الأربعاء، 7 يوليو 2010

المشهد الثقافي السعودي: مفهوم «الآخر» ما زال ملتبسا - جريدة الشرق الأوسط

المشهد الثقافي السعودي: مفهوم «الآخر» ما زال ملتبسا

هل تنجح العولمة في خلق «هويات» عابرة للأطياف وتلغي الخوف من الآخر؟
عبد الخالق عبد الله
مسفر القحطاني
الدمام: هادي فقيهي

يدخل العقد الثاني من الألفية الميلادية الثالثة إلى روزنامة المشهد الثقافي السعودي محملا بتركة عقد كان سمته التوتر والتجاذب بين أطراف هذا المشهد، بين دعوات تنطلق من بعض منابر خطب الجمعة لإقصاء «الآخر» على اختلاف تصنيفاته بين آيديولوجي وفكري، ودعوات رسمية تبنتها الحكومة السعودية لإيجاد حوار بين أتباع الأديان والحضارات.

كيف يبدو مفهوم «الآخر» في ظل التحولات التي شهدها المشهد الحضاري خلال عشر سنوات خلت؟ وهل ما زال «الآخر» يشكل خطرا على الهوية أم أن العولمة سوف تخلق هوية عالمية واحدة؟

* مفهوم الآخر

* الدكتور مسفر القحطاني الكاتب والأكاديمي والمشرف على موقع «الوعي الحضاري» يرى في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن مفهوما مثل «الآخر» لا يمكن تحديده بمعنى ثابت أو ضبطه بمدلول محدد؛ فالمصطلح في طور النمو والتشكل لدى مجتمعات، وهو مصطلح تم تجاوزه في المجتمعات ما بعد الحداثية نحو إلغاء الخصوصيات والثنائيات.

وحول تبلور مفهوم الآخر خلال العقد المنصرم يقول القحطاني: «الوسط الثقافي في عمومه داخل الوطن العربي قد لا يتفق على معنى واحد للآخر، ولكن من حيث التعامل هناك إيجابيات كثيرة تبلورت مثل تكوّن مجتمعات معرفية على (الفيس بوك) تندمج فيها الثقافات والهويات سواء كانت دينية أو إثنية، وكذلك ساهم الانفتاح الإعلامي بشكل كبير في تقليص الفوارق وإزالة الحدود بين المجتمعات، وبالتالي انعكس على الشأن الثقافي، كما أن مشتركات التحديات البيئية والحقوقية وغيرها كانت عاملا قويا في تعايش الكثير من الفرقاء».

أما الكاتب محمد بن علي المحمود الكاتب فيرى في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن تحديد الآخر ينبع من تحديد الأنا الذي يطلق لفظ الآخر، حيث يصبح مفهوم الآخر حين يكون الحديث عن الأنا الخاصة المفردة هو كل ما سوى هذه الأنا، معتبرا أن الأمر يرتبط بظرفيته، ويقول: «الوسط الثقافي له اهتماماته الظرفية، فقد يتحدث عن الآخر في سياق الحديث عن الوطنية القطرية، وبهذا يصبح من لا ينتمي إلى الوطن هو الآخر. وقد يتحدث عن العرب فيقصد بالآخر كل من ليس عربيا. أما إذا كان الحديث عن عالم إسلامي بإزاء العوالم الأخرى غير الإسلامية، فيصبح الآخر هو غير المسلم».

لكنّ الدكتور عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، فيذهب إلى تحديد دقيق للآخر حيث يعتبر أن الآخر يظل في الفكر العربي هو الآخر الغربي بشقيه الأميركي والأوروبي. فالآخر لدى العربي هو الغرب في شتى صوره السياسية والعقائدية والحضارية، معتبرا أن العربي على علاقة غير صحية بالغربي من حيث وجود سوء فهم بين الطرفين يبقي صورة الآخر مشوهة وغير صحيحة.

ويعتبر عبد الخالق أن العولمة خلال العقد الماضي قد قلبت مفهوم الآخر، فلم تعد ذات الآخر بذات الوضوح الذي كانت تظهر به. فهناك انفتاح شديد وخلط أشد وحالة من الانكماش يحملها المشهد الحضاري العالمي، موضحا أن العالم الخارجي يزداد حضورا في العالم الداخلي في ظل تقاطعات اقتصادية وثقافية تتداخل في إطارها المجتمعات والهويات.

* الآخر والهوية

* وحول علاقة الآخر بالهوية وتهديده لها، يقول الدكتور عبد الخالق عبد الله: «في ظل العولمة انكشفت الهويات المغلقة وحضرت الهويات العالمية وأصبح الحديث يدور حول المواطنة العالمية والقيم العالمية، والعالم يمر الآن بعملية توحيد تعتبر أهم فعل يحدث في المشهد الحضاري، وهو أمر ما زال في بدايته، وسوف يزداد خلال العقد الحالي». وهو يرى أن وجود العولمة لا يعتبر مؤامرة ضد الهوية العربية، وأن الخوف من أن تطغى الهوية العالمية على الهوية المحلية هو قلق مشروط، ولكن لا صحة لما يعتبر عملية أمركة تتم تحت غطاء العولمة لطمس الهويات المحلية، قائلا: «الأمركة هي فزاعة يستخدمها من يريد أن يخيفنا من العولمة ويظهرها بوجهها الأميركي فقط، وإلا فلا يوجد أحد يقود العولمة وأميركا ذاتها لم تعد قادرة على قيادة العولمة، بل هي ذاتها تعاني من بعض جوانب هذه العولمة وتدفع ثمنا لها».

وفي إطار الحديث عن علاقة الآخر بالهوية لا يرى محمد المحمود خطرا في وجود الآخر على الهوية، بل هو وجود يثري الهوية وينميها، ويقول: «الهوية شيء هلامي في تصوري، إذ ما هي الهوية، وما هي محدداتها الموضوعية التي نخشى عليها؟ الهوية ليست شيئا ثابتا، بل هي وجود نامٍ بفعل ما لا يحصى من المؤثرات. إن ما يمكن أن يشمل خطرا حقيقيا قد تم ضبطه بضوابط المواطنة التي يحكمها كثير من الأنظمة المدنية. وكل تنوع يرِد إلينا بطريق مشروع فهو إثراء. نحن نكاد نقتل الهوية من شدة إبعادنا لها عن المؤثرات، فالهوية تنمو بتنوع مصادر وصور التواصل مع الآخرين».

في حين يرى الدكتور مسفر القحطاني أن الآخر لا يمكن أن يؤثر إلا على هويات هشة، ويقول: «ليس هناك متضرر من الآخر إلا الضعيف الهش القابل للذوبان في هوية الآخر، وهذا أشد ما تعانيه المجتمعات الجديدة التي لا عمق لها تاريخيا أو فكريا، حتى تستند إليه من الهيمنة الغالبة لأدوات العولمة ذات الطابع الغربي المحدد، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن تجدد أي ثقافة ومواكبتها للتحديات التي تزعزعها ينطبع على قوة أفرادها في مواجهة مغريات الآخر».

ويدعو القحطاني إلى خطاب ثقافي مواكب للمتغيرات بقوله: «أدعو بقوة أن يكون خطابنا الثقافي أو الديني متواكبا مع الثقافات المعاصرة ومتجددَ القوالب ومستوعبا للاحتياجات، وأن لا تقلقه التحديات بقدر ما تشجعه على التمدد والعالمية. وهذا لا ألحظه أبدا في برامج مؤسساتنا الثقافية إلا بقدر المحاكاة السياسية أو الإذعان الدبلوماسي لممثلينا وأدبائنا في المحافل العالمية والمؤتمرات والندوات الدولية، بل أحيانا هناك خوف شديد من المشاركات الثقافية الدولية والتواصل الفكري مع الآخر البعيد والقريب إلا لعدد مخصوص جدا يحضر كإثبات وجود، وهذا ما يفاقم أزمتنا الثقافية بشكل كبير».

* تكامل أم تضاد؟

* يربط محمد المحمود العلاقة مع الآخر بالتيارات التي تتعامل معه بين متطرف في إقصائه ومستعد لقبوله، حيث إن الآخر داخل المجتمع السعودي يتعرض للنفي من قبل التيارات الشمولية التي اعتادت على الانفراد بالساحة، معتبرا أن هذه التيارات الشمولية تعتبر اقتطاع جزء بسيط مما كانت تستولي عليه اعتداء صارخا.

ويضيف المحمود قائلا: «التيار الليبرالي ربما هو التيار الوحيد الذي ينادي بتقبل الآخر عن إيمان حقيقي بالمبدأ. التيار الليبرالي لديه استعداد لقبول الجميع، حتى قبول التيار التقليدي، شرط أن يتنازل عن مناداته بقتل أو إرهاب المخالفين له. التيار التقليدي ينفي الآخر بالضرورة، ويرى هذا النفي عقيدة يتقرب إلى الله بتطبيقها. لحل هذا الإشكال لا بد أن يكون هناك قانون يضمن الحريات بالقوة، قانون حريات مدني فوق الجميع، ثم ليقل من شاء ما شاء، فحتى إذا لم يقبل التيار التقليدي على مستوى الفكر بالليبرالي مثلا، فإنه يضطر إلى القبول به واقعيا، وعلى مستوى واحد من الحقوق. وهنا تصبح فرصة التعايش أكبر، ولا يعتقد أي فريق أنه المهيمن والقادر على نفي الآخرين».

أما الدكتور مسفر القحطاني فيعتقد أن العلاقة مع الآخر لا يمكن أن تصبح مقبولة ما دام الآخر يوضع في صورة نمطية تمت قولبتها من خلال وسائل الإعلام، حيث تسود الصورة النمطية للآخر الغربي، ويجري التعامل معها على أنها شكل واحد ونمط واحد تذوب فيه كل الندوب وتختفي كل الفروقات. بينما تظهر ذواتنا في إعلامه وثقافته بأشكال غريبة وتهم إرهابية تغلب القلة الناشزة على الكثرة المعتدلة التي تمثل الطيف الذي يمثل مبادئنا الدينية وثقافتنا الفكرية.

ويخلص المحمود إلى أن الجميع يستفيد من الآخر، فالتعددية تثري، والجدليات المتضادة تخلق الوعي من حيث تدري ولا تدري. والمتضرر الوحيد هو التيار المتطرف الذي يؤمن بأنه الوحيد الذي يمتلك الحقيقة المطلقة، ومن ثم يمتلك حق الوجود في الساحة، وهو التيار الذي لا يستطيع المنافسة إذا ما أتيحت فرصة التأثير للجميع بالتساوي، ولهذا لا يستطيع التأثير إلا بنفي الآخرين.. كل الآخرين!

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |