هذه المحاولات المنهجية للضغط على برنامجها النووي. تمكنت إيران من عبور أشواط تقنية والمحافظة على شبكة تخصيب متنامية، وهي على وشك كشف النقاب عن جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي.. كلها مؤشرات تدل على الفطنة العلمية.
ما الذي جعل هذا ممكنا؟ كانت فترة الثمانينيات عقدا كارثياً على العلوم في ايران ابان الانقضاض الثوري على الجامعات والحرب مع العراق لفترات طويلة حرم خلالها القطاع التعليمي من الأموال والدعم الرسمي. لكن الأمر ما لبث ان تغير في التسعينات، على الرغم من العقوبات والرقابة على الصادرات التي فرضت على ايران بعد الثورة الاسلامية العام 1979، اذ سعت النخبة السياسية - محافظين واصلاحيين - لإحياء البحث العلمي. تم إنشاء منظمات جديدة مثل «معهد زنجان» للدراسات المتقدمة في العلوم الأساسية، ومعهد الفيزياء النظرية والرياضيات، كما تم إحياء المؤسسات القديمة مثل جامعة «شريف» للتكنولوجيا. اما منظمة الطاقة الذرية، التي كان يحميها هاشمي رفسنجاني حتى في أيام الاضطراب الثوري، فتمتعت بفريق إداري مهم ومخصصات كبيرة من الدولة، كما وجد الإيرانيون على اختلافهم أرضية مشتركة في التزامهم بالتنمية العلمية. كانت النتائج مثيرة للإعجاب: عدد الأوراق العلمية التي ينتجها العلماء الإيرانيون في المجلات المعترف بها دوليا زاد بشكل كبير، في حين أصبح للعديد من الجامعات الإيرانية موارد بشرية كافية لتقديم برامج الدكتوراه الخاصة بها!
... فضلت إيران ان تكون «الراعي» وبرز علماؤها بصورة القوميين العازمين على تجاوز السياسات العنيدة وتوفير القدر الاكبر من اكتشافات التكنولوجيا لبلدهم... ولدّت حالة نبذ إيران روح العمل الجماعي داخل مجتمعها العلمي، فبعدما شعر الباحثون بالاستياء من العزلة التي فرضها عليهم زملاؤهم الدوليون، وانزعاجهم من استبعادهم في الجهود التعاونية مع المراكز الغربية فضلا عن غضبهم ازاء القتل الذي يستهدفهم الواحد تلو الاخر، ها هم اليوم يضعون، حكاما وعلماء، ميثاقا وطنيا رسميا لتوفير الموارد وتقديم الخبرات.
... في السنوات القليلة المقبلة، ستكون ايران في موقع آخر. ثيوقراطية و«عدوانية» مسلحة وقنبلة نووية: لن يكون باستطاعة المنطقة المضطربة ولا السياسة الحزبية في واشنطن تحمل ذلك...

راي تاكي، كاتب في مجلس العلاقات الخارجية
ترجمة: دنيز يمين

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |