الأربعاء، 7 يوليو 2010

كتاب جديد للزميل محمد أبو رمان يناقش جدليات الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي المعاصر


كتاب جديد للزميل محمد أبو رمان يناقش جدليات الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي المعاصر
2010-07-07
كتاب جديد للزميل محمد أبو رمان يناقش جدليات الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي المعاصر

عمون - صدر قبل أيام قليلة عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر في بيروت، كتاب "الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي: المقاربات، القوى، الأولويات، الاستراتيجيات"، للزميل محمد أبو رمان، ويمثل أطروحته للدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

تكمن أهمية الكتاب، معرفياً، في أنّه يقدّم خريطة واضحة للاتجاهات –المقاربات الفكرية الإسلامية الرئيسة في تحديد استراتيجيات الإصلاح السياسي وأولوياته والقوى المرشّحة لحمله، من خلال تصنيفها إلى ثلاثة مقاربات رئيسة، الأولى وهي الثقافية، والثانية السياسية (بشقيها الخارجي والداخلي- الدستورية) والثالثة هي الحركية بشقيها، تلك التي تعلن القبول بالديمقراطية والتي تتخذ طرقاً أخرى مثل العمل المسلّح أو العمل السياسي خارج اللعبة أو حتى تلك التي تشي رؤيتها بتسويغ الانقلابات العسكرية.

أمّا عملياً، فإنّ الأهمية الرئيسة للكتاب في أنه يسعى لتجاوز حالة "الاختزال الإعلامي" والتعميمات التي تضع المقاربات الإسلامية جميعاً في بوتقة واحدة، برغم ما بينها من اختلافات وخلافات ومسافات شاسعة، تصل في أحيان كثيرة إلى التضارب والصدام.

ذلك أنّ تلك المقاربات تقع بين مداخل وأوليات متبايتة ومتنوعة، تختلف في مقولاتها الرئيسة، وفي تقدير المشكلات الأخطر والأكثر إلحاحاً في المواجهة، وفق تباينها في قراءة الواقع وحيثياته، وهو ما نتج عنه تصورات مختلفة، أيضاً، حول مراحل الإصلاح ودرجاته ووجهته، وشروط القوى الإصلاحية وأدوات إنتاجها أو إعدادها.

المقاربة الثقافية تمنح الأولية والأهمية للعوامل الثقافية في الإصلاح السياسي، وتقوم على أنّ الاشتغال بهذه القضايا أنفع وأجدى من العمل السياسي. في حين تعددت وتنوعت فروع هذه المقاربة بين اهتمام جيل الرواد بصورة أساسية بالإصلاح الديني والتربية والتعليم، وبين اهتمام آخرين بالسياق الحضاري للإصلاح السياسي (مالك بن نبي).

في المقابل، منحت فروع أخرى من المقاربة الثقافية عملية إصلاح الفكر الإسلامي وأسلمة المعرفة جهداً ودوراً أكبر (تجربة المعهد العالمي للفكر الإسلامي)، ودافعت دعاوى أخرى عن أهمية "التنوير الفكري" فيما تحدثت رؤى عن "الإصلاح الشبكي" وضرورة التعاون بين القوى الاجتماعية لتحقيق الإصلاح واستنهاض العامل الثقافي الإسلامي في مشروع التنمية.

أمّا المقاربة السياسية، فقد تفرعت إلى مقاربتين فرعيتين، الأولى تمنح الأولية للإصلاح السياسي الداخلي- في شقه المؤسسي والدستوري (من داخل النظام نفسه). وقد لاحظ الباحث تراجع هذه المقاربة خلال العقود الأخيرة. فيما حظيت في القرن التاسع عشر باهتمام كبير، سواء لدى أوساط رسمية داخل الدولة العثمانية (تجربة التنظيمات) أو حتى بعض المفكرين الرواد، كما هي حال خير الدين التونسي، الذي دافع عن فكرة المؤسسية.

المقاربة السياسية، الفرعية الثانية، تدفع بأنّ الأولية تكمن بمواجهة الخطر الخارجي، من استعمار واحتلال وتبعية، وقد برزت هذه المقاربة في مراحل مبكرة من التاريخ المعاصر، مع إرهاصات الاستعمار، ثم عادت بزخم قوي في النصف الثاني من القرن العشرين، في سياق المواجهة مع المشروع الصهيوني والتبعية الاقتصادية، ووجدت اتعكاساَ لها في الفكر الإسلامي المعاصر، خلال العقود الأخيرة، من خلال أفكار تدعو إلى أولية التضامن ومواجهة المشروع الصهيوني (كما هي الحال لدى منير شفيق) وأفكار أخرى تدفع بأهمية مواجهة التبعية الاقتصادية للغرب (كما هي الحال لدى عادل حسين).

المقاربة الحركية، هي المقاربة الثالثة الرئسية التي ناقشتها الدراسة، وتنقسم بدورها إلى مقاربتين رئيستين؛ الأولى تمثلها الأحزاب والحركات الإسلامية التي تعمل في سياق قانوني مشروع، أو تتبنى العمل ضمن اللعبة السياسية، وتبرز جماعة الإخوان المسلمين بصفتها ممثل عابر للأقطار العربية لهذه المقاربة.

في مقابل هذه المقاربة، ثمة مقاربة حركية ترفض القبول بالنظام الديمقراطي واللعبة السياسية بصيغتها القائمة في العديد من الدول العربية. وتبرز، هنا، المقاربة "السلفية" بفرعيها المقاربة التقليدي (التي تربط الإصلاح بالتصفية والتربية، وتتحدث عن طاعة الحاكم وتعهد له بالعملية الإصلاحية) والمقاربة الجهادية (التي تعلن كفر الحكومات العربية وترى أنّ السلاح هو طريق التغيير).

كما تبرز مقاربة حزب التحرير الإسلامي ودعوته إلى العمل السياسي الذي يعيد الخلافة الراشدة، بالاستعانة بمفهوم "طلب النصرة"، الذي يثير سؤال حضور "النزعة الانقلابية- العسكرية" في فكر الحزب وممارسته، وأخيراً هناك مقاربة جماعة العدالة والإحسان، التي ترفض المشاركة السياسية بالشروط الواقعية الحالية في المغرب العربي، وتتحدث عن "حرب عصابات سياسية ورمزية" مع السلطات الحاكمة.

الاختلاف بين المقاربات الإسلامية في استراتيجيات وأولويات الإصلاح ينعكس على الاختلاف حول القوى المرشّحة لحمل مشروع الإصلاح والتبشير به داخل المجتمعات العربية.

في المقاربة الثقافية، فإنّ دعاة الإصلاح الديني، وتحديداً محمد عبده، يتحدثون عن "الصفوة المستنيرة"، ومن الواضح من السياق الفكري والمفاهيم الحاكمة لمقولات هذه المقاربة، فإنّ هذه الصفوة هي التي تمتلك إدراكاً عصرياً للإسلام، ومؤهلة ثقافياً وعلمياً للقيام بهذا المشروع، ومواجهة "الجمود الديني".

مجالات الإصلاح الرئيسة في هذا المجال تتمثل في المؤسسات الدينية والتعليمية والتربوية لإعداد هذه الصفوة، ومن هنا ندرك تركيز الإمام على "التربية والتعليم"، في محاولة للتأثير على المدخلات المعرفية والعلمية والدينية للأجيال القادمة.

أمّا مالك بن نبي، فيبدو أنّ "إنسان الحضارة" هو المرشّح ليكون حاملاً لمشروع الإصلاح السياسي، وهو الذي يؤمن بالعمل الاجتماعي والثقافي والإصلاحي. ويعوّل كذلك على الجمعيات التعليمية والتنموية لتكون روافع للإصلاح المطلوب وتحريك المجتمع نحو الإصلاح والتنمية، بدلاً من حالة الخمول والكلالة التي يعيش فيها.

المعهد العالمي للفكر الإسلامي يعوّل على الأكاديميين والمثقفين والفقهاء الذين يمتلكون العقلية الاجتهادية والمعرفية الإسلامية، التي تعيد صوغ المعرفة وفق أسس إسلامية، فتؤثر، مع مرور الوقت، في العقل العام في المجتمع، من باب المعرفة والفكر والثقافة.

هذه المهمة معاملها وحاضناتها الرئيسة تكمن في الجامعات والمعاهد العلمية والأكاديمية والمدارس ومراكز الدراسات والأبحاث، ويمكن في السياق نفسه التحدث عن "الجماعات العلمية" المسلمة باعتبارها من شروط الإصلاح السياسي المتوقع.

في المقابل، فإنّ تجربة الإسلاميين التقدميين، وأفكارهم حول الإصلاح السياسي، تشي بأنّ القوة المحتملة لحمل مشروع الإصلاح وتمريره هي "المجموعة المثقفة المستنيرة"، التي تقوم بنشر الفكر الإسلامي المستنير في المجتمع لمواجهة التيارات الفكرية والسياسية الأخرى، على الصعيد الإسلامي والعلماني.

على صعيد المقاربة الدستورية، فإنّ "الإصلاحي" داخل الدولة، فرداً أو نخبة، هو القوة المرشحة للإصلاح والتغيير، والسبيل إلى الإصلاح السياسي والعام، من خلال إصلاح السلطة نفسها من الداخل، بتعزيز المؤسسية ومحاربة الجمود والتكاسل والفساد داخل المؤسسات السياسية والإدارية نفسها.

المقاربة التي تركز على العامل الخارجي تختلف عن المقاربات السابقة، بصورة واضحة، فالقوى المرشحة للإصلاح لديها ليست واضحة، لاعتبار رئيس، وهو أنّ الإصلاح السياسي نفسه ليس أولية عند هذه المقاربة، عندئذٍ فإنّ النظر يتجه إلى القوى المرشحة لمواجهة الخارج وتعزيز التعاون في الداخل، وهو ما يظهر (لدى كل من منير شفيق وعادل حسين) بالتركيز على أهمية العمل السياسي والتحالفات السياسية الداخلية.

في المقاربة الحركية، فإنّ القوى المرشحة للإصلاح هي الحركة أو الجماعة الإسلامية، في حين تختلف طبيعة التنشئة والتربية بحسب طبيعة المقاربة الفرعية.

في الوقت الذي يتفق فيه كل من حسن البنا وسيد قطب على أنّ جماعة الإخوان أو الحركة الإسلامية الشمولية هي القوة المرشحة لحمل مشروع الإصلاح السياسي، فإنّ شروط تشكل هذه الجماعة وتنشئتها لدى سيد قطب تبدو أكثر تحديداً وتعقيداً وصعوبة، فهي "الطليعة المؤمنة"، التي تُمتحن في مواجهة "السلطة"، أو "القاعدة المسلمة" لدى أخيه محمد قطب.

وتأخذ القوى المرشحة للإصلاح لدى "السلفية الجهادية" بعداً إضافياً يتمثل في القدرة القتالية والأمنية في ميدان المعارك الساخنة، ويمكن ملاحظة ذلك في أدبيات هذه الجماعات، إذ بدأت تغزوها مدخلات جديدة مرتبطة بالفنون الأمنية والعمل العسكري ونقل التقنية المرتبطة بأدواتها في المواجهات المسلّحة.
على الطرف الآخر، فإنّ السلفية التقليدية تنظر إلى القوة المرشحة على أنّها مجموعة تمتلك علماً شرعياً بالعقيدة والفقه الإسلامي، وفق تصور هذه المقاربة، وتقوم بنشر ذلك في المجتمع، من خلال الدروس والحلقات العلمية.

حزب التحرير يعتمد في مشروعه الإصلاحي على "الأطر التنظيمية للحزب" من ناحية باعتبار أفراده هم النواة التي تبني الرأي العام المطالب بالخلافة، بالإضافة إلى "النخبة العسكرية" التي تقتنع بمواقف الحزب، وتحقق له النصرة، وتسلمه الحكم، تمهيداً لإقامة الخلافة الراشدة.

الحال يبدو مختلفاً لدى جماعة العدل والإحسان المغربية، فالقوة الإصلاحية هي مجموعة حصلت على "تربية روحية" متينة، تخوض غمار الصراع السياسي مع السلطة، وإعدادها يعتمد بصورة أساسية على البعد التربوي في حلقات الجماعة وأطرها المختلفة.

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |