الاثنين، 20 سبتمبر 2010

د.الغيلاني: التصوف يخترق بنية المجتمع المغربي - Hespress

د.الغيلاني: التصوف يخترق بنية المجتمع المغربي - Hespress
د.الغيلاني: التصوف يخترق بنية المجتمع المغربي



حوار: حسن الأشرف

Sunday, September 12, 2010

يؤكد الدكتور محمد الغيلاني، الأخصائي في سوسيولوجيا الحركات الاجتماعية والدينية وتنافس الهويات على أن التصوف يخترق بنية المجتمع المغربي اختراقا أفقيا وعموديا يمكن التصوف من مريدين ينحدرون من مختلف القطاعات والفئات والشرائح الاجتماعية . والمؤسسات

ويعتبر الباحث المغربي أن الدولة تقود نزعة التصوف في المجتمع من خلال مؤسسة الزاوية ضمن فلسفة "منظومة النظام السياسي"، أي ضمن القيم والمبادئ التي يقوم عليها ما أصبح يعبر عنه بـ "الإسلام المغربي".

وفي الحوار قضايا هامة مرتبطة بالتصوف والزوايا بالمغرب..لنتابع

بتقديرك أستاذ الغيلاني كيف تقرأ سياقات الحضور التاريخي للزوايا الصوفية داخل المجتمع المغربي؟

تاريخ المغرب الحقيقي هو تاريخ تدينه، فمن خلال الدين خرج المغرب إلى طور الحضارة بمعناها الواسع حيث مثل التدين موطئ رهان وتجاذب على مر القرون ومثل رصيدا أساسيا في التجربة الدينية للمجتمع المغربي. فبرغم التبدلات التي طرأت على منظومة الرموز والقيم داخل المجتمع إلا أن ذلك كان يحدث باستمرار في إطار ديني أو باسم الدين حتى وإن كان مخالفا للرأي الفقهي أو لأسس العقيدة ذاتها.

ويعرف المغرب بكونه بلد الأولياء بامتياز، وبصرف النظر عن الموقف السوسيولوجي فإن هذا التوصيف له دلالة رمزية تحيل على حضور نمط تدين شديد الفعالية في الأوساط الاجتماعية ويمتلك دون غيره قدرة ذاتية على الصمود والاستمرار والتكيف. نعم تبدلت وظائف الزوايا إما بشكل جزئي أو بشكل كلي ولم تعد موقعية الزاوية هي ذاتها كما في الماضي، لكن الأكيد هناك إلحاح مستمر عبر كل المراحل على أن يكون للزاوية دور ووظيفة ما في خريطة التدين المحلي وعامل مؤثر في صوغ ملامح ذلك التدين. ولعل الحضور التاريخي القوي لمؤسسة الزاوية كمركز ديني واجتماعي يؤشر على عمق التأثير الذي يمارسه الشيوخ / الأولياء في الأوساط الاجتماعية باختلاف مرجعياتهم وأصولهم وتوجهاتهم.

كيف يمكن فهم الزوايا من وجهة نظر اجتماعية بصفتك أخصائيا في الحركات الدينية والفكر الإسلامي؟

تسوق الزاوية بهذا المعنى نمط تدين خاص يخضع في عمومه لشروط واعتبارات اجتماعية يمكن في سياقها مقاربة أحد تجلياته التي توصف عادة بالتصوف ولا يمكن فهم وتفسير هذا التجلي إلا بوصفه عاملا لإعادة صوغ الانتماءات الاجتماعية وبناء الوضع الاعتباري للمتدينين. فالتصوف هنا يمثل رأسمال ديني ينضاف إلى الرصيد الرمزي والروحي الذي يُمَكٌِن المزيد من الانخراط في حركية المجتمع باتجاه الارتقاء الاجتماعي على المستوى المادي والرمزي والروحي، فـ " الفقير" و" الغني" في هذا النمط من التدين ينظران إلى نفسيهما كمريدين وهم بالمحصلة فقراء الزاوية حيث الكل يتساوى في منظومة "الحضرة" و"الحالة" أو "الانجذاب". هنا يتم تذويب الشعور بالتمايز الاجتماعي مقابل نيل فضائل وكرامات الشيخ وبركته، مع تحصيل نوع من التطهر. لكن مقابل ذلك يتجاذب المريدون من خلال التقرب من الزاوية منافع تستثمر في الرأسمال الاجتماعي من خلال نسج شبكة معقدة من الروابط والتحالفات التي يكون لها مفاعيل مباشرة ومادية على الوضع الاجتماعي للمريدين أفرادا وجماعات. ولذلك فإنه من الناحية السوسيولوجية لا يمكننا هنا أن نخلط بين التصوف كمبدأ وطريقة في التدين النظري أو العملي وبين التصوف السوسيولوجي أي كممارسة أو سلوك ديني وتقليد يومي وفق رهانات وإكراهات الزاوية كمؤسسة تنتمي للمجتمع وتخضع لتجاذباته، فالزاوية من هذا المنظور السوسيولوجي اتجاه تأويلي للشعائر الدينية تنشأ في بنيتها ومن حولها وضدها رهانات متناقضة ومفارقة. معنى ذلك أن للزاوية إستراتيجيتها كما للسلطة إستراتيجيتها وللمجتمع إستراتيجيته.

لكن هناك اختراقات واضحة للتصوف داخل المجتمع المغربي..

التصوف يخترق بنية المجتمع المغربي اختراقا أفقيا وعموديا يمكن التصوف من مريدين ينحدرون من مختلف القطاعات والفئات والشرائح الاجتماعية والمؤسسات. فبرغم ما يقال حول الدعم السري والعلني الذي يحظى به التصوف ومؤسساته غير أن هذا النمط يعد التدين الأكثر اختراقا للمؤسسات الحساسة في المجتمع بما في ذلك مؤسسات الجيش والأمن ومحيط البلاط وشخصيات نافذة في السلطة. كما يعد التصوف من خلال الزوايا التي تمثله الطيف الديني الذي يتميز بقدرته على احتضان الشرائح الاجتماعية المتنوعة الأصول، فالزاوية حاضنة لكل الفوارق الاجتماعية المادية والرمزية إذ ينضوي تحت لوائها الفقير كما الغني الأمي كما المتعلم، بل إن من بين مظاهر القوة الجديدة التي بدأت الزوايا تحوزها استقطابها لنخب ذات مرجعيات ثقافية وأكاديمية يصنف البعض منها عادة بكونها حداثية أو لادينية. فقد أصبح من الواضح أن للتصوف في المعرب نخبا مثقفة لها قدرة حداثية على تسويق التصوف كظاهرة دينية منفتحة ذات بعد كوني على مستوى الخطاب والقيم. وتستفيد تلك النخب ذات النزعة الصوفية من التقنيات الحديثة لترويج التصوف عبر شبكات الإنترنت التي يمكن تصفحها بمختلف اللغات ( العربية والانجليزية والفرنسية والتركية الخ.) وعبر إقامة الندوات الدولية واستعمال اللغات الأجنبية والإشراف على مهرجانات عالمية للإبداع الصوفي أو ما يسمى الموسيقى الروحية والسماع أو ما شابه، كما يتوج التصوف المعاصر حضوره النخبوي من خلال الإصدارات التي تؤرخ وتُعرٌِف بتاريخ ورموز وصلحاء التصوف وفوائده المعنوية من خلال التركيز على خطاب يدافع عن التصوف ليس فقط كنزعة روحية وإنما كتدين حقيقي وكبديل أو كمشروع ديني ومجتمعي يقترح حلولا للأزمة التي تولدت عن عنف مادية الحياة المعاصرة وكبديل لأطروحات الحركات الدينية المنافسة. في المحصلة يقترح التصوف المعاصر أطروحته بوصفه دينا انسيابيا ومرنا ومنفتحا ليس فقط على الإسلام بل على سائر الأديان. وبهذا المعنى لم يعد التصوف تدينا تلقائيا أو عشوائيا. إنه من هذه الزاوية مشروع ديني كوني يخترق أنماط تدين مشابهة أو منافسة ويخاطب مريديه المفترضين ويستقطب رموز من مجتمعات مغايرة مستثمرا من قاموس التسامح الديني ومن الأصل المشترك للأديان السماوية ومن الفطرة الإنسانية السلمية بالقدر نفسه الذي يستفيد فيه من الأزمة الروحية الحضارية العميقة لدى المجتمعات.

يحظى التصوف بدعم ورعاية رسمية من الدولة..كيف يمكن تفسير هذا المعطى؟

لا تمثل هذه المعطيات إلا وجها من أوجه المفارقات في التصوف الذي تنتجه الزاوية، إذ يمتلك بموازاة ذلك طاقة متجددة للتغلب المؤقت على التناقضات القائمة بين أنماط التدين المنافسة واحتواء البعض منها، فباستثناء الموقف السلبي الذي تعبر عنه بعض الاتجاهات الإسلامية نكاد نلحظ استجابة مرنة من قبل المتدينين للتعايش مع مقتضيات الطقس الصوفي والذوبان الاستثنائي في مشروع روحي يدعي تنزهه عن السعي وراء المكاسب السياسية التي قد تنتج عن تحول الزوايا والطرق إلى مراكز قوة ونفوذ. فبفضل هذا الادعاء يتحقق للنزعة الصوفية امتداد وانتشار يمكن رصدهما من خلال الأنشطة العادية أو الموسمية حيث يسجل باستمرار تزايد منسوب المريدين الجدد الملتحقين وتنوع أصولهم الاجتماعية. ومن المتوقع أن يشهد العقد المقبل تناميا كبيرا للظاهرة سواء من حيث الكم أو من حيث الأهمية الوظيفية التي يُطلب من التصوف القيام بها بالنظر لعاملين أساسيين؛ أولهما استمرار إشكالية الشرعية الدينية للسلطة السياسية وثانيهما تحديات التدين الحركي بشقيه الشيعي والسني وما يعتقد أنه يمثل من ضغوط أو مخاطر محتملة وفق النظرة الاستراتيجية الأمنية للقوى الدولية خصوصا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ، وبهذا المعنى يدخل التصوف ضمن إستراتيجية سياسية لها خلفيات أمنية وجيوسياسية.

وما هي، دكتور الغيلاني، مكانة التصوف في المنظومة السياسية للبلاد؟

من المؤكد أن الاتجاه الاجتماعي نحو التصوف سيدعمه التآكل الذاتي لمنظومة التحديث وقهرية الحداثة بالقدر نفسه سينتفع مؤقتا من التصدع العميق في بنية العمل السياسي عامة والحركات الدينية المعاصرة خاصة. وستبدو مساهمة الزوايا والتدين المرتبط بها فعالة ومؤكدة في استدماج شريحة كبيرة من المجتمع في "منظومة النظام السياسي".

ولعله ليس خافيا إصرار الدولة في المغرب على عقيدة دينية شبه تيوقراطية يعد ما يسمى التصوف السني مبنى من مبانيها الجوهرية بالإضافة طبعا للمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية. وعندما تعمد الدولة القائمة على مبدأ "إمارة المؤمنين" إلى قيادة نزعة التصوف في المجتمع من خلال مؤسسة الزاوية فهي ترغب أن يتم ذلك ضمن فلسفة تلك "منظومة النظام السياسي" أي ضمن القيم والمبادئ التي يقوم عليها ما أصبح يعبر عنه بـ "الإسلام المغربي" والذي ليس في نهاية المطاف سوى أطروحة دينية عبارة عن خليط غير متجانس من الأفكار والمعتقدات.

بطبيعة الحال، مريدو التصوف لا يهتمون بهذه الفلسفة ولا تعنيهم خلفيات "منظومة النظام السياسي".. إنهم يتصرفون وفق ميولاتهم التلقائية وحاجاتهم الناتجة عن الفراغ الروحي وعنف الاختيارات السياسية والواقع المعيش، وينتفعون من الأجواء الروحية التي تتيحها لهم الزاوية قدر الإمكان.

هل يمكن اعتبار تشجيع التصوف بالمغرب وسيلة لضرب ما يسمى بحركات الإسلام السياسي؟

من المحتمل أن توظف الزوايا في مشروع مواجهة حركات التدين المعاصر ذات التوجه الاحتجاجي أو السياسي لكن الزاوية من حيث بنيتها وإمكاناتها غير مؤهلة للقيام بذلك، فلكل من الطرفين طرق خاصة به في التعاطي مع المجتمع كما أن المجتمع يبلور باستمرار قواعد التعامل مع المؤسسات فيتم التواضع ضمنيا على تلك القواعد وتترسخ شيئا فشيئا لتصبح معترفا بها من قبل الفاعلين أو المتنافسين. ويمكن القول أن ذلك التوظيف محكوم بمحدودية فعاليته لأن كل من الزاوية وحركات التدين المعاصر لا تستثمر في المشترك بل كل منهما له اختياراته ومخاطبيه أو مريديه الذين يتم استهدافهم بعيدا عن التقاطع على هذا المستوى. مع أن الدين هو العنوان الكبير والمشترك بين هذه الأطراف إلا أن الرهانات تكاد تكون غير ذات صلة، فلكل مشروعه وبرنامجه وإستراتيجيته.

ليست هناك تعليقات:

شارك

Share |